مستلزمات الهجرة تباع علنًا للمهربين والمهاجرين

مستلزمات الهجرة تباع علنًا للمهربين والمهاجرين

[caption id="attachment_55253411" align="aligncenter" width="620"]اللاجئون يعبرون بحر إيجة التركي على زورق مطاطي في طريقهم إلى جزيرة ليسبوس اليونانية (غيتي) اللاجئون يعبرون بحر إيجة التركي على زورق مطاطي في طريقهم إلى جزيرة ليسبوس اليونانية (غيتي)[/caption]

إزمير (تركيا): حسين دمير

إلى حي أكسراي، وسط إسطنبول، (القريب من مبنى مديرية الأمن العامة في المدينة)، يصل يوميًا المئات من العراقيين والسوريين بينهم نساء وأطفال، بالتأكيد ليس بهدف السياحة، أو قضاء العطلة، فهذا الحي، هو المحطة الأولى، في رحلة الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا.
في أكسراي، يستلقي المهاجرون على الأرض، ويفترشون الحدائق العامة، بانتظار الاتفاق مع أحد المهربين، أو سماسرة التهريب، قبل التوجه إلى مدينة إزمير أو بودروم أو مرمريز، حيث تنتظرهم الزوارق المطاطية.

اللافت في هذا الحي المزدحم، رواج تجارة مستلزمات الهجرة، وبشكل علني، فهنا تباع ستر النجاة بمختلف أنواعها للمهاجرين بشكل طبيعي، رغم علم الباعة، بالغاية من شرائها، على واجهات المحال، تجد أنواعا مختلفة من الستر معلقة، لجذب الانتباه.
وهنا أيضًا بإمكان المهاجر ببساطة، الحصول على شريحة جوال، دون الحاجة لتسجيلها رسميًا، لكن بدفع (بعض الليرات الإضافية).
على مقربة من محطة، مترو الأنفاق، في الحي، حيث سلسلة من المطاعم الشعبية، من بينها مطاعم عراقية وسورية، يعرف المهاجرون بسيماهم، فحقائب الظهر الصغيرة، وتفكيرهم بصوت مرتفع عن البحر ودول العبور، وهواتفهم النقالة التي يتنقلون عبرها بين مقدونيا وصربيا والمجر، لمتابعة أخبار الطريق إلى أوروبا الغربية، من خلال صفحات على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، هناك كانت تجلس مجموعة من الشباب، اتضح أنهم قدموا حديثا من العراق، رفضوا التقاط صورة لهم، لكنهم وافقوا على التحدث معنا بشكل سريع، لأنهم كانوا بانتظار أحد السماسرة.
قال أحدهم ويبلغ نحو 28 عامًا من العمر: «كنا نتوقع الأمر أصعب»، مبينًا أن «كل شيء هنا يجري بشكل طبيعي، دوريات الشرطة تمر من هنا بشكل مستمر لكن دون أن يسألوننا حتى عن أوراقنا الرسمية».

شاب آخر، قال لنا إنه «باع سيارته وترك زوجته وطفله في بغداد، كي يصل إلى أوروبا، وبعد حصوله على الإقامة هنا سيحاول البدء بمعاملة (لم الشمل)».


[caption id="attachment_55253410" align="alignleft" width="300"]متجر في وسط اسطنبول  لبيع ستر النجاة للمهاجرين 
<br />( المجلة – تصوير: حسين دمير)
<br /> متجر في وسط اسطنبول لبيع ستر النجاة للمهاجرين ( المجلة – تصوير: حسين دمير)[/caption]


صاحب إحدى المحال في حي أكسراي حول نشاطه بشكل تام من بيع حقائب السفر، إلى ستر النجاة، التي باتت تدر عليه آلاف الليرات التركية يوميًا، حتى أنه لم يعرنا أي اهتمام، حين طلبنا أن نتحدث معه لدقيقتين.
يبدأ سعر سترة النجاة، بـ30 ليرة تركية (10 دولارات)، لكن معظم المهاجرين لا يفضلونها ويعتبرونها رديئة، النوع الثاني يباع بـ50 ليرة، فيما يتجاوز النوع الثالث 100 ليرة (أكثر من 30 دولارًا)، وهو ما يفضله الكثيرون.
في المحل، كان أكثر من 10 شبان بينهم شابة سورية في الثلاثينات تحمل طفلة لم تتجاوز العامين، يبتاعون ستر النجاة.
بعد أن دفعوا النقود، وضع صاحب المحل الستر في أكياس بلاستيكية كبيرة رمادية اللون، أخذوها وذهبوا إلى حيث المكان الذين يتجمعون فيه.



مكاتب وسيطة لتجنب الاحتيال





بعد الاتفاق مع المهرب، أو السمسار، يودع المهاجر، مبلغا يتراوح بين (1000 - 1300) يورو، لدى إحدى (مكاتب التأمين)، وهي شركات وسيطة بين المهربين والمهاجرين تعمل بغطاء شركات عقارية أو إنتاج تلفزيوني، تضمن للمهاجر استعادة نقوده، في حال فشل الرحلة، فالمهاجر قبل أن يتفق مع المهرب يبحث عن ضمان لعدم تعرضه للنصب والاحتيال.
كذلك تضمن مكاتب التأمين للمهربين الحصول على المال بعد نجاح الرحلة، لقاء 100 دولار عن كل شخص، تستقطع من المهرب.
يقول محمد (27 عامًا)، إنه فر من مدينة الموصل التي يسيطر عليها تنظيم داعش شمال العراق، وصل إلى إسطنبول، للاتفاق مع أحد المهربين للذهاب إلى ألمانيا.
أشار محمد بيده إلى عدد من المحال في ناصية الشارع، قائلاً: «تلك كلها مكاتب تأمين، بعضها مكاتب عقارية وهمية»، مضيفًا: «أودعنا أنا وصديقاي 3900 يورو، وحصلنا على وصل يحوي رقمًا سريًا، إذا نجحنا بالعبور إلى اليونان، نرسل الرقم إلى المهرب ليتسلم النقود، أما إذا فشلت الرحلة، فيمكننا أن نسترجع المبلغ من المكتب».
أما علي، وهو شاب سوري، فقال لنا، إن «بعض المهاجرين تعرضوا للاحتيال من قبل مهربين وسماسرة»، معتبرًا أن «بعض مكاتب التأمين تمارس الاحتيال أيضًا».
علي أوضح أن «المهاجرين يترددون على مكاتب يثقون بها من خلال أصدقائهم الذين وصلوا إلى أوروبا وكانوا قد أودعوا الأموال لديها».



تهريب البشر أمام أعين السلطات




تركنا أكسراي، وذهبنا إلى محطة أخرى على طريق الهجرة غير الشرعية، توجهنا إلى محطة الحافلات الرئيسية بإسطنبول، والتي تعرف أيضا بـ(الأوتوغار)، بمجرد أن خرجنا من محطة مترو الأنفاق، ودخلنا مرآب الحافلات، تلقفنا شبان أتراك، يعملون كسماسرة لجلب الزبائن لشركات النقل، لم يقولوا لنا سوى ثلاث كلمات، كررها جميع من صادفنا (إزمير، بودروم، مرمريز)، تلك المدن التي باتت مقصد المئات يوميًا، حيث المحطة الأخيرة في تركيا، قبل الإبحار نحو الجزر اليونانية.
من المحطة تنطلق الحافلات بحرية تامة، وعلى متنها عراقيون وسوريون، لا يفكرون سوى بالوصول إلى هناك، لإدراك البحر، قبل انتهاء موسم الهجرة الذهبي بحلول الشتاء.
ابتعنا تذكرة للذهاب إلى إزمير، بـ70 ليرة تركية (22 دولارًا)، الطريق إلى هناك يأخذ تسع ساعات، إنه طريق طويل، لحسن الحظ يجلس إلى جانبي أحد المهاجرين السوريين.
في الطريق، كان (أحمد 21 عامًا) يكرر الاتصال عبر خدمة (فايبر) بشخص سوري يدعى (أبو مريم)، اتضح أنه أحد المهربين، واتفق معه أحمد من أجل إيصاله إلى اليونان، على متن قارب سياحي (يخت).

أحمد قال لنا إن «حوادث الزوارق المطاطية كثيرة ومجرد التفكير بالوجود في عرض البحر على متن زورق مطاطي يخيفني»، مضيفًا أن «أبا مريم وعدني بأن يوصلني إلى جزيرة يونانية على متن قارب سياحي مقابل (2500 يورو)».
قرر أحمد بعد الاتفاق مع أبي مريم أن يأخذ قيلولة، ربما ليحلم بأوروبا الجميلة التي سيصل إليها بعد أيام.
وصلنا إلى إزمير، كان المئات يتكدسون في الشوارع، وبالقرب من البحر، عائلات كانت تفترش الأرض، وإلى جانبها سترات النجاة وحقائب ظهر صغيرة، دوريات الشرطة تمر بجوارهم دون أن تسألهم عن سبب وجودهم اللافت في مدينة كانت إحدى أهم الوجهات السياحية في تركيا، ربما لأن الشرطة وقوات الدرك وكل من في إزمير يعلمون جيدًا ما هي وجهتهم.
في إزمير، لا تباع ستر النجاة علنًا فحسب، بل تباع الزوارق المطاطية علنا أيضًا للمهربين والمهاجرين!.
يقول مرتضى، (25 عامًا): «الجميع يعرف أننا مهاجرون، الفنادق تتعامل معنا بشكل طبيعي، لكن الفنادق الرخيصة باتت لا تسعنا، فالمئات يصلون يوميًا إلى هنا، للذهاب إلى اليونان».
ويضيف مرتضى أن «السلطات التركية لا تسمح لنا بالذهاب إلى اليونان برًا، لكنها لا تمنعنا أبدًا من ركوب البحر»، مضيفًا: «فشلت أول محاولة لي بالوصول إلى اليونان، بسبب عطل في محرك الزورق»، مبينًا أن «عناصر خفر السواحل التركي لم يمنعونا من الإبحار، اقتربوا من زورقنا ولوحنا لهم بأيدينا وقلنا لهم إننا من سوريا، فتركونا ببساطة، لكن بعد أن تعطل المحرك عادوا وسحبوا الزورق إلى الشاطئ».

font change