• والدة طباخ التنظيم (المقتول) تكشف لـ"المجلة" اسرار داعش من خلال اطباقهم اليومية
• أطفال اروبيون يتلقون تدريبات خاصة استعدادا لغزو دول غربية.. واولياء الامور يستغيثون بمنظمات دولية لانقاذ أطفالهم
• ديمتري: ابني ضحية إعلام التطرف ومواقع التواصل الاجتماعي التي يتعذر على الحكومات حظرها ومتابعتها ومراقبتها
• أبو شجاع: حاولنا أن نحرر عددا من الأطفال أعمارهم تتراوح بين 6 أعوام و16 عاما، في مدرسة دينية بمدينة سلوك التابعة للطبقة، إلا أنهم رفضوا العودة، وهددونا بالقتل إن حاولنا الاقتراب منهم
ديمتري بونتينك (Dimitri Bontinck)، والد الداعشي السابق جون بونتينك (Jejoen Bontinck)، يصف نفسه قائلا: «أنا شخص عادي، بلجيكي وزوجتي نيجيرية كاثوليكية، أنجبت ابني جون في نيجيريا»، إلا أن ديمتري نفسه يعرف جيدا أنه لم يعد شخصا عاديا، فقد تصدرت صور اختراقه معاقل تنظيم داعش الصحف البلجيكية، وكذلك أصبحت قضية محاكمة ابنه الذي نجح في انتشاله من قبضة «داعش»، والمتهم حاليا بالتورط في الإرهاب، حديث الصحافة الغربية.
يروي ديمتري لـ«المجلة» رحلته الشاقة للبحث عن ابنه راقص الروك «دانس جون»، والمخاطر التي واجهها فيما بعد لمساعدة عائلات أخرى ذاقوا مرارة تجربة اختيار أبنائهم الالتحاق بـ«داعش»، يقول ديمتري الجندي السابق في الجيش البلجيكي، واصفا ابنه جون بونتينك: «كان شابا ذا شعبية كبيرة في بلجيكا، راقص محترف لـ(بريك دانس)، وله مقاطع فيديو وظهر في كثير من البرامج الموسيقية. نتيجة فشله عاطفي، أصيب بالاكتئاب، وبعد أن تخلت عنه حبيبته في المدرسة تعرف على فتاة أخرى مغربية الأصل وتعرف من خلالها على عالم التطرف»، مضيفا: «ما لبث أن اعتنق الإسلام تحت تأثير صديقته الجديدة، وأصبح يتردد على المساجد بشكل منتظم ويحضر دروس الشريعة، لقد كنا نشعر بالامتعاض أنا وأمه من تصرفاته التي كانت جد غريبة على بيت بعيد كل البعد عن عالم الإسلام، ولكن هذا لم يجعلنا نقف في طريق حرية اختياره اعتناق الإسلام».
ويشير إلى أنه «بعد 8 أشهر كان جون قد تغير بشكل جذري، وبدأ رويدا رويدا يبتعد عنا، وتغير سلوكه وتصرفاته، حتى شكل وألوان ملابسه، شعرنا أن هناك شيئا ما على غير ما يرام، ولم يكن يروق لنا ما يحدث، أصبح يعود متأخرا إلى المنزل، ويذهب إلى المدرسة متعبا، إلى أن شاهدناه في تقرير خبري في نشرة أخبار المساء عن مسجد في بلجيكا يرتاده متطرفون، أصبت وزوجتي بالهلع عندما رأينا جون الذي لم يبلغ بعد 16 من عمره يقف بجانب إمام المسجد ويتحلق حوله شباب في مقتبل العمر أشكالهم وهيئتهم توحي أنهم متطرفون».
[caption id="attachment_55253390" align="alignleft" width="277"] ديمتري ونجله جون بعد تحريره من قبضة داعش[/caption]
ويضيف: «شعرنا بالخطر وما كان علي سوى إبلاغ السلطات الأمنية أن ابني يهوي إلى التطرف وعليهم منعه أو على الأقل مساعدتنا في منعه من سلوك هذا الطريق، ومساعدتنا لإبعاد ابني عن هؤلاء وإغلاق هذا المكان، إلا أنهم قالوا إن هذا مخالف للقوانين وإن ما يجري في المسجد يدخل في إطار حرية المعتقد وممارسة الطقوس، وتذرعوا بأنه لم يرتكب هؤلاء جرما ليعاقبوا عليه أو ليتم التصرف معهم على وجه مختلف. وتطورت الأمور أمام أنظار الجميع وهم يشاهدون أمام أعينهم أن هناك من يقتطع قطعا من أكبادنا ويرمي بها خارج الحدود، دون أن يحركوا ساكنا. أدركنا وقتها أن جون بدأ ينتهي ويحيط به الخطر ولم يبق أمامي خيار إلا أن أتحرك من نفسي»، مضيفا: «53 مرة دخلت إلى مناطق المتطرفين في بلجيكا، حتى أتعرف عليهم وأبقى قريبا من ابني، كان هناك العشرات من أبناء الأوروبيين، وتمنيت أن أوقف كل هذا.. كنت أراهم يدمَّرون، في ذلك المسجد تم تنظيم مجموعات من الشباب وتوجيههم للسفر، لكن فشلت في الإمساك بالدليل القاطع الذي يدين هؤلاء.. وأنهم مع دروس الشريعة وحلقات قراءة القرآن، ودعوة المارة في الشوارع والساحات العامة إلى مساعدة (المجاهدين) في سوريا، وإضافة إلى إطلاقهم على أنفسهم ألقابا بدلا من الأسماء الحقيقة، كان هناك ما يخفونه ويخططون له سرا.. كنت مقتنعا أن هناك ما يخفونه رغم فشلي في الحصول على أي دليل يثبت شرعية مخاوفي».
مواقع التواصل الاجتماعي
يستعيد ديمتري مشاهد ما كان يجري في المسجد الذي كان يتردد عليه ابنه، قائلا: «كان الإمام يسأل بشكل جماعي: أيهما أحب إلى قلوبكم، الله أم أمهاتكم؟ الكل بصوت واحد يقولون: الله»، مستأنفا: «كنا نعاني ونحن نشاهد هذا الشاب الجميل يتغير وينقلب بين ليلة وضحاها إلى شخص آخر، مئات الشباب مثل ابني ضحية إعلامهم ومواقع التواصل الاجتماعي التي يتعذر على الحكومات حظرها ومتابعتها ومراقبتها. هم لا يرعبون الشباب أو يجبرونهم على الالتحاق بهم؛ بل يتلاعبون بعواطفهم وعقولهم، حتى المدرسة لم تفعل شيئا لإنقاذهم».
في 22 - 1 - 2013 أخبر جون أبويه أنه سيذهب في رحلة سياحية إلى هولندا مع مجموعة من أصدقائه.
في 22 - 2 - 2013 كان أكمل توًّا الـ18 عاما، وفي 28 - 2 - 2013 أرسل رسالة إلى ديمتري أخبره فيها أنه في مصر بقصد دراسة الشريعة الإسلامية في الأزهر.
وبعد تاريخ 29 - 2 - 2013 انقطعت اتصالات جون، في 11 - 3 - 2013 قصد ديمتري الأجهزة الأمنية البلجيكية ليخبرهم عن اختفاء ابنه وعن شكوكه حول احتمال التحاقه بإحدى الجماعات المتطرفة، ولكن مجددا الشرطة قالت هذه المرة إن جون أكمل 18 عاما، وإنه يملك حرية التنقل والسفر.
في 26 - 3 - 2013 أعلنت عائلات بلجيكية عن انضمام أطفالها إلى مجموعة «الشريعة» في المسجد نفسه، وأنهم سافروا إلى سوريا.
الرحلة إلى سوريا
ويكمل ديمتري حديثه: «شاهدت مقاطع مصورة لأصدقاء ابني في سوريا، تأكدت أن جون أيضا بينهم، وخياري الوحيد كان اللحاق به، شعرت أني وحيد، وعلي مواجهة مصيري وحيدا».
في أبريل (نيسان) 2013 قرر ديمتري الذهاب إلى حلب، ويقول: «عندما وصلت إليها انتابني شعور مختلف، شعور بأنني شخص يستحق الاحترام بالنسبة للسوريين، أن يعرض أب حياته للخطر ويلتحق بابنه ويبحث عنه، أمر يستحق الاحترام، واحترمتهم أنا أيضا واحترمت الإسلام لأني وجدت أن المسلمين متحدون يحترمون الآباء والأمهات.. هذا ما لمسته لدى السوريين الذين التقيت بهم الذين توسطوا وساعدوني في رحلة استعادة ابني. عندما وصلت لمنطقة سيطرة (داعش) فورا ألقي القبض علي وحققوا معي وسجنت عدة أيام وتم تعذيبي أيضا، حيث كانوا يشكون بأني من المخابرات أو أني جاسوس، التقيت (أمير داعش) في حلب عن طريق الشيخ أبو أثير، أحد الوسطاء، وهذا الشخص حاليا ملاحق ومطلوب من قبل (داعش)، وبعد أن عرفوا قصتي وعدوني بأنهم سيوافقون على لقاء ابني، ولكن ابني كان يرفض، وبعد أن عرفوا ما تعرضت له من مخاطر قبلوا أن يخبروني بمكانه.. عذبوني وحققوا معي وسجنوني ظنا منهم أني جاسوس، فكيف يأتي أوروبي ويطرق باب داعش ويطالب بابنه؟ هذا كان أمرا غريبا بالنسبة لهم».
تمكن ديمتري من استعادة ابنه، ولكن جون ليس أول ولا آخر من تورط بالإرهاب؛ فبحسب تقارير دولية، هناك عشرات الآلاف من مواطني دول الاتحاد الأوروبي التحقوا بصفوف تنظيم «داعش» الإرهابي. والمتطرفون الذين يحملون السلاح في الشرق الأوسط هم من أبناء المهاجرين من الجيل الثالث والرابع إضافة إلى مشاركة أعداد من الأوروبيين الأصليين.
إن عدد المواطنين الأوروبيين الذين التحقوا بصفوف «داعش» على الأراضي السورية والعراقية قد يصل إلى الآلاف؛ بل وإلى عشرات الآلاف، منهم من قتل من قبل «داعش» نتيجة ندمه على الانضمام ومحاولته الهروب.
شيعة.. ولكن دواعش
قضية تجنيد الشباب الأجانب في صفوف بعض التنظيمات الإرهابية المتشددة، وتحديدا «داعش»، أثارت كثيرا من علامات الاستفهام حول قدرات وتأثير هذا التنظيم، لكن أن يصل الأمر إلى تفشي المزاج الداعشي في بيئة غير سنية ليخترق الشيعة، ففي الأمر غرابة تستحق الاهتمام.
أبو يوسف الفارسي أو «reza»، البالغ 19 عاما، ولد في طهران من أب كردي وأم فارسية.
التقت «المجلة» بوالد أبو يوسف الفارسي خلال رحلته للبحث عن ابنه في العراق وسوريا رغم أنه على يقين تام من أنه لن يتمكن متعقب «داعش»، في بؤره الإرهابية التي أقامها ورفدها بفلذات أكباد الآباء والأمهات، من الإمساك بالخيط الوهمي. أبو «رازا» يعرف أنه في صحراء قاحلة فكل الخيوط وهمية. تجربته تحد فردي لـ«الدولة» التي تتحالف ضدها الدول العظمى والدنيا والسفلى.. هكذا يصف رحلته: «أنا قصدت البحث عنه بنفسي لعله يقتنع أن ما اختاره هلاك له ولنا ولأمه التي تموت كل يوم ألف مرة»، مستأنفا: «لا أجد مبررا لشاب وسيم يعيش في عائلة متفاهمة، له أخت صغيرة متعلقة به.. خطيبة تتجانس معه في العرق والدين وتحبه.. حتى يترك كل هذا ويرتمي في أحضان (داعش)».
أبو يوسف الفارسي، شاب أميركي الجنسية، يمتلك لياقة بدنية عالية، تعرف على مجموعة من الشبان وبدأ يرتاد المسجد، والتحق بـ«داعش» في 14 - 1 - 2015، بعد هذا التاريخ بعدة أيام اتصل شخص يتحدث الإنجليزية بلكنة أفغانية وأخبر والدي رازا أن ابنهم أصبح اسمه «أبو يوسف الفارسي» وأنه يتمرن في ناد رياضي بالرقة، وبعد شهرين سيلتحق بالقتال.
وفي 18 أبريل (نيسان) 2015 اتصل أبو يوسف الفارسي بوالديه وأخبرهم أنه بخير ومستعد للذهاب إلى القتال، واستغرق الاتصال مدة 30 دقيقة.. يقول والده إن ابنه «عادة كان يتصل من رقم هولندي، و(مجاهدو الدولة) عادة يستخدمون أرقاما هولندية وبلجيكية وفرنسية في اتصالاتهم، وأحيانا يأتي الاتصال من شريحة رقم خاص، يتبادلون الشرائح فيما بينهم، وأيضا في كثير من الأحيان يتحدث إلينا أصدقاؤه؛ أي لا يتحدث هو بنفسه، بل أصدقاؤه يتحدثون إلينا ويخبروننا أن ابننا بخير»، مشيرا إلى أنه «فشل وأمه في إقناع ابنهما بالعودة رغم إخباره أن أخته مريضة وترقد في المشفى، إلا أنه لم تؤثر فيه كل توسلاتنا له بالعودة»، مستأنفا: «كانت علاقته معي جد جيدة قبل ثلاثة أشهر من التحاقه بـ(داعش)، كان فتى طبيعيا قبل أن يتعرف على الرجل الداعشي المشهور الذي ألقي القبض عليه أخيرا في أميركا بتهمة تجنيد الشباب وإرسالهم إلى سوريا. صادق شخصا سلفيا، وبعد ثلاثة أشهر غادر وترك خطيبته قبل 5 أيام فقط من التحاقه بـ(داعش)، حاولت معه خطيبته لتعرف منه سبب ذهابه، إلا أنه رفض الإفصاح عن أي شيء».
[caption id="attachment_55253392" align="alignright" width="300"] داعشي [/caption]
ويضيف: «هو لا يريد العودة؛ بل دعاني أيضا للانضمام إلى (داعش)، عادة يتصل من رقم خاص، وأحيانا يتبادلون الجوالات، ويتحدث من جوال أحد أصدقائه. ابني مقتنع جدا بفكر (داعش) ولن يتركه، وما فهمته أن (داعش) عادة يوفر النوادي الرياضية أولا للترفيه عن المقاتلين الأوروبيين الذين عادة يقصدون النوادي الترفيهية، إضافة إلى ضرورة تمتعهم باللياقة الضرورية في الحرب، لذا (داعش) يوفر نوادي بناء الأجسام في مناطقهم»، ولم يخف الأب مواجهة ابنه قائلا: «قلت له إننا شيعة، فلماذا تفعل هذا بنفسك وبنا؟ لكنه رد علي قائلا: لا أعرف إن كنت أنا على صواب أم أنت، في النهاية لا أعرف أيّا منا على حق».
وبحسب مصادر في الرقة، فإن أبو يوسف الفارسي أصيب بجروح ودخل على أثرها المشفى، وخرج مجددا للقتال، وأصيب مرة ثانية في قدمه اليمنى، وهو يعالج الآن في مشفى بالرقة ولم يتعافَ بشكل كامل.
وبحسب المصادر نفسها، فإن هناك كثيرا من الشيعة حاليا ضمن صفوف «داعش»، غالبيتهم من تلعفر جنوب محافظة نينوى بنحو 60 كيلومترا في العراق، التي هاجمها «داعش» واختطف المئات من الأسر التركمانية الشيعية هناك، حيث تم غسل أدمغة أبنائهم، خاصة المراهقين والتحقوا بالتنظيم.
لا تقتصر خطورة تنظيم «داعش» على التخريب والدمار الذي يمارسه في المدن المحتلة فحسب، بل في تدمير النسيج الاجتماعي من خلال غسل الأدمغة وسلخ من يلتحق به عن نسيجه الاجتماعي ومعتقده وبيئته، وحتى دينه، بمختلف الأساليب؛ الترهيبية منها والترغيبية.
هروب من الهروب
أبو شجاع، الرجل الإيزيدي منقذ السبايا ومحررهم، الذي أصبحت صوره تتصدر أغلفة المجلات الدولية، التقيناه مجددا، ليكشف في حوار مع «المجلة» عن فشله في تحرير أطفال إيزيديين، ليس بسبب اكتشافهم من قبل عناصر «داعش» أو وقوعهم في كمين، بل بسبب رفض الأطفال أنفسهم العودة إلى حاضنتهم الاجتماعية.
ويقول أبو شجاع: «حاولنا أن نحرر عددا من الأطفال أعمارهم تتراوح بين 6 أعوام و16 عاما، في مدرسة دينية بمدينة سلوك التابعة للطبقة، وسلوك شمالي مدينة الرقة والقريبة من مركز تدريب للأطفال في الطبقة، إلا أنهم رفضوا العودة، وهددونا بالقتل إن حاولنا الاقتراب منهم مجددا، حتى إنهم كشفوا عن محاولاتنا لمسؤولهم أو لأمير سلوك».
ويشير إلى أن «أمهات الفتية أيضا رفضن العودة لأن أبناءهن لا يقتنعون بترك التنظيم، ولأن أدمغتهم تم غسلها ولم يبق فيها سوى الولاء لـ(الدولة). الأمهات في البيوت عادة يخدمن في بيوت أمرائهم، أما أطفالهن فإن (داعش) يحرص على أن يتلقى الأطفال دروس الشريعة ويقيمون دورات لهم فيما بعد للتدريب على القتال، وخلال 3 أشهر، وفي أحسن الأحوال خلال ستة أشهر، يتم الزج بهم في القتال ويساقون إلى الجبهات».
ويكشف أبو شجاع عن «قتل (داعش) في الموصل أمهات حاولن الهرب بعد وضعهن مواليد من آباء داعشيين»، موضحا: «نساء إيزيديات حملن بعد اغتصابهن من قبل من اشتراهن من الداعشيين، وتم قتلهن لأنهن حاولن الهرب بعد الولادة مباشرة ورفضن أن يعتنين بالمولود على اعتباره من أب داعشي، وبسبب موقفهم هذا تم قتلهن».
ويلفت أبو شجاع إلى حالات أخرى من الذين يرفضون العودة، وهن الفتيات المراهقات اللاتي تم وهبهن لعناصر من «داعش» في الرقة وتعلقن، بسبب صغر سنهن، بمن وهبن له، ويصف حالتهن قائلا: «هناك مراهقات عرضنا عليهن الهرب، إلا أنهن رفضن بسب تعلقهن بالشخص الذي وهبن له، الفتيات لم يعتنقن الإسلام، إنما ما منعهن من الهرب هو العشق، ليس حبا لدينهن، وإنما حبا لعاشقيهن.. بالنهاية هن مراهقات».
وبحسب إحصاءات رسمية، اختطف التنظيم بعد سيطرته على سنجار وأطرافها 5838 إيزيديا، غالبيتهم من النساء والفتيات والأطفال، فيما تم تحرير حتى الآن 2014 شخصا، وهناك أكثر من 3000 إيزيدي ما زالوا مختطفين لدى «داعش».
راجي.. الرهان الخاسر
«استعادة الأبناء من (داعش) تشبه لعبة القط والفأر، هناك لاعبون أساسيون واحتياط، والفائز من يضحك في النهاية».. هكذا يصف أبو شجاع مجريات تحريره الطفل راجي، ويفصل ما جرى قائلا: «أرسلت إلي صورة للطفل راجي (4 أعوام إيزيدي)، بزي (داعش)، اختطف مع أمه التي تم بيعها إلى داعشي سعودي يدعى أبو عبد الله السعودي. راجي في الصورة يصوب مسدسه إلى الكاميرا في إشارة إلى أنه سينال مني، والصورة مرفقة بتسجيل صوتي للمدعو عبد الله السعودي يهددني فيه ويقول إن هذا الطفل سوف يكبر ويقتلكم ويسبي نساءكم، ويقطع رأس الإيزيديين.. إلخ»، منوها بأنه قبلها «أبو عبد الله السعودي مع جد الطفل راجي، ليطالب الجد المسكين بعشرة آلاف دولار مقابل تحرير الحفيد والأم، وبالفعل أرسل الجد المبلغ المطلوب، إلا أن الداعشي طالب مجددا بعشرين ألف دولار»، مضيفا: «جاء جد الطفل إلي يبكي وطلب مساعدتي، وطلبت منه أن يتواصل الداعشي معي مباشرة على أساس أني مروان خال خالدة أم راجي، وأني عدت من ألمانيا خصيصا لإنقاذ خالدة وابنها وابنتها الحديثة الولادة».
[caption id="attachment_55253389" align="alignleft" width="169"] أبو شجاع يحمل الطفل راجي بعد تحريره من داعش[/caption]
ويتابع أبو شجاع: «وبدأ أبو عبد الله الاتصال بي من خلال إرسال مقاطع صوتية عن طريق (واتساب)، ومن أرقام يطلق عليها الأرقام الأميركية؛ أي يكون النداء مثلا: 0044 - 0088 - 0066 - 0011، وأيضا كان لديه خط تركي، ولكن قليلا ما كان يتصل من خطه التركي، وعادة هم يطلبون تحويل المبالغ عن طريق مكاتب حوالة في أورفا التركية. هذه المكاتب يتم تحويل أي مبلغ منها إلى الرقة والموصل وجميع المناطق التي يسيطر عليها (داعش)»، منوها بأنه «يتم تحويل النقود أيضا عن طريق أشخاص».
ويتابع قصة تحريره راجي وأمه خالدة، قائلا: «طلبت من عبد الله السماح لي بالحديث إلى خالدة، وإلا فلن أرسل له المبلغ الذي طلبه مقابل تحريره، وعندما أعطى الجوال لها تحدثت إليها وأفهمتها أني لست خالها وأنه عليها إعطائي عنوانها بحلب وتنتظر أن نتصل بها مجددا، وبعد عدة محاولات تمكنت أم راجي من إرسال العنوان إلينا، وبعدها بيوم قلت للداعشي خلال يومين سوف أرسل لك المبلغ، وهو وثق بي، وقبل موعد تحويل المبلغ بيوم اتفقنا على موعد لخروج خالدة مع طفليها، يكون الموعد نفسه الذي سنتفق عليه مع الداعشي لتسليم المبلغ من مكتب تحويل في الطبعة، وهكذا تم استدراجه إلى أن تمكنا من تحرير راجي وأمه وأخته الحديثة الولادة، وكسبنا رهاننا مع الجبان الداعشي».
ويختم حواره ضاحكا: «وعندما تسلمتهم أرسلت له صورتي مع راجي عن طريق (واتساب) وقلت له: أنتم من ستخسرون دائما، ورد علي مهددا إياي بقطع راسي».
العودة
من سيخسر الرهان في آخر المطاف مع تنظيم لا يوفر جهدا في إشاعة الحزن قبل الإرهاب.. أبو «رازا» أو «أبو يوسف الفارسي» قبل تحدي ابنه وذهب إليه، إلا أنه لم يتغير شيء في الموضوع. أما أم «أبو طلحة»، «طباخ داعش»، فهي تبحث عن جثة ابنها تارة، وتارة أخرى يساورها شك بأنه يموت حيا في سجون «داعش».
من جهته، البلجيكي ديمتري بونتينك، نجح في أكتوبر (تشرين الأول) 2013 في إعادة ابنه الشاب لبلجيكا، واحتضانه مجددا بعد عدة محاولات خاطر فيها بحياته لانتشال جون من فك التطرف، و«نجح في العادة 6 أشخاص رغبوا في ترك (داعش)، ومن عادوا بقوا على إسلامهم، ولكن ليس مثل (داعش)، وما زالوا مسلمين جدًا مثل ابني»، والكلام لديمتري، ويتابع متأسفا: «فور عودتنا إلى بلجيكا ألقي القبض على ابني، وبدأ التحقيق معه، وهو من جانبه أخبرهم بكل شيء، وأعد لهم كتيبا من 250 صفحة عن رحلته إلى سوريا.. كيف بدأت، وإلى أين وصلت.
طباخ «داعش»
أبو طلحة، أو «طباخ داعش»، 16 عاما، شاب دنماركي من أصل فلسطيني، ليس فقط أصدقاؤه، بل حتى السبايا اللاتي اختطفهن «داعش» من الإيزيديات، يتذكرون الحزن في عين الشاب الممتلئ الجسم.
أم أبو طلحة التي فضلت عدم الكشف عن اسمها الحقيقي، تحكي قصة الطفل الذي ترك المدرسة وتوجه إلى سوريا عابرا الحدود تحت أنظار حرسه، ليقع في النهاية فريسة إغواء المتطرفين.
تقول أم طلحة لـ«المجلة»: «ابني كان عاقلا ومستواه جيد في المدرسة»، مستأنفة بأسف: «لكنه كان (أخبل) طيب القلب، تعرض لتجربة قاسية أثرت عليه وبدا متعبا في الفترة الأخيرة قبل ذهابه بعدة أشهر، أصدقاؤه في المدرسة سرقوا بيتنا وحرقوا سيارتنا لأنني طلبت منهم أن يقطعوا علاقتهم بابني، الأمر الذي ترك تأثيرا سلبيا على نفسية ابني 15 عاما، خاصة بعد أن قامت الشرطة الدنماركية بتبرئتهم.. أصبح يقصد المسجد ويتردد عليه باستمرار، وتعرف هناك على مجوعة من السلفيين، كان عمره 15 عاما وهناك تمت تعبئته ضد الأوروبيين والدنماركيين مستغلين الحادثة التي تعرض لها ابني، وبثوا سمومهم في عقله وهم يرددون على مسامعه أن الدنماركيين لم يدافعوا عنك لأنك مسلم.. وكلاما من هذا القبيل، إلى أن حاول الهروب»، مضيفة: «في البداية كانوا يجتمعون في المسجد، فيما بعد أصبحوا يجتمعون في بيوت بعضهم ويدرسون الشريعة عن طريق الإنترنت, مواقع التواصل الاجتماعي، ويرسلون صورا للشباب في سوريا على أنهم مجاهدون، والبعض منهم كان يقول إننا ليس بالضرورة أن نحارب، وإن القتال لا يفرض على الجميع، وإنهم في سوريا يتلقون رواتب شهرية ويسكنون بيوتا واسعة ويتم تزويجهم. كثير من الشباب صدقوا ما يشيعه المتخصصون في التنظيم لاستقطاب الشباب»، موضحة: «رفيق ابني الذي غسل دماغه لعب وأخذه من حضني وهو دنماركي الأصل، وهو الآن مبتور الرجل وما زال يعيش في الرقة لا يريد العودة.. أسلم وسافر عن طريق (فيسبوك) وأصبح ينشر صوره وهو يحمل الكلاشنيكوف، وأن مغامرته تستحق التجربة، وابني صدقه وتبعه».
وتؤكد قائلة: «أبلغت عنه المخابرات، ومزقت جواز سفره، وقدمت طلب منع سفر للسلطات في الدنمارك، إلا أنه تمكن من تزوير توقيعي وحصل على جواز سفر جديد، وسافر بشكل نظامي من المطار متوجها إلى إسطنبول. أما الشرطي، فقال له: (ما تتأخرش)».
[caption id="attachment_55253387" align="alignright" width="300"] أبو طلحة - طباخ داعش[/caption]
أبو طلحة كان عمره 16 عاما عندما غادر الدنمارك متوجها إلى تركيا، والشرطي قال ممازحا الطفل: «لا تتأخر في العودة»؛ الأمر الذي تؤكده الأم، والذي يدل، حسب قناعاتها، على أن السلطات تتهاون بموضوع التحاق الأوروبيين المسلمين بالتنظيمات الإرهابية.
وتشير إلى أن السلطات التركية أوقفت أبو طلحة وتم سجنه لمدة أسبوع، وبعد التحقيق معه أرسل إلى دار للأيتام، وهناك تمكن من الهروب من الدار الذي يسمح في العادة للأطفال بالخروج لمدة ثلاث ساعات في النهار، وهذا ما مكن أبو طلحة من التواصل مجددا مع أصدقائه والهروب معهم إلى الحدود السورية، ودخل سوريا.
أبو طلحة قال لأمه إنه سوف يساعد أحد أصدقائه في طلاء جدران بيته، إلا أنه بعد أسبوعين من غيابه، أرسل صورة له وأخبر أمه أنه في حلب وأنه لن يعود مرة أخرى إلى الدنمارك.
التحق أبو طلحة في البداية بفصيل لـ«الجيش الحر»، ثم التحق بـ«أحرار الشام»، إلا أن أصدقاءه أقنعوه بالانضمام إلى التنظيم الإرهابي.
الأم تجهش بالبكاء وتقول: «تعرف على وجههم الحقيقي، فتخلصوا منه. كان محاصرا لم يستطع الهروب. ابني كان يخاف. كان حزينا ومقهورا، بعد إشاعة نبأ مقتله في سنجار، اتصل بي، وقال إنه كان مسجونا، انقطعت أخباره ولم أعرفت أي شيء»، مضيفة: «اتصل بي أحد ما من الدنمارك وأخبرني أن ابني قتل في الأول من رمضان، اتصلت وسألت إلى أن وصلت لأصدقائه، هناك قالوا إنه قتل في قصف جوي ولم يبق شيء من جسمه، وبعد فترة قال أحدهم، لا فقط قطع رأسه، وقبل أيام اتصل بي معي صديق له وقال إن جسمه فقط مقطع، وإن معه فيديو مقتله، طلبت منه إرسال الفيديو إلي، فرد بأني لن أتعرف على ابني ونصحني بعدم مشاهدة المقطع».
واحد ممن تمكن من الهروب من «داعش»، كان كثيرا ما يلتقي بأبو طلحة، المعروف بـ«أبو طلحة الطباخ»، ويقول عنه: «لقد كان طباخ الجرحى، والطباخ في الحروب، حتى إنه كان يطبخ أحيانا في السجون، لذا كثيرون من الأسرى والسبايا والجرحى التقوا أو سمعوا على أقل تقرير بـ(أبو طلحة الطباخ)»، ويضيف أبو عمر السويدي: «دخل أبو طلحة الرقة وبقي فيها قرابة الشهر، لكنه لم تعجبه، كنا معا، بقينا شهرا بالرقة.. درسنا الشريعة، وبعدها مباشرة قصدنا منبج. الرقة لم تكن تعجبنا، عادة هناك قصف، وأيضا درجات الحرارة فيها مرتفعة.. كثير من الدواعش الأوروبيين يقصدون منبج أو جرابلس.. لا يحبون الرقة التي عادة يبقى يعيش فيها الدواعش من الجزيرة ومن الشيشان والجزائر والمغرب والعراق ومن ليبيا.. وغيرها، ولكننا كنا نذهب إلى الباب كل جمعة لأداء صلاة الجمعة. أبو طلحة كان يقول إن منبج حلوة وأمان، وأغلب أصدقائنا كانوا يقيمون في الباب. عادة الدواعش الأوروبيون كانوا يفضلون الباب عن الرقة».
أبو عمر يكشف لـ«المجلة»، كيفية تصفية «داعش» لطباخهم، ويقول بهذا الصدد: «بعد مضي عدة أشهر من التحاق أبو طلحة بـ(داعش) وبسبب طيبة قلبه، فقد كان ينتقدهم في بعض الأحيان. بعد أن أصبحوا يضغطون عليه للقتال في سنجار، أصبح إحساسه بالندم يكبر يوما بد يوم.. أصبح مراقبا، وفضل أي شيء على أن يقاتل، وحتى فضل السجن على أن يذهب إلى القتال، وبالفعل سجن، وحتى يخفوا أسباب سجنه لأن كثيرين سيتعاطفون معه، فقد أشاعوا خبر قتله ووصل الخبر لأمه. كل هذا صعب على شاب في عمر أبو طلحة، وكان في كثير من الأحيان يهيج بالبكاء، لكنه لا يستطيع الهرب، ثم إن التنقل من مدينة أو من منطقة إلى منطقة أخرى، يحتاج إلى تصريح من الأمير. ما كنا نجرؤ على إجراء أي مكالمة أو طلب أي مساعدة لأن هواتفنا الجوالة مراقبة، وعادة يتم أخذها منا وفحصها ومسح جميع الرسائل، وحتى استرجاع ما تم مسحه في كثير من الأوقات، أي في حال قمنا بمسح أي محادثة، فإنهم بإمكانهم استرجاع المحادثة المحذوفة».
ويكشف عن أنه تم «سجن أبو طلحة، وشاهد التصفيات الجسدية من قبل (داعش) لمن لا يرون له مصلحة لديهم، أو يمكن أن يشكل خطرًا على التنظيم أو أفراده. أما حالة السجون، فهي عبارة عن مقابر جماعية وفردية، وحالة مزرية من الناحية الصحية، فالسجون رطبة جدًا، وهناك من الحشرات ما يكفي لقتل فيل، ناهيك بالقمل، والجرب، هناك سجن تحت ملعب الرقة، وسجن للأجانب. عدد السجون في الرقة كبير جدا، وأيضا في الموصل هناك عدد كبير من السجون يزج فيها كل من يخالف (داعش)».
ويشير إلى أنه «بعد سجن أبو طلحة بدا عليه القلق والخوف بشكل واضح، وبعد الخسارة التي مني بها (داعش) في كوباني (عين العرب) بدأ يأخذ الكل إلى القتال دون استثناء، وسيق أبو طلحة إلى تل عيسى وأجبر على القتال هناك، وفي أول يوم من رمضان بمدينة عين عيسى، قتل أبو طلحة، ولا يمكننا تأكيد أنه قتل حسب ما أشاعوا جراء قصف أحد المنازل التي كان أبو طلحة يختبئ فيها من قصف قوات التحالف، لكنه قالها مرة إنهم سيتخلصون منه وإنه نادم على اختياره. كان حزينا ومقهورا، وكان لزاما علينا أن نمدح (داعش) و(الدولة) والبغدادي عند التواصل مع أقربائنا».
ويكشف أيضا أبو عمر عن «قتل صديق أبو طلحة، ويدعى أبو إبراهيم الفلسطيني، بعد أسبوعين من مقتل أبو طلحة، فهو وزوجته تأثروا كثيرا لموت صديقهم، وزوجته لا تستطيع التواصل مع أهلها بسبب المراقبة، وهي ممنوع عليها الخروج من البيت حتى تضع المولود.. إنها لا تعرف العربية.. سافرت مع زوجها إلى سوريا الذي أوهم أهله أنه سوف يقضي شهر عسله في تركيا، إلا أنه التحق بالتنظيم وسافر إلى سوريا، بعد خمسة أشهر أرسله للحسكة وقتل هناك، وهناك أنباء عن أن (داعش) قتل تسعين شخصا من مقاتليه بالحسكة ممن حاولوا الفرار من المعركة».