أصبحت عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين علامة مميزة في مسيرته المهنية، والتي خصص لها كتابا ضخما تناول فيه قصة شعوب المنطقة بدلا من عملية السلام الذي لم يتحقق.
ساعد دينيس روس الذي عمل مع 5 إدارات أميركية سابقة الإسرائيليين والفلسطينيين على الوصول إلى اتفاق مؤقت بشأن الضفة الغربية وقطاع غزة في عام 1995، وتوسط في عقد بروتوكول خاص بإعادة نشر القوات في مدينة الخليل في عام 1997. وقام بتسهيل عقد معاهدة السلام بين إسرائيل والأردن، كما عمل في المفاوضات التي جرت بين إسرائيل وسوريا.
ولكن تغير الشرق الأوسط بصورته التي كان يعرفها السفير روس كثيرا منذ اندلاع الثورات في العالم العربي؛ وبالنسبة لمعظم الزعماء الذين تفاوض معهم فإما أنهم رحلوا أو تمت الإطاحة بهم أو وقعوا في صراع على البقاء. كما تلاشت حاليا بعض الحدود التي لا بد أنه تأملها طويلا. ولكن الأكثر أهمية هو أن الشرق الأوسط الذي زاره أحيانا كثيرة أصبح اليوم في يد متطرفين وحشيين يحكمون بقبضة السيف.
كيف حدث ذلك؟
[blockquote]
• «حزب الله» و«داعش» متماثلان من وجهة نظر الإدارة الأميركية، حيث يؤمنان بالعنف، لهما نزعة طائفية، ويسعيان لإعادة رسم المنطقة ولا يختلف عنهما الإخوان كتنظيم تقوده آيدلوجية
[/blockquote]
يعتقد روس أن الإبقاء على بشار الأسد في السلطة والسماح للمالكي بتنفيذ سياسة الاضطهاد ضد السنة كانا من دون شك سيؤديان إلى استياء متصاعد بين السنة ويسفران عن نشأة جماعات متطرفة سريعا ما ستملأ الفراغ الذي خلفته الحرب الدائرة في سوريا.
حتى الآن وقع أكثر من مائتي ألف ضحية وتشرد 10 ملايين من السكان، كما حل دمار وخراب هائل بكل المدن السورية. بالإضافة إلى ذلك، هناك شعور متزايد بالإحباط تجاه إيران والميليشيات الشيعية القادمة من لبنان والعراق بسبب تدخلها في شؤون دولة ذات أغلبية سنية. من جهة أخرى، حصل رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي على تصريح كامل بممارسة الاضطهاد ضد السنة: فشرع في اعتقال الساسة من السنة واستغل قوانين قائمة بالفعل لاستهدافهم، وعندما تظاهروا قمع احتجاجاتهم بالقوة. وقد جاءت الإطاحة به متأخرة قليلا.
من المحزن أن المنطقة أصبحت محلا لجذب جميع المتطرفين حول العالم، وأصبح تنظيم داعش أكبر التهديدات وأكثرها تعقيدا. بيد أن روس يعتقد أن «داعش» مقدر له الفشل، إذ يرى أن صورة المجتمع المتزمت الذي يحارب من أجل قضية عادلة كما يروجون له، وصورة المقاتلين حماة دولة إسلامية ناشئة وهم يغزون الأراضي بسهولة رغم قلة عددهم، سوف تتهاوى بمجرد أن تلحق بهذا التنظيم المتطرف أول هزيمة عسكرية.
«حزب الله» و«داعش»
ولكن من الذي سيسد الفراغ الناشئ عن هزيمة «داعش» في غياب أي مساعدة حقيقية تقدم إلى الشركاء المعتدلين في العالم العربي؟ والسؤال الأكثر أهمية هو أنه إذا ظلت هناك أسباب للغضب، كيف يتوقع المرء حدوث أي نتيجة مختلفة خاصة عندما يكون الاعتقاد السائد بين الناس هو أن الولايات المتحدة ترى في التطرف الشيعي الذي تمثله إيران و«حزب الله» حليفا موثوقا به في حربها ضد التطرف؟
يقول روس إن «حزب الله» و«داعش» متماثلان من وجهة نظر الإدارة الأميركية. يؤمن كلاهما بالعنف، وهما لا يحترمان الأقليات وليس لديهما أي إحساس بالمساواة ولا يبديان تسامحا، كذلك لا يحترمان الحدود أو سيادة الدول. ويريد كلاهما إعادة رسم المنطقة وفقا لاعتقاديهما المطلقين؛ فكل منهما له نزعة طائفية ويمثل تراجع الكرامة الإنسانية، ويتخذ التنظيمان من الولايات المتحدة عدوا مشتركا. ويكمن الاختلاف الوحيد بين الجماعتين في أن «حزب الله» أداة في يد إيران، بينما لا يعد «داعش» كذلك.
كذلك لا يختلف عنهما الإخوان المسلمون. فهو تنظيم تقوده آيديولوجية. وأثبت الرئيس مرسي أثناء فترته الرئاسية، أنه ليس قائدا ديمقراطيا حيث حاول التلاعب بالقوانين لمصلحته وأعاد كتابة القوانين والدستور بما ينفع حزبه. ويتساءل المرء ما إذا كانت مصر تحت حكم مرسي سوف تشهد إجراء انتخابات ديمقراطية.
حرب أفكار
يرى السفير روس أن الأحداث الجارية في الشرق الأوسط أكبر من مجرد مواجهة عسكرية؛ بل هي حرب أفكار بين المتطرفين وغير المتطرفين، ويعتقد أن تقرير مصير هذه المعركة يرجع إلى شعوب المنطقة.
في هذه المعركة ضد التطرف، تؤدي المملكة العربية السعودية دورا رائدا ومحوريا، وذلك بفضل المكانة الأخلاقية والدينية للمملكة في العالم الإسلامي. كما أن العاهل السعودي هو خادم الحرمين الشريفين، وتتطلع غالبية المسلمين السنة من جميع أنحاء العالم إلى السعودية طلبا للإرشاد الديني والسياسي. لذلك يعتقد روس أن المملكة قادرة على نزع الشرعية عن تلك الجماعات المتطرفة بالتعاون مع شركاء مثل الأزهر. علاوة على ذلك يوجد دور عسكري تستطيع المملكة أن تؤديه أيضا في هذه الحرب وهو ما ينتظره العالم منها الآن.
ماذا عن الدور الأميركي؟
يعترف روس أيضا بأن أميركا عليها دور تؤديه ولكنه سيكون جزئيا رغم تحول التهديد الذي يمثله التطرف إلى مستوى عالمي. ولعل ذلك كان سببا لكي يساعد روس مع مجموعة من الدبلوماسيين والسياسيين المرموقين في تأسيس مشروع مكافحة التطرف. ويصف روس المشروع بأنه شراكة بين القطاعين العام والخاص يهدف إلى مكافحة الإرهاب. ويقول روس إن دور المشروع سوف يكون كشف المنظمات المتطرفة وإضعافها ووقف تمويلها. ويأمل المشروع في تقديم دعم للحرب على التطرف حول العالم وسيكون مصدرا للحكومات ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني والشركات والجمهور.
منذ عدة أعوام، كان روس والإدارة الأميركية في عهد الرئيس كلينتون يدرسان إمكانية تحقيق السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولكن في الوقت الحالي لم يعد أي من ذلك ممكنا، ولا حتى في فترة قريبة.
وإذا عاد السفير روس يوما ما إلى المنطقة ربما يجد ما يفاجئه من حدود أعيد تخطيطها ودول تأسست من جديد.