هل تدخل دول الخليج في عصر ضريبة القيمة المضافة؟

هل تدخل دول الخليج في عصر ضريبة القيمة المضافة؟

146682716

الرياض: معتصم الفلو



[blockquote]لطالما اشتهرت دول مجلس التعاون الخليجي عبر عقود بأنها منطقة «منزوعة الضرائب»، ولكن، ومنذ أواخر التسعينات، كلما شعر صناع القرار المالي الخليجيون بأن هناك هبوطًا في ريع النفط، الذي يشكل الحصة الوازنة في إيرادات دولهم، فإنهم يكثرون الحديث عن ضرورة فرض رسوم ما على السلع أو الخدمات. وما إن تنتعش أسعار النفط مجددًا، فإن الحديث عن الرسوم أو الضرائب يخفت أو يختفي من الأجندات المالية حتى يحين الموعد مع انخفاض جديد لأسعار النفط.
[/blockquote]


يكشف ذلك التردد تخوف الخليجيين، حكومات وشعوبًا، من تأثر مستوى الرفاهية للمواطنين، وهو أمر تضعه تلك الدول على سلم أولوياتها، لذا كان تأجيل الحديث عن فرض الضرائب نهجًا دائمًا. ولعل أحد أمثلة ذلك هو إشارة أطلقها وزير الدولة لشؤون المالية والصناعة الإماراتي الدكتور محمد خلفان بن خرباش عام 2004، ورجح فيها تطبيق ضريبة القيمة المضافة لأنها أنسب من كل أنواع الضرائب من حيث عدالتها وشمولها، فهي تشمل النطاق الأوسع في المجتمع، وهي ليست موجهة ضد فئة لمصلحة فئة أخرى، كما أنها ضريبة غير مباشرة على الدخل، وتتناسب مع مدى وقيمة الاستهلاك، على حد قوله آنذاك. ومن المبررات الأخرى التي ساقها الوزير في تفضيل هذا النوع من الضرائب هو أنها ليست متحيزة ضد الادخار والاستثمار. وبعد أكثر من 11 عامًا، لم تفرض الإمارات حتى الآن تلك الضريبة بسبب عقبات مختلفة.


مبادرات خجولة



ومع ذلك، فإن هناك مبادرات خجولة من فترة لأخرى لفرض نوع من الرسوم أو الضرائب «الخفيفة» على بعض الخدمات أو السلع. فالسعودية مثلاً فرضت رسم خدمة في أواخر التسعينات قدره 10 ريالات على فواتير الكهرباء، كما رفعت الرسوم المفروضة على رخص إقامة العاملين المقيمين في القطاع الخاص قبل 3 سنوات تقريبًا، واستطاعت توليد نحو 12 مليار ريال (3.2 مليار دولار سنويًا) للخزينة السعودية. أما البحرين والإمارات، فقد فرضتا رسومًا على قطاع السياحة قبل أعوام قليلة؛ تؤخذ من السياح تحت مسمى رسوم بلدية أو خدمات عامة، مع مجموعة من الإجراءات الضريبية المتنوعة التي لا تمس المواطنين بشكل مباشر. وأعلنت الكويت قبل فترة قريبة أنه لن يكون هناك خدمات مجانية في وزارة الداخلية للخدمات المقدمة للوافدين. ويضاف إلى ذلك ضرائب متنوعة على الشركات والاستثمارات الأجنبية.
ومع تدني أسعار النفط إلى ما دون 50 دولارًا للبرميل، بدأ الحديث جديًا عن محاولات لفرض رسوم على ضريبة القيمة المضافة، وهي الضريبة التي تفرض على طائفة من الخدمات والسلع (تستثنى في الغالبية الأساسية منها) بنسب مختلفة وتدفع مباشرة عبر منافذ البيع عبر إضافتها مباشرة إلى إيصالات الفواتير. وتطبق هذه الضريبة حصرًا على مواطني الدول والمقيمين فيها، وتستثني السياح والزوار، ويمكنهم استرجاعها وقت مغادرتهم البلاد.


خطوة ملموسة



وكان أول تحرك جدي في هذا السياق هو اعتماد مشروع لضريبة القيمة المضافة بدول مجلس التعاون الخليجي في مايو (أيار) الماضي، وذلك بوصفها اتفاقية تتضمن الأحكام والمبادئ المشتركة المتفق عليها بين الدول الأعضاء؛ على أن تصادق الدول الأعضاء على الاتفاقية حسب الإجراءات الداخلية المتبعة في كل دولة.
وتضمن القرار الخليجي إصدار كل دولة من دول المجلس قانونًا محليًا لضريبة القيمة المضافة، تعكس فيه الأحكام المشتركة الواردة في الاتفاقية. كما تم الاتفاق على تكليف صندوق النقد الدولي بإعداد دراسات حول تقييم أثر انخفاض أسعار النفط على دول المجلس خاصة فيما يتعلق بتأثر ذلك على الاستقرار المالي وأسعار الطاقة وسياسات الضرائب في الدول الأعضاء.


عقبات كأداء



ولعل أهم عقبة تواجه تطبيق ضريبة القيمة المضافة هي ضرورة اتفاق الدول الخليجية الست على تطبيقها في وقت واحد، وذلك لمنع الاختلال في الأسواق ومنع التهريب بين دول المجلس. كما أن مسألة التمتع بحق استرجاع الضريبة شائكة ومعقدة. فماذا لو أصبحت هناك «تجارة حدودية» بين دول الخليج، يتم من خلالها شراء السلع واسترجاع قيمة الضريبة للمواطنين الخليجيين والمقيمين في غير الدولة التي تمت منها عملية الشراء، ثم تم إدخالها مرة أخرى وبيعها مرة أخرى دون ضريبة؛ في عملية تهريب تتضمن احتيالاً ضريبيًا؟
وفي هذا السياق، قال وكيل وزارة المالية يونس حاجي الخوري أواسط أغسطس (آب) الماضي: «لا نستطيع فرض الضريبة في بلدنا فقط. يجب أن تكون على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي. لكن إذا اتفقت دول المجلس على موعد نهائي فإن أي دولة تستطيع تطبيقها قبل الأخرى».

وبناءً عليه، فإن تطبيق نظام ضريبة القيمة المضافة يتطلب جهودا كبيرة واستعدادات في مجالات الإدارة والمحاسبة ومراقبة منافذ الدول، وبخاصة أن دول الخليج عديمة الخبرة في وضع النظم الضريبية ولم تنشئ حتى الآن هيئات أو إدارات لتحصيل الضرائب بهذا المسمى، وهو أمر يؤخر تطبيقها. ورغم الفوائد المالية التي ستتأتي من تطبيقها، فإن تكاليف فرضها ليست بالهينة. كما أن حجم الإيرادات المتأتية منها سيعتمد على جملة من العوامل من أهما معدل الضريبة، ومدى الجدية في تطبيقها، وعدد السلع التي ستخضع للاستثناءات مثل الأغذية والسلع الزراعية والأدوية والسلع الاستثمارية. وتجارب الدول الأخرى تشير إلى أهمية وجود الدراسات العلمية والتطبيقية، واتخاذ الخطوات التمهيدية قبل فرضها.
كما أن مجمل الأعمال التجارية هو من سيقوم بتحصيل تلك الضريبة، وهنا ينبغي إجراء تدريبات مكثفة للعاملين والمديرين على كيفية تحصيل تلك الضريبة دون محاولة البيع خارج الأطر المعتادة، فلا تضيع الإيرادات على تلك الدول. وهنا تبرز أهمية شفافية قطاع الأعمال من أجل التطبيق السلس لتلك الضريبة.
وهناك مشكلة إضافية تتعلق بالإمارات العربية المتحدة دونًا عن غيرها من دول الخليج، وهي أن نظامها فيدرالي، فهناك صعوبات إدارية، تتمثل في توزعها بين الإدارة الاتحادية والسلطات المحلية. كما أن الحكومات المحلية تتباين من حيث قدراتها الإدارية، فالعبء الأكبر سيقع على الإمارات التي تتمتع بأنظمة إدارية متقدمة مثل دبي وأبوظبي والشارقة، بينما ستنعم إمارات أخرى بإيرادات دون بذل جهود مقابلة بسبب أن أنظمتها الإدارية ليست بالكفاءة نفسها للإمارات المذكورة. ولن تعاني الدول الأخرى من تلك الملكة لأن نظامها مركزي، وإصدار القرار كافٍ لوحده بأن تطبقه كافة المناطق دون تفاوت إداري.

كما تتخوف دول المجلس من ارتفاع معدلات التضخم وانحسار الإنفاق بسبب ترشيد الإنفاق الاستهلاكي، الأمر الذي قد يؤثر سلبًا على مجمل الحركة التجارية في دول مجلس التعاون، وبالتالي التأثير سلبًا على النمو. ولا تستطيع تلك الدول أن تفرض ضريبة القيمة المضافة على المقيمين مثلاً، دون أن تفرضها على المواطنين حتى لا يتأثر مستوى رفاهيتهم!


فوائد مرتقبة



رغم أن تطبيق ضريبة القيمة المضافة لم يبدأ إلا قبل نحو 50 عاما، فإن هذه الضريبة أصبحت مصدرًا رئيسيًا للإيرادات في غالبية دول العالم. وتشكل هذه الضريبة الآن نحو ربع الإيرادات الضريبية وما يقارب من 5 في المائة من جملة الناتج المحلي الإجمالي في معظم الدول التي تطبقها. ومن بين الدول الـ193 الأعضاء في الأمم المتحدة، فإن 41 دولة فقط هي التي لا تطبق هذه الضريبة، أهمها الدول العربية، باستثناء لبنان ومصر وتونس والمغرب.
ومن المرتقب أن تساعد تلك الضريبة على تشجيع الصادرات وفتح أسواق جديدة للتصدير، مما يزيد التنافسية، وذلك لأن هذه الضريبة عادة لا تفرض على الصادرات. كما أن إحدى مزاياها أيضًا أن العبء الضريبي الذي تتحمله السلع المحلية يكون مساويًا أو مقاربا للعبء الضريبي الذي تتحمله الواردات، مما يشجع المنتج المحلي على زيادة المنافسة مع المنتج المستورد.
كما أن الإيرادات المرتقبة في حال تطبيق تلك الضريبة، ستتجه إلى سد العجز أو مشاريع تنموية أخرى.


تبدو الإمارات العربية المتحدة متشجعة على تطبيق الضريبة في دول المجلس، فقد قالت وزارة المالية الإماراتية في أغسطس الماضي إن الدولة تعمل بالتعاون مع جيرانها لفرض ضريبة القيمة المضافة في المنطقة، لكن لم يتم التوصل بعد إلى اتفاق بشأن نسبة الضريبة والإعفاءات الخاصة بها.
وقالت الوزارة في بيان خلا من الموعد المحتمل للتوصل إلى اتفاق «في حال توصل دول مجلس التعاون إلى اتفاق نهائي على المواضيع المتعلقة بتطبيق ضريبة القيمة المضافة، فإنه سيتم الإعلان عن ذلك بشكل مباشر».
واعترف وكيل الوزارة يونس حاجي الخوري في تصريحات صحافية إن هناك خلافات بين دول مجلس التعاون الخليجي بشأن كيفية تطبيق ضريبة القيمة المضافة على القطاعات الاقتصادية.
وأضاف: «على سبيل المثال هناك دولة لا تريد فرض ضريبة القيمة المضافة على الأغذية والمشروبات، وبصفة خاصة على غذاء الأطفال، بينما تبدو دول أخرى أكثر ترددًا في فرضها على قطاع الخدمات وما إذا كانت ستؤثر على القطاع المالي أم لا، وعلى وجه الخصوص في الإمارات».
وقال الخوري إن لجنة فنية ستناقش مثل تلك الموضوعات في الرياض، وترفع تقريرها بحلول أكتوبر (تشرين الأول)، مضيفًا أن المحادثات لم تصل بعد إلى مستوى وكلاء الوزارة أو الوزراء.
وأوضحت الوزارة في البيان أنه فور التوصل لقرار بخصوص فرض ضريبة القيمة المضافة، ستعطى القطاعات المعنية بتطبيقها مهلة زمنية لا تقل عن 18 شهرًا للتحضير للتطبيق واستيفاء متطلبات الالتزام بالضريبة.

في الوقت ذاته، استبعد رئيس مجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية عبد الرحمن الزامل في تصريحات صحافية في أغسطس (آب) الماضي تطبيق ضريبة القيمة المضافة في المملكة حاليًا، وذلك بسبب عدم قدرة المواطن السعودي على تحملها وقوة اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي.
وأضاف أن ضريبة القيمة المضافة لن تؤثر على المستورِد أو المُصنع، ولكن سيتحملها المستهلك. ودعا إلى استثناء السلع الأساسية من هذه الضريبة في حال تطبيقها، معتبرًا أن تطبيقها أمر بالغ الحساسية!
وبالنظر إلى تاريخ مسار العمل على تطبيق أو اقتراح تلك الضريبة عبر العقود المختلفة، فإن تطبيقها يحتاج إلى إرادة وإمكانات هائلة، إضافة إلى تسويقها في مجتمعات عرفت في التاريخ الحديث بأنها لا تحب أن تدفع إلا قيمة ما تشتريه أو تلمسه من خدمات، ولا تؤمن بدفع مبالغ إضافية على شكل ضرائب لحكومات تراها شعوبها بالغة الثراء!
font change