رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة في تونس: ندعو بن علي للشهادة على عصره والصلح وارد

رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة في تونس: ندعو بن علي للشهادة على عصره والصلح وارد

[caption id="attachment_55254209" align="aligncenter" width="974"]سهام بن سدرين سهام بن سدرين[/caption]
تونس: بوبكر بن عمر


سهام بن سدرين: سنكشف حقائق الماضي ونردّ الاعتبار للمظلومين وستعتذر الدولة لكل من أذنبت في حقه



قالت الحقوقية التونسية سهام بن سدرين رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة في تونس بأن أكثر من 65 ألف ملف لطلب كشف الحقيقة ورد الاعتبار وجبر الضرر قد وصلت إلى مكاتب الهيئة ويتظلّم أصحابها من الخروقات التي طالت مختلف الحقوق والحريات الفردية والجماعية إبان عهد الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي. وقالت بن سدرين في حوار خاص لـ«المجلة» بأن غاية هيئة الحقيقة والكرامة وبرنامج العدالة الانتقالية هو كشف الحقيقة ومعرفة المسؤولين عن الفساد الذي عرفته تونس خلال أكثر من 50 سنة، وأن ما يهمها هو المنظومة وطرق عملها لا الأفراد، وقالت: إن الهيئة ستستمع إلى الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي كشاهد فقط على بعض الانتهاكات أو الفساد الإداري والمالي التي حصلت أثناء حكمه.
وقالت بن سدرين بأن الهيئة تعتمد في بحثها عن الحقيقة على أرشيف ضخم تم تجميعه من القصر الرئاسي ومقر الحزب الحاكم سابقا وعدد من الوزارات الضالعة في الانتهاكات وأن وزارة الداخلية تمتنع عن التعاون مع الهيئة خوفا من مساءلة موظفيها وذلك في إطار سوء فهم لدور الهيئة.
وأكدت سهام بن سدرين رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة أن المجتمع التونسي بمختلف مكوناته الفكرية والسياسية متفق على أهمية وضرورة تنفيذ برنامج العدالة الانتقالية في تونس للوصول إلى كشف حقائق الماضي والاعتذار للمظلومين وفتح صفحة جديدة، وإعطاء فرصة للمقصرين في العهد السابق للاعتذار والاندماج في المجتمع، وقالت: إن كثيرين شككوا في دور الهيئة وجدوى العدالة الانتقالية لكنهم اقتنعوا بعد ذلك وقدموا ملفاتهم طلبا للإنصاف ورد الاعتبار والمصالحة وأن من هؤلاء سياسيين ورجال أعمال وحقوقيين ومواطنين عاديين.
وفيما يلي النص الكامل لهذا الحوار:

[caption id="attachment_55254210" align="alignright" width="225"]الرئيس التونسي الاسبق بن علي الرئيس التونسي الاسبق بن علي[/caption]


* بعد عامين تقريبا من بداية عملها، ماذا حققت هيئة الحقيقة والكرامة من نتائج فيما يتعلق برد الاعتبار لضحايا الاستبداد؟

- هذه الهيئة هي مؤسسة دستورية وتمثل سلطة عمومية أحدثت وفق الدستور الجديد ودورها السهر على تنفيذ ورعاية مسار العدالة الانتقالية وتم تنصيبها في 9 يونيو (حزيران) 2014. والقانون ينص على أن الهيئة تأخذ 6 أشهر لتحضير الأرضية المناسبة لعملها من خلال إعداد النصوص القانونية المنظمة للعمل والمقر والفروع في الجهات.
بدأنا العمل في 15 ديسمبر (كانون الأول) 2014 وخلال هذه الفترة قمنا بفتح باب قبول الملفات التي تعرض أصحابها إلى انتهاكات وخروقات في مجال حقوق الإنسان خلال الفترة من يوليو (تموز) 1955 إلى ديسمبر 2013.
وعند انتهاء أجل قبول الملفات يوم 15 يونيو 2016 بلغ عدد الملفات المقبولة أكثر من 65 ألف شكوى، وقد لاحظنا إقبالا كبيرا في اليومين الأخيرين مما اضطرنا إلى فتح مكاتب تسجيل يدوي لتسريع نسق قبول الملفات وتمكين الجميع من فرصة إيداع ملفاتهم قبل نهاية الأجل المحدد.

* كثيرون كانوا متحفظين على الهيئة وكانوا يشككون في دورها ولكن الآن تغيرت النظرة والكل صار مؤمنا بضرورة العدالة الانتقالية وبأهمية الهيئة، كيف حصل هذا التغيير؟

- خلال الفترة التحضيرية والسابقة لبداية عمل الهيئة كانت لنا لقاءات مع المسؤولين عن كثير من التجارب الدولية للعدالة الانتقالية في العالم وعددها 43 لجنة، وفهمنا أن كل التجارب تعرضت إلى صد وتحفظ ورفض في البداية خوفا من المساءلة. وللوصول إلى نتائج كان لا بد من بعض الوقت وقد توصلنا في العامين الأخيرين إلى إقناع هذه الأطراف المتحفظة بأن مسار العدالة الانتقالية لا بد منه لإنجاح المسار الديمقراطي وقد تقدمت كل الحساسيات الفكرية والسياسية إلى الهيئة بملفاتها ولاحظنا إجماعا على أهمية دور الهيئة ومسار العدالة والكل يريد كشف الحقيقة وحفظ الذاكرة كسبيلين للوصول إلى مجتمع متصالح مع نفسه وقادر على طي صفحة الماضي.

* بعد قبول ملفات الضحايا كيف تتم معالجتها والتعامل معها، سواء ملفات الأفراد أو الأحزاب والمنظمات أو الجهات؟

- لما يصلنا ملف يتم إدخاله في الإبان في قاعدة البيانات وهناك ستّ لجان تشتغل في نفس الوقت على نفس الملف، وقد شرعت هذه اللجان في عملها منذ بداية قبول الملفات، وهذه اللجان هي:
- لجنة البحث والتقصي.
- لجنة حفظ الذاكرة.
- لجنة التحكيم والمصالحة.
- لجنة إصلاح المؤسسات.
- لجنة جبر الضرر ورد الاعتبار.
- لجنة المرأة.
وتتمثل أول عملية في فرز الملف والتثبت من صفة الضحية ومن أن الملف تشمله عهدة الهيئة ويدخل ضمن صلاحياتها فالملفات التي ننظر فيها هي الملفات التي تكون الدولة طرفا في الانتهاك أي أن المسؤول عن الانتهاك هو الدولة في شخص موظفيها أو من قاموا بالانتهاك تحت حمايتها أو مجموعات كانت تحت حماية الدولة.
وسيتم رد الاعتبار لهذه الجهات بكشف الحقيقة وسيتم الاعتذار لها رسميا باسم الدولة، وسنسعى إلى تمييز هذه الجهات إيجابيا وإعطائها الأولوية في التنمية مع ربط تنمية هذه الجهات بالعناية بالأفراد من خلال تمكينهم من مشاريع ليستقروا في جهاتهم ويساعدوا على تنميتها.

* ماذا عن الذين عرضوا ملفات تحكيم ومصالحة، وكيف ستتم المصالحة معهم وهل بالإمكان ذكر أسماء بعض الشخصيات السياسية المعروفة؟

- التحكيم والمصالحة هي آلية أقرها المشرع لتحفيز الأفراد الذين ارتكبوا أخطاء وخرقوا القانون أو استفادوا من خرق القانون وتمكينهم من فرصة لتدارك أخطائهم بإرجاع الأموال وطلب الاعتذار من المجتمع مقابل إيقاف التتبع القضائي ضدهم. بعض هؤلاء تقدموا تلقائيا بملفات لطلب الصلح وعبروا عن رغبتهم في إرجاع الأموال وستمكنهم آلية العدالة الانتقالية والقانون من ذلك، وهذه من ميزات القانون التونسي للعدالة الانتقالية عكس تجارب دولية أخرى إذ يوفر إمكانية الصلح الفعلي بعد إرجاع الأموال. وبعد إتمام كل الإجراءات واعتذار المعني بالأمر وتتم استشارة المكلف العام بنزاعات الدولة باعتباره ممثلا للدولة التي هي الطرف الضحية حول إمكانية قبول الصلح، وإذا قبل الطرفان الصلح تبدأ المفاوضات حول قيمة المبلغ المالي الذي سيدفعه طالب الصلح للدولة.


* هل للهيئة ما يكفي من الإمكانيات من حيث الكفاءات والخبرات لفتح كل الملفات ومعالجتها قبل انتهاء الفترة المتبقية من عمر الهيئة؟


- لما انطلقت الهيئة في عملها كانت تشتغل بـ29 موظفا ولكن اليوم هناك 380 موظفا ونستعد لانتدابات إضافية لنتمكن من معالجة 65 ألف ملف في ظرف سنة وهو تحدٍ كبير. أيضا بدأنا بمبنى وحيد ولكن الآن لنا ثلاثة مبان ضخمة لنشتغل في ظروف مريحة.


* ألا تخشون صعوبات إثبات الانتهاكات بسبب إتلاف الأرشيف وعدم تعاون الوزارات المعنية وخاصة وزارة الداخلية المسؤولة عن بعض الانتهاكات؟


- المعروف أن البحث عن الأدلة في العدالة الانتقالية يختلف عنه في القضاء، فهذا الأخير يبحث عن المجرم، وهل ارتكب الجريمة أم لم يرتكبها، لذلك لا بد أن تكون الأدلة قاطعة، بينما في العدالة الانتقالية فإننا نبحث عن الحقيقة وخروقات بعض المسؤولين السابقين، وتهمنا المنظومة لا الأفراد، لأن هؤلاء مأمورون، وقد استفدنا من خبراء في المحكمة الجنائية الدولية في مجال البحث عن الحقيقة وهي محكمة تشتغل بالطريقة التي نحتاجها ونعمل بها، حيث نعتمد طريقة خاصة في البحث.
وفي الحقيقة فإن كثيرا من الوزارات يتعاون معنا بشكل جيد وتمدنا بأرشيفها وبما نطلبه من معطيات، ولكن وزارة الداخلية هي الجهة الوحيدة التي لا تتعاون معنا ونحن نأمل أن تتغير نظرتها وتمد لنا يد المساعدة حيث بدأنا في التفاوض معها منذ فترة.

* هل ستستمعون إلى الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي كشاهد باعتباره رئيس النظام؟

- قبل ذلك لا بد من كشف الحقائق بالاستماع إلى الضحايا والمسؤولين المباشرين عن التجاوزات، وفي برنامجنا الاستماع إلى الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي كشاهد، أما أقاربه فليسوا مسؤولين ولكن بعضهم انتفع بحكم القرابة منه وهم بصدد طلب الصلح. وإذا شهد الرئيس الأسبق بأنه ليس المسؤول عن إرساء المنظومة وطريقة عملها فإن المجتمع التونسي قد يصل إلى الصلح معه، بعد أن يعرف الحقيقة. نحن نريد بناء تونس جديدة فيها قانون فوق الجميع ومواطن محفوظ الكرامة والحقوق والحريات.


* وماذا عن الاغتيالات السياسية التي حدثت بعد بن علي، هل سيكون لكم دور في المساعدة على كشف الحقيقة التي يريدها المجتمع، وخاصة اغتيال شكري بلعيد ومحمد البراهمي؟


- لقد قامت عائلات الشهداء وبعض الأطراف الحقوقية والحزبية بإيداع ملفات تخص هذه الاغتيالات لأنه من دور الهيئة كشف الحقيقة وكل ما سنتوصل إليه من نتائج سنكشف عنه.

* كيف سيتم التعويض المادي للضحايا ومن أين للهيئة بالمال والحال أن المبالغ ضخمة والبلاد تعاني من صعوبات مالية خانقة؟

- التعويض هو جزء بسيط من جبر الضرر وهناك حالات عانت كثيرا ولن يعوض لها المال (مهما كان المبلغ) ما عانوه، ونحن في الهيئة هدفنا هو إعادة الاعتبار للضحايا، بإرجاع الكرامة لهم وهذا يمر عبر تمكينهم من الشغل (هم وأبناؤهم) ولما نمكنهم من مشاريع فإننا نضمن لهم الشغل والعيش الكريم.
أما صندوق الكرامة الذي سيقوم بجبر الضرر المادي، فإنه ليس تحت إشراف هيئة الحقيقة والكرامة وحدها بل وأيضا عدد من الوزارات، وسيتم تمويله جزئيا من الدولة وسيكون مفتوحا لمصادر تمويل كثيرة منها الأموال المهربة إلى الخارج من بعض المسؤولين.
font change