قيادات الحرس الثوري تراهن بسمعتها لاستعادة خان طومان والانتقام من «التكفيريين»

قيادات الحرس الثوري تراهن بسمعتها لاستعادة خان طومان والانتقام من «التكفيريين»

[caption id="attachment_55254051" align="aligncenter" width="940"]بشار الأسد ووزير خارجية إيران جواد ظريف بشار الأسد ووزير خارجية إيران جواد ظريف[/caption]

واشنطن: أمير توماج

في 6 مايو (أيار)، خسرت قوات الحرس الثوري الإيرانية مدينة «خان طوماج» السورية التي تقع استراتيجيا على مقربة من طريق حلب - دمشق جنوب غربي حلب في معركة أمام «جيش الفتح»؛ وهو تحالف من الجماعات المتمردة. وبعدها نشرت جبهة النصرة، وهي الفرع السوري لتنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات المتشددة مقطع فيديو للهجوم وتداعياته على وسائل التواصل الاجتماعي تضمن صورا للأسرى والجثث. وحظي ذلك الهجوم باهتمام واسع النطاق في إيران؛ حيث وصف بعض المراقبين ذلك الحدث بأنه أسوأ خسارة يتعرض لها الحرس الثوري في الحرب السورية.
ووفقا لتقرير غير مؤكد نشره الموقع الإيراني «جام نيوز»، قتل 80 مقاتلا من الموالين للحكومة بما في ذلك أعضاء في «لواء الفاطميين» الأفغاني، وما يسمى «حزب الله» اللبناني، والحرس الثوري. ويظهر مقطع فيديو بثته شبكات التواصل الاجتماعي عددا كبيرا من الأفغان والإيرانيين وربما بعض مقاتلي حزب الله بين القتلى. كما أعلنت أيضا «حركة النجباء»، وهي الحركة الشيعية العراقية التي تدعمها إيران عن مقتل 11 عضوا من أعضائها في الهجوم. كما انتشرت رسالة كان يتم تبادلها بين الأفغان المحاصرين في خان طومان نظرا إلى نهايتها المنذرة: «إن شاء الله سنكون من الشهداء وليس من الأسرى».


قيادات فيلق القدس




ومنذ ذلك الحين اعترفت قوات الحرس الثوري بجرح 21 شخصا ومقتل 17 «مستشارا» عسكريا بما في ذلك مقتل اثنين من كبار الضباط: العميد جواد دوبرين وهو قائد متقاعد كان قد ذهب إلى سوريا خلال الشهر الماضي والعميد شافي شافي، وهو أحد قيادات فيلق القدس وهي الذراع العسكرية الخارجية للحرس الثوري. وكان هناك ثلاثين من القوات البرية من «جيش 25 كربلاء» المتمركز في محافظة «مازندران» في شمالي إيران. وبعدما عانت ويلات الهجوم، عادت تلك الوحدة إلى إيران. كما كان أحد الجنود من وحدة «حضرة سيد الشهداء» والآخر من كرج بمحافظة البرز.
ووفقا لما قاله البرلماني والقيادي السابق بقوات الحرس الثوري، محمد إسماعيل كوثري، فإن خمسة أو ستة إيرانيين تم اعتقالهم في خان طومان. ووفقا لصحافي في صحيفة «فارس الإخبارية» التابعة لقوات الحرس الثوري، أعدم «جيش الفتح» ثلاثة سجناء إيرانيين، واصطحب خمسة آخرين إلى موقع غير معلوم في العاشر من مايو (أيار)؛ مما رفع الرقم إلى ثمانية سجناء.
وعلى الرغم من أن مقاطع الفيديو والصور التي تم التقاطها لاثنين من الأسرى تزعم أنهما إيرانيان أو من مقاتلي ما يسمى «حزب الله»، نفى ما يسمى «حزب الله» أن أيا من أعضائه تم أسره في الهجوم، كما أن الأسيرين يبدوان من سوريا (زعمت جماعة «جند الأقصى» إعدام أحدهما)، وتظهر مقاطع فيديو أخرى للسجناء اثنين من «لواء الفاطميين» الأفغاني.
وعلى الرغم من أن قائد فيلق القدس قاسم السليماني لم يتمكن من حضور جلسة مقررة حول الانتخابات البرلمانية الإيرانية في 8 مايو (أيار)؛ حيث كانت المصادر تشير إلى «سفره»، فإنه كان في إيران في 11 مايو (أيار) لحضور جنازة قائده السابق؛ حيث كان اللواء، محمد ناظري، قائد وحدة «أبا عبد الله» التابعة للحرس الثوري هو مدرب سليماني في 1979 (كما كان حاضرا أيضا أثناء اعتقال البحارة البريطانيين والأميركيين في 2007 و2016). في البداية أعلن الحرس الثوري أن ناظري استشهد خلال مهمة في الخليج العربي، ثم أشارت سيرته الذاتية والتصريحات اللاحقة إلى أنه مات إثر مضاعفات إصابته بالأسلحة الكيمائية أثناء الحرب الإيرانية العراقية.


[blockquote]حاول القادة الإيرانيون أن يقللوا من قيمة الخسارة في خان طومان..ومستشار المرشد الأعلى يؤكد أن التحالف الموالي لنظام بشار «أقوى» من أي وقت ماضي[/blockquote]


ومع ذلك، حاول المسؤولون والقادة الإيرانيون أن يقللوا من قيمة الخسارة في خان طومان؛ حيث أكد علي أكبر ولاياتي، أكبر مستشاري السياسة الخارجية للمرشد الأعلى، أن التحالف الموالي للنظام في سوريا «أقوى» من أي وقت ماضي.
والتقى ولاياتي برئيس النظام السوري بشار الأسد في دمشق في 7 مايو (أيار) لطمأنته بالتزام الجمهورية الإسلامية تجاه حكومته. ثم كرر ولاياتي في حواراته مع وسائل الإعلام أن بقاء الأسد في السلطة يمثل «خطا أحمر» بالنسبة إلى طهران. وأصدرت وحدة كربلاء التابعة للحرس الثوري تصريحا رسميا في 7 مايو (أيار) تمجد فيه «الشهداء»، وتحث الناس على التزام الهدوء وتجاهل «الحرب النفسية التي يقوم بها التكفيريون على وسائل التواصل الاجتماعي». ثم كرر قائد الوحدة والمتحدث الرسمي باسمها تلك الرؤية في حوارات صحافية لاحقة. ومن جهته، قال نائب القائد، العميد حسين سلامي في 10 مايو (أيار) أن سقوط خان طومان لا يمثل نكسة استراتيجية وأن «محور المقاومة» يهيمن على الحرب.
كما أشار كبار المسؤولين الإيرانيين إلى أن القوات سوف تنتقم لهجوم «جيش الفتح». وأخبر علي شامخاني، رئيس جهاز الأمن القومي الإيراني مصدرا إعلاميا في 9 مايو (أيار) أن «إيران وحلفائها - في إشارة إلى روسيا وسوريا وما يسمى (حزب الله) - يعتبرون الهجوم (انتهاكا كبيرا) لوقف إطلاق النيران لا يمكن تجاهله». كما حذر محسن رضائي، القيادي السابق بقوات الحرس الثوري وعضو «مجلس تشخيص مصلحة النظام»، من «انتقام قاس» في تدوينة على «انستغرام» في اليوم نفسه. وبالمثل، تعهد سلامي في 10 مايو (أيار) باستعادة المناطق التي خسروها مؤخرا. كما أعلن المتحدث باسم «جيش 25 كربلاء» في اليوم نفسه أن جثث 12 إيرانيا قتلوا في خان طومان سيتم استعادتها بعد «تحرير تلك المناطق».
كما كانت وسائل الإعلام التابعة للدولة ولقوات الحرس الثوري تزعم وجود استعدادات مكثفة لشن هجوم واسع النطاق بمشاركة الجيش السوري، وما يسمى «حزب الله»، والميليشيات العراقية، والقوات الإيرانية لاستعادة خان طومان. فعلى سبيل المثال، أفادت وسائل الإعلام الإيرانية في أعقاب الهجوم مباشرة أن «حركة النجباء» قذفت صواريخ «IRAM» على مواقع «فتح»، وأنها تمكنت من تدمير مدرعتين ومدفع 23 ملليمتر مثبت على شاحنة فنية؛ مما أسفر عن مقتل عدد من المقاتلين. كما تزعم وسائل الإعلام الإيرانية أن الجماعة تمكنت من أسر طائرة من دون طيار تابعة لجبهة النصرة. وأفادت صحيفة «تنسيم» التابعة لقوات الحرس الثوري في 16 مايو (أيار) أن الجيش السوري و«قوات المقاومة» قتلوا عشرات من مقاتلي فتح في عمليات جنوب حلب بما في ذلك «الزربة» و«خان طومان». كما أفادت وسائل الإعلام الإيرانية في أواخر مايو (أيار) أن قوات «الجيش السوري» شنت «عملية موسعة» لاستعادة المدينة، وأعلنت قوات الحرس الثوري عن وجود مصابين في تلك المعارك بينهم رجل دين.



استعادة خان طومان




وتستهدف تلك التقارير التي تبثها وسائل الإعلام الإيرانية إبراز الدور المركزي للجيش السوري بمساعدة المستشارين الإيرانيين؛ حيث تنشر بعضها أرقاما كبيرة لا يمكن التحقق من صحتها؛ إذ يتحدثون عن سقوط المئات في صفوف المعارضة. فقد صدرت صحيفة «كيهان» التي تعد الصوت غير الرسمي للمرشد الأعلى، وهي تحمل عنوان «المقاومة تنتقم: مقتل 500 إرهابي في خان طومان» في 11 مايو (أيار)، كما أكد مقال في الصحيفة ذاتها أنه «لا يوجد جيش آخر لديه قدرات الجمهورية الإسلامية» في «مواجهة الإرهاب التكفيري». وتراهن قيادات الحرس الثوري بسمعتها على استعادة خان طومان، فقد وعد وزير الدفاع العميد حسين دهقان في حوارات مسجلة في مناسبات مختلفة بأن «المقاومة الإسلامية» سوف تستعيد المدينة. كما أخبر أيضا العميد مسعود جزائري، مساعد هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، الصحافيين في عدة مناسبات بأن القوات سوف «تنتقم» لخان طومان، وتحدث قادة آخرون عن الشيء نفسه.
كما كان المسؤولون الإيرانيون ووسائل الإعلام التابعة للحرس الثوري دائما ما يتحدثون حول أن القوات التي تدعمها الولايات المتحدة وتركيا انتهكت وقف إطلاق النيران وشنت الهجوم على الرغم من أنهم لم يذكروا أن جبهة النصرة مستثناة من الهدنة. وقال شامخاني للناخبين البرلمانيين في 8 مايو (أيار) إن «الأميركيين وحلفاءهم الإقليميين والإرهابيين» بما في ذلك جبهة النصرة استغلوا «حسن النوايا» في وقف إطلاق النيران.
كما أدان رضائي «الإرهابيين» الذين «استغلوا وقف إطلاق النيران»، واتهم تركيا والمملكة العربية السعودية بدعم تلك الجماعات. وفي خطاب تعزية، شجب رئيس السلطة القضائية الإيرانية، آية الله صادق آملي لاريجاني: «الخداع الشيطاني للتكفيريين وهجومهم الخائن»، وأكد أن الهجوم سوف يعزز «الإرادة الحديدية» للمدافعين عن «إسلام محمد النقي» لكي يصدوا «جيوش الشرك والوثنية والشيطان».
وفي 8 مايو (أيار) أبرزت وكالة أنباء «تسنيم» التابعة للحرس الثوري النمطين نفسهما المتعلقين بخرق الهدنة والدعم الأجنبي. كما زعم المقال الافتتاحي بصحيفة «فارس» الذي نشر في اليوم التالي «أنه لا أمل في وجود حل سياسي بسوريا». كما نشرت صحيفة «كيهان» مقالا مطولا في اليوم التالي يتساءل عن حدود وقف إطلاق النار، زاعما أن الهجوم على «العيص» خلال الشهر الماضي و«خان طومان» في بداية الشهر الحالي يعدان دليلا على أن «أن الجماعات الإرهابية والحكومات التي تدعمها لم تكن أبدا ملتزمة بوقف إطلاق النيران».
ومن جهة أخرى، لم ينتقد المسؤولون الإيرانيون الموقف الروسي إثر هذا الهجوم، فيما أبدت وسائل الإعلام اعتراضها على ما يرونه سلبية روسيا. فمن جهته، أخبر نائب وزير الخارجية، حسين أمير عبد اللهيان، وسائل الإعلام الإيرانية خلال زيارته لموسكو في بداية الشهر الحالي أنه ناقش «أسباب انتهاك وقف إطلاق النيران» بما في ذلك استغلال «الإرهابيين والقوات المسلحة التي يطلق عليها خطأ المعتدلين». كما انتقدت صحيفة «غانون» الإصلاحية عدم اتخاذ روسيا رد فعل وصدرت بعنوان: «حلب أصبحت كربلاء» (المعركة التي دارت رحاها في عام 680 ميلادية وأسفرت عن الانشقاق السني الشيعي) في اليوم الذي تلا هجوم «النصرة». كما هاجمت صحيفة «تابناك» التي يمتلكها رضائي «السلبية» الروسية وإخفاقها في تقديم غطاء جوي ضد هجوم «جيش الفتح»، فيما كانت القوات الروسية تستمتع بسماع أوركسترا في أطلال بالميرا. وأشارت صحيفة «كيهان» إلى أن روسيا كانت ساذجة لاعتقادها أن المفاوضين على وشك أن يتقبلوا استمرار حكم الأسد، وأن وقف إطلاق النيران، بالتالي، سوف يساعد الأسد على الاستحواذ على السلطة. وأفادت الصحيفة أن طهران كانت دائما ما تتشكك في ترتيبات الهدنة. كما تشير التقارير أيضا إلى أن القوات الإيرانية الخاصة كانت غاضبة من عدم توفير روسيا لغطاء جوي في مشاركة مكثفة ضد النصرة في أبريل (نيسان). ولكن وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية أكدت أن القوات الجوية الروسية كانت تدعم القوات البرية في هجومها الأخير لاستعادة خان طومان.



الميليشيات الشيعية




وعلى الرغم من أن إيران والميليشيات التابعة لها كانت تعاني تزايد الإصابات؛ حيث تشير التقديرات الرسمية إلى 400 إلى 700 مصاب، تستطيع قوات الحرس الثوري أن تستمر في المشاركة لمدة طويلة. ووفقا لما صرح به قيادي سابق بالحرس الثوري كان موجودا في خان طومان كمستشار قبل أسبوعين، قتل نحو 1200 مقاتل إيراني في سوريا منذ عام 2012، وهو رقم أعلى من الأرقام الرسمية. وربما يعكس الرقم وجود وفيات غير مسجلة أو خسائر لـ«فيلق القدس» الذي لا يعلن عن خسائره. كما زعم القائد أن كثيرا من الأفراد سجلوا أسماءهم كـ«متطوعين»، ولكنهم لم يحصلوا على التصريح بالانتشار حتى الآن. كما أكد تحذيراته السابقة قائلا إن إيران إذا ما خسرت في سوريا، سيكون عليها قتال القوات نفسها في محافظتها الغربية «كردستان».

وعندما تحولت الانتفاضة السورية التي اندلعت في 2011 إلى حرب أهلية شاملة، عززت قوات الحرس الثوري وجودها العسكري لكي تبقي الأسد في السلطة بأي تكلفة كانت. في البداية، نشرت قوات الحرس الثوري الميليشيات الشيعية وركزت جهودها على تدريب وتنظيم نموذج سوري مما يسمى «حزب الله». وعندما تزايدت خسائر الأسد وتراجع جيشه، نشرت قوات الحرس الثوري جنودها البرية بالتزامن مع التدخل العسكري الروسي في سبتمبر (أيلول) 2015، ونشرت الحكومة الإيرانية قوات خاصة من جيشها النظامي، وهي المرة الأولى التي تعمل فيها تلك القوات خارج الحدود الإيرانية منذ نهاية الحرب الإيرانية العراقية. ومن المستبعد للغاية أن تصعد طهران وتتورط في غزو بري شامل، فهي تفضل أن تعتمد على ميليشيات شيعية غير إيرانية، مثل ما يسمى «حزب الله» اللبناني والوحدات العراقية والأفغانية الموالية لها.
مما لاشك فيه أنه لا يوجد ما يمكن أن يغير الحسابات الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية حتى وإن كانت هناك انتقادات محلية قوية؛ فهي ملتزمة تماما بالمشاركة في الحرب السورية وإبقاء بشار الأسد في السلطة. وطالما ظلت سوريا في حالة أزمة أو حرب فإنها ستكون بحاجة إلى الدعم الإيراني.
ومن جهة أخرى، يقول المسؤولون الأميركيون إنهم يحاولون أن ينتقلوا إلى ما بعد وقف إطلاق النيران قصير الأمد ويحققوا هدنة على مستوى البلاد. ولكن الحقيقة هي أن سياستهم في سوريا الآن تركز على «(داعش) أولا، وسوريا لاحقا». وبالتالي، فإنهم سوف يرحبون بقبول النفوذ الإيراني في سوريا وبقاء الأسد في السلطة إذا ما تم تحقيق تلك الأهداف. كما تحد الانتهاكات المستمرة للنظام وحلفائه، وهجوم الحرس الثوري المحتمل في جنوبي حلب من آفاق إطلاق نيران مستمر في سوريا.

font change