بطاريات الطاقة المتجددة تنافس النفط الصخري

بطاريات الطاقة المتجددة تنافس النفط الصخري

[caption id="attachment_55253103" align="aligncenter" width="620"]فتاه يبانية تضع طاقة كهرابية بسيارتها "نيسام" في يوكوهاما فتاه يبانية تضع طاقة كهرابية بسيارتها "نيسام" في يوكوهاما[/caption]

لم يتوقف انخفاض أسعار النفط الذي بدأ في منتصف عام 2014 حتى الآن، مما أوقع مجموعة من الدول المُصَدِّرة للنفط في عجز في الإنفاق، وأطاح بطموحات روسيا، وغيّر الحسابات التي كانت تتم خلف البرنامج النووي الإيراني. كما أنه قدم دَفعة مناسبة للاقتصاد الأميركي ودول أخرى مستهلكة للنفط. لا توجد قوة أخرى على الأرض تملك مثل هذه القدرة الكامنة لتحريك الأحداث، بل توجد بخلافها قوة أخرى، هي البطاريات.

في ما يتعلق بالطاقة، تستطيع التكنولوجيا الحديثة تغيير الوضع الراهن بين عشية وضحاها، لتفاجئ الجميع، وكما ساهمت ثورة النفط الصخري، التي كشفت عنها عمليات التكسير، إلى حد كبير في الاضطراب الذي يشهده النفط حاليا، قد تسبب البطاريات تغييرا في الجغرافيا السياسية ومجال الأعمال. كانت الطاقة المتجددة دائما ما تواجه مشكلة تخزين الكهرباء، نظرا لأن الساعات التي تسطع فيها الشمس أو تهب فيها الرياح لا تتفق بالضرورة مع الأوقات التي تشهد أقصى استخدام للكهرباء. وهنا يأتي حل مشكلة الاستفادة من إمكانات الطاقة المتجددة وهو التخزين الثابت للطاقة، أو البطاريات التي سوف تسمح للمستهلكين بالحصول على الكهرباء التي تم توليدها في وقت سابق. إذا تم تحديث بطاريات ليثيوم أيون الجاهزة في الوقت الحالي واستخدامها لتخزين الكهرباء من أجل الشبكة، يمكن لها أن تنافس النفط الصخري في قدرته على إعادة تشكيل ساحة تصنيع الطاقة.


دفعة تجارية ضخمة



في البداية، يمكن لتلك البطاريات إلغاء نحو 4 مليار برميل من الطلب العالمي على النفط يوميا، حيث تخفض الدول التي تعتمد بكثافة على النفط في توليد الكهرباء، مثل اليابان والسعودية، من استهلاكها له وتتحول بدلا من ذلك إلى الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح المخزنة في البطاريات. وتبلغ نسبة هذا التخفيض نحو 4.5 في المائة من استهلاك النفط العالمي في الوقت الراهن – وهي نسبة مشابهة لتلك التي تسببت في انخفاض أسعار النفط، إذا حسبنا حجم الإمداد الجديد والطلب المفقود. علاوة على ذلك سوف تمثل البطاريات منحة بيئية؛ حيث إن الطاقتين الشمسية والرياح سوف تُستبدَلان أخيرا بالفحم والغاز الطبيعي كمصادر للكهرباء. وكما هو الحال مع النفط الصخري والغاز، سوف تحقق البطاريات التي تعمل على نطاق الشبكات دفعة تجارية ضخمة. ووفقا لبحث صدر عن (سيتي)، سوف تحقق البطاريات عائدات سنوية تتجاوز 400 مليار دولار بحلول عام 2030. كانت مثل تلك التوقعات الوردية ستبدو غير واردة لو لم تطرأ تحسينات باهظة التكاليف على البطاريات المستخدمة في الأجهزة والمركبات الكهربائية.


تكاليف البطاريات



يشار إلى أن تكاليف البطاريات تمثل نحو ثلث سعر المركبة الكهربائية، علما بأن التقدم التكنولوجي المستمر يعمل على تخفيض تلك التكلفة. نتيجة لذلك، على مدار العقد المقبل، قد يتساوى سعر السيارة الكهربائية مع سعر السيارات التي تستهلك البنزين – وقد ينخفض عنه أيضا نظرا للتكلفة المتضمنة في تطبيق السيارات التقليدية لمعايير الانبعاثات الصارمة. توقعت شركة أبحاث التكنولوجيا «آي دي تك إكس» (ID Tech Ex) أنه بحلول عام 2024، يمكن أن تصل مبيعات السيارات الكهربائية إلى 10 مليون سنويا، ليزيد حجم الصناعة الوليدة إلى 3 أضعاف أي 179 مليار دولار. وتقنع مثل تلك الأرقام الصين والولايات المتحدة بمنافسة اليابان وكوريا الجنوبية، اللتان تسيطران معا على 92 في المائة من حجم سوق بطارية السيارات الكهربائية.


[caption id="attachment_55253104" align="alignleft" width="279"]إيلون ماسك رئيس تسلا موتورز و(سبيس اكس) عملاق السيارات الكهرابية و(الذكية) إيلون ماسك رئيس تسلا موتورز و(سبيس اكس) عملاق السيارات الكهرابية و(الذكية)[/caption]

في ظل جميع الاحتمالات، أدت التوقعات بشأن السيارات الكهربائية بكثير من محللي السياسات ومراقبي الصناعة، إلى التحفظ. فمع كل ذلك، منذ أقل من 5 أعوام، وضعت حكومتا كل من الصين والولايات المتحدة مليارات الدولارات في رهان طموح يتعلق بمستقبل السيارات الكهربائية، وتعهدت كل منهما بإصدار مليون سيارة كهربائية في الأسواق بحلول عام 2015. بيد أن الهدف كان مفرطا في الطموح: ففي نهاية عام 2014، تم بيع أقل من 350 ألف سيارة كهربائية في الدولتين مجتمعتين. ومع كل الضجيج المحيط بشركة «تيسلا موتورز» المملوكة لإيلون ماسك، باعت الشركة 47 ألف سيارة فقط حتى شهر سبتمبر (أيلول) عام 2014. أما بالنسبة للبطاريات الثابتة، فقد انخفضت تكاليف طاقتي الشمس والرياح، ولكن يظل تخزين الطاقة غير فعال وباهظ السعر. علاوة على ذلك أدى انخفاض أسعار النفط، الذي يحد من الميزة التنافسية لمصادر الطاقة المتجددة، إلى فتور الحماس بدرجة ما.

ولكن، لا يعد السيناريو الذي يرسمه المتفائلون بالبطاريات – من شركات الطاقة الشمسية، والمدافعين عن البيئة، وموظفي تيسلا ومشتريها، وعدد قليل من مديري المؤسسات العامة، ومجموعة من محللي وول ستريت – بعيد المنال. ولا يتطلب كذلك إحراز تقدم علمي هائل. كل ما يلزم، على الأقل في التخزين الثابت، هو الالتزام بتنفيذ سياسات حكومية قائمة، واستمرار إيجاد الحلول الهندسية، واقتصادات الحجم.


كيف تعمل البطارية



تعمل جميع بطاريات ليثيوم أيون بالطريقة ذاتها. فجميعها مكون من قطبين كهربائيين (يسميان بالمصعد والمهبط)، وبينهما يوجد مركب كيميائي يسمى إلكتروليت (كهرل). تفرغ البطارية طاقتها عندما تنتقل أيونات الليثيوم المخزنة في المصعد عبر الكهرل إلى المهبط. وعندما يتم توصيل البطارية بالشبكة لإعادة شحنها تجبر الكهرباء أيونات الليثيوم على العودة من جديد إلى المصعد، حيث يتم تخزينها من أجل الاستخدام التالي.
في مقارنة مع وسائل تكنولوجيا أخرى مهمة، مثل معالجات الكومبيوتر أو أجهزة التصوير الطبية، تشهد البطاريات تقدما بطيئا بشكل ملحوظ. تم اختراع أول بطارية في عام 1800 على يد أليساندرو فولتا، وفي عام 1859 اخترع غاستون بلانت بطارية الرصاص الموجودة حاليا في السيارات التي تعمل بالبنزين. في عام 1991 فقط، استطاعت «سوني» إنتاج أول بطارية ليثيوم أيون تجارية. وحتى في الوقت الحالي، يستمر البحث عن بطارية فائقة.

تتعلق المشكلة بالفيزياء؛ حيث تتطلب سعيا إلى نقل مزيد من أيونات الليثيوم في البطارية بأمان وسرعة وبتكلفة معقولة. ولننظر مثلا إلى الصعوبات الكامنة في عملية التحسين المقترحة لصناعة أقطاب المصعد من السليكون بدلا من الغرافيت (الذي تصنع منه غالبا في الوقت الحالي). قد يزيد ذلك من كمية الطاقة التي تحتويها بطارية ليثيوم أيون القياسية إلى 3 أضعاف. ولكن يتمدد السليكون كثيرا أثناء دورة الشحن والتفريغ، مما يسبب في النهاية تصدع البطارية وتدميرها. كذلك تتسبب مشكلات مشابهة في إخفاق جميع الحلول الرئيسية المقترحة حتى اليوم.


[inset_left]يمكن لبطاريات الطاقة المتجددة إلغاء نحو 4 مليار برميل من الطلب العالمي على النفط يوميا[/inset_left]


يرجع معظم التقدم الذي تم إحرازه إلى الشركات المصنعة لبطاريات السلع مثل «ديوراسل»، ومن قطاع السيارات الكهربائية «تيسلا» على وجه الخصوص. يجب أن تحقق البطاريات الناجحة في تشغيل السيارات معيارا مرتفعا: فيجب أن تسير بها السيارة لمسافات بعيدة وتزيد سرعتها بمعدل سريع وتستمر لفترة طويلة وألا تشتعل فيها النيران، وأن يكون سعرها معقولا. لا تلبي التكنولوجيا الحالية جميع تلك المعايير، على الرغم من الادعاءات المتكررة من شركات البطاريات الحديثة (التي لا تصدر معظمها بيانات تحظى بمراجعة من الأقران). استطاعت شركة «تيسلا» تحقيق جميع تلك البنود فيما عدا التكلفة، وهكذا استطاعت الاستحواذ على معظم سوق السيارات الفاخرة. ولكن أبلت «تيسلا» بلاء حسنا في هذا المجال أيضا بفضل استراتيجية استخدام بطاريات جاهزة من تصنيع «باناسونيك». وفي حين تدفع الشركات المنافسة نحو 500 دولار مقابل بطارية ليثيوم - أيون سعتها كيلو واط في الساعة والمصنوعة خصيصا، تعلن «تيسلا» أنها تتكلف نحو 225 دولارا، وتعد بأن ينخفض السعر إلى 150 دولارا بحلول نهاية العقد الحالي. من المفهوم أن تتخذ «تيسلا» و«باناسونيك» إجراءات وقائية تجاه طرقهما في توفير التكاليف، ومن بينها تخفيض مميزات باهظة الثمن تتعلق بالسلامة وهي غالبا ما تكون موجودة في كل بطارية، وبدلا منها وضعت «تيسلا» مكونات سلامة تخدم جميع البطاريات التي تضم حزمتها الآلاف في وقت واحد. وعلى الرغم من أن كثيرا من علماء البطاريات لا يرون أن أهداف «تيسلا» المتعلقة بالتكاليف واقعية، نظرا لسجل ماسك في إحراز النجاح، فإن منافسي الشركة لا يمكنهم تجاهل إمكانية تحقيق ذلك.


[inset_right] تعهد الرئيس أوباما بحصول الولايات المتحدة على نسبة 40 في المائة من سوق البطاريات المتقدمة العالمية بحلول عام 2015[/inset_right]

لم يكن مثل هذا التقدم لينجح لو لم تنفذ استثمارات حكومية هائلة. في عام 2009، تعهد الرئيس الأميركي باراك أوباما بأن تحصل الولايات المتحدة على نسبة 40 في المائة من سوق البطاريات المتقدمة العالمية بحلول عام 2015، بعد أن كانت حصتها تقترب من الصفر عندما تولى الرئاسة. وخصص أوباما 2.4 مليار دولار كنفقات لمشروعات البطاريات وتطوير السيارات الكهربائية في جزء من خطة التحفيز الاقتصادي، بعد أن كان المبلغ المخصص من وزارة الطاقة في السابق 50 مليون دولار سنويا. ووضع الرئيس ائتمانا ضريبيا بقيمة 7.500 دولار على مشتريات السيارات الكهربائية.

كذلك فعلت حكومات أخرى، حيث قدمت كل من فرنسا والنرويج وإسبانيا وبريطانيا ائتمانات ضريبية أكبر على السيارات الكهربائية، وتتقدم هذه الدول كوريا الجنوبية التي تمنح دعما قيمته 13.500 دولار للسيارة الواحدة، بينما تدعمها الصين بمبالغ من 5 آلاف إلى 10 آلاف بناء على سعر السيارة. أما الحكومة اليابانية، التي تسعى لأن تبلغ نسبة إنتاج السيارات الهجينة أو الكهربائية بالكامل نصف السيارات المنتجة محليا بحلول عام 2020، فتعفي السيارات الكهربائية من جميع الضرائب. وحتى الآن تعد هذه الحوافز ضرورية لتعويض التكلفة الكبيرة للسيارة مقارنة بالسيارات التقليدية؛ حيث يحتوي البنزين على 50 ضعف الطاقة التي يحتوي عليها الكيلوغرام الواحد من بطاريات ليثيوم أيون.


الوقود الحفري في توليد الكهرباء



بغض النظر عن التقدم المتوقع في تخزين الطاقة، لن يتخلى قدر كبير من سكان العالم عن الوقود الحفري في توليد الكهرباء في أي وقت قريب. في المقابل، توجد مناطق في العالم بالفعل قد تقترب من الاعتماد الكلي على الطاقة المتجددة، بشرط أن تتوفر وسيلة تخزين صحيحة للطاقة.

ويذكر أن الطاقة الشمسية تحظى بالفعل بتنافسية من دون أي دعم في أستراليا وألمانيا وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا وشمال غربي الولايات المتحدة. وإذا تم تزويد المحطات الشمسية في تلك المناطق ببطاريات، سوف يواجه المستهلكون تكاليف أكبر كثيرا من أجل التخزين، ولكنها ستوفر لهم المال مع مرور الوقت، حيث إنهم سوف يشترون كميات أقل من الطاقة عن طريق الشبكات. وليس من الصعب تصور أن تصبح البطاريات العملاقة خاصية قياسية في نظم الطاقة المتجددة في غضون 10 أعوام.

ستيف ليفاين -مراسل «كوراتز» - فورن أفيرز – خاص للمجلة
font change