شيانغ ماي: حروب شوارع بأسلحة مائية.. أفيال ترقص ونمور تسبح

شيانغ ماي: حروب شوارع بأسلحة مائية.. أفيال ترقص ونمور تسبح

[caption id="attachment_55253776" align="alignnone" width="1000"]مهرجان الماء مهرجان الماء[/caption]

شيانغ ماي (تايلاند): معتصم الفلو

قد يكون الذهاب إلى مناطق خارج مثلث السياحة التايلاندية: بانكوك وبتايا وفوكيت، أحد الخيارات المفضلة لمن يريد أن يختبر جزءًا آخر من بلاد الحرية، وهذا ما يعنيه اسم «تايلاند». شمال العاصمة بانكوك بنحو 700 كيلومتر، تقع مدينة شيانغ ماي، وارثة حضارة مملكة لانَا قبل نحو 700 عام. إنها مقصد سياحي غني بمفردات الاسترخاء والمغامرة. وإلى شمال شيانغ ماي بنحو 200 كيلومتر، تقع مدينة شيانغ راي، صاحبة التاريخ والمعابد البهية، وأحد أضلاع مثلث الأفيون (المثلث الذهبي) الذي تتقاسمه مع ميانمار (بورما) ولاوس، حيث ترى 3 بلدان في تلك البقعة من جنوب شرقي آسيا.

حروب رأس السنة


عندما تكون درجة الحرارة فوق 40 مئوية، ليس من السهل الحصول على الترفيه والمتعة. ولكن ذلك أمر متاح في تايلاند. فأينما توجهت داخل تايلاند في أواسط أبريل (نيسان) تقريبًا من كل عام، ستشهد حربًا حقيقية، أبطالها هم من التايلانديين أنفسهم والسياح، وأسلحتها مائية من دلاء ورشاشات ومسدسات وقواذف، فيما الكل يصرخ «Happy New Year». وكل ذلك هو تعبير عن الاحتفال برأس السنة التايلاندية الجديدة «سونغكران» التي تحمل الرقم 2559 لهذا العام، التي تصادف 13 أبريل من كل عام.
ففي شيانغ ماي وغيرها، يجري تحديد مجموعة من الشوارع للاحتفال بين 11 - 13 أبريل، وتوضع خزانات مائية أمام المطاعم والفنادق والمشارب حتى يستطيع كل شخص أن يملأ دلوه أو رشاشه بالماء وإطلاقه على المارة مع الاستمتاع بدلاء الماء، وهي تنهال عليك من فوق رأسك أو على ظهرك. وقد تمر سيارة الإطفاء لتطلق الماء على المحتفلين، ولكن ليضاعفوا بهجتهم، وليس لتفريقهم! أما الأمر الأجمل، فهو أن تمطر السماء في ذلك الوقت؛ حتى تستمتع بالماء من كل اتجاه.

تقول السائحة الإنجليزية نانسي إنها تستمتع بجنون الماء في شوارع شيانغ ماي، وصار من عادتها المجيء إلى تايلاند، والدول المجاورة مثل لاوس وميانمار وكمبوديا، لحضور احتفالات رأس السنة المتزامنة تقريبًا، والتي يستخدم فيها الماء وبودرة الأطفال أو الطباشير. لكنها تقول: «إن أفضلها وأكثر تفاعلاً من السكان المحليين هو في تايلاند بشكل عام».
إزالة الحظ السيئ وتطهير النفوس والولادة الجديدة للنفس هي الحكمة من رش الماء. ومثل حال الأعياد لدينا، تقوم ربات المنازل التايلانديات بغسل البيوت بالماء والتنظيف والتجديد، إلى جانب زيارات المعابد والاجتماع مع الأهل والأصدقاء، والأهم من كل ذلك توقير كبار السن عبر رش قليل من الماء في أيديهم، وطلب البركة منهم.
أن ترى مجموعة من البشر يرقصون على الأغنية الكورية الشهيرة «غان غام ستايل»، فهذا أمر طبيعي. لكن أن يكون أبطال الرقص من الفيلة، متنوعة الأعمار والأحجام، فهذا ما يمكنك أن تعاينه بنفسك في حديقة «فيلة الطبيعة» في شيانغ ماي، وهي محمية طبيعية، تبعد نصف ساعة عن مركز المدينة. ورغم أن الفيلة لا تقفز ولا ترسم ولا تلعب الغولف ولا تمشي على قدمين فقط، فإنها تفعل كل ذلك ببراعة في تلك المحمية.

dancing elephants

وبالتأكيد، فإن جولة على ظهر الفيل أمر يستحق التجربة، سيما وأن الفيلة مدربة على صعود المرتفعات والمشي في الأنهار. ولكن لا تنسَ أن تجلب معك حزمة من قصب السكر أو عنقودًا من الموز قبل الصعود إلى ظهر الفيل. فهذا الحيوان لا يتوقف عن تناول الغذاء، فتجده يدلي خرطومه نحوك كل دقيقة؛ لالتقاط ما تيسر من الزاد.
ويقول سائس الفيل شون: «إن ذلك الحيوان يتناول نحو 250 كيلوغرامًا من الغذاء يوميًا، ويحتاج إلى 300 لتر ماء للشرب، وهو شديد الاهتمام بالنظافة، إذا إنه يستحم عدة مرات خلال اليوم!».
رؤية الأسود الضباع والدببة عن بعد 5 أو 6 مترات في محمية طبيعية أخرى تحمل اسم «السفاري الليلي في شيانغ ماي»، أمر مثير للاهتمام، إلا أنها ليست كرحلات السفاري الأفريقية، حيث الاقتراب من الحيوانات الضارية أكثر. أما التفاعل المباشر مع الزرافات والغزلان وإطعامها بعضًا من الفواكه، فهو متعة خالصة. وعندما ترى الخروف البربري أو الجمل، وهو أمر معتاد لدى العرب، وتجد السياح مستغربين، مندهشين من تلك الحيوانات، وتتساءل ما الغريب في الجمل حتى يستغربوا هكذا!
نمر يسبح وفهد يغوص كالأسماك وأسود تصعد الأشجار وضباع تأكل بقايا وجبة أسود، كلها تلي رحلة السفاري الليلي. ويجري العرض من وراء ستار زجاجي. ويتخلل ذلك رؤية حيوانات الراكون، وهي تمشي فوق الحبال، وتوزع القبلات على الحاضرين.

تعلم الطبخ


الجلوس في ريف شيانغ ماي لنصف يوم، والدخول إلى أسرار المطبخ التايلاندي ونكهاته المتعددة بنفسك عبر دورة الطهو، مهارة جديدة، يمكن أن تضيفها إلى سيرتك الذاتية. تبدأ الرحلة في الصباح الباكر بزيارة سوق الخضراوات واللحوم والتعرف على خضراوات جديدة لا وجود لها في الشرق الأدنى، وكذلك أنواع البهارات المستخدمة للطهي، وأنواع اللحوم المعروضة.
يلي ذلك التوجه بالقطار نحو إحدى قرى الريف، حيث يبدأ مشوار الطبخ، باختيار قائمة الطعام الذي تود إعداده من المقبلات والسلطات والوجبات الرئيسية والحساء والحلوى. وفي الغالب يكون عدد «التلاميذ» في مدرسة الطبخ 4 أشخاص، مما يمنحهم فرصة تبادل تذوق الأطباق المختلفة.
توزيع المكونات وتحضيرها واختيار البهارات المناسبة ودرجة الطعم الحار، كلها أمور تسبق الذهاب إلى الموقد، وينبغي تنفيذ أوامر مرشدة الطبخ خطوة بخطوة للوصول إلى ألذ طعم ممكن، تصنعه بيديك.
ولن يفوتك في مدرسة الطبخ الريفية أن تأخذ استراحة تصل إلى ساعتين عند الظهيرة، والاستمتاع بالمشروبات الباردة واللعب مع الكلاب والقطط بين الأشجار، ولم لا تأخذ قيلولة على الأرجوحة الشبكية بين شجرتين؛ حتى تعاود العمل على الأطباق الأخرى.
ويقول السائح البولندي ماريوش: «لست معتادًا على تناول طعام صنعته بيدي، فأنا لا أتدخل بأمور المطبخ. ولكن الأمر مختلف هنا. لقد اكتشفت أن لدي نفسًا جيدًا وقدرة على صنع طعام لذيذ».

المعبد الأبيض وقرية العنق الطويل


في مدينة شيانغ راي، إلى الشمال من شيانغ ماي، تكمن أسطورة بنائية خلابة، يمثلها «المعبد الأبيض»، وكأنه مستوحى من قصص الأطفال الحالمة. بدأ العمل في هذا المعبد عام 1997 في منطقة وات رون خن، على يد مهندس شهير. وعوضًا عن استخدام اللون الذهبي الشائع في المعابد البوذية، استبدله المهندس شارليرم شاي باللون الأبيض؛ ليجسد نقاء البوذية. وأعاد تخيل العمارة التقليدية التايلاندية في العصر الحديث ضمن مفردات رمزية وقصص عن بوذا في محاربة الشياطين، وغيرها من الروايات البوذية.
وفي الطريق بين شيانغ ماي وشيانغ راي، وصولاً إلى الحدود مع ميانمار، ستزور في طريقك قرية بدائية جدًا، تسمى «العنق الطويل». وعندما تدخل إلى القرية ستجد نساءً من مختلف الأعمار، يرتدين حلقات معدنية حول أعناقهن، وينتمين إلى شعب الكارين، وهم مجموعة إثنية، أرواحية الديانة، تؤمن بالتقمص، وتسكن على الحدود بين تايلاند وميانمار، لجأت إلى تايلاند؛ هربًا من القلاقل السياسية في ميانمار. ويبدأ وضع الحلقات على أعناق النساء لتصبح أطول، منذ سن الخامسة وتزداد الحلقات كل 3 سنوات؛ حتى تصل إلى 25 حلقة. وليس بإمكانهن نزعها؛ حتى أثناء النوم والاستحمام، مما يجعل وضعية نومهن مرهقة بعض الشيء.
وتقول الروايات إن سبب تلك العادة يرجع إلى أن نمرًا هاجم إحدى قراهم، وافترس إحدى النساء من عنقها، فقرر أحد زعمائهم أن ترتدي جميع النساء حلقات معدنية للحماية، ثم أصبح الأمر عادة، فتقليدًا إلزاميًا إلى الآن.

الحديث مع نساء القرية أمر متاح، وهم معتادون على السياح، ولن نستغرب إذا وجدت طفلة من أهل «العنق الطويل»، وهي تتحدث إنجليزية ممتازة؛ بحكم الاحتكاك اليومي مع الإنجليز والأميركيين.

مثلث الأفيون


عند الحدود بين تايلاند من جهة شيانغ راي ولاوس وميانمار، يقع مثلث الأفيون أو المثلث الذهبي، وهو ملتقى نهري رواك وميكونغ العملاقين، حيث بإمكانك رؤية البلدان الثلاثة في رحلة نهرية، وأن تزور جمهورية لاوس لمدة نصف ساعة بتأشيرة سريعة بدولار واحد. وكان من اللافت أن اللاوسيين يضعون حيوانات كالعقارب والأفاعي في المشروبات الكحولية، اعتقادًا منهم أنها تنقل بعض الصفات إلى البشر.
كما يمكن مشاهد تمثال عملاق لبوذا على كتف النهر من الجهة التايلاندية.
وأطلقت الاستخبارات الأميركية اسم «المثلث الذهبي» على مثلث الأفيون منذ عقود، حيث تجري زراعة الخشخاش في ميانمار، وهي ثاني أكبر منتج لهذا النبات بعد أفغانستان. ويأتي معظم مخدرات الهيروين والأفيون والمورفين المصنع في العالم من تلك المنطقة عبر طرق التهريب المختلفة، وصولاً إلى الأسواق الغربية والأميركية. وبالطبع، ليس هناك سوق لتداول المخدرات اليومي، إنما يجري الأمر على مستوى المافيا الدولية.
كل تلك التجارب والمغامرات، لن تكلفك أكثر من 170 دولارًا، مع منظمي رحلات معتمدين، تنتشر مكاتبهم في الشمال التايلاندي.
font change