مسابقة الروبوتات تكشف عن مزايا وعيوب تكنولوجيا الآليين

مسابقة الروبوتات تكشف عن مزايا وعيوب تكنولوجيا الآليين

[caption id="attachment_55253288" align="aligncenter" width="620"]نقل الريبوت المصاب إلى غرفة العناية الفائقة (غيتي) نقل الريبوت المصاب إلى غرفة العناية الفائقة (غيتي)[/caption]

لم يكن أول روبوت يسقط. كان ذلك في مسابقة «داربا» للروبوتات، التي استغرقت ثلاثة أعوام، حيث حاولت فرق الباحثين من عدة دول جعل الروبوتات تقوم بأشياء قد تكون ضرورية بعد وقوع كارثة مثلما حدث في مفاعل «فوكوشيما» النووي في اليابان عام 2011. شهدت الجولة النهائية من المسابقة التي عقدت في بومونا بكاليفورنيا في 5 و6 يونيو (حزيران) الحالي، سقوط الروبوتات بكل الطرق؛ فمنها ما سقط على وجهه، ومنها على ظهره، ومنها من تعثر كطفل دارج، أو انثني كبدلات رخيصة، ومنها ما سقط كأطنان من الطوب. تعرضت الروبوتات لانبعاجات وكسور وتقلصات وحتى نزف (أو على الأقل فقدان كارثي للسوائل الهيدروليكية). ولم يتمكن أي منها من النهوض من جديد، ما عدا «تشميب».


برمجة «تشيمب»



لم يكن فريق مركز هندسة الروبوتات المشغل لـ«تشيمب» يملك أي خطط محددة للوضع الذي وضع فيه الروبوت. وما زاد الأمر سوءا أن «تشيمب» أسند رأسه عبر الباب، مما يعني أنه دخل جزءا في مسار المسابقة تم فيه تعمد إضعاف القدرة على الاتصال بين الروبوت والمتحكمين به حتى تزداد حاجة الروبوت إلى العمل باستقلالية. ولكن وضعت برمجة «تشيمب» عدة طرق تمكنه من الحركة الملتوية، حتى استطاع في النهاية التمدد إلى وضع عرف من خلاله كيفية النهوض. وكان رد فعل الجمهور المشاهد عاصفا.

ولكن مع ذلك، لم يفز «تشيمب» في النهائيات، التي كانت من نصيب «هوبو»، وهو روبوت أصغر حجما تم تطويره في «المعهد المتقدم للعلوم والتكنولوجيا» في كوريا الجنوبية. حصل «هوبو» على جائزة المركز الأول التي تقدر بمليوني دولار من «داربا»، وهو مركز تكنولوجيا يخضع لإدارة البنتاغون ويقوم بتنظيم المسابقة. كانت تلك المسابقة وسيلة «داربا» لدفع أعمال تطوير الروبوتات القادرة على العمل في بيئة مصممة من أجل البشر ولكنها تحمل خطورة كبيرة عليهم، لهذا تطلبت المسابقة قيادة الروبوت للسيارات، وفتح الأبواب، واستخدام أدوات الطاقة، وتوصيل أو فصل الكابلات الكهربائية، وتسلق الدرج.. وما إلى ذلك، تحت إشراف بشري، ولكن ليس بالضرورة تحت التحكم المباشر من البشر.

لا يبدو هذا صعبا. ولكن الروبوتات غبية؛ فتلك الأجهزة التي لم تتم برمجتها لمهام محددة غالبا ما تكون صعبة المراس، وأحيانا ما تكون عنيدة. كانت إخفاقات الروبوتات غريبة ومؤثرة بالنسبة للمتفرجين في بومونا؛ فقد أصابوا مصمميهم بإحباط بالغ. وعندما بدأت مسابقة «داربا» للروبوتات في عام 2012، لم يكن هناك آليون قادرون على القيام بجميع المهام المتصورة، ناهيك بفعلها مهمة تلو الأخرى. أحد مقاييس نجاح البرنامج هي أنه بحلول النهاية استطاع ثلاثة متسابقين إتمام سلسلة من المهام النهائية في أقل من ساعة وهم: «هوبو»، و«رانينغ مان» (قام بتشغيله معهد فلوريدا للإدراك الإنساني والآلي)، و«تشيمب» الذي حصل على المركز الثالث وجائزة قيمتها 500 ألف دولار.


[blockquote]
تعرضت الروبوتات في المسابقة لانبعاجات وكسور وتقلصات ونزف.. ولم يتمكن أي منها من النهوض من جديد ما عدا الآلي «تشميب»[/blockquote]


على الرغم من أن «تشيمب» لديه أربعة أطراف، مثل معظم الروبوتات المشتركة في النهائيات، فإنه، على عكس معظم الآلات الأخرى، لا يمشي. وبدلا من ذلك، يستخدم مسارات جرار حول ما يمكن الاعتقاد بأنه ذراعاه وقدماه. كذلك يستطيع «تشيمب» الحركة في وضع مستقيم مما يترك للطرفين العلويين حرية القيام بأشياء مثل ثني الصمامات أو صنع الثقوب في الجدران، بينما يتولى الطرفان السفليان مهمة الحركة. عندما يحتاج الروبوت إلى اجتياز أرض وعرة، يمكنه الانحناء على أطرافه الأربعة في وضع يشبه السلحفاة. ويظهر أن هذه القدرة التعددية مفيدة جدا.
أما «هوبو» الفائز، فيتميز بأنه أكثر شبها بالإنسان، ويستطيع السير جيدا. ولكنه أيضا يتمتع بمميزات غير بشرية في ما يتعلق بالحركة؛ إذ تسمح له العجلات الموجودة في قدميه وركبتيه بالانطلاق بسرعة مع انثناء ساقيه تحته، مما يقدم بديلا أسرع وأكثر استقرارا من السير. في الواقع ليست مصادفة أن اثنين من الفائزين الثلاثة يستخدمان وسائل متعددة في الحركة. من بين 23 روبوتا حضرت تجارب المسابقة، كان هناك 18 آلة تسير في كل خطوة، بينما تمتع 6 آخرون بالقدرة على التدحرج، وقد وصل 5 من هؤلاء الستة إلى المراكز الثمانية الأولى.


روبوت شبيه بالإنسان



لم تكن صعوبة السير خبرا جديدة بالنسبة للمصممين في المسابقة؛ بل كانت إحدى نقاط التدريب. يفوق تطوير روبوت شبيه بالإنسان يملك قدرات عالية، من الصفر، إمكانات معظم المعامل الجامعية التي قد تملك أفكارا جيدة حول كيفية تحسين الروبوت. ونظرا للاعتقاد بأن الروبوتات التي يمكنها السير تكنولوجيا مفيدة وقابلة للتحول، نظمت «داربا» المسابقة مع الحد من موانع الاشتراك لتشجيع الباحثين الذين لم يتعاملوا من قبل مع تلك المشكلات.
وفي سبيل هذا الغرض، طلبت الوكالة من «بوسطن دايناميكس»، وهي شركة قامت بتصنيع روبوتات متنوعة يمكنها السير والجري، لصالح برامج عسكرية، تصنيع روبوت ذي ساقين وذراعين وطوله متران يسمى «أطلس». وشهدت جولة ما قبل الاختيار، التي أقيمت في منتصف عام 2013، مشاركة أكثر من مائة فريق في تطوير برنامج للتحكم في «أطلس» في بيئة افتراضية. وحصلت المجموعات التي حققت أفضل أداء، على «أطلس» حقيقي للعمل به، بالإضافة إلى المال لتشغيل فرقهم. كما قامت «داربا» بدعم تكاليف تطوير بعض المنافسين مثل «تشيمب». وفي المجمل، اقتربت تكاليف المسابقة من مائة مليون دولار.


[caption id="attachment_55253289" align="alignleft" width="300"]سقوط الرجل الآلي الاحمر خلال مسابقة «داربا» سقوط الرجل الآلي الاحمر خلال مسابقة «داربا»[/caption]

أظهر روبوت «أطلس» «رانينغ مان»، الذي فاز من خلاله فريق «معهد الإدراك الإنساني والآلي» بالمركز الثاني، مدى قدرة الروبوت الذي بعد إتمامه جولته الفائزة تسبب في إحراج مشغليه بسقوطه رغم نجاحه في إنجاز خطوات الانتصار. يقول جيري برات، قائد فريق «معهد الإدراك الإنساني والآلي» إن السير له مميزات هائلة.. يستطيع الإنسان بسهولة التقدم عبر مسار متقطع لا يزيد عرضه على قدم واحدة، متجاوزا بخطواته الواسعة عقبات كبيرة بما يكفي لعرقلة عجلات أي سيارة ليست وحشية. ولكن كما ظهر في مسابقة «داربا»، ما زال البرنامج والهيكل اللازم لامتلاك هذه القدرة بعيدا. في الوقت الحالي، يبدو أن أي روبوت مصمم للاستجابة للكوارث المقترحة على طريقة المسابقة، سيحتاج، على الأرجح، بديلا للساقين.

إحدى النقاط الأخرى التي تهتم بها مسابقة «داربا» للروبوتات، استيعاب الوقت الذي يستغرقه تحقيق الإنجاز. يرى الدكتور غيل برات، الذي يدير البرنامج في «داربا»، (وهو لا يرتبط بصلة قرابة مع السيد برات من «معهد الإدراك الإنساني والآلي» ولكنه أشرف على بحث الدكتوراه الخاص به) أن تلك وسيلة لتحفيز التقدم في هذا المجال، ولكنها أيضا تساعد على قياس مدى السرعة الممكنة لتحقيق هذا التقدم. يتذكر جميع المعنيين في مسابقة «داربا» للروبوتات التحسن المذهل الذي حدث في أول «تحديات (داربا) الكبرى» والتي أقيمت للسيارات الآلية. ويُذكر أن تلك المسابقة شهدت في عام 2004 فوز سيارة بالمركز الأول بعد أن قطعت مسافة 11.8 كيلومترا فقط في طريق يبلغ طوله 240 كيلومترا، ولكن في عام 2005، استطاعت خمسة فرق قطع المسافة كاملة. أدى هذا التأكيد على وجود إمكانات سريعة التوسع، دورا في إقناع الناس، أمثال مديري «غوغل»، بأن السيارات ذاتية القيادة فكرة ممكنة عمليا في المستقبل غير البعيد.
جاء التقدم الذي تم إحرازه بين أولى تجارب مسابقة «داربا» للروبوتات في عالم الواقع، في أواخر عام 2013، والنهائيات التي عقدت في الشهر الحالي، أقل إثارة للدهشة. لم تصل الروبوتات الشبيهة بالإنسان إلى مرحلة الاستعداد للانطلاق التي تمتعت بها السيارات ذاتية القيادة منذ 10 أعوام. وكانت الفرق التي تستخدم روبوتات «أطلس» تعلم أن فترة تقترب من العامين من العمل منحتهم فرصة لتنفيذ ما هو أكثر من القدرة البسيطة على السير. ويقول أحد الخبراء إن عملية تطوير حركة تنقل هائلة على الأرض ومعالجتها، تحتاج إلى خمسة أعوام. كذلك كانت هناك قيود بالنسبة لبنية الجهاز، فلم تكن ذراعا «أطلس» قوية بما يكفي لرفع وزنه البالغ 150 كيلوغراما إذا تعرض للسقوط.


«هوبو» الفائز



يقول كريس أتكيسون من «كارنيغي ميلون»، الذي كان ضمن أحد الفرق التي عملت على تشغيل روبوت «أطلس» بقيادة معهد «بوليتكنيك» في ورسيستر بماساتشوستس، إن مجموعته قررت أن الوقت المتاح سيسمح لهم بعمل محدود فقط، لذلك اختاروا التركيز على البرنامج والطرق التشغيلية التي يمكن أن تمنع الروبوت من السقوط. ومما أسعد أتكيسون كانت آلتهم الوحيدة التي لا يمكنها التدحرج والتي استطاعت البقاء مستقيمة طوال المهمة على الرغم من أنها لم تتمكن من إتمام جميع المهام في أي يوم من أيام النهائيات.
سوف يتغير الأمر خلال عقد أو أكثر. أحد الأسباب التي جعلت فريق «معهد الإدراك الإنساني والآلي» يقدم أفضل أداء مع واحد من روبوتات «أطلس» السبعة، هو خبرتهم الكبيرة في التعامل مع الآلة ذات القدمين. ينطبق الأمر أيضا على فريق «هوبو»، وقد صمم جون هو أو، رئيس الفريق أول روبوت «هوبو» منذ أكثر من عشرة أعوام. ولكن الخبرة ليست كل شيء. يملك الباحثون اليابانيون خبرة في مجال الروبوتات أكبر من أي أشخاص آخرين على وجه الأرض، ولكن كان أداء فرقهم ضعيفا. يقول الدكتور برات من «داربا» إن ذلك يرجع إلى عجزهم عن الاختيار بين بديلين. حاول بعض منهم تصميم روبوتات جديدة للمسابقة، ولم يحققوا الكثير في ما يتعلق بالبرمجة، بينما اعتمد آخرون على روبوتات قديمة لم تكن على مستوى المهام المطلوبة. أشار أحد المراقبين إلى أن النتائج قد تعمل بالفعل لصالح معامل الروبوت اليابانية؛ فبعد أن هُزمت أمام فريق كوري جنوبي، فسوف تحفز الشعور بالفخر القومي وتزيد حجم التمويل. وقد تشجع تلك الهزيمة أيضا على فكرة أن الروبوتات اليابانية، التي تعد عالما في حد ذاتها، يمكن أن تتلقى دروسا من أماكن أخرى.


هدف المسابقة



لم يقتصر هدف مسابقة «داربا» للروبوتات على جمع مزيد من الباحثين المهتمين بالروبوتات الشبيهة بالإنسان في أميركا، بل شمل أيضا مساعدتهم في مجتمع يشترك في الاهتمامات والخبرات. ومن خلال الإرشاد إلى أفضل من يقومون بالعمل، كشفت العملية أيضا عمن سيستحوذ عليهم. قام كل من لاري بيج من «غوغل»، وإلون ماسك من «سبيس إكس وتيسلا»، وترافيس كالانيك من «أوبر»، بزيارة المسابقة في مرحلتها النهائية. وفي الأشهر الأخيرة استحوذت «أوبر» على عدد كبير من أصحاب المواهب من «مركز هندسة الروبوتات الوطني»، ومن بينهم رئيس المركز وقائد فريق «تشيمب» توني ستينتز. يقول الدكتور روز غيركي إنه سمع مؤخرا مسؤولا في هيئة حكومية أخرى تعمل على تمويل أبحاث الروبوت، يعرب عن مخاوفه من أن جمع كثير من أصحاب المواهب وعزلهم في مشروعات لا يستطيع المجتمع الناشئ متابعتها أو التعلم منها، قد يخلف وراءهم «صحراء بحثية».
ويعترف الدكتور برات في وكالة «داربا» بتلك المخاوف، ولكنه يقول إنه لا يوجد خطر حقيقي ما دامت المشروعات التي تتم في الخفاء تخرج إلى النور في نهاية الأمر. ومع انتهاء فعاليات المسابقة، يغادر الدكتور برات «داربا» متجها إلى تحدٍّ جديد، على الرغم من أنه لا يملك الحديث عن هوية هذا التحدي، أو أين سيعمل على تنفيذه.
font change