كان فؤاد عجمي يظهر بانتظام في برامج «تشارلي روز» و«نيوز أور» على شبكات «سي بي إس نيوز» و«سي إن إن» و«بي بي إس»، ليوضح للشعب الأميركي المنطق والسبب وراء شن الحرب التي ستكلف الولايات المتحدة ثلاثة تريليونات دولار، وتحصد حياة الآلاف من القوات الأميركية. وكان يظهر أيضا على شاشات عربية مثل قناتي «العربية» و«الجزيرة» ليوضح للشعوب العربية فوائد التدخل الأميركي في أراضيهم المضطربة.
وفي خطاب ألقاه نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني في أغسطس (آب) عام 2002 أمام المحاربين القدامى في الحروب الخارجية، سعى إلى تهدئة المخاوف بشأن الغزو الأميركي المرتقب للعراق، قائلا: «فيما يتعلق برد فعل (الشارع) العربي، يتوقع خبير الشرق الأوسط البروفسور فؤاد عجمي أنه بعد التحرير، من المؤكد أن الشوارع في البصرة وبغداد سوف تعج بالبهجة، بالطريقة ذاتها التي استقبلت بها الجماهير في كابل الأميركيين».
كذلك، كان فؤاد عجمي يقدم نصائحه لكوندوليزا رايس عندما كانت مستشارة للأمن القومي في إدارة بوش، وبول وولفيتز عندما كان نائبا لوزير الدفاع.
وكما وصفه وولفيتز، فإن عجمي «أصبح أميركيا باختياره. اعتنق قيم الدولة التي احتضنته، الولايات المتحدة، بشغف يكافئ تبنيه اللغة الإنجليزية. ولكن، لم يغب عن بصره المكان الذي جاء منه أو التعقيدات أو المأساة التي حلت بهذه المنطقة في العالم لفترة طويلة مقبلة».
انتقل عجمي إلى الولايات المتحدة قبل أن يتم عامه الثامن عشر، وظل طوال حياته يقارن دون وعي بين وطنه الجديد وقيمه ونظامه السياسي والوطن الذي شهد ميلاده. انعكس هذا على كتاباته من مقالات وكتب.
كان يحاول باستمرار استيعاب سبب الفوضى السياسية العربية.. كان يحاول الوصول إلى أصل العنف الذي وسم العهد السياسي الذي مر به جيله، والسبب في وجود «المؤسسة الاجتماعية الرجعية». كان يسعى إلى معرفة لماذا أصبح العالم الذي جاء منه «تاريخا يحمل الوهم واليأس، يتكرر فيه انزلاق السياسة إلى إراقة الدماء».
لقد وصل إلى اعتقاد أن العرب أنفسهم هم أصل الفوضى التي حلت بهم.. «إن الجراح ذات الأهمية هي جراح من صنع الذات. يتدخل العالم الخارجي، ولكن الدمار الذي نشاهده عكس منطق التاريخ العربي، ومستوى قيادته.. لم يكن على الدخلاء أن يمارسوا القمع والتشويه. كان السوط يضرب بفعل الذات».
أحداث 11 سبتمبر
بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، حث على وجود دور أكثر تحديدا للقوة الأميركية في الشؤون العربية.
كتب عجمي: «فيما هو أكثر من إسقاط نظام صدام وتفكيك أسلحته القاتلة، يجب أن يكون الدافع المحرك للمحاولة الأميركية الجديدة في العراق وفي الأراضي العربية المجاورة هو تحويل العالم العربي إلى الحداثة. أثمر الإسراف في التسليم بطرق ومخاوف العرب عن نتائج مفزعة - للعرب أنفسهم ولأميركا المشتركة في شؤونهم. قد يكون ذلك قاسيا وغير منصف، ولكنها الحقيقة: أصبح الصراع بين الحكام العرب والمتمردين محل اهتمام أميركا».
«في النهاية، إن المعركة من أجل إقامة نظام علماني حديث في العالم العربي محاولة يقوم بها العرب أنفسهم. ولكن القوة مهمة، وإرادة قوة عظمى ومكانتها قد تساعد على ضبط الميزان لصالح الحداثة والتغيير».
اعتقد عجمي أن العراق يمثل «قاعدة في العالم العربي خالية من سموم معاداة الولايات المتحدة الأميركية. فهو بلد لا تحيط به المحظورات الدينية. وربما يملك العراق استعدادا أكبر للديمقراطية من مصر، على الأقل لأنه أكثر ثراء وتحررا من الضغوط الديموغرافية التي تقع على مصر، ومن التهديد المستمر بوجود حركة إسلامية بها».
[caption id="attachment_55251820" align="alignright" width="300"] رامسفيلد وبوش ورايس[/caption]
كان يرى أن «شبح ظهور دولة شيعية في العراق يمكن أن تصبح ولاية فارسية تابعة لحكم رجال الدين الإيرانيين – وهي المخاوف التي أصابت القوة الأميركية بالشلل في عام 1991 – يجب أن ينتهي. من الواضح أن وعود الثورة الإسلامية انحسرت، وأن رجال الدين ليسوا في موقف يسمح لهم بتصدير (سعادتهم الثورية)، حيث إنهم لن يجدوا من يتقبلها في أي مكان. وهكذا، أيضا يجب أن ينظر إلى شيعة العراق بصفتهم عربا وعراقيين بكل معنى للكلمة».
كان عجمي يأمل أن تريح الإطاحة بنظام مريع في العراق يعتنق الإرهاب العراقيين والعرب من عطايا الاستبداد الكاذبة.
الشيعة والسلطة
ولكن، من المؤسف أنه قلل من حجم القوة الآيديولوجية، وبالغ في تقدير الرغبة الأميركية في الالتزام على المدى البعيد بالوجود في أرض المعركة.
في العراق، سريعا ما خاب أمل فؤاد في أن يشهد «صعود نوع مختلف من الشيعة إلى السلطة» يمنح رجال الدين دورا سياسيا وثقافيا خاصا بهم مع إخضاعهم للسلطات العلمانية.
ووجد أن رئيس الوزراء العراقي الجديد استبدل بالنفوذ الأميركي هيمنة إيرانية. ولكنه استمر في اعتقاده أن إدارة أوباما غير راغبة في التحرك في شأن العراق أو حتى سوريا. في رأيه، الرئيس الأميركي غير مهتم بالمنطقة ويريد سحب قواته منها، ولا يريد أن «يستخدم القوة العسكرية لإنقاذ الأطفال السوريين أو حتى انتشال العراق من حافة الحرب الأهلية، بل اختار قائد العالم الحر سابقا النظر في الاتجاه الآخر».
كتب عجمي في شهر يونيو (حزيران) الماضي: «وصف السيد أوباما المالكي بالقائد المنتخب لدولة العراق الديمقراطية المستقلة ذات السيادة. يشك المرء في أن السيد أوباما يعرف أفضل».
ولكن، كان أوباما يعلم - كما أخبر جيفري غولدبيرغ في مارس (آذار) الماضي - أن هناك تحولات تجري في المنطقة، وأن تلك التحولات تجعل من اللازم على الولايات المتحدة عدم إغضاب قاسم سليماني، القائد العسكري الإيراني المسؤول اليوم عن الدفاع عن بغداد ضد القبائل السنية المتمردة.
[inset_left]كان فؤاد عجمي يقدم نصائحه لكوندوليزا رايس وبول وولفيتز[/inset_left]
لم يكن عجمي يشك في أن أوباما يسير وفق خطة شريرة: تسليم المنطقة إلى الإيرانيين، إذ يعتقد أنهم «أصحاب فكر استراتيجي وليسوا مندفعين. ولديهم رؤية ويهتمون بمصالحهم ويستجيبون للتكاليف والفوائد. وهذا لا يدفع إلى القول بأنها ليست دولة دينية تعتنق جميع الأفكار التي أبغضها، ولكنها ليست كوريا الشمالية. إنها دولة كبيرة قوية ترى أنها طرف مهم على الساحة العالمية، ولا أعتقد أن لها هدفا انتحاريا، ويمكن أن تستجيب إلى الحوافز».
لم تثبت أي بادرة من السلوك الإيراني، سواء في سوريا أو لبنان أو العراق أو اليمن أو البحرين، صحة آراء أوباما بشأن إيران. بل قدمت انتفاضة الموصل التي تدفع المنطقة إلى حافة حرب طائفية إقليمية دموية إثباتا واقعيا على خطأ فرضيات أوباما.
تغافل أوباما عن السياسات الطائفية التي اتبعها المالكي، وأدت إلى اندلاع الثورة السنية في العراق، وتغافل عن جرائم الأسد في سوريا، وأدت إلى صعود جماعة متطرفة تجند الشباب من جميع أنحاء العالم.
لا يزال أوباما يصر على عدم اتخاذ إجراء، ويرفض التزحزح عن موقفه، بل ويشعر بالارتياح لرؤيته الوهمية: «إذا استطعت أن تجعل إيران تعمل في إطار من المسؤولية - بعدم تمويل منظمات إرهابية وعدم تطوير أسلحة نووية – يمكن أن تجد توازنا بين دول الخليج السنية، أو ذات الأغلبية السنية، وإيران؛ ستكون هناك منافسة، وربما شكوك، ولكن لن تكون هناك حرب فعلية أو بالوكالة».
للأسف، لن يكون فؤاد عجمي موجودا ليشهد الكوارث التي ستجلبها رؤية أوباما.