وفقا لمعلقين سعوديين بارزين، اتسمت السياسات الأميركية التي توجت باتفاقية الإطار النووي لمدة ستة أشهر بالـ«سذاجة». في الوقت ذاته، توجد مخاوف من أن مبادرة الإدارة في المفاوضات تصب تركيزها الضيق على المباحثات النووية، متجاهلة التصرفات الإيرانية المثيرة للمشاكل والتي تتسبب في زعزعة استقرار المنطقة.
المأساة الواقعة في سوريا
حتى الوقت الحالي، تكمن أهم تبعات تحسن العلاقات الأميركية مع إيران في المأساة الواقعة في سوريا، حيث يستمر نظام الأسد العلوي الشيعي منذ عام 2011 بدعم من إيران وميليشياتها الشيعية المسلحة في لبنان حزب الله في قتل ما وصل إلى 200 ألف شخص أغلبهم من المسلمين السنة، وتشريد 40 في المائة من السكان، والتسبب في أزمة لاجئين يبلغ عددهم عدة أضعاف اللاجئين الفلسطينيين. على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، كانت إدارة أوباما تصدر بصورة روتينية بيانات صارمة تدين فيها الأسد وجرائمه، ولكنها لم تتخذ خطوات فعّالة من أجل المساعدة على وقف الحرب أو النظام.
ألحق التقاعس الأميركي عن اتخاذ أي إجراء ضررا بالمصداقية الأميركية في الشرق الأوسط. وكانت قضية اعتبار استخدام الأسلحة الكيماوية «خطا أحمر» على وجه التحديد ذات ضرر بالغ. كان إجهاض الرد العسكري الأميركي على استخدام نظام بشار الأسد أسلحة كيماوية في 21 أغسطس (آب) 2013 والذي أسفر عن مقتل 1500 مدني سوري، بالإضافة إلى تحفظ الإدارة الأميركية – على الرغم من التأكيدات العامة – على إمداد المعارضة السورية بالسلاح، من وجهة نظر المنطقة، ذا صلة مباشرة بالمفاوضات النووية الجارية مع إيران. بإيجاز، يبدو أن واشنطن امتنعت عن شن هجوم ضد نظام الأسد نظرا لقلقها من إمكانية إحباط هذا الإجراء لمفاوضاتها مع إيران.
وتسبب فشل مسألة «الخط الأحمر» في نتيجة مضاعفة. فهو أولا قوض ثقة حلفاء واشنطن العرب (والإسرائيليين) في أن إدارة أوباما سوف تستخدم القوة العسكرية إذا لزم الأمر لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي. وفي الوقت ذاته، أقنع هذا التصرف كثيرين في المنطقة بأن البيت الأبيض لم يعد يؤيد الإطاحة بنظام الأسد، ربما بسبب مخاوف من صعود تنظيم القاعدة في سوريا. ومع ذلك يتساءل البعض في المنطقة، لماذا تنهي الإدارة الأميركية الحظر على تصدير قطع غيار طائرة بوينغ 747 الإيرانية، وهي أفضل وسيلة تستخدمها إيران في شحن الأسلحة والذخائر إلى نظام الأسد؟
تثير فكرة أن واشنطن تفضل النظام السيئ الذي تعرفه في دمشق على بديل مجهول، أو من المحتمل أن يكون تابعا لـ«القاعدة»، قلقا متزايدا لدى أصدقاء واشنطن في الخليج. كما أنه يهدد أيضا استقرار لبنان الهش.
إن الوضع الطائفي في لبنان مشتعل منذ فترة طويلة، ولكن فاقمت الحرب الدائرة في سوريا من التوترات بين السنة والشيعة. وعلى مدار العام الماضي، مثلما كان الجهاديون اللبنانيون السنة ونظراؤهم في ميليشيات حزب الله الشيعية يقاتلون بعضهم الآخر في سوريا، وقع على الأقل 16 حادث تفجير سيارة مفخخة في لبنان في كل من الأحياء الشيعية والسنية. كانت التسوية المؤقتة الهشة على وشك الانهيار لولا القوات المسلحة اللبنانية، وهي المؤسسة الوطنية «غير الطائفية» الوحيدة في الدولة.
العودة إلى الحرب الأهلية في لبنان
ولكن لم تمس القوات المسلحة اللبنانية حزب الله مطلقا؛ وفي الفترة الأخيرة مع اقتصار الحملات العسكرية – التي تجري في بعض الأحيان بمساعدة الميليشيات الشيعية - تقريبا على الجماعات السنية المشتركة في الثورة السورية، بدأ بعض اللبنانيين في التشكيك في حيادية المؤسسة العسكرية. في الوقت ذاته، يخشى البعض من أن الإدارة الأميركية تنحاز إلى حزب الله، وإن كان بصورة مؤقتة، لمواجهة ما تعتبره تهديدا سنيا أكثر خطورة.
إذا استمر السير في هذا الاتجاه، قد ينهار الوضع الأمني في لبنان – والذي يضم في الوقت الحالي أكثر من مليون لاجئ سوري سني، مما يجعل السنة يشكلون أكبر قطاع من السكان حتى الآن – مما قد يؤدي إلى العودة إلى الحرب الأهلية.
سوف يسفر عدم أداء واشنطن دورها كلاعب أساسي في الشرق الأوسط عن تغيير ديناميكيات المنطقة، مما يُفاقم من الانقسام السني الشيعي. ولكن في هذه الأثناء ازداد تقارب العديد من دول مجلس التعاون الخليجي، مما ساعد على تشكيل تحالف من الدول المتقاربة في الفكر المعارض لجماعة الإخوان المسلمين. تدرك هذه الدول الخليجية بوضوح ما يتعرض للخطر في هذا الشرق الأوسط الجديد، فأصبحت تُكيّف سياساتها وفقا لتلك المعطيات، بتقديم مساعدات مالية وعسكرية مهمة لمصر ولبنان أملا في مساعدة هاتين الدولتين على تجاوز عاصفة ازدواجية واشنطن.
زيارة اوباما للسعودية
من الواضح أن الزيارة التي قام بها أوباما اخيرا إلى المملكة تهدف إلى تحسين العلاقات الثنائية التي تشهد تراجعا وإلى استعادة ثقة المملكة في واشنطن. لم يتحدد بعد تأثير الزيارة على العلاقات، ولكن يبدو أن موقف طهران على وجه التحديد قد تغير. في إحدى المقالات في الصحف الإيرانية التي صدرت في أبريل (نيسان) 2014، تحت عنوان «انفصال بين الولايات المتحدة والسعودية على الرغم من زيارة أوباما»، أشار الكاتب إلى أن الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية لا تستطيعان التوافق حول عدد من القضايا الإقليمية، ولا سيما في شأن سوريا والعراق وإيران.
وفي حين لا يبدو أن هناك «انفصالا» قريبا بين السعودية وأميركا، بغض النظر عن زيارة أوباما، إلا أن العلاقات ما زالت متوترة. ولكن في الوقت ذاته، يبدو أن تقارب واشنطن مع طهران يواجه صعوبات مؤخرا. بعد أسابيع من عودته من السعودية، وقع الرئيس أوباما على قانون يمنع مبعوث إيران المعين إلى الأمم المتحدة حامد أبو طالبي من تولي منصبه في نيويورك بسبب مشاركته في الاستيلاء على السفارة الأميركية وأزمة احتجاز الرهائن في عام 1979. وتدعي طهران أن خطوة الولايات المتحدة تتنافى مع القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة وترفق طلبات بتعيين مرشح آخر في المنصب. وليس من المعروف كيف سيكون تأثير هذا الخلاف الدبلوماسي على المفاوضات النووية القائمة.
ما زال من المبكر معرفة ما إذا كان رفض إدارة أوباما لمنح التأشيرة لمبعوث إيران لدى الأمم المتحدة حامد أبو طالبي – الذي شارك في الاستيلاء على السفارة الأميركية وأزمة الرهائن عام 1979 – يُمثل إشارة إلى أسلوب جديد أكثر صرامة وواقعية تجاه إيران. كذلك ليس من الواضح إذا كان إمداد ثوار الجيش السوري الحر بصواريخ تاو الأميركية المضادة للدروع سوف يستمر. ولكن الواضح هو أنه في ظل عدم وجود سياسة أميركية فعالة بشأن برنامج إيران النووي بما فيها استخدام موثوق به للقوة، وبالتالي، غياب مساعي أميركا المشتركة من أجل تحويل مسار المعركة الميدانية في سوريا بعيدا عن الأسد وإيران لصالح المعارضة السورية المعتدلة، فسوف يتأزم الوضع الأمني في الخليج.