
عبر الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية عبد اللطيف الزياني عن أسفه لهذا التحول الذي طرأ على وسائل الاتصالات الحديثة، فأصبحت «أداة هدامة أسيء استخدامها، فسُخرت في هدم القيم، والإساءة إلى الشعوب والدول، وإثارة الفتن ونشر الفوضى والاضطراب وبث الشائعات المغرضة»، وفقا لكلمة ألقاها في اجتماع وزراء دول الخليج للاتصالات وتقنية المعلومات بالكويت في الحادي عشر من يونيو (حزيران) 2014، مؤكدا على ضرورة اتخاذ كافة التدابير اللازمة بين دول المجلس لزيادة وتوسيع مجالات التعاون والتنسيق المشترك للتصدي لمثل هذه التحديات واقتراح الحلول والسياسات اللازمة لمحاربة هذه «المظاهر الدخيلة على مجتمعاتنا الخليجية ذات التاريخ الحضاري العريق في قيمه ومبادئه الأصيلة».
ولأن محاربة الإرهاب يجب أن تكون محكمة من كل نوافذه ومجالاته الإعلامية والتقنية والاجتماعية والثقافية، جاء قرار وزارة الداخلية السعودية مطلع مارس (آذار) 2014 صريحا محددا واضحا، يضع الأرضية الأساسية لمحاربة هذه الموجة الجديدة من الإرهاب العالمي الذي أصبح يجتاح الدول العربية بفضاءاتها الواقعية والافتراضية، فسمى الجماعات الإرهابية بأسمائها، وجرم كل شكل من أشكال الدعم والتعاون والتأييد والتعاطف معها، ومن أبرز منصات الدعم والتأييد في مواقع التواصل الاجتماعي، حيث جاءت الفقرة الرابعة من القرار مباشرة صريحة «كل من يقوم بتأييد التنظيمات، أو الجماعات، أو التيارات، أو التجمعات، أو الأحزاب، أو إظهار الانتماء لها، أو التعاطف معها، أو الترويج لها، أو عقد اجتماعات تحت مظلتها، سواء داخل المملكة أو خارجها، ويشمل ذلك المشاركة في جميع وسائل الإعلام المسموعة، أو المقروءة، أو المرئية، ووسائل التواصل الاجتماعي بشتى أنواعها، المسموعة، أو المقروءة، أو المرئية، ومواقع الإنترنت، أو تداول مضامينها بأي صورة كانت، أو استخدام شعارات هذه الجماعات والتيارات، أو أي رموز تدل على تأييدها أو التعاطف معها».
أما من يخالف هذه التعليمات بأي شكل من الأشكال «فستتم محاسبته على كافة تجاوزاته السابقة، واللاحقة»، وفقا لما نص عليه القرار.
جبهة خليجية موحدة
امتدادا لهذه الرؤية الحاسمة لمحاربة أساليب التجييش واستخدام مواقع التواصل الاجتماعي كمنصة حشد وتأييد للجماعات الإرهابية، قام مجلس التعاون الخليجي بتشكيل جبهة موحدة لمواجهة هذه الآفة، عبر فريق عمل برئاسة الإمارات العربية المتحدة، للتنسيق بين الدول الخليجية لحصر الإشكالات المترتبة على وسائل الاتصالات، من إثارة الفتن والاضطرابات، واتخاذ موقف موحد بين الدول الخليجية، وفقا لما كشف عنه الشيخ فواز آل خليفة، وزير الاتصالات والتقنية البحريني، في تصريح لصحيفة «الشرق الأوسط»، حيث أوضح أن «الفريق الخليجي الذي يترأسه محمد الغانم مدير عام هيئة تنظيم الاتصالات في الإمارات، قد أنهى دراسة حجم إشكالية مواقع التواصل الاجتماعي، وبدأت الشركات المزودة للخدمات بإغلاق بعض الحسابات في تلك المواقع، بينما ما زالت هناك حسابات بحاجة إلى استكمال الإجراءات القضائية، تمهيدا لإصدار الأحكام بحقها».
[blockquote] حسابات مجهولة نشطت للتحريض والتهيئة ضد رجال الأمن في السعودية قبل حادثة شرورة بأيام[/blockquote]
هذه الخطوة بحسب وزير الاتصالات البحريني تأتي في سياق العناية ببناء الجسور بين دول مجلس التعاون الخليجي والمؤسسات العالمية المزودة لخدمات التواصل الاجتماعي، وتطبيقات الهواتف الجوالة، مؤكدا أن الاستخدام السلبي لتلك الهواتف يشكل هاجسا لدى الجهات المختصة.
ويشرح الدكتور عبد الرحمن الهدلق، مدير إدارة الأمن الفكري بوزارة الداخلية السعودية، أساليب المتطرفين في استخدام الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي لتحقيق أهدافهم، قائلا:
«يسعى المتطرفون إلى نشر فكرهم؛ بغرض استقطاب وتجنيد الشباب من خلال عدة منافذ على الإنترنت ويركزون على (المواقع، والمنتديات، وغرف الدردشة، والبريد الإلكتروني، ومواقع التواصل الاجتماعي) ومن خلال هذه النوافذ يحاولون بث فكرهم وتبرير أفعالهم مع الإيقاع بضحايا جدد من المتعاطفين بعد التغرير بهم للانضمام إليهم بشكل مباشر أو على الأقل أداء بعض الأدوار بشكلٍ غير مباشر».
حرب إلكترونية قبل حادثة شرورة
رئيس حملة السكينة المتخصّصة بتصحيح الأفكار المتطرفة، الشيخ عبد المنعم المشوح، كشف عن وجود مخطط قاعدي لتجييش المتعاطفين بدأت واضحة من خلال استغلال تنظيم القاعدة لحكاية النساء المعتقلات، و«محاولته لاستمالة قلوب الرأي العام خصوصا فئة الشباب من الجنسين المتعاطفين مع المعتقلات، وجرهم لطريق الإرهاب بتجييشهم في مغالاة الجهاد والتكفير».
المشوح الذي نشر دراسة مفصلة تناولت نشاط «القاعدة» والفئة الضالة عبر «تويتر» أوضح أن «حملة السكينة» رصدت تنامي حسابات ومعرفات تصنع تيارا متطرفا يتبنى أفكار الفئة الضالة المغالي في التكفير، والداعي إلى التفجير والخروج، وتبني الجهاد بمفاهيم خاطئة ومخالفة للشريعة.
ومن ذلك ما رصدته الحملة قبل حادثة شرورة التي وقعت في السعودية مطلع يوليو (تموز) 2014 وراح ضحيتها عدد من رجال الأمن السعودي حين تسلل بعض الإرهابيين عبر منفذ وديعة اليمني، حيث يقول: «لاحظنا قبل الحادثة بفترة ضخّا هائلا من رسائل التحريض وحشدا عاطفيا باتجاه المنطقة وربطها بقضايا الموقوفين أو المُحاكَمين وهذا الحشد والتحريض اشتركت فيه كل الأقنعة المبثوثة في شبكات التواصل على اختلاف ألوانها ومذاهبها وجميعها ترجع إلى منصّات مجهولة تهدف إلى صناعة فوضى، لا نصرة موقوفين ولا حماية دين ولا خدمة لأي جماعة أو تنظيم».
وأضاف المشوح: «نرصد تلك التوجهات منذ أكثر من 10 سنوات لكن ما يحدث الآن من تحريض وتهييج وحشد وبث للشائعات وتعدد المنصات والوجهات والمهددات حقيقة يفوق السنوات الماضية مُجتمعة بمراحل، والهدف من هذا كله هو إيجاد بيئة فوضوية حتى لو كانت على الأقل في العالم الافتراضي فهم فشلوا في تنفيذ خططهم على أرض الواقع داخل السعودية فنقلوا عبثهم وفسادهم إلى العالم الافتراضي والذي سيُخرج يوما ما نتائجه على أرض الواقع».
وأوضح أنه قبل العملية جرى إطلاق ثلاثة هاشتاغات رئيسة مهمتها التوجيه العاطفي وتعمل بطريقة الإغراق في المعلومات عبر الحسابات المجهولة، مشيرا إلى أن «مصدر هذه الهاشتاغات هو منصة معروفة تستهدف السعودية وشارك فيها أكثر من 900 حساب مجهول».
استغلال ثورات الربيع العربي
يؤكد عبد الرحمن الهدلق أن المرحلة الراهنة في استخدام الإرهابيين للإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي قد تطورت واختلفت بعد الثورات العربية؛ «حيث سعت تلك الفئات إلى استغلال شرائح الشباب وإيهامهم بأن تلك الثورات ما هي سوى شكلٍ من أشكال ما يسمونه بالجهاد ويدعون إليه».
وبعد ذلك تطورت «أدوات وأساليب البث التي تستخدمها مواقع الجماعات الإرهابية وعدم اكتفائهم بأسلوب واحد لإيصال رسالتهم الإعلامية؛ حيث يستخدمون كافة أشكال النشر المتاحة، سواء صور، نصوص، فيديو، فلاشات، وغيرها كثير. وجاذبية الرسالة هنا لها دور مؤثر وقد تكون سببا في أن تكون الرسالة الضالة جاذبة للنفوس الضعيفة».
ويأتي نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية الذي أقره مجلس الوزراء السعودي في مطلع مارس (آذار) 2007 حيث اشتمل على ست عشرة مادة تنظم عمليات استخدام الإنترنت وكان من ضمن تلك المواد ثلاث مواد تعالج وبشكل مباشر إساءة استخدام الإنترنت من قبل تلك الجماعات الإرهابية، ومن أبرز تلك المواد:
1) جريمة إنتاج أو إعداد أو نشر أو تخزين المواد التي تمس النظام العام: ويقصد بها إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، وحرمة الحياة الخاصة، أو إعداده، أو إرساله، أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي. وتشدد المملكة عقوبتها على هذا النوع من الجرائم لتصل إلى السجن خمس سنوات وبغرامة مالية تصل إلى ثلاثة ملايين ريال أو إحداهما.
2) إنشاء موقع إلكتروني لمنظمات إرهابية: ويحدث ذلك على الشبكة المعلوماتية أو أحد أجهزة الحاسب الآلي أو نشره لتسهيل الاتصال بقيادات تلك المنظمات، أو أي من أعضائها أو ترويج أفكارها أو تمويلها، أو نشر كيفية تصنيع الأجهزة الحارقة، أو المتفجرات، أو أداة تستخدم في الأعمال الإرهابية، وقد تصل عقوبة هذا الفعل إلى السجن مدة عشر سنوات وبغرامة مالية تصل إلى خمسة ملايين ريال أو إحداهما.
الترويج لجماعة الإخوان عبر «تويتر»
أما جماعة الإخوان المسلمين التي صنفتها وزارة الداخلية السعودية كجماعة إرهابية يحظر الانتماء لها أو التعاون والتعاطف معها، فقد استخدم أتباعها مواقع التواصل الاجتماعي ومن أبرزها «تويتر» للترويج لصوتها والدفاع عنها، ورفع شعاراتها، والهجوم ضد الحكومات الخليجية التي وقفت موقفا حازما منها ومن أعمالها الإرهابية.
فوفقا لدراسة أكاديمية تناولت موضوع تأثير جماعة الإخوان المسلمين على الشباب السعودي في موقع التواصل الاجتماعي، كشفت أن ناشطي الإخوان المسلمين في «تويتر» يستهدفون الشباب السعودي الذين تتراوح أعمارهم ما بين 18 إلى 34 عاما وذلك من خلال تغريداتهم الموجهة والتي تريد كسب تعاطف وتأييد الشباب. وبحثت الدراسة - التي نشرت ملخصها صحيفة «الرياض» - في حسابات مجموعة من ناشطي الإخوان في مصر والكويت والأردن وتوصلت إلى أن النسبة العظمى من رسائلهم تتناول موضوعات تهم السعوديين وذلك لكسب تعاطفهم ومن ثم تمرير أهدافهم الخبيثة فيما بعد، وذلك بناء على البيانات التي رصدها الفريق البحثي المكون من طالبي الدراسات العليا في جامعة الملك سعود محمد العصيمي ومبارك القحطاني وبإشراف الدكتور مطلق المطيري، مبينة أن معظم حسابات ناشطي الإخوان المسلمين نشطة وفعالة بمتوسط 10 تغريدات يومية تدعم التوجه الإخواني.
[blockquote] استغل المتطرفون أحداث الثورات العربية عبر مواقع التواصل الاجتماعي لتصويرها على أنها جهاد شرعي[/blockquote]
وتناولت الدراسة تحليل فكر جماعة الإخوان المسلمين من خلال ما أظهرته تغريدات داعمي الجماعة في «تويتر» من خلال رسائلهم وآرائهم، سواء من المنتمين ضمنيا للجماعة أو الذين أعلنوا تأييدهم للتنظيم بوضعهم لشعار «رابعة العدوية» من أصحاب الحسابات النشطة داخل المجتمع السعودي أو غير السعوديين والذين حظوا بنسبة متابعة كبيرة من داخل المجتمع السعودي.
وأشارت الدراسة إلى أن دعاة الجماعة على قدر كبير من التدريب لا سيما في البلاد الغربية وأن وسائل الدعاية تغيرت فبعد أن كانت خطبة أو اجتماعا أو كلمة أصبحت نشرات ومجلات وجرائد ورسالات ومسارح وخيالات ومذياع وقد ذلل ذلك كله الوصول إلى قلوب الناس جميعهم نساء ورجالا في بيوتهم ومتاجرهم ومصانعهم ومزارعهم ليستفيد التنظيم «الإرهابي» خلال السنوات الماضية من منبر «تويتر» لتمرير أفكاره المتطرفة كما أن قادة جماعة الإخوان يدعون باستمرار إلى الاستفادة من هذه الوسائل والأخذ بها حتى يأتي عملهم بثمرته المطلوبة.