أصيل «بتعبورة اللبنانية» صار رئيسًا.. ولكن في البرازيل

أصيل «بتعبورة اللبنانية» صار رئيسًا.. ولكن في البرازيل

IMG_1597

ريشة: علي المندلاوي
قلم: منصف المزغني

(1)


لبنان الأرز، وجبران، والتجاذبات السياسية، وفيروز، هو بلد متأثر بالشاعر حاتم الطائي، ولا تسأل كيف؟ ألم تلاحظ كيف يبخل لبنان على أبنائه بفرص النجاح والتألق داخل لبنان، ويتكرم بأولاده إلى الآخرين.
- وما دخل حاتم الطائي؟
- يقال: إن هذا الشاعر الجاهلي (وقد بات عنوان الكرم عند العرب) لا ينحر ناقته لأولاده حتى لو ماتوا أمامه جوعا، ولكنه لا يتردد لحظة في نحرها وإطعام الغرباء الطارئين من الضيوف والعابرين.
- ويكفي أن نعرف أن لبنان، قد أهدى كثيرا من أبنائه ليتولوا مناصب عليا في القارتين الأميركيتين، وآخر هؤلاء الأبناء الذين تكرم بهم لبنان هو ميشال تامر، رئيسا مؤقتا للبرازيل في سنة 2016.
- رغم أن لبنان يعيش بلا رئيس منذ سنة 2014!

(2)


كان لا بد لميشال تامر هذا الطفل الثامن للوالدين اللبنانيين المهاجرين من قرية «بتعبورة» أن يولد في «ساوباولو» حتى تفوز البرازيل برئيس في نهاية نصف العام 2016.
- ومعنى هذا أنه لو توقف الوالدان عن الإنجاب بعد الطفل السابع، لصارت البرازيل في أزمة دستورية، ولما تمكنت من سد الشغور الرئاسي بعد تنحية الرئيسة ديلما روسيف، قبل انتهاء فترتها في القصر الرئاسي.
- ولما فاز هذا البلد العظيم برئيس مؤقت خلفا للسيدة روسيف التي أنهى مجلس الشيوخ مهامها في الرئاسة.

(3)


وميشال تامر محامٍ وأستاذ جامعي، وله مؤلفات في القانون الدستوري، مارس السياسة وعرف التدرج، والخيبة والانتصارات، إلى أن وصل به الأمر والحظ إلى مهمة نائب الرئيس في البرازيل.
ولم تفوّتْ قرية «بتعبورة» اللبنانية فرصة الاحتفاء بابنها العائد بوجاهة تنور القرية، لقد زارها مرتين: عام 1997، وفي 2011 أحبّه أهالي القرية وكرموه، وحين أرادوا أن يتحدثوا معه، لم يتمكنوا حين كلموه بالعربية التي فهمها إجمالا، ولكن لم يتمكن من الكلام بها، ولم يفهمهم بالفرنسية، ولا بالإنجليزية، إذَنْ كان لا بد من ترجمان إلى لغة البرازيل: البرتغالية. لم يفهم إلا لغة الفرح به بين قومه العرب.

(4)


دخل ميشال تامر (75 عاما) معترك السياسة البرازيلي، وتقلب في مناصب إدارية قرّبته أكثر من عالم السياسة، وكانت سنة 2001 حاسمة؛ لأنها مكنته من رئاسة الحزب الذي انتمى إليه «حزب الحركة الديمقراطية البرازيلي».
هذا الحزب مكنه من محل رفيع، فقد صار يصغي إليه الرئيس اليساري «دا سيلفا» ويستشيره إلى أن صار نائب رئيس للرئيسة ديلما روسيف، طيلة فترة رئاسية أولى.

(5)


ويبدو أنه لم يستطع أن يكون رجل الظل باستمرار، وشافط الهواء العفن كلما تلوّث البيت السياسي، ولم يعد بمقدوره أن يخفي مشكلات باتت ظاهرة للعيان في وضع المعاش الاقتصادي البرازيلي.
- الفضائح المالية في عهد الرئيسة باسم اليسار والفقراء، لم تعد قادرة على أن تحيا في الظل، صارت تتجول في الشارع وتصل إلى جيوب الشعب، وتُزْكم أنوف نواب الشعب.
- ولذلك فضّل رجل الظل أن ينسحب مع حزبه من التحالف الذي ربطه بالرئيسة التي لم تعد تستشيره، وصار مهملا ومركونا وبلا مهمة، وكان الانسحاب إيذانا بنهاية الرئيسة.
قال ميشال الذي لم يتعودوا منه أن يرفع صوته: «لا أستطيع أن أكون نائب رئيس صوريا وبلا فاعلية»، وفضل الذهاب إلى الظل، وصار يرقب الوضع من المطبخ السياسي الذي يعرف خلفيته وكواليسه وكوابيسه.

(6)


بعد أن صار الشعب مقسما وغير موحد، وخرج بالحناجر والطناجر، يطالب بإقالة ديلما روسيف، أخذ ميشال اللبناني الأصل، طنجرة من المطبخ الرئاسي، وقال لديلما: «لا بد من يد تمسك وحدة البلد».
وكان بهذه العبارة قد قرر الانقضاض على السلطة ووضع الرئيسة على الطنجرة.

(7)


لقد كان على ميشال تامر أن ينتظر الفرصة، تأتي ليديه، وكان لا بد للطناجر أن تغلي في الشوارع على صوت الحناجر.

(8)


وعلى الرغم من نداءات النسوة نصيرات ديلما التي غطت بعض الشوارع، فإنه لم يكن هناك مناص، فقد أزفت ساعة الخلاص من السيدة الرئيسة التي تتهم السيد النائب بالخيانة.
وميشال لم يعد يصغي إلى التهم بالخيانة التي توجهها ديلما.
ولعلّه مستمتع، إلى حين، بزوجته الشابة الحسناء مارسيلا (33 سنة) التي كانت تخطف الأضواء من ديلما روسيف (أيام مجدها) في الحفلات الرسمية والندوات الكبرى.
وزوجته مارسيلا مهتمة كباقي نساء الرؤساء في العالم بالجمعيات الخيرية، وفي الوقت نفسه فإن الصحافة الاستقصائية لم تدخر جهدا لفضح حياة الترف والإسراف والبذخ، والسيدة الأولى باتت تحت الضوء في قصر بلانالتو الرئاسي في برازيليا، ومن الأرجح أن تبقى فيه حتى العام 2018.
- ولا بد من أن يكون ميشال واقعا بين امرأتيْن: رئيسة سابقة، وسيدة أولى قد تنشر أخبارها الباذخة في بلاد البرازيل، ويبدو أن الرئيس المؤقت لن يحمّل نفسه أكثر من مهمة إبعاد شبح ديلما روسيف والرمي بها خارج السلطة.
font change