منذ اندلاع الأزمة السورية في عام 2011، وامتداد تأثيراتها إلى لبنان، باتت هذه المخيمات موضع ترقب كبير من قبل الأمنيين اللبنانيين، لما تختزنه هذه المخيمات من مقومات الانفجار، فالبؤس والفقر والحرمان التي تعيشها هذه المخيمات، معطوفة على ما يعانيه الفلسطينيون في أرضهم والمهجر، تشكل بيئة خصبة لانتشار أكثر الحركات تطرفا وتشددا. ووفقا لديفيد شينكر، مدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن، فمن بين الدول التي تعمل فيها «الأونروا» يتسم لبنان «بخاصية مثيرة للريبة وهي أنه يتضمن أكبر عدد من (القضايا ذات الصعوبات الخاصة)، أي يوجد فيه أكبر عدد من أفقر الفقراء، الذين يشكلون نحو 30 في المائة من السكان الفلسطينيين».
ويوجد في لبنان 12 مخيما رسميا أنشأتها الدولة اللبنانية ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وقد اكتسبت هذه المخيمات صفة الدائم مع مرور الزمن، كما ورثت من الوجود الفلسطيني في لبنان صفة الاستقلالية التامة عن الدولة اللبنانية، بحيث تحتفظ بإدارتها الذاتية في كل المجالات تقريبا، ما عدا الخدمات الأساسية من ماء وكهرباء، والتي تصلها من المؤسسات اللبنانية الرسمية بكفالة الوكالات الدولية.
وتحتفظ المخيمات بأمنها الذاتي، حيث تعد بعض هذه المخيمات، كمخيم عين الحلوة، أكبر مصدر لبيع السلاح والذخائر في لبنان، على الرغم من إنهاء الوجود العسكري الفلسطيني في البلاد منذ الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عام 1982. ومخيم عين الحلوة المحاصر من قبل الجيش اللبناني عسكريا، لا يزال قادرا على تصدير السلاح لتجار السوق السوداء الذين يشترون منه السلاح ويهربونه إلى الخارج عبر مخابئ تجهز في السيارات.
وبسبب واقع هذه المخيمات، تحولت إلى جزر أمنية خارجة عن سلطة الدولة اللبنانية، حيث يلجأ إليها الكثير من المطلوبين لأجهزة الدولة، ومن تصدر بحقهم مذكرات أو أحكام قضائية، حتى إن مخيم عين الحلوة وحده يحوي آلاف المطلوبين للأجهزة الأمنية اللبنانية. وعلى الرغم من أن بعض المطلوبين قد يكونون ضحية «دسائس مخبرين» فإن عددهم المرتفع الذي يتراوح بين 400 و6000 مطلوب بحسب قائد قوات الكفاح المسلح السابق محمود عيسى الملقب بـ«اللينو» علما بأن حركة المطلوبين من المخيم وإليه لا تزال غامضة بعض الشيء، في ظل وجود حواجز أمنية لبنانية تدقق في هويات الداخلين والخارجين، ومع هذا يتمكن الكثيرون من التنقل في الاتجاهين.
وأكد مصدر فلسطيني في منظمة التحرير الفلسطينية في الجنوب لوكالة أنباء لبنانية خاصة أخيرا عودة اثنين من عناصر فتح الإسلام على الأقل إلى مخيم عين الحلوة جنوب صيدا بعدما كانا يقاتلان إلى جانب الجيش السوري الحر في حلب، وهما العقل المدبر للتنظيم أسامة الشهابي، ومحمد الدوخي الملقب بـ«خردق»، وأنه لم تتوفر معلومات حول كيفية دخولهما إلى المخيم الذي تحوطه من كل الجوانب حواجز للجيش اللبناني التي عليها أن تحدد عملية الدخول والخروج منه لتلك الجماعات. وكشف المصدر لوكالة الأنباء «المركزية» عن أن حي الطوارئ في المخيم تتمركز فيه عناصر من تنظيمي جند الشام وفتح الإسلام تقدر بـ60 عنصرا مطلوبين للقضاء اللبناني لارتكابهم جرائم بحق الجيش اللبناني وقتاله في نهر البارد وتفجير آليات لليونيفيل في صيدا وصور وهذا ما أظهرته التحقيقات مع زملاء لهم يحاكمون لدى القضاء اللبناني.
وأضاف المصدر: «إننا في لبنان نعد أنفسنا ضيوفا على الأراضي اللبنانية، وهناك تنسيق مع الدولة والجيش اللبناني، وأي إخلال بأمن عين الحلوة هو إخلال بأمن صيدا، ونسجل ارتيابنا من مخطط يجري تنفيذه لإقحامنا في الصراع السياسي اللبناني بين (14 و8 آذار)، مشددا على أننا على الحياد الإيجابي ولا ندعم طرفا ضد آخر ولا نقوي طرفا لبنانيا ضد طرف آخر، بل نحن مع الدولة ومع سيادة القانون اللبناني».
ويصف قائد قوات الأمن الوطني الفلسطيني اللواء صبحي أبو عرب لـ«المجلة» الوضع في المخيمات الفلسطينية في لبنان بـ«الجيد جدا»، لافتا إلى انه «مريح ومضمون بنسبة 100 في المائة» في مخيم عين الحلوة. ورد الإنجازات الأمنية في المخيمات إلى الجهود الكبيرة التي تبذل وآخرها تعزيز القوة الأمنية المشتركة في «عين الحلوة» مما أدى لضبط الوضع بشكل كلي.
ونجحت الفصائل الفلسطينية في لبنان في يوليو (تموز) الماضي، وللمرة الأولى منذ عشرات السنوات، بإنشاء قيادة سياسية موحدة، وبعدها لجنة أمنية عليا، وبتحقيق اتفاق كامل على إنشاء قوة أمنية مشتركة تضم عناصر يمثلون جميع التنظيمات يتولون حفظ الأمن في مخيم «عين الحلوة» على أن يسري ذلك أيضا على باقي المخيمات الـ11 المنتشرة على الأراضي اللبنانية كافة، لمواجهة مخاوف من استعمال المتشددين المخيمات الفلسطينية في البلاد قواعد خلفية لعملياتهم الأمنية.
وكشف أبو عرب عن أن الخطوة اللاحقة ستشمل تعزيز القوى الأمنية الموجودة في مخيمات بيروت، وبالتحديد مخيمي برج البراجنة وشاتيلا، وقد بدأ العمل في هذا الإطار وقد يتبلور خلال شهر. وأشار إلى اجتماعات دورية مع الجيش والقوى الأمنية الأخرى، لافتا إلى أن كل الفصائل واللاجئين يتعاطون مع الجيش اللبناني على أنه «ضمانتهم».
ونفى أبو عرب وجود أي خلايا نائمة لتنظيم «داعش» أو سواه من التنظيمات المتطرفة في المخيمات الفلسطينية في لبنان، لافتا إلى أن عددا من الشباب الإسلاميين تجمعوا بإطار ما يسمى «الشباب المسلم» وهم جميعا من أهالي المخيم ولا يضمون في صفوفهم عناصر غريبة. وقال: «نجحنا بتحييد مخيماتنا عن كل ما هو عاصف في المنطقة ولبنان، وسنستمر بذلك والحوادث التي تقع بين الحين والآخر حوادث فردية لا خلفيات لها».
وكانت الفصائل والقوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية في لبنان أطلقت نهاية مارس (آذار) الماضي مبادرة للتصدي للفتنة المذهبية ومنع وقوع اقتتال فلسطيني - لبناني، أو فلسطيني - فلسطيني، جددت فيها التزامها بسياسة الحياد الإيجابي ورفض الزج بالفلسطينيين في التجاذبات والصراعات الداخلية اللبنانية.
وتفاقمت أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بعد نزوح عشرات الآلاف من الفلسطينيين والسوريين على حد سواء من سوريا بعد اندلاع الأزمة هناك، إلى المخيمات في لبنان، مما أدى إلى تضخم في أعداد السكان، وتبعته تداعيات إنسانية واجتماعية وأمنية على المجتمعات اللبنانية والفلسطينية والسورية. وكان «عين الحلوة»، أكبر المخيمات الفلسطينية، يضم 80 ألف لاجئ فلسطيني يعيشون في كيلومتر مربع واحد، لكن وبعد اندلاع الأزمة السورية في مارس 2011، ارتفع هذا العدد إلى 105 آلاف شخص، معظمهم من الفلسطينيين.
وقال المسؤول السياسي لحركة حماس في بيروت رأفت مرة، أن الاستقرار والهدوء الذي تنعم به المخيمات هو نتيجة عمل سياسي كبير قامت به كل القوى والفصائل بهدف المحافظة على الوجود الفلسطيني في لبنان من خلال الابتعاد عن الصراعات الداخلية وتلك العاصفة بالمنطقة، ورفض الانخراط بالصراعات المذهبية.
وأشار لـ«المجلة» إلى أن عملا على المستوى الأمني والشعبي رافق القرار السياسي، وقال: «المخيمات حاليا بأحسن أوضاعها على الرغم من المساعي الكثيرة السياسية والإعلامية لتوريطنا بملفات داخلية وإقليمية».
وأكد مرة أنه لا وجود لـ«داعش» أو غيره في المخيمات على شكل خلايا نائمة، موضحا أن منع دخول عناصر التنظيم وبالتالي الحفاظ على المخيمات هو نتيجة جهد مكثف في السنوات الماضية، تضاعف في الأشهر الأخيرة. وقال: «نحن نعيش هنا كلاجئين بصفة مؤقتة ومعركتنا الأولى والأخيرة ضد إسرائيل.. ولعل معركتنا الأخيرة في غزة أثبتت رفضنا الانخراط بسياسة المحاور وبالصراعات الطائفية والمذهبية لاقتناعنا بأن أي معركة أخرى بخلاف معركتنا مع العدو الإسرائيلي هي معركة فاشلة ومدمرة».
وتعد قضية السلاح الفلسطيني في المخيمات من القضايا الشائكة التي تواجه لبنان، إذ إن وجود هذه الجزر الأمنية من شأنه إضعاف أي إجراءات لضبط الوضع الأمني في البلاد، خصوصا مع وجود مواقع عسكرية لبعض التنظيمات الفلسطينية في عدد من المناطق اللبنانية، كما هو الحال في نقطة الحدود اللبنانية – السورية في البقاع الأوسط (شرق لبنان)، أو في محلة الناعمة في جنوب بيروت، حيث يحتفظ أحد التنظيمات الفلسطينية بنفق كبير تقيم فيه قاعدة عسكرية.
وقد توافقت القيادات اللبنانية في عام 2006 على إزالة السلاح الفلسطيني من خارج المخيمات، وتنظيمه في داخلها، لكن هذه القرارات التي اتخذت بإجماع القوى اللبنانية آنذاك ما زالت حبرا على ورق ولم يجر تنفيذ أي منها.
مخيمات لبنان: توزع طائفي ومناطقي
يوجد في لبنان 12 مخيما رسميا للاجئين الفلسطينيين، لم تتوسع منذ إنشائها، لكنها تضم أكثر من نصف الفلسطينيين الموجودين في لبنان والمقدر عددهم بـ42 ألف نسمة وفق إحصاء عام 2011.
وهذه المخيمات تتوزع بواقع 4 مخيمات في بيروت و5 في الجنوب و2 في الشمال وواحد في البقاع. وهي كالآتي:
المخيمات في بيروت
1 - مخيم شاتيلا:
أنشئ هذا المخيم عام 1959، وكان من أول إنجازات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. وقد وصل عدد سكانه إلى 12 ألف نسمة، لكن العدد تناقص بشكل كبير بعد المجزرة الشهيرة التي ارتكبت خلال الاجتياح الإسرائيلي بحق أبنائه، ثم بعد معارك «حرب المخيمات» في منتصف الثمانينات. ويكاد الوجود الفلسطيني في هذا المخيم يصبح شكليا بعد أن حلت محلهم أنواع مختلفة من العمال الأجانب. أصل سكان هذا المخيم يعود إلى قرى الجليل الأعلى.
2 - مخيم مار إلياس
هو من أصغر المخيمات في بيروت. وقد أنشئ عام 1952 فوق أرض تملكها طائفة الروم الأرثوذكس بهدف إسكان اللاجئين المسيحيين من الفلسطينيين، فاستوعب المخيم اللاجئين الأرثوذكس القادمين من حيفا ويافا، لكن هؤلاء تناقصوا بشكل كبير بعد منح الجنسية اللبنانية لعدد منهم، وهجرة البعض الآخر إلى كندا والولايات المتحدة، ليحل محلهم لاجئون مسلمون. وهذا المخيم يكاد الوحيد الذي لم يتعرض لأذى في الحرب اللبنانية.
3 - برج البراجنة
أنشأه الصليب الأحمر الدولي عام 1949، وهو يقع على طريق المطار الدولي، وبمحاذاة الضاحية الجنوبية لبيروت، وقد نما ليشكل جزءا منها. وقد بلغ عدد سكانه نحو 16 ألف نسمة نصفهم من قرى الجليل الغربي، والنصف الثاني من قرى قضاء عكا، وتسكن فيه أيضا بعض العائلات اللبنانية.
4 - ضبية: يقع المخيم على مسافة 12 كلم شمال بيروت فوق تلة تشرف على بلدة ضبية. ومعظم سكانه من المسيحيين الفلسطينيين الكاثوليك الذين قدموا من قرى الجليل. ويملك أراضي المخيم دير مار يوسف في ضبية. وخلال الخمسينات منح قسم من سكان المخيم الجنسية اللبنانية، ليحل محلهم لاجئون مسلمون، لكن هؤلاء هجروا خلال الحرب الأهلية ودمر معظمه على يد الميليشيات المسيحية.
مخيمات الجنوب
1 - مخيم عين الحلوة
أنشئ المخيم سنة 1949 بمبادرة من الصليب الأحمر الدولي، ثم انتقل الإشراف عليه إلى الأونروا سنة 1950. وهو أكبر المخيمات الفلسطينية مساحة، رغم أن مساحته لتتجاوز الكيلومتر المربع الواحد. يقع عند المدخل الجنوبي الشرقي لمدينة صيدا، ويبلغ عدد سكانه نحو 70 ألف نسمة معظمهم من 13 قرية فلسطينية تتوزع على أقضية عكا والجليل والحولة.
وتوجد في هذا المخيم معظم القوى الفلسطينية، رغم هيمنة فتح عليه، مما يؤدي به إلى نزاعات مسلحة بين فصائله تتكرر أكثر من مرة في العام الواحد.
2 - مخيم الرشيدية
أنشأته سلطات الانتداب الفرنسي في عام 1939 لإيواء اللاجئين الأرمن الهاربين من تركيا، لكنه تحول بعد عام 1948 إلى هدف آخر تمثل باستضافة اللاجئين الفلسطينيين القادمين إلى لبنان. ويمتلك هذا المخيم رمزية خاصة لدى الفلسطينيين كونه أقرب المخيمات إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة، فهو يقع على بعد 7 كلم إلى الجنوب من صور، وأقل من 23 كيلومترا عن الحدود اللبنانية. يسكن المخيم نحو 29 ألف لاجئ، وقد جاء أغلبهم من قضاء صفد بالإضافة إلى مدينة حيفا وجوارها.
3 - مخيم المية ومية
يقع هذا المخيم على تلة تبعد 4 كلم إلى الشرق من صيدا، ويبلغ عدد سكانه نحو 6 آلاف نسمة أغلبهم من قرى قضاء صفد. وقد نشأ هذا المخيم سنة 1954 وتعرض لتدمير جزء منه خلال الاجتياح الإسرائيلي في سنة 1982.
4 - مخيم البص
وضعه مشابه لوضع الرشيدية، إذ أنشئ من قبل سلطات الانتداب الفرنسي عند المدخل الشرقي لمدينة صور، لإيواء اللاجئين الأرمن، قبل أن يتحول الهدف منه لإيواء الفلسطينيين. ويبلغ عدد سكانه حاليا نحو 12 ألف نسمة، لكن الكثير منهم من غير الفلسطينيين. ومعظم اللاجئين فيه يتحدرون من قرى أقضية عكا والناصرة والحولة والجليل.
5 - مخيم البرج الشمالي
أنشئ عام 1955 على مقربة من قرية البرج الشمالي اللبنانية التي أعطته اسمها، وهو يقع على بعد 3 كلم شرق مدينة صور، ويقدر عدد سكانه بنحو 19 ألف نسمة، ومعظم اللاجئين إليه هم من قرى الحولة وطبرية. وفي السنوات الأخيرة تناقص عدد السكان فيه نتيجة الهجرة المتزايدة إلى الدول الاسكندنافية.
البقاع
مخيم الجليل
أقيم على أرض ثكنة عسكرية فرنسية سابقة تدعى «ويفل»، ويقدر عدد السكان فيه بنحو 7 آلاف نسمة. ويسمى هذا المخيم بين الفلسطينيين بـ«مخيم الدنمارك» تهكما من هجرة معظم أبنائه إلى تلك الدولة الاسكندنافية ويقدر عددهم بنحو 3 آلاف مهاجر. ويتحدر معظم السكان من قضاءي الناصرة والجليل ويبلغ عددهم نحو 3 آلاف نسمة حاليا.
الشمال
1 - مخيم البداوي
أنشأته وكالة «الأنروا» في عام 1955 لاستيعاب اللاجئين الذين كانوا في مدينة طرابلس إثر طوفان نهر «أبو علي» في المدينة. ويقع هذا المخيم شمال طرابلس ويبلغ عدد سكانه نحو 16 ألف نسمة، وقد أتوا من قرى قضاءي صفد وعكا.. وازداد سكان المخيم بعد حرب نهر البارد عام 2007 ونزوح قسم من سكان البارد إليه.
2 - مخيم نهر البارد
يقع هذا المخيم على مسافة 16 كلم إلى الشمال من مدينة طرابلس، على الطريق الدولية إلى سوريا. وازداد عدد سكان المخيم حتى بلغ 30 ألفا في سنة 2007، ومعظم سكانه من قرى قضاءي صفد وعكا، وقد دمر المخيم بشكل شبه كامل خلال الحرب بين الجيش اللبناني وتنظيم «فتح الإسلام».
توزع القوى في المخيمات:
فتح والمنشقون عنها.. والإسلاميون النجم الصاعد
تشهد المخيمات الفلسطينية تنوعا كبيرا في الانتماءات السياسية وفي السيطرة الميدانية للفصائل على الأرض. فبعد أن كانت كل المخيمات تدين بالولاء لمنظمة التحرير الفلسطينية قبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، اتخذت الأمور منحى آخر مع خروج المنظمة من لبنان، وإنشاء السلطة الفلسطينية وانتقال الرمز الفلسطيني الأكبر، ياسر عرفات، إلى غزة.
فبعد ذلك التاريخ انتفضت المخيمات التي تقع في المناطق التي تسيطر عليها سوريا في لبنان آنذاك، ضد عرفات بسبب انخراطه في عملية التسوية التي رفضتها سوريا، فكانت معارك طاحنة في البقاع والشمال، أكبرها في مدينة طرابلس انتهت إلى تصفية نفوذ فتح فيها لصالح المنشقين عنها المدعومين من سوريا. أما مخيمات بيروت، فقد خضعت لعملية مماثلة قام بها حلفاء سوريا من التنظيمات اللبنانية، وتحديدا حركة «أمل» التي أسقطت مخيم شاتيلا وحاصرت مخيم البرج.
وهكذا باتت المخيمات الفلسطينية في البقاع والشمال وبيروت خالية من أي نفوذ لفتح، قبل أن يعود هذا الوجود حاليا بشكل خجول، فيما حافظت فتح على وجودها في مخيم عين الحلوة في صيدا.
وهكذا تنقسم الولاءات الفلسطينية بين 3 اتجاهات رئيسية هي: فتح والمنظمات المتحالفة مع سوريا، والفصائل الإسلامية. والأخيرة باتت اليوم محط الأنظار، إذا إنها لا تقتصر على حركة «حماس» و«الجهاد الإسلامي» المتحالفة مع إيران، فهناك الكثير من الفصائل التي تقترب من فكر «القاعدة».
وتعد حركة فتح، كبرى الفصائل وتشكل عصب منظمة التحرير، وتوجد سياسيا وعسكريا في كل المخيمات، في حين توجد حماس كتمثيل خدماتي واجتماعي في 95 في المائة من المخيمات، وهي غائبة في الشبريحة والقاسمية، حيث لا وجود تمثيليا لها.
عين الحلوة: أكبر الفصائل فتح، وجود عسكري واجتماعي وتربوي، كما أن فصائل منظمة التحرير لها وجود عسكري في المخيم، وتربوي واجتماعي وسياسي. أما حماس فلها وجود خدماتي وسياسي ورياضي ومؤسسة اجتماعية.
وتمتلك حركة الجهاد وجودا سياسيا وكشفيا وناديا رياضيا يحمل اسم «بيت المقدس»، في حين تمتلك الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مركزا طبيا، بالإضافة إلى وجود عسكري.
وفي المخيم أيضا وجود عسكري وخدماتي لتنظيم «أنصار الله» الذي يدير مستوصفا في المخيم. أما عصبة الأنصار الإسلامية، وهي من الحركات المتشددة، فلا مراكز اجتماعية ولا صحية لديها، بل مجمع ديني يتضمن مسجدا ومركزا لهم بقيادة اللواء أبو شريف، ولديها توزع عسكري ضمن منظومة أمنية من حراسات وغيرها، وعندهم بحدود 250 و300 عنصر. ويتركز وجودها في حي الصفصاف في المخيم.
أما الفصيل السامي الثاني فهو «الحركة الإسلامية المجاهدة»، وهي الأكثر تنظيما ومؤسساتية، ولها مركز لتعليم القرآن ولجنة الزكاة، وتقوية مدرسية، وتدير محطة تلفزيون محلية تبث عبر الكابلات. أما وجودها العسكري فهو عبارة عن حراسات وعناصر في بيوتهم، وليسوا في مراكز عسكرية، فهي لديها نظام عسكري وامني داخلي، من دون تجميع العسكريين بدوام. وآلية جمع العسكر، سريعة جدا، حيث يقال إنها يمكن أن تنزل مائة عنصر على الأرض خلال ربع ساعة، وعدد عناصرها الكامل يقدر بنحو 250 عنصرا.
مخيم المية ومية: أكبر فصيل فيه: حركة فتح، عسكريا وخدماتيا ورياضيا وعسكريا ورياضيا، بعدها حركة أنصار الله لها وجود عسكري، بين 40 و50 عنصرا في المخيم ولهم أيضا في مخيم برج الشمالي وجود سياسي فقط.
الرشيدية: توجد فيه بشكل أساسي حركة فتح بالإضافة إلى فصائل منظمة التحرير، لكن وجودها العسكري أقل بكثير من عين الحلوة. أما حماس فلديها وجود تمثيلي، إذ إنها فشلت في تنظيم نفسها في المخيم. أما الإسلاميون، فلا وجود لهم، بل بروز جزء من التعاطف مع القوى السلفية، وكانوا أفراد قبل أن تحتوى الحالة وتنتهي، وعادت الأمور إلى مجراها الأساسي.
البص: في مخيم البص يوجد نحو 40 عنصرا ومراكز للحركة في المخيم الصغير.
برج الشمالي: أما مخيم البرج الشمالي ففتح موجودة فيه بقوة، وحماس نما دورها قليلا، وصار لها المركز الثاني بعد فتح، بالإضافة إلى دور بسيط لحركة فتح - القيادة العامة الموالية لسوريا.
البقاع:
مخيم الجليل: فيه وجود لحركة فتح التي تحتكر الخدمات وهي الترتيب الأساسي بالمجتمع، بعدها فتح - الانتفاضة التي توجد عسكريا، تليهما القيادة العامة.
الشمال:
يعد البداوي المخيم الوحيد حاليا في الشمال بعد سقوط مخيم نهر البارد. وتوجد في البداوي القيادة العامة وفتح الانتفاضة وبعض فصائل منظمة التحرير.
الأحلام الممنوعة:
مهن لا يمكن للفلسطيني ممارستها
وقفت القوانين اللبنانية عائقا أمام عمل الفلسطينيين الذين منعوا من العمل في أي مهنة لا يحق لغير اللبنانيين مزاولتها، وعددها 72 مهنة. فالقانون اللبناني يمنع الرعايا الأجانب من العمل في هذه المهن، إلا إذا كانت دولتهم قد وقعت اتفاقا للمعاملة بالمثل مع الدولة اللبنانية، وهو من جعل من المستحيل على الفلسطينيين القيام بها شرعيا.
واقتصرت العمالة الفلسطينية على المهن البسيطة، خصوصا في المجال الزراعي وقطاع البناء. ووفقا لإحصائيات «الأونروا»، لم يجر توظيف سوى نحو 53.000 من قوة العمل الفلسطينية البالغ قوامها 120.000 فلسطيني. وفي الجنوب (في صيدا وصور)، يعيش 81 في المائة من جميع اللاجئين في «فقر مدقع».
واستمر هذا الوضع قائما، حتى عام 2010، عندما قام وزير العمل اللبناني طراد حمادة بمبادرة منه، بإصدار مذكرة إدارية تستثني الفلسطينيين من الحظر المفروض عليهم في بعض المهن. ورغم أن هذه المذكرة تعد خرقا كبيرا في الوضع القانوني للعمال الفلسطينيين، فإنها لن ترقى إلى مستوى قرار من مجلس الوزراء أو قانون من المجلس النيابي، مما أبقى الكثير من المهن المهمة «خارج نطاق الأحلام الفلسطينية».
فاللاجئ الفلسطيني، يولد في لبنان، ويتعلم في المدارس، ثم يتخصص في الجامعات، لكن شهادته كطبيب أو مهندس أو صيدلي أو محام لا تخوله العمل في لبنان، حيث يبقى أمام الراغبين بالعمل في هذه الوظائف وغيرها باب من اثنين، العمل داخل المخيمات بشكل غير قانوني (في بعض مشاريع «الأنروا» للأطباء والمهندسين) أو العمل في خارج لبنان.
والمهن التي بموجب المذكرة أصبح اللاجئ الفلسطيني الحق بممارستها وفق المذكرة فهي: الأعمال الإدارية والمصرفية على اختلاف أنواعها وبصورة خاصة عمل نائب المدير، رئيس الموظفين، أمين الصندوق، المحاسب السكرتير، المستكتب، الموثق، أمين محفوظات، كومبيوتر، المندوب التجاري، مندوب التسويق، مراقب أشغال، أمين مستودع، بائع، صائغ، خياط، التمديدات الكهربائية، الميكانيكا والصيانة، أعمال الدهان، تركيب الزجاج، الحاجب، الناطور، الحارس، السائق، السفرجي، الحلاق، الأعمال الإلكترونية، طاهي مأكولات عربية، المهن الفنية في قطاع البناء ومشتقاته كالبلاط والمورق، تركيب الألمنيوم والحديد والخشب، والديكور، وما شابه ذلك، وأعمال الميكانيكا والحدادة والتنجيد، التمريض، وجميع أنواع الأعمال في الصيدليات ومستودعات الأدوية والمختبرات الطبية، والتدريس في المراحل الابتدائية والمتوسطة باستثناء تدريس اللغات الأجنبية عند الضرورة، والأعمال الهندسية بمختلف الاختصاصات، وأعمال الكيل والمساحة.
أما المهن التي ما زالت محظورة فهي: الأعمال التجارية على مختلف أنواعها، أعمال الصرافة، المحاسبة، الكوميسيون، الأعمال الهندسية بمختلف أنواعها، الصياغة، الطباعة والتوزيع والنشر، الخياطة، الحلاقة، الكي والصباغة، تصليح السيارات (حدادة، دهان، ميكانيكا، تركيب زجاج، فرش، كهرباء سيارات)، ويضاف إليها المهن الحرة التي لا يمكن لغير المنتسبين إلى نقابتها ممارستها وفق القانون اللبناني، وهي: الهندسة، الطب، الصيدلة، المحاماة والصحافة.