[blockquote]لي سميث: بدأ يتكشف للرأي العام أن لـ«حزب الله» دورا أبعد من المقاومة، وأن أدعاء «الانتصارات الإلهية» لم تساهم في تحرير شبر واحد من فلسطين[/blockquote]
يقول أحد المسؤولين العرب تعليقا على وضع «حزب الله» على لائحة الإرهاب من قبل مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية برئاسة العربي، إنه أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي أبدا.
اكتشف العرب مبكرا تدخل «حزب الله» ومن ورائه الحرس الثوري الإيراني وتغلله في بلادهم. ولكنهم تجنبوا دائما الدخول في صراع معه، وفضلوا التحدث معه عبر القنوات السرية التي كانت تتولى نقل الرسائل. ثم كان هناك حتى عام 2000 «القضية الفلسطينية» والتي كانت في وجدان الشعوب العربية وما زالت «مقدسة» والتي كانت تمنع قادة الدول العربية من توجيه انتقاد علني لتجاوزات «حزب الله» وتدخلاته في الشؤون العربية الداخلية. من سلسلة التفجيرات التي هزت الكويت عام 1983 وصولا إلى تفجيرات الخبر في 1996 ظل العرب يحاذرون إعلان العداء لـ«حزب الله».
ولكن بعد عام 2000 فقد «حزب الله» حجة وجوده المعلنة، أي تحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي، وبدأ يخترع لنفسه أدوارا، لكي يحفظ هذا الاستثمار الهائل الذي دفعته إيران غداة نشأته.
الهلال الشيعي
يقول لي سميث من معهد هادسون بواشنطن إنه بعد الاجتياح الأميركي للعراق وخلع صدام حسين شعر العرب أن إيران تحررت من قيودها، وبدأت باستكمال سيطرتها على العراق من خلال الفصائل الموالية لها لتبني «هلالا شيعيا» كان الملك عبد الله أول المحذرين من خطورته. لم يغفل عن العرب الدور الذي لعبه «حزب الله» في العراق سواء كان في مواجهة القوات الأميركية أو في الحرب غير المعلنة على المناطق ذات الأكثرية السنية.
ولكن بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري في بيروت، وتوجه أصابع الاتهام إلى سوريا و«حزب الله» تخطيطا وتنفيذا أكده القرار الاتهامي الذي تضمن مذكرات توقيف لأربعة عناصر لـ«حزب الله».
يشير سياسيون وباحثون بمراكز ابحاث في واشنطن"مؤخرا بدأ يتكشف للرأي العام أن لـ«حزب الله» دورا أبعد من المقاومة، وأن الانتصارات الإلهية ليست سوى صدى لشعارات هزت الوجدان العربي على مدى سني الصراع الفلسطيني الإسرائيلي من «المحيط إلى الخليج» من دون أن تساهم في تحرير شبر واحد من فلسطين، بل أسهمت في تكريس أنماط ديكتاتورية وقمعية وإجرامية باسم تلك القضية".
خلية العبدلي
يقول لي سميث " بدأ الرأي العام العربي يسأل ما علاقة الخلايا النائمة في مصر مثلا بقيادة المسؤول الأمني سامي شهاب الذي حكم وسجن وحرر من السجن إبان فوضى ثورة يناير (كانون الثاني) ليعود ويظهر في لبنان بتحرير فلسطين؟".
وتابع "الأجهزة العربية تحركت في أكثر من اتجاه، فكان هناك اعتقال خلية لـ«حزب الله» في الإمارات تتنقل بجوازات لبنانية صادرة عن سلطاتها المختصة بأسماء مزورة. بعدها بدأت الإمارات العربية بترحيل بعض من رجال الأعمال على علاقة بـ«حزب الله»، وحين زار كبار المسؤولين اللبنانيين حكام الإمارات للبحث في الأمر والتخفيف من تأثيره على مصالح بعض اللبنانيين، كان جواب المسؤولين الإماراتيين واضحا: الكلام عن هذه المسألة غير وارد؛ إذ إنها تتعلق بالأمن القومي الإماراتي".
زاضاف سميث" ثم اكتشف العرب مذهولين خلية العبدلي في الكويت تابعة لـ«حزب الله» التي قامت بتخزين وحيازة السلاح في مزرعة بمنطقة العبدلي قالت وزارة الداخلية الكويتية إن كمية من الأسلحة أتت من العراق".
وبين هذا وذاك من الاكتشافات تم في مطار رفيق الحريري الدولي ببيروت من قبل فرع المعلومات التابع لقوى الأمن الداخلي اعتقال اللبناني على أحمد المغسل رأس «حزب الله» في الحجاز والذي كان قادما من إيران، حيث مكان إقامته.
وفي خضم كل هذا لم يكتف «حزب الله» بالقتال إلى جانب بشار الأسد في سوريا والحشد الشعبي في العراق والحوثيين في اليمن، بل وبعد انتفاضة أنظمة الخليج على التغلغل الإيراني ومواجهته بدأت الخطابات النارية لأمين عام «حزب الله» تهاجم دول الخليج وتتهمها بدعم الإرهاب. تلك الخطابات كانت في غالب الأحيان تتدخل في شؤون دول الخليج الخاصة من خلال تحريض أبناء الطائفة الشيعية في بلاد وجودهم للتمرد على حكامها، كما في البحرين أو المملكة العربية السعودية. ومع هذا لم يلجأ العرب إلى اتخاذ خطوات تصعيدية ضد «حزب الله». حتى عندما دخل سوريا لمساندة نظام الأسد المتهاوي، ظل العرب يطالبون كل الميليشيات الأجنبية الانسحاب من سوريا.
الاستخبارات العربية
مقابل هذا كله بدأت الصحافة الخليجية تهاجم أمين عام «حزب الله» في افتتاحياته وتتهمه بالإرهاب. أكثر المسؤولين الخليجين عبر عن موقف الخليج تجاه «حزب الله» كان نائب رئيس شرطة دبي ضاحي الخلفان الذي قال إن «حزب الله» خنجر في صدر الأمة العربية. كانت الدول العربية، يقول أحد المضطلعين على هذا الملف، قد وضعت وقبل سنين قائمة بأسماء لبنانيين يعملون في الخليج ولكنهم يخدمون «حزب الله».
كل زوار دول الخليج في الفترة الأخيرة كانوا يسمعون من المسؤولين الخليجيين كلاما عن إجراءات قاسية ستتخذ ضد لبنان باعتباره أصبح يمثل موقف إيران من القضايا العربية والشرق الأوسطية. ثم جاء موقف الحكومة اللبنانية في المؤتمر الطارئ لوزراء خارجية المؤتمر الإسلامي واجتماع وزراء خارجية الجامعة العربية الرافض التضامن مع المملكة العربية السعودية حول إحراق سفارتها في طهران .
هذا من دون التطرق إلى المعلومات التي لدى أجهزة الاستخبارات العربية حول تورط الحزب في أكثر من مهمة تهدف إلى ضرب مصالح الخليج، ولم يكن الفيديو المسرب لتدريب بعض الحوثيين كيفية القيام بعملية إرهابية من قبل أحد أعضاء «حزب الله» سوى دليل صغير على مدى ضلوع الحزب إلى جانب إيران في الأعمال الحربية ضد دول الخليج.
اجتمعت الدول الخليجية وبعدها العربية لتصنيف «حزب الله» بالحزب الإرهابي والبدء باتخاذ إجراءات بحقه ومناصريه ومصالحه المالية في تلك الدول.
لماذا انتظر العرب كل تلك المدة لاتخاذ مثل هذا الموقف على الرغم من وجود أدلة دامغة على إرادة إيران بواسطة «حزب الله» لتعريض الأمن الداخلي والخارجي لدول الخليج واقتصادها الوطني للخطر؟
السبب الأول كان تخلي الرئيس أوباما عن دعم حلفائه في مواجهة طهران، بل توقيع اتفاق معها يتيح لها التخلص من العقوبات الاقتصادية الخانقة من دون أن يتنازل نظامها أو يتراجع عن أهدافه التوسعية في المنطقة والعدائية تجاه العرب ما شكل خطرا وجوديا لبعض الأنظمة. تراجع الرئيس أوباما عن دعم حلفائه، كان له التأثير الكبير في قرار الأنظمة الخليجية المواجهة في أكثر من منطقة. هذا التحول في توابيت السياسة الأميركية يدفع المنطقة إلى مزيد من المواجهات الخطيرة على خلفية مذهبية.
السبب الثاني هو إدراك حكام العرب مدى خطورة «حزب الله» وتأثيره على الصراعات في المنطقة، فكان يجب التصدي لأعماله العدائية تجاه دول الخليج؛ إذ إنه كان بدأ تنفيذ أوامر إيرانية سعت لضرب أنظمتها. حينها اقتنع الحكام العرب أن القضية لا تحل بالمفاوضات، ولا حتى بدفع فديات للإرهابيين. إنما بالمواجهة الشاملة وفي كل الصعد، لا سيما الاقتصادية إذ إن العقوبات الخليجية المفروضة على الحزب تساعد في تقليص موارده التي تمول حروبه في المنطقة.
السبب الثالث هو المنحى الخطير الذي اتخذته المواجهة الإيرانية الخليجية من تهديد استراتيجي لأمنها القومي. فإيران تريد زرع عناصر وخلق منظمات خاضعة لها دينيا وماليا وعسكريا تمدها بالصواريخ والسلاح، وتعمل على تدريب عناصرها لتشكل تهديدا استراتيجيا لدول الخليج تماما كما «حزب الله» في لبنان. هذا تماما ما حاولت إيران تطبيقه مع الحوثيين في اليمن، عبر إدخال صواريخ قد تطال العمق السعودي.
لم يكن لدول الخليج خيارات كثيرة أمام تراجع حليفها التقليدي وميله إلى التطبيع مع إيران وإعطائها دورا معترفا به دوليا في المنطقة سوى مواجهتها من أجل إعادة رسم خريطة نفوذ في المنطقة. فلا يمكن للدول العربية أن تقبل بإخضاع إيران لأربع عواصم عربية.
إن هذا القرار العربي الجريء والذي لا يعكس توجه دول الخليج عادة في الأزمات، تحدث عنه بعض زعماء الغرب بسلبية ووصفوه بالمتهور وأنه لن يفيد في حل الصراعات، والأصح هو أن وقوف دول الخليج بقيادة المملكة بوجه العدوان الإيراني ليس من شأنه فقط إجبار إيران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات ولكن بشروط عربية تتعلق بحماية أمن دولها الاستراتيجية.