حقيقة العلاقات بين حزب «غد الثورة» بزعامة أيمن نور و«حزب الله» اللبناني

حقيقة العلاقات بين حزب «غد الثورة» بزعامة أيمن نور و«حزب الله» اللبناني

[caption id="attachment_55253643" align="aligncenter" width="620"]لبنانية من انصار حزب الله ترسم علم مصر على وجهها خلال أحداث 25 يناير عام 2011 (غيتي) لبنانية من انصار حزب الله ترسم علم مصر على وجهها خلال أحداث 25 يناير عام 2011 (غيتي)[/caption]


لندن: جمال عبد المعبود *
الشارقة: غادة فتحي *


تاريخيًا لم يكن قلب العالم «الجغرافي» متطابقًا مع قلب العالم «الجيوستراتيجي»، وبحسب الرواية الأوروبية التي تكاد تكون الرواية الأكثر ترديدًا في مختلف الثقافات المعاصرة، كان التاريخ القديم، كله تقريبًا، يدور حول البحر المتوسط مع حضور شبه دائم للشرق الأدنى والأقصى حتى الصين. ومع اكتشاف الأوروبيين ما أصبح يسمى «العالم الجديد» أصبح المحيط الأطلسي محورًا من محاور الصراع على السيادة في العالم، ونشأت - ربما للمرة الأولى - قواعد لها صفة العالمية لمعنى النظام الدولي حتى قبل أن يتبلور المصطلح وترتيباته التنظيمية (المؤسسات الدولية).
منذ افتتاح قناة السويس (1869) والمنطقة تكتسب أهمية متصاعدة، لكن التعقيدات التي شهدتها الكتلة الجغرافية التي مركزها شرق المتوسط (الشرق الأدنى - جنوب أوروبا - شمال أفريقيا) ترتبط بعلاقات مركبة لا تزال تخضع لإعادة هيكلة مع كل تحول نوعي في العلاقات الدولية. ومنذ انهيار الاتحاد السوفياتي (1990م) والغرب ينظر إلى هذا المحيط الجغرافي - الثقافي باهتمام أكبر بوصفه أحد أهم ساحات الصراع الدولي.


نقطة التحول الإقليمية




رغم التأثير الكبير - بل ربما الفاصل - للنفوذ الغربي فإن المنطقة شهدت أيضًا تحولات إقليمية معظمها كان قابلاً للتطويع ضمن المعادلات الحاكمة (الأكبر) التي لم تتغير نواتها الصلبة منذ أصبحت الدولة العثمانية تسمى «الرجل المريض». وخلال ما يزيد قليلاً على قرنين من الزمان كانت المنطقة تخضع لتوافق دولي يجعلها «منطقة فراغ استراتيجي» يتولى ضبط الإيقاع فيها قوة - أو قوى - إقليمية بالتوافق مع القوى الغربية الرئيسة.

وخلال الربع الأخير من القرن العشرين كان يبدو بوضوح أن تغيرين كبيرين يحدثان: طفرة نفطية منحت دول الخليج فرصة بناء اقتصادات أقوى، ودول تتصف بقدر كبير من المؤسسية، ودائمًا تعامل الغرب مع هذا التحول بوصفه داعمًا لاستقرار المنطقة وسلام العالم، ولا يشكل مصدرًا لخطر محتمل: توسعي أو صراعي.
أما التحول الثاني فكان اختفاء النظام الشاهنشاهي في إيران بما كان يعنيه من انتهاء دور «شرطي المنطقة» الذي استثمره الشاه وحلفاؤه الغربيون حتى الرمق الأخير، ليُولد من رحم التغيير نظام شعبوي شهد صراعات داخلية دموية حتى استقر في نهاية حكم الخميني مشروعًا مزدوجًا: طائفيًا قوميًا، يعد أفق تطوره الحتمي أن يفرض هيمنة سياسية - عسكرية - ثقافية، تحوِّل «الفراغ الاستراتيجي» إلى مقبرة لقرون من التعايش بين أمم كبرى أدركت ما بينها من تمايزات مذهبية أو دينية أو قوية وأدارتها بأقل قدر ممكن من الصراع، ربما باستثناء جهة الصراع العربية الكردية.


هل هو النفط وحده؟




كان أخطر ما في «المشروع الإيراني» حرصه المتصاعد على تجذير الاختلافات بين «الأنا» و«الآخر»، ففي البداية تم التركيز - بشكل دعائي - على ثنائية: الثوري والرجعي، ثم سرعان ما هدمت الحرب العراقية الإيرانية هذه الأكذوبة، حيث كانت المواجهة بين نظامين في طهران وبغداد كلاهما يتاجر بـ«الثورية»، وساهم أكثر في هدم الخرافة دعم عسكري علني من نظامي معمر القذافي وحافظ الأسد لطهران على نحو أكد أن الجميع أدعياء يستثمرون اللافتة الثورية.
في مرحلة تالية صعد في إيران خطاب قومي فارسي يعمق فكرة الصراع لمجرد الاختلاف، ومع صعوده دفع العرب في إيران - لأنهم عرب - والسنة في إيران - لأنهم سنة - ثمن المشروع الشيعي - الفارسي، ولم تقتصر قائمة الضحايا عليهما بالطبع.

[caption id="attachment_55253642" align="alignright" width="300"]ايمن نور ايمن نور[/caption]

ولا يشك منصف في أن النفط لعب - ولا يزال يلعب - دورًا رئيسًا في صياغة المشروعات السياسية المتصارعة على المنطقة - دولية كانت أو إقليمية - لكن المكون السياسي - المذهبي الذي لا يمكن فهمه بعيدًا عن التراث القومي الفارسي المتطرف أضاف بعدًا جديدًا لا يقل أهمية، فالتيار المحافظ في إيران المسيطر بلا منازع على السلطة، الممسك بزمام السلطة والاقتصاد عبر «الحرس الثوري، المندفع بلا روية لإحراق الجسور مع الجوار العربي، وصولاً إلى توسيع دائرة المطامع لتشمل دولاً مثل تونس والمغرب، هذا التيار يستثمر كل ما في تاريخ إيران من اعتداد «مرضي» بالذات القومية، وكل إحساس بـ«المظلومية التاريخية» الشيعية، ليجعل خطوط التماس مع العرب خطوط مواجهة لا سقف لها وإن أخذت شكل مراحل متتابعة.


شعوبية القرن الحادي والعشرين




رغم أن السياسة الدولية والعلاقات الإقليمية غدت أكثر تعقيدًا مما تبدو عليه صورة المنطقة في المصادر التاريخية التي تروي التاريخ الوسيط للمنطقة، فإن الممارسات المؤسسة على «حرب الهوية» أعادت إنتاج بعض أكثر هذه الصفحات سوادًا، وأصبح مصطلح خارج من التراث البعيد مثل: «الشعوبية» قادرًا على تلخيص جانب كبير مما يحدث على خط المواجهة العربي الإيراني. وبسبب هذا يرى كثيرون أن ثورة الخميني ليست سوى إعادة إنتاج لـ«الثورة الصفوية» التي تم بعثها من جديد. فقبل هجرة إسماعيل الصفوي من الأناضول كانت بلاد فارس سنية المذهب، وعندما أراد إسماعيل الصفوي السيطرة على هذه البلاد المترامية الأطراف لم يجد أفضل من هوية تستند إلى المذهب الشيعي، فقام بنشره عبر دعاة من «جبل عامل» (لبنان)، مستغلاً حب الناس لآل البيت وتداخل الصوفية مع المذهب الشيعي في منطقة رمادية كافية لترسيخ «الدولة الصفوية» كنقيض للقوميتين العربية والتركية والمذهب السني الذي كان سائدًا.
ومن القضايا التي تلفت الانتباه هنا بقوة أننا في أمس الحاجة عاجلاً إلى نوعين من الدراسات المتصلة بالشؤون الإيرانية: دراسات مسحية - تحليلية لمحتوى الخطاب الإيراني عن العرب (وأهل السنة) باعتبارها مؤشرا - غير رسمي - له أهمية كبرى، ودراسات نظرية تحليلية ترصد المكون القومي الفارسي (وجهه الآخر المتمثل في العداء لـ«الآخر القومي»)، في الثقافة الإيرانية المعاصرة، والثقافة السياسية للنخبة الحاكمة، فمثل هذه الدراسات ستعيد صياغة «المدخلات» التي يتم الاعتماد عليها على نحو أكثر دقة في دراسات «الشؤون الإيرانية»، ولا يستبعد أن تكون لها تأثيرات مباشرة على الفهم والخطاب والاختيارات السياسية، وبخاصة في ضوء تجارب مثل: العلاقة مع شيعة لبنان والعراق والبحرين واليمن.


الجانب الآخر من الخليج




عندما يعبر المذهب الجعفري للجهة الأخرى من الخليج يتحول المذهب الديني إلى آيديولوجية سياسية قائمة على مبدأ «المواجهة الشاملة» مع العروبة والعرب. وقد اتسع نطاق التأثير ليشمل سعيًا منظمًا لبناء تحالفات في دول لا تكاد توجد فيها أقليات شيعية، وكانت مصر المثال الأكثر وضوحًا. فمصر بالتحديد لها أهمية «معنوية» كبيرة عند الشيعة لأسباب تتصل بإقامة غير قليل من آل البيت بها ودفنهم فيها بعد موتهم، وفي مرحلة تالية تأسيس الدولة الفاطمية فيها. ومنذ سنوات تحاول إيران إيجاد موطئ قدم سياسي لها في مصر - في إطار تصور محدد - لمحاصرة الخليج وبخاصة المملكة العربية السعودية استراتيجيًا. وبسبب غياب «الفاعل السياسي» الكبير الذي يمكن أن يشكل خيارًا سياسيًا وطنيًا جامعًا للمصريين - شأن حزب الوفد المصري في النصف الأول من القرن العشرين مثلاً - وجد ناشطون يحاولون وضع بذرة ما يمكن أن نسميه: «مشكلة شيعية مصرية» مكانًا في أحزاب مصرية، ويمكن أن يشار هنا إلى حزب «غد الثورة» الذي يتزعمه الدكتور أيمن نور. وثمة من يرى أن هذا التعايش أو التسامح أو التغاضي تفسره الطبيعة الليبرالية للحزب، وهناك من يرى أن الأمر كاشف عن حقيقة العلاقات بين أيمن نور و«حزب الله»، حيث كانت بيروت وجهته عند خروجه من مصر قبل أن يستقر في تركيا. وفي تركيا امتلك محطة فضائية تلمز وتغمز الخليج وتُحسب ظاهريًا على الإخوان أو بغفلة إخوانية، كما فعلوا مع الارتماء في أحضان أحمدي نجاد.
وتأملوا شعر أبي نواس الفارسي غفر الله له:
قالوا ذكَرْتَ ديارَ الحي من أسَدٍ
لا دَرّ درّكَ قلْ لي من بَنو أسَـدِ
ومَن تميمٌ، ومنْ قيسٌ وإخوتُهُمْ،
ليس الأعاريبُ عندَ اللهِ من أحَدِ


* كاتب وباحث في تاريخ الأديان وفلسفة المذاهب
*مستشار المركز الدولي للدراسات والاستشارات والتوثيق





font change