وثقت المنظمات الحقوقية السورية والعالمية مقتل نحو 18 ألف طفل في سوريا خلال السنوات الأربع
ويعيش أطفال سوريا واحدة من أسوأ المحن الإنسانية في العصر الحديث، فهم نازحون في بلادهم ولاجئون في الدول الأخرى، وفي كلتا الحالتين محرومون من التعليم والرعاية الصحية.. والحياة الطبيعية.
فقد وثقت المنظمات الحقوقية السورية والعالمية، مقتل نحو 18 ألف طفل في سوريا خلال السنوات الأربع، أي نحو 6 في المائة من ضحايا الحرب السورية، وهو يزيد بكثير عن المعدل العام للخسائر المتعارف عليها بين الأطفال في الحروب والتي لا تتجاوز 2 في المائة، مما يؤشر إلى انتهاكات متعمدة بحق الأطفال، الذين يواجهون مخاطر أخرى، منها تجنيدهم من قبل بعض الميليشيات، والصور التي تظهر تنفيذهم عمليات إعدام وحشية أكبر دليل على ذلك، وهو ما ظهر في أكثر من شريط فيديو بثه تنظيم «داعش» لطفل يقتل أحد الأسرى، وآخر يحمل رأسا مقطوعة، أو لمعسكرات التدريب التي يتم فيها تدريب أطفال لا يتجاوزون الـ14 من العمر، بعد أخذهم من أهلهم بالقوة، أو برشوة تبلغ نحو 100 دولار أميركي تدفع لهم شهريا.
ويعتبر الأطفال هم الأكثر تضررا من الحرب على جميع المستويات، خصوصا في دول اللجوء، كلبنان الذي يستضيف أكبر أعداد من السوريين الهاربين من بلادهم، ومعظمهم من الأطفال والنساء.
الأطفال السوريون في شوارع لبنان
ويعيش هؤلاء في غالبيتهم على مساعدات زهيدة تقدمها منظمات الأمم المتحدة، ويبيتون في خيام تحت رحمة الطبية، التي تغرقهم مياهها وثلوجها شتاء، وتحرقهم شمسها صيفا.
ولعل أكبر دليل على حجم معاناة الأطفال السوريين في لبنان، هو دراسة أجرتها منظمات «العمل الدولية» و«يونيسف» و«إنقاذ الطفولة الدولية» بالتعاون مع «وزارة العمل اللبنانية»، والتي أظهرت أن 73 في المائة من الأطفال في شوارع لبنان هم سوريون، من أصل 1510 أطفال يعيشون في شوارع لبنان.
وجاء في الدراسة التي حملت عنوان «الأطفال الموجودون والعاملون في الشوارع في لبنان: خصائص وحجم»، إن أعمار أكثر من نصف هؤلاء الأطفال السوريين في شوارع لبنان تتراوح بين 10 و14 عاما. وتحدثت الدراسة عن 4 عوامل رئيسية تؤدي لعيش أو عمل الأطفال في شوارع لبنان، هي: الاستبعاد الاجتماعي، وهشاشة وضع الأسرة، وتدفق اللاجئين السوريين إلى لبنان، والجريمة المنظمة، واستغلال الأطفال. كما ذكرت الدراسة أن 70 في المائة من المتسولين هم من الذكور، مقابل 30 في المائة من الإناث، وأن نحو 45 في المائة منهم يتسولون، فيما 37 في المائة يبيعون أغراضا مختلفة، لافتة إلى أن الغالبية العظمى من الأطفال الذين يعيشون أو يعملون في الشوارع عثر عليهم في المدن، خصوصا في بيروت وطرابلس. وأفادت الدراسة أن أكثرية الأطفال يعملون أكثر من 6 أيام في الأسبوع، و8 ساعات ونصف الساعة في المتوسط يوميا، وأن معظمهم تتراوح أعمارهم بين 7 و14 عاما، وأن 42 في المائة منهم غير متعلمين.
نحو ألفي طفل سوري لجأوا إلى لبنان
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة والأمومة «اليونيسف» أعلنت أن نحو ألفي طفل سوري لجأوا إلى لبنان هربا من النزاع في بلادهم يواجهون خطر الموت بسبب سوء التغذية. وقالت ممثلة المنظمة في بيروت آنا ماريا لوريني إن «سوء التغذية بات يشكل تهديدا جديدا وصامتا لدى اللاجئين، وهو ناجم عن تدني مستوى النظافة الشخصية وعدم توفر مياه الشرب الجيدة وانتشار الأمراض وغياب التحصين وممارسات التغذية غير السليمة للأطفال الصغار». وأضافت: «لا بد من الإشارة إلى أن انتشار حالات سوء التغذية الحاد والشديد في البقاع وشمال لبنان تضاعف تقريبا في عام 2013 بالمقارنة مع العام 2012».وأشارت إلى أنه «يواجه نحو 2000 طفل من اللاجئين السوريين دون الخامسة من العمر في كل أنحاء البلد خطر الموت وهم بحاجة ماسة إلى معالجة طارئة للبقاء. ويستقر أكثر من نصف هؤلاء الأطفال الذين يعانون سوء التغذية الحاد والشديد في منطقة البقاع في شرق لبنان، حيث تقوم معظم المخيمات المرتجلة وحيث يصعب الحصول على مياه جيدة والاهتمام بالنظافة الشخصية والتمتع بمرافق صحية مناسبة».
[caption id="attachment_55253138" align="alignright" width="300"] الأطفال السوريون يمثلون 6 في المائة من ضحايا الحرب في بلادهم.. و73 في المائة منهم يتسولون في لبنان[/caption]
وزارت «المجلة» مخيم «الطيبة» للاجئين السوريين في البقاع اللبناني حيث يقيم أكثر من 600 طفل، تتراوح أعمارهم ما بين 5 و12 سنة، في مراكز إيواء وبراكيات (خيام) متواضعة ممزقة.
ويحرم معظم أطفال المخيم من التعليم، ما خلا عدد قليل منهم يذهب إلى مدرسة «دورس الرسمية» التي تستقبل النازحين وتبعد نحو كيلومترين عن المخيم. هؤلاء الأطفال يعيشون في 100 خيمة تتوزع على المخيم القائم على جانبي الطريق العام، حيث معظم إقامات من هم فوق 15 سنة من الذكور قد انتهت لعدم قدرة عائلاتهم على تجديد إقامتهم لعدم توفر كفيل، وبالتالي لا يستطيعون الذهاب إلى المدارس لأن إقامتهم غير شرعية، كما أن الأهالي لا يملكون بدل تعليم أطفالهم، رغم أن الرسوم زهيدة، أو حتى دفع أجرة النقل سيارة إلى المدرسة وهم ما زالوا ينتظرون وعد الأمم المتحدة الذي لم يترجم على الأرض منذ سنتين بفتح مدرسة تأوي أطفال المخيم الذين هم عينة من مخيمات أخرى قريبة تعاني نفس المشكلات كمخيمات مجدلون ودورس وحزين.. كما سائر مخيمات البقاع.
شهادات بريئة
أول من يستقبلنا في المخيم هم أطفاله، حيث كان عدد من أطفال هذا المخيم يعملون على مساعدة عائلاتهم بنقل. المياه عبر غالونات من محطات المحروقات القريبة. أحد الأطفال، هي هناء عبد الله. تبلغ هناء من العمر 10 سنوات، وكان غالون الماء الذي تحمله يكاد يوازيها حجما، أما قدماها فمغطاتان بحذاء رث، أخفت لونه الوحول العالقة فيه جراء ذوبان الثلوج من العاصفة الأخيرة التي مرت على لبنان، ومنطقة البقاع التي ترتفع نحو ألف متر عن سطح البحر. تقول هناء إنه «بسبب عدم وجود مياه في المخيم أتعاون وشقيقتي سناء على نقل المياه النظيفة إلى المخيم».
يفترض بهناء أن تكون في الصف الثالث، لكن الحرب في بلادها منعتها من استكمال دراستها، وأضاعت أحلامها التي تغيرت منذ أن تركت مدرسة «الشميطة» وتهجرت مع عائلتها من مدينة الرقة، وهي لا تزال تنتظر وعد الأمم المتحدة بفتح مدرسة في المخيم. تقول هناء: «هربنا من الرقة بسبب القصف نعاني البرد الشديد مع إخوتي الثمانية، أمنيتي أن أعود إلى سوريا، إلى بيتنا وقريتنا حيث كنا نعيش سعداء، والآن نعيش القلق من كل شيء».
زميلتها هدى الشامي تبلغ من العمر 12 عاما تعيش في خيمة صغيرة مع 12 من أفراد عائلتها وهم 9 بنات وصبي، بالإضافة إلى الأم والأب. أكبرهم إيمان 19 عاما وأصغرهم ريما 3 سنوات وجميعهم دون مدارس. تهجرت عائلة هدى من قرية المباركية في حمص، وقد قضى التهجير على طموحهم وآمالهم بعدما تركوا مدرسة «المباركية الريفي». تقول هدى أحسن القراءة والكتابة باللغة العربية لكني لا أجيد الإنجليزية، تهجرت مع أفراد أسرتي منذ عام 2012 ومنذ 3 سنوات وأنا دون مدرسة.
في المرحلة الأولى من التهجير تعلمت هدى واثنتان من شقيقاتها في مدرسة الحريري في زحلة، لكن، الظروف عاكستهن مجددا. فبسب ضيق سبل العيش انتقلت مع أفراد عائلتها إلى هذا المخيم.
تتدخل الوالدة، نجاح، لتشرح أكثر. تقول: «بلدتنا تقع بمحاذاة حي بابا عمرو في المباركية وبسبب اشتداد المعارك هربنا خوفا على مستقبل أولادنا فوجدنا أنفسنا مشردين ودون أي مستقبل». وتضيف: «حصلنا على قسائم من الأمم المتحدة فهي لا تكفي ومنزلنا تهدم في سوريا سكناه 7 أشهر قبل أن يتهدم وهجرناه بسبب الأحداث وهو حاليا مدمر».
أما دلال البالغة من العمر 8 سنوات فقط، فهي كما أختها حلا البالغة من العمر 6 سنوات فلم تعرفا أيضا المدرسة في لبنان. إحداهما تهجرت بعمر الدراسة والثانية كان عمرها 3 سنوات.
الطفل نصر إبراهيم عبو العيسى يبلغ من العمر 11 سنة فقط، لكن كلماته تشي بنضج مبكر أكسبته إياه 4 سنوات من الهجرة والنضال من أجل لقمة العيش. يقول نصر: «تعلمت حتى الصف الثالث في سوريا، مدرسة الباسل في الرقة، لكنني الآن من دون مدرسة، واضطر للعمل في مهن مختلفة لمساعدة أهلي في تحصيل لقمة العيش. فنحن نعيش على مساعدة شهرية قيمتها 19 دولارا للشخص شهريا وهي لا تكفي لدرء الجوع عنا، ولا لشراء وسائل التدفئة التي نحتاجها». نصر هو ولد من أصل 21 أنجبهم والده من زواجين. يقول: «نحن 11 صبيا و10 بنات من زوجتين لوالدي، هربنا بسبب القصف على البلدة، ونعيش في خيمة صغيرة في بلدة الطيبة، ونحن نعاني من البرد الشديد في الشتاء ومن الجفاف والحر في الصيف». وعدتنا الأمم المتحدة منذ سنتين بتأمين مدرسة ولكن ذلك لم يحصل، وليس لدينا إمكانية التعلم في المدارس الرسمية. وقد نسينا ما تعلمناه بسبب مرور 3 سنوات على تهجيرنا وعدم المتابعة. يتدخل والده ليقول: «انتهت إقاماتنا ونخشى على أطفالنا مغادرة المخيم ومعظمنا أصبح. دون إقامات ولا نملك رسوم التسجيل وما نطالب به هو تأمين مدارس لأبنائنا داخل المخيم».
[caption id="attachment_55253139" align="alignright" width="300"] سوريون يتسولون في بيروت[/caption]
وائل العلي الحسين الدرويش يبلغ من العمر 12سنة وهو يحسن القراءة والكتابة جيدا. يقول: «تعلمت في مدرسة علي الضاهر في الحوش شرق الرقة، لكننا اضطررنا إلى مغادرة بلدتنا إلى لبنان منذ سنتين، ومنذ ذلك الحين وأنا دون مدرسة». وعما إذا كان سعيدا بالهرب من المدرسة والواجبات، يؤكد وائل أنه يشتاق إلى رفقاء الصف وأولاد الحي، لكن المشكل لا أموال لدى والدي لأذهب إلى مدرسة، أما إذا توفرت الأموال، فحلم وائل أن يكمل دراسته ويتخرج ليصبح مدرسا يقدم التعليم للأطفال الذين يحتاجون الدراسة ولا تتوفر لديهم الإمكانيات اللازمة. يقول وائل إن أولويات عائلته اليوم هي فقط تأمين الطعام والمياه والاستمرار على قيد الحياة. وفيما يخشى بعض الأولاد الظلام بسبب الخوف من الأشباح، يبدو خوف وائل أكثر واقعية، فهو يقول: «نخشى الليل لأنه يحمل معه البرد، فنحن 10 أشخاص في خيمة صغيرة، 5 صبيان و3 بنات، نفتقد إلى الأغطية والحرامات والفرش لم نستطع حملها معنا من سوريا، بيتنا الكائن في الحوش في سوريا والمؤلف من غرفتين تهدم». ويشير إلى أنه يساعد أهله قدر استطاعته في تأمين حاجاتهم، خصوصا المياه، لأن والمياه التي تقدمها لنا الأمم هي 500 لتر لكل عائلة تكفي لـ3 أو 4 أيام فقط، وهذه الحال قد تكون أسوأ في أيام الحر صيفا.
منار الأحمد 12 عاما تعلمت حتى الصف السادس في مدرسة الشيخة في الرقة، منذ بداية التهجير منذ 4 سنوات جاءت مع عائلتها إلى لبنان. تقول: لم أتمكن من الذهاب إلى المدرسة بسبب الوضع الاقتصادي، ومدرستنا في سوريا تهدمت بسبب الأحداث. تعاني منار نوعا آخر من العذاب جراء العاصفة الأخيرة التي أصابت خيمتهم بإضرار. تقول: «كانت ليلة لا تنسى عندما هاجمنا الصقيع والثلج والرياح الشيدية التي اقتلعت أجزاء من خيمتنا، وكل ما فكرت فيه حينها أننا سنموت جميعا. أما الآن، فكل ما أفكر فيه هو كيف سنتدبر أمرنا في الصيف، لأن جار لنا توفي طفله في العام الماضي بسبب الحرارة العالية، ومعظم الأطفال أصيبوا بضربة الشمس فنحن في العراء ولا يوجد ما يغطينا، ولا يمكن أن نقضي عمرنا كله في خيمة».
براكيتنا (الخيمة) صغيرة لا تكفينا ننام عند جيراننا في بيت أحمد اليوسف لأن براكيتنا غير صالحة للسكن وليس لدينا وسيلة تدفئة، خيمتنا غرقت بالمياه والوحل وهي شديدة البرودة،، ورغم أننا ننام الليل عند جيراننا إلا أنني أشعر بالبرد. والدتها عنود إسماعيل قالت وظفنا الأولاد بنقل المياه من المحطة، لأننا نحتاج إليهم، ولكننا نتمنى تعليم أطفالنا كي يتعلموا القراءة والكتابة كي لا يبقوا شبه أميين.
مصطفى أبو عيسى (10 سنوات) ترك. مدرسة المنصورة شمال الرقة وتمنى أن تفي الأمم المتحدة بوعدها «كي نتعلم أسوة بأطفال العالم». ويقول: «لقد حرمنا من كل شيء، من الطفولة ومن التعليم ومدارسنا تهدمت في سوريا كما بلداتنا ومنازلنا،، وفي لبنان نعاني البرد والحرمان والتشريد والجهل وعدم وجود المدارس».
4 سنوات مرت، وكل المؤشرات تدل على أن السنة الخامسة قد تكون أسوأ، وفي أحسن الأحوال لن تكون أفضل، على الأطفال السوريين الذين لا ناقة لهم ولا جمل في حروب الكبار، وصراعات الدول.. فكل ما يحتاجونه هو حقهم في التعليم والصحة والحياة الآمنة، وهي كلها أمور محرومون منها حتى إشعار آخر.