مراقبون: ملفات اليمن شائكة.. ومستقبله في دولة اتحادية

مراقبون: ملفات اليمن شائكة.. ومستقبله في دولة اتحادية

[caption id="attachment_55253350" align="aligncenter" width="620"]المقاومة الشعبية في الجنوب اليمني وفرحة الانتصار (غيتي) المقاومة الشعبية في الجنوب اليمني وفرحة الانتصار (غيتي)[/caption]

[blockquote]
في منتصف شهر يونيو (حزيران) الماضي، انعقدت مشاورات جنيف، غير المباشرة، بين الأطراف اليمنية المتنازعة، ألحكومة اليمنية الشرعية، وتحالف الانقلابيين، ممثلا في الميليشيات الحوثية والقوات الموالية للمخلوع علي عبد الله صالح، الذين انقلبوا على شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي وحكومة الكفاءات برئاسة، خالد محفوظ بحاح، مطلع أواخر عام 2014.[/blockquote]



عندما اجتاحت الميليشيات الحوثية العاصمة صنعاء بالتواطؤ والتنسيق مع القوات الموالية للمخلوع صالح في الحرس الجمهوري وكثير من وحدات الجيش وقوات الأمن الخاصة (الأمن المركزي - سابقا)، وعندما جرت تلك المشاورات في جنيف، كان الحوثيون يفاوضون من منطقة القوة والغطرسة والتعالي، فمعظم المحافظات اليمنية، كانت، حينها، تحت سيطرتهم، بما فيها العاصمة المؤقتة عدن وعدد من محافظات الجنوب، ورفضوا كافة المقترحات من أجل التوصل لتسوية سياسية، كما أفشلوا كل الهدن التي حاولت الأمم المتحدة أن تطبقها في اليمن، من أجل إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة إلى ملايين اليمنيين، الذين يعانون جراء الحرب وجراء سيطرة تلك الميليشيات على مدنهم وبلداتهم.
غير أن سيناريو الأحداث والتطورات على الأرض، تغير كثيرا عقب تلك المشاورات مباشرة، حيث كانت قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية وقوات الجيش الوطني والمقاومة الشعبية، تعد الخطط وتجهز نفسها للاحتمالات الأسوأ، ومن أبرزها فشل مساعي التسوية السياسية، وجرى التخطيط المحكم لعملية «السهم الذهبي» التي حررت مدينة عدن، كبرى مدن جنوب البلاد، في منتصف يوليو (تموز) الماضي، ثم تتالت هزائم الحوثيين وانتصارات الجيش الوطني والمقاومة المسنودة من قوات التحالف، فسقطت لحج ثم أبين ثم ما تبقى من محافظة الضالع، ثم انسحبت الميليشيات من محافظة شبوة، وهناك الكثير من التفاصيل التي يمكن الحديث عنها والتي يعرفها الكثير من الناس، غير أن الشيء المؤكد الذي بات واضحا للعيان، هو سقوط المشروع الإيراني في اليمن وسقوط السيناريو، الذي يمكن وصفه بـ«الأسود» لعبد الملك الحوثي، المدعوم من إيران، الذي يطلق عليه أنصاره لقب «السيد»، وللرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، الذي يطلق عليه أنصاره في حزب المؤتمر الشعبي العام لقب «الزعيم».


غايات.. وأهداف




بنظر الكثير من اليمنيين، فإن مخطط إيران في اليمن، الذي كان الحوثيون والمخلوع وجيشه المتمرد على الشرعية، أدوات لتنفيذه، سرعان ما كشف عنه، حتى أمام المواطن اليمني العادي، الذي لم يعد يتأثر بشعارات الحوثيين أو مزاعمهم أو خطابات المخلوع صالح ومزاعمه بأنه «صانع الوحدة»، وبات اليمنيون يدركون أن المبررات التي ساقها تحالف الحوثي - صالح، لشن حرب على المحافظات اليمنية، وبالأخص الجنوبية، ليست سوى «شعارات زائفة»، فكثير من المواطنين لا يصدقون هذا التحالف الذي يزعم أنه يحارب «الدواعش» و«التكفيريين» وعناصر «القاعدة»، وللسياسيين لغة أخرى، حيث يقول علي شايف الحريري، المتحدث باسم المقاومة الجنوبية إن ميليشيات الحوثي وعفاش (علي عبد الله صالح) وحلفائهم هزمت في الجنوب، بفضل دعم دول التحالف العربي وانكسر بهذا الانتصار المشروع الفارسي «الوصول إلى باب المندب وحضرموت»، ويؤكد الحريري، في حديث مع «المجلة» أن «إيران وعلى مدى سنوات بذلت جهدا كبيرا لكي ينمو ذراعها العسكري في اليمن (الحوثي) وظل رجال مخابراتها في عمل مستمر لاستثمار أي متغيرات على الساحة اليمنية أو الإقليمية للبحث عن حليف قوي للحوثي، حتى أبرزت المتغيرات المخلوع صالح الذي يمتلك شهوة كبيرة في حب المال والسلطة والانتقام ولم تكتف إيران بذلك بل صنعت حلفاء للحوثي، كل هؤلاء، الحوثي وشركاءه الذي يرضعون من ثدي إيران ويشرف عليهم حزب الله، انهزموا عسكريا على الأرض في الجنوب، وهم ما زالوا على قيد الحياة سيبذلون كل جهد وطريق لإفشال الانتصار وسوف يستخدمون طرقا كثيرة وهم أساتذة في ذلك، ومن تلك الأوراق الذي سوف يلعبون بها: ملف القضية الجنوبية، ملف تنظيم القاعدة، ملف المناطقية الجنوبية»، ويفند الحريري على النحو التالي: «أولا، ملف القضية الجنوبية، كلنا نعلم كيف قامت الوحدة اليمنية وماذا حل بشعب الجنوب طيلة 25 عاما من قتل وسحل وتنكيل، وكيف استولى الشماليون على أراضي الجنوب الحديث عنها يطول، ثانيًا، ورقة القاعدة وهذه هي الورقة، حتى الآن، يلعب بها المخلوع منذ أن استقطب عناصره العائدين من أفغانستان في حرب 1994، ورفدهم بعناصر جديد ومنحهم الرتب والامتيازات، وثالثًا المناطقية الجنوبية، أي تأليب محافظة ضد أخرى وتوظيف الأحداث القديمة والجديدة».


المقاومة.. قصة معاناة وانتصار




تمثل المقاومة الجنوبية قصة وعنوانا بارزا في الأحداث التي يشهدها اليمن، منذ أواخر العام الماضي وحتى الآن، ففي الوقت الذي سكتت فيه كل القوى والأحزاب والفصائل في شمال اليمن، انبرت فصائل وقوى الجنوب لتشكل مقاومة للدفاع عن مناطقهم ضد عملية الاجتياح التي حدثت أمام العالم اجمع، ويتحدث لـ«المجلة» الحريري، عن بدايات المقاومة الجنوبية، ويقول إنها «عند اجتياح ميليشيات الحوثي والمخلوع للجنوب، عانت الكثير من المتاعب والعقبات في طريقها، فقد كانت تلك الميليشيات في مرحلة الوصول إلى كريتر، إلى قصر الرئاسة، وهي عنفوانها وفي نشوة والغطرسة النصر الكاذب، وقد لاحظنا ذلك الوضع وانعكاسه السياسي في دهاليز السياسية وبان ذلك واضحا في مباحثات جنيف»، ويؤكد أن المقاومة الجنوبية كانت تعاني، في البداية، نقصا في السلاح «حيث كان المقاتل يتناوب على قطعة الكلاشنيكوف هو وزميله نوبات، أضف إلى ذلك انشغال بعض النازحين بإخلاء عائلاتهم لكون الحوثي استخدم إرهاب قصف المدنيين في محاولة لإخضاع المقاومة، حيث كان يركز قصفه على الأحياء السكنية، وسقط ضحايا كثر أطفالا ونساء ومن تلك المجازر ما حصل في كريتر والمعلا والتواهي وخور مكسر كانت مشاهد قاسية جدا»، ويضيف أنه «في المقابل كانت الميليشيات تمتلك سلاحا ثقيلا ونحن في المقاومة لا نمتلك ذلك، عندما كانت المقاومة تستعيد شارعا أو مدينة، يحرك العدو دبابات ولا توجد لدينا في المقاومة أسلحة مضادة وإن وجدت تكون نادرة وعلى مسافات بعيدة ولم تكن المقاومة في البداية تمتلك أجهزة تواصل واتصال آمنة والهواتف التي يتم استخدامها تخضع لرقابة العدو»، ويمضي المقاوم والمتحدث باسم المقاومة، على شايف الحريري قائلا: «أعطيك مثالا، ففي جبهة خور مكسر كنت أنا مع الشباب هناك وتحديدا يوم حررنا السفارة الروسية ومنزل الرئيس هادي والفنادق المجاورة بعدما سيطرنا على المكان تحركت إلينا مدرعتين تابعه للعدو، من اتجاه بيت علي محسن وشكل لنا موقفا عصيبا لم نكن نمتلك قاذفا وبعد البحث وجدنا في أحد المنازل المجاورة طلقة قاذف ولم نجد القاذف نفسه واستعنا بأحد المقاومين من حي السعادة المجاور لكن بعد أن أرهقتنا المدرعتان».



[inset_left]المتحدث باسم المقاومة الجنوبية :على مدى سنوات إيران بذلت جهدا كبيرا لكي ينمو ذراعها العسكري في اليمن ..ولكن عاصفة الحزم كسرت المشروع الفارسي[/inset_left]



ولا ينكر اليمنيون الجنوبيون الدور الكبير الذي لعبته قوات التحالف، وفي المقدمة المملكة العربية السعودية، في تعزيز ودعم المقاومة للوقوف أمام عنترية الميليشيات، وكانت عملية «السهم الذهبي» أبرز وأقوى دعم للمقاومة الجنوبية، ويقول الحريري إن العملية بدأت، في مراحلها الأولى، بـ«دعم المقاومة بسلاح نوعي شكل ذلك رافدا قويا ومهما في تغير موازين القوى في الجبهات أضف إلى ذلك تدريب المقاتلين في المعسكرات. وبعد انتصار المقاومة الشعبية الجنوبية في الضالع شكل ذلك عاملا هاما للانتصار في عدن حيث تم تدريب مقاتلين هناك تم تعزيز بهم جبهات القتال، ودخلت كتيبة الحزم إلى رأس عمران وإلى جانبها المقاومة وطيران التحالف فتحقق نصر كبير وصل إلى مفرق الوهط وصبر ثم خور مكسر وعدن والمعلا والتواهي وكريتر، واتجهت المرحلة الثانية لعاصفة الحزم وتم تحرير العند ولحج وأبين ثم شبوة».. يؤكد المقاوم الحريري أن «الحوثيين وكلاء المشروع الإيراني الذين تحطموا على أسوار عدن بفضل دعم دول التحالف العربي صمود المقاومة الشعبية الجنوبية وإصرار أبناء الجنوب على تحمل الموت والنزوح على أن يقبلوا المشروع التوسعي الفارسي.. دول التحالف العربي بقيادة السعودية لعبت دورا كبيرا جدا في حسم المعارك من خلال دك تجمعات العدو والتعزيزات وإنزال الأسلحة النوعية وتقديم المعلومات العسكرية الدقيقة»، ويعتقد الحريري أن «الحوثي والمخلوع لم يكونوا يتوقعون، قبل بدء التمدد نحو الجنوب، أن يجابهوا بهذه المقاومة الشرسة ولم يضعوا في حسابهم أن السعودية ومعها دول التحالف سوف تتدخل عسكريا كانوا يراهنون على سياسة فرض الأمر الواقع وكانوا يظنون أن السعودية سوف تكتفي فقط بالإدانة وعقد قمة طارئة لمجلس التعاون والجامعة العربية»، ويجزم بأن «التحالف العربي أضعف الانقلابيين الحوثيين على الأرض ودمر الترسانة العسكرية التي كانت تهدد أبناء اليمن والجنوب الذي بناها صالح طيلة 33 عاما ليقمع بها الشعب»، كما يجزم بأن «السيناريو الأسود» للحوثيين والمخلوع صالح، سقط و«سقط معه المشروع الإيراني الذي من أهم أهدافه السيطرة على باب المندب وحضرموت وإكمال المثلث الشيعي حول الخليج العربي»، وأن «الحوثي والمخلوع ليسوا سوى أداة بيد إيران لتنفيذ أجندتها دفعوا بأتباعهم إلى محرقة في الجنوب حيث إن الشوارع كانت تعج بجثث تلك الميليشيات البربرية الغازية لعدن التي لقيت حتفها على يد المقاومة الشعبية الجنوبية وطيران التحالف».


البقاء.. الاقتصاص




يرى كثير من اليمنيين، أن بقاء الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح وزعيم حركة التمرد الحوثية، عبد الملك الحوثي، طلقاء، لن يكون مناسبا للعملية السياسية، على الإطلاق، لأنهم لن يدعوا المنطقة تنعم بالأمن والاستقرار وسوف يوظفون أموالهم الطائلة لزعزعة الأمن والاستقرار، وفي ضوء الوقائع الميدانية والتدخل، الذي بات مباشرا، من قبل قوات التحالف التي أدخلت قوات إلى اليمن، وفي ضوء تحرير الجنوب كاملا واستمرار العمليات في المناطق الشمالية، يرى المراقبون أن هناك سيناريوهات كثيرة تنتظر البلاد، وأن الانقلابيين سيسعون إلى إدخال البلاد في أتون حروب داخلية متشعبة، وقد بدأت بوادر ذلك عبر نشاط لتنظيم القاعدة في عدن وبعض المناطق الجنوبية، في ظل اتهامات للمخلوع صالح بتحريك هذه العناصر وتسليحها وتمويلها، وهناك ملف آخر سوف يحاول صالح والحوثي إيجاد سيناريو من خلاله للحرب الأهلية، وهو انفصال الجنوب، فالمراقبون يعتقدون أن صالح والحوثي سيسعون إلى تشجيع بعض الأطراف إلى إعلان الانفصال ليكون ذلك ذريعة لحرب أهلية طويلة الأمد، غير أن القراءة المتكاملة في الوضع اليمني، يعتقد البعض أنها تكمن في الحسم العسكري، أولا، ومن ثم التسوية السياسية التي تضمن قيام كيان ودولة فيدرالية بأقاليم ستة، كتجربة جديدة بين الشمال والجنوب لعدة سنوات، قبل تقرير المصير، ويذهب المراقبون إلى أن الوصول إلى هذه المرحلة يتطلب جهدا كبيرا ويتطلب جهدا أكبر من دول التحالف وفي المقدمة المملكة العربية السعودية، من أجل ترسيخ نظام في اليمن لا تكون فيه الغلبة لطرف على حساب الآخر، وذلك من أجل استقرار اليمن والمنطقة عموما.. ولعل الأيام المقبلة حبلى بالكثير من المفاجآت على صعيد تحرير المحافظات الشمالية وفي مقدمتها العاصمة صنعاء، لكن الشيء الأكيد لدى اليمنيين، هو سقوط السيناريو الذي رسمته إيران والحوثيين والمخلوع صالح.


font change