يلاحظ كثير من المراقبين اهتمام الإعلام الألماني البالغ بالوضع السياسي في مصر، لا سيما في السنوات الثلاث الماضية، منذ خروج أول مظاهرة طافت ميدان التحرير وحتى الإطاحة بالرئيس حسني مبارك، مرورا بالإحداث الدامية والمؤلمة التي وقعت آنذاك، ثم انتخاب مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي، إلى الاقتراع من أجل وضع دستور مصري جديد عام 2012، وفترة حكم مرسي القصيرة إلى سقوطه في 30 يونيو (حزيران) من العام الماضي.. واليوم تعطي ألمانيا اهتماما كبيرا للانتخابات الرئاسية وما يرافقها من أحداث. والسبب في ذلك أن برلين التي تلعب دورا اقتصاديا وسياسيا مهما في المنطقة العربية، تعتبر مصر الدولة الأكثر تأثيرا على الوضع السياسي والاقتصادي بشكل عام في الشرق الأوسط.، ولذا لم يكن غريبا أن تستقبل المستشارة أنجيلا ميركل الرئيس السابق محمد مرسي عقب توليه السلطة مباشرة، وكانت أول زيارة قام بها مسؤول أوروبي وغربي إلى مصر في تلك الفترة لوزير الخارجية الألمانية السابق غيدو فسترفيلي، ووقعت ألمانيا آنذاك مع حكومة مرسي اتفاقيات اقتصادية جديدة للتعاون.
البعثة الدبلوماسية
وعن الانتخابات الرئاسية المصرية ودور البعثة الدبلوماسية المصرية بألمانيا في تسهيل إجراءات اقتراع المصريين المقيمين أو الزائرين بلجان التصويت في برلين وفرانكفورت وهامبورغ، والتنسيق بين سلطات البلدين بشأن الانتخابات ومراقبتها، والعلاقات الثنائية بين برلين والقاهرة، التقت «المجلة» بالسفير المصري في برلين الدكتور محمد حجازي، الذي أكد على وجود تنسيق بين البعثة المصرية والجانب الألماني تم قبل وقت كاف من الانتخابات، حيث قامت البعثة الدبلوماسية في ألمانيا بإحاطة المسؤولين الألمان بتفاصيل العملية الانتخابية، واتفقت على مواعيد الانتخابات والتسهيلات والخدمات التي تقدمها البعثة للجالية المصرية، إضافة الى دور السلطات الألمانية في تأمين مقار اللجان الانتخابية في مقار لجان التصويت بالمدن الثلاث.
وأكد حجازي في حواره مع «المجلة» أن البعثة المصرية قامت بتوفير الوسائل اللازمة للانتخاب، مشيرا إلى وجود نظام القارئ الآلي الذي يطلع على بيانات الرقم القومي أو بيانات جواز السفر المسجل فيه الرقم القومي، بحيث لا تستغرق عملية الانتخابات إلا دقائق. وتابع السفير المصري «ومن يسجل في هذه القائمة المرتبطة بالقاعدة العامة للناخبين في مصر لا يجوز له الاقتراع مرتين، فمجرد تسجيل بطاقته يعطيه الحق في الاقتراع من عدمه، وهذا يسهل كثيرا عملية الاقتراع في بلدان فيها كثافة للمغتربين المصرين مثل دول الخليج».
تعاون ثنائي
وعن اطلاع السلطات الألمانية على سير عملية الانتخابات قال حجازي «لقد قامت مصر مع الاتحاد الأوروبي بتوقيع مذكرة لمتابعة الانتخابات، وكذلك مع الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي، إضافة إلى منظمة الكوميسا ومنظمة الفرنكفون، ولدينا موافقة على متابعة ممثلي السفارات المعتمدة في القاهرة للانتخابات، والتعاون في برلين مع بعثة الجامعة العربية لمتابعة الانتخابات في برلين وفرانكفورت وهامبورغ. أما من ناحيتنا فإننا نقوم بإطلاع المسؤولين الألمان بشكل دوري على تطورات الأوضاع السياسية، ونبحث أيضا آفاق التعاون الثنائي، ويزور حاليا نائب مساعد وزير الخارجية الألماني القاهرة لإجراء مباحثات مع المسؤولين كافة، إضافة إلى وفد برلماني ألماني يزور مصر هذا الأسبوع لمدة أربعة أيام. وعلى الصعيد الإعلامي تنقل الهيئة العامة للاستعلامات من خلال المراسلين الأجانب كل تفاصيل العملية الانتخابية، ويقوم خالد نظمي المستشار الإعلامي في السفارة في برلين بإحاطة يومية للصحافة الألمانية في ما يخص تطورات العملية الانتخابية، ويجيب بشكل دائم عن استفسارات وأسئلة الصحافة والإعلام».
وحول موقف الساسة الألمان من الوضع السياسي غير المستقر في مصر والذي تغير كليا بعد سقوط الرئيس السابق مرسي، يقول السفير حجازي «عندما انتخب الرئيس السابق محمد مرسي استقبل في ألمانيا على الرغم من أن موقف الحكومة الألمانية لا ينسجم مع سياسات الإخوان المسلمين، لكن خلال الفترة السابقة استنكرت الصحافة الألمانية بشدة أعمال العنف في مصر والأحكام التي قضت بإعدام بعض المتورطين من (الإخوان) في أحداث عنف بعد الإطاحة بالرئيس السابق، وأصبحت هناك معارضة ألمانية سوف تطرح أسئلة قبل اتخاذ الحكومة الألمانية أي موقف تجاه النظام المصري الجديد، فهي تريد أن تعرف نوع هذا النظام وكيف يمكن التعامل معه».
الاعلام الالماني
وعن موقف الساسة الألمان والإعلام من وزير الدفاع السابق المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي، الأقرب للفوز بالمنصب الرئاسي ومنافسه حمدين صباحي، يقول حجازي «ألمانيا شأنها شأن كل دول العالم سوف تحترم خيار الشعب المصري، ومصر قادرة بقيادتها على أن تقدم النموذج وتقدم للعالم شرحا بمساعيها الصادقة في تحقيق أمن واستقرار الشرق الأوسط، وتحقيق أهداف ثورتها وتحقيق النمو والاستقرار الاقتصادي بالتعاون مع الشركاء، فأنا على يقين من أن كل دول العالم مدركة لأهمية مصر ومكانتها السياسية وقدرتها على تقديم المساهمة المطلوبة لحل نزاعات المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية والوضع في سوريا والعديد من القضايا والمشكلات التي تمر بها المنطقة. إن مصر عامل استقرار يضمن المساهمة في أمن الخليج، وفي حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي في الشرق الأوسط، وهي أيضا قادرة على أن تقدم المساهمة في القضايا المحيطة بها والتي تمر بها دول شقيقة مثل ليبيا أو السودان أو جنوب السودان أو سوريا، فبالنسبة لأوروبا تشكل مصر عامل استقرار نجاحه ضرورة لأمن المنطقة وللأمن الأوروبي ذاته. وبالتالي فإن مصر القادمة المستقرة الناجحة النامية اقتصاديا هي مصلحة أكيدة ليس فقط للشعب المصري ولكن أيضا للمنطقة العربية وللشرق الأوسط عموما ولأوروبا وجنوب المتوسط على وجه الخصوص، فما تقوم به مصر حاليا من مواجهة حاسمة مع الإرهاب ليس فقط لحماية أمن مصر القومي، بل ولتحقيق الاستقرار في منطقة مهمة جدا ومحورية في الأمن والسلم والاستقرار العالمي، وترتبط أوروبا أمنيا بجنوب المتوسط الذي مصر ضمنه».
وأضاف السفير المصري «وفي ما يخص الإعلام الألماني فأعتقد ان لديه معلومات وافية عن السيسي وصباحي، والحقيقة أن هناك حضورا إعلاميا واضحا لكلا المرشحين، ولأن الانتخابات في مصر مهمة فإن كل المعلومات المتاحة عن المرشحين الرئيسين متوافرة لدى كل وسائل الإعلام والجهات الرسمية عن طريق حملة المرشحين وممثليهم، أما نحن فنحافظ على حيادنا التام كجهة رسمية».
وعن الدعم الألماني للاقتصاد المصري يقول السفير حجازي «لدينا حجم تعاون تجاري مهم جدا وصل العام الماضي إلى نحو 4.5 مليار يورو، وإحصاءات يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) لهذا العام تشير إلى تقدم كبير، وفي معدلات النمو الاقتصادي المصري الألماني لدينا حجم تعاون إنمائي مهم في حدود 351.88 مليون يورو، يتوزع على كل الأنشطة التنموية الاقتصادية من بناء مصارف وفي مجالات صحية وتعليمية وتدريبية إلى تأهيل مهني وغيره من الأنشطة الاقتصادية، منها برنامج شراكة التحول وقدره مائة مليون يورو لدول الربيع العربي، حصة مصر من هذا المبلغ تصل إلى 40 مليون يورو. وهناك أيضا 58 مليون يورو أضيفت هذا العام لبلدان الربيع العربية يخص مصر منها قدر مناسب، وبالإضافة إلى ذلك هناك برنامج تبادل ديون مصري ألماني مهم بمعدل 240 مليون يورو أقرته المستشارة أنجيلا ميركل لمصر عام 2011، تم الانتهاء من تقديم مشروعات وتبادل ديون الشريحة الأولى كاملة بحدود 80 مليون يورو، والشريحة الثانية وقدرها 160 مليون يورو هي في طور التباحث حولها مع البرلمان الألماني الجديد ولجنة الميزانية والمسؤولين، وخلافا لذلك هناك تعاون ثقافي مهم جدا من خلال جامعتين ألمانيتين في القاهرة، وتبادل طلابي ودارسون في مراحل الماجستير والدكتوراه. وفي إطار دعمها وحرصها على مساعدة مصر في حماية تراثها الثقافي سلمت ألمانيا مؤخرا ثلاث قطع أثرية مهمة إلى السلطات المصرية كانت مهربة من مصر. إنها بعض المؤشرات لتأكيد حجم التعاون المصري الألماني الذي لم ينقطع يوما ولن ينقطع إدراكا من ألمانيا لمكانة مصر ومحوريتها وبوصفها ركيزة للاستقرار في الشرق الأوسط».
الاستثمارات الألمانية في مصر
وأكد السفير أن «الاستثمارات الألمانية في مصر تصل إلى نحو 700 مليون يورو، وإذا ما أضفنا إليها اليوم الاستثمارات في مجالي الغاز والبترول لتضاعف هذا الرقم كثيرا. وبقيت برلين خلال السنوات الثلاث الماضية من عمر الثورتين تعمل بشكل فاعل إدراكا منها لأهمية هذه السوق وحجمها وقدرتها على الانتشار في المنطقة العربية والأفريقية والمتوسطية وأبعادها الجغرافية، لأن لها مكانة جغرافية مهمة جدا ومحور حركة للتجارة العالمية. وعليه فإن الجانب الألماني عزز استثماراته ولم يقللها، ويتوافد على مصر بشكل دوري، ونسعى إلى التعاون معهم في مجالات عدة خاصة في مجالات الطاقة المتجددة، وربما وصل إلى مسامع المصريين اكتشاف غازي مهم جدا في منطقة كفر الشيخ بدلتا النيل، وهذا محسوب للجانب الألماني عبر مشاركة شركة (آر دبليو إي) وغيرها من الشركات التي قدمت عددا من المشروعات في مجال الطاقات المتجددة وإنشاء محطات توليد طاقة شمسية، ومصر وألمانيا مرتبطتان من خلال مبادرة ربط شمال أفريقيا وأوروبا في مجال إنتاج الطاقة المتجددة، وذلك استنادا إلى مذكرة تفاهم وقعناها مع جي إي آي، بالإضافة إلى مبادرات أخرى نسعى إلى تنميتها وتطويرها. كما تحقق نجاح للتعاون الألماني المصري في مجال التأهيل المهني وتدريب الكوادر والتعليم وفي المجالات الثقافية المتعددة. والحقيقة فإن المستثمر الألماني مهم ولديه رغبة في الاستمرار في السوق المصرية، وبعد الانتهاء من الاستحقاق الرئاسي لدى المستثمر الألماني الرغبة في أن يكون له حضور واضح في مصر. فمصر سوق وموقع جغرافي، وتتوافر فيها موارد اقتصادية وطاقة بشرية، وهذه معادلة رابحة لأي مستثمر».
وعن تأثير الأوضاع الأمنية على الاستثمارات الألمانية في مصر يقول حجازي «يدرك المستثمر أن كل المؤشرات الاقتصادية في مصر قوية، ورغم ما يواجهه الاقتصاد المصري من صعوبات، فإن الاقتصاد استمر لمدة ثلاث سنوات يواجه مسؤولياته، لذا فهو اقتصاد قوي. البنية التحتية متميزة سواء من حيث الطرقات أو الاتصالات أو البنية المصرفية أو قوانين الاستثمار الدافعة، كلها على أحدث مستوى عالمي، وبالتالي فهذه البيئة الجاذبة ما زالت قائمة ومتوافرا لها البعد». وأضاف السفير «قد يكون للوضع الأمني تأثير سلبي على القطاع السياحي، رغم ذلك ما زالت السياحة الألمانية مهمة جدا، ووصل إلى مصر في 2013 نحو 850 ألف زائر ألماني من أصل 1.3 مليون عام 2010، وفي شهري يناير وفبراير من العام الحالي وصل العدد إلى 143 ألف ألماني، ونأمل في عودة الاستقرار كي نستقطب جزءا رئيسا من السياحة الألمانية، كما نسعى لتخفيف تحذيرات السفر الألمانية إلى بعض المناطق في سيناء في وقت تصل فيه السياحة الألمانية في البحر الأحمر إلى أرقام جيدة».