في أوروبا، أسفر كتاب أرسطو عن تكهنات وتجارب حول قضية الحكم استمرت لقرون. استخدم أنصار المدرسة الفلسفية، وأبرزهم القديس توما الإكويني، هذا الكتاب كأساس للتوفيق بين المسيحية والفلسفة. وعلى الرغم من أن هذا الكتاب لم يترجم بالكامل إلى اللغتين العربية والفارسية، أكبر لغتين في العالم الإسلامي الكلاسيكي، فإن الأجزاء المترجمة كانت مصدر إلهام للعديد من الكتابات عن «سيرة الملوك» والحكم الرشيد عامة.
ولكن تحدث كتاب أرسطو المتميز عن الحكم المثالي في «أكثر مجتمع سياسي مثالية» وهو ما وصفه المعلم الأول بالمجتمع الذي تتولى فيه «الطبقة الوسطى الحكم، وتتفوق في العدد على الطبقتين الأخريين». لم تتحقق هذه الفرضية إلا في القرن العشرين عندما تمكنت الطبقات الوسطى من السلطة في عدد من المجتمعات الغربية. ولكن حتى في ذلك الحين، لم يستغرق الأمر وقتا طويلا حتى يتضح أن حكم الطبقة الوسطى، أو ما أطلق عليها ماركس البرجوازية، لا يقدم بالضرورة «أكثر مجتمع سياسي مثالية».
تناول أرسطو الحكم المثالي، ولكن تستدعي الحاجة دراسة ما هو واقعي. وكانت هذه هي المهمة التي حملها على عاتقه موظف حكومي متقاعد في عام 1513. كان هذا الرجل هو نيكولو مكيافيللي الذي اعتقل ونُفي نتيجة لتغيير النظام المتكرر الذي شهدته مدينته فلورنسا. خرج مشروع مكيافيللي في صورة كتاب صغير تزيد عدد صفحاته في معظم الطبعات على المائة فقط، وقد صدر لأول مرة تحت عنوان «عن الحكام» في عام 1513-1514.
يحتفل العالم اليوم بالذكرى الـ500 لصدور كتاب مكيافيللي من خلال ندوات عديدة تقيمها جامعات ومراكز بحثية في أكثر من 50 دولة. وفي المئوية الخامسة لكتاب «الأمير»، وهو الاسم الذي اشتهر به الكتاب الصغير بعد أن ظهر على طبعته النهائية التي خرجت إلى النور في عام 1532، تتخذ مئات الكتب والكثير من المقالات من هذا الكتاب مصدرا للإلهام.
يفتخر الرئيس باراك أوباما بامتلاكه نسخة من الكتاب، وكذلك يفعل ديكتاتور كوريا الشمالية كيم يونغ لي. كما أن كتاب «الأمير» هو الكتاب المفضل لكل من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ورئيس الوزراء الياباني شينزو أبه. على مدار القرون الماضية، دخل مصطلح «المكيافيللية» كل اللغات الرئيسة في العالم كمرادف لمعاني الدهاء وغياب المبادئ.
كما تجاوز الاهتمام بكتاب «الأمير» الحدود الآيديولوجية.اعتبر جان جاك روسو الكتاب مسودة لعقده الاجتماعي.
وتصور فولتير وديدرو أن «الأمير» أول محاولة كبرى لنزع القدسية عن السلطة السياسية، بينما رأى فيه ديفيد هيوم وآدم سميث بيانا إنسانيا لنظام سياسي جديد. ووجد المؤرخ الإنجليزي توماس ماكولاي في «الأمير» وصفة لنظام حكم جمهوري ديمقراطي، فكتب: «اشتهر مكيافيللي طوال حياته بأنه كان جمهوريا متحمسا.. لدينا عدد قليل من الكتابات التي تبدي سموا في المشاعر وحماسا مخلصا وحارا من أجل المصلحة العامة وواجبات وحقوق المواطنين مثلما كتب مكيافيللي».
استطاع الآباء المؤسسون للولايات المتحدة، أول دولة تتأسس كشركة مساهمة ذات دستور، تحقيق استفادة حكيمة، وإن كانت جزئية، من أفكار مكيافيللي عن هيكل الحكومة ودور المؤسسات السياسية. اعتقد هيغل أن مكيافيللي كتب «الأمير» على سبيل الدعوة إلى تكوين دولة قوية لإقامة الوحدة بين الشعوب. أما فيشته فقدم مكيافيللي كمدافع عن «الأمم» حينما كانت أوروبا تنتقل من فكرة الإمبراطورية إلى مفهوم الأمة. وفي عام 1803، أكد هيغل، الذي شعر بخيبة الأمل في تحقيق الوحدة الوطنية الألمانية، أن «صوت مكيافيللي يخفت دون تأثير».
المستبد الإسلامي المستنير
في القرن التاسع عشر، رأى الإصلاحيون الإسلاميون، ومن بينهم جمال الدين الأفغاني، أن كتاب «الأمير» يقدم فكرة «المستبد المستنير» الذي، بحسب اعتقادهم، يحتاج إليه المسلمون لإنقاذهم من الفقر والجهل والانهيار.
واعتبر جوزيبي مانزوني، أحد مؤسسي القومية الإيطالية أن «الأمير» صورة مثالية لما يجب أن تكون عليه في المستقبل الدولة الإيطالية «المُلهَمة من الله». ولكن غابت عنه فكرة واحدة مهمة. الإله الذي تحدث عنه مانزوني كان عالميا بينما بالنسبة لمكيافيللي كان إيطاليا. في حين أراد مانزوني أن يدخل عون الله في الصراع الإيطالي من أجل الاستقلال، كان مكيافيلي قانعا بمباركة إلهية لما فعله الإيطاليون أنفسهم. وكتب: «فالله لا يفعل لنا كل ما نريد حتى تصبح لدينا إرادة حرة وننجزه وبذلك ننال نصيبنا من المجد».
من وجهة نظر حنا أرندت، كان مكيافيللي «الأب الروحي للثورة بالمعنى الحديث». وفي العشرينات من القرن العشرين، اعتبر ليف كامينيف، المُنَظِّر البلشفي، أن كتاب «الأمير» عبارة عن «دراسة حيوانية للسلطة في مجتمعات ما قبل الشيوعية». وادعى موسوليني أن «مكيافيللي» هو الأب الروحي لحركته الفاشية، بينما أكد أنطونيو غرامشي على وجوب النظر إلى كتاب مكيافيللي على أنه رمز للحزب الشيوعي.
إذن هو كتاب لاقى قبول واهتمام أشخاص من مختلف الأطياف الآيديولوجية. اعتبره البعض مثل ماركس «غير علمي» بينما وصفه آخرون مثل ليو ستراوس بالكتاب «العلمي نظرا لأنه ينقل تعاليم عامة تعتمد على المنطق».
على أية حال، في مطلع عام 2014، ما زال كتاب مكيافيللي الصغير يتصدر قائمة أفضل مبيعات الكتب في فئة «السياسة»، ليس في الغرب فقط بل وفي مناطق أخرى بعيدة مثل الصين واليابان وإيران.
[caption id="attachment_55250441" align="alignleft" width="231"] لوحة زيتية لمكيافيللي[/caption]
تقدم معظم المعاجم تعريفا للمكيافيللية بأنها: «نظرية سياسية وضعها مكيافيللي؛ وعلى وجه الخصوص؛ هي رؤية أن السياسة ليست أخلاقية وأن أي وسيلة مهما كانت مجردة من المبادئ يمكن أن يوجد مبرر لاستخدامها من أجل تحقيق النفوذ السياسي».
ولكن يعتمد هذا التعريف على قراءة سطحية للكتاب الذي ربما يختزل في بعض الأحيان بلا مبرر، نظرا لبساطته الخادعة. يرى مكيافيللي أن السياسة ليست أخلاقية، وليست عديمة الأخلاق. من وجهة نظره، السياسة هي فن إقامة دولة صلبة قادرة على ضمان أمن رعاياها و/أو مواطنيها في إطار القانون. وفي ظل عدم قدرة أي شخص على الشعور بالأمان دون التمتع بالحريات الأساسية، لا شك في أن السياسة التي يتحدث عنها مكيافيللي ليس المقصود منها خلق الطغيان. في سياسة مكيافيللي، يملك الفرد من الرعية أو المواطنين خيارا بأن يكون ذا أخلاق أو بلا أخلاق. في الواقع، ينسب إلى مكيافيللي أنه ينزع عن الدولة أي حق في تعريف، ناهيك عن فرض، أي صورة من صور الأخلاق خارج قوانينها. إنه يعتبر السياسة وسيلة براغماتية محايدة لتنظيم شؤون المجتمع بطريقة تفيد أكبر عدد ممكن. وعلى الرغم من أن السياسة والأخلاق مجالان منفصلان ومختلفان في نظرية مكيافيلي، فإن هذا لا يعني أن السياسة يجب ألا تخضع للنقد الأخلاقي مثل أي جانب آخر في الحالة الإنسانية. في الحقيقة، زعم عالم اللاهوت الإنجليزي السير توماس براون في القرن الثامن عشر أن «الأمير» يؤسس علم أخلاق سياسي يجعل كل حاكم خاضعا لأحكام أخلاقية دائمة.
علم الحكم الرشيد
يتعامل مكيافيللي مع الحكم على أنه علم، دون أن يشير إلى ذلك، لذا يمكن اعتباره أبا للمفهوم الحديث للسياسة كعلم وليس فنا. وهكذا تصبح قواعد السياسة، مثل القواعد العلمية، ليست بأخلاقية أو لا أخلاقية. على سبيل المثال، في قانون الجاذبية، إذا ألقيت بطاغية من نافذة عالية سوف تعمل الجاذبية بالطريقة ذاتها كما لو ألقيت بجدة محبوبة. المهمة الرئيسة التي يقدمها «الأمير» هي ضمان الحفاظ على الدولة أي الحفاظ على القانون والنظام المطلوبين ليعيش الناس ويعملون في سلام وانسجام. ونظرا لأن الفوضى هي العدو الرئيس، دائما ما يكون الحاكم السيئ الذي يحقق السلام والاستقرار أفضل من الحاكم الجيد الذي يقود سفينة الدولة إلى بحر الريبة والعواصف. وفي ذلك يقول: «يجب أن يتعلم الأمير ألا يكون صالحا حين الضرورة».
ولكن كيف يحقق الأمير درجة الاستقرار المطلوبة؟ يشير مكيافيللي إلى «الجيوش الجيدة» و«القوانين الرشيدة» كعاملين لازمين لتحقيق الاستقرار. وهذا بدوره يؤدي إلى اعترافه بضرورات أخرى، فلا يمكن أن تكون هناك «جيوش جيدة» دون اقتصاد جيد يقدم المعدات اللازمة لتطبيق النظام والقانون. وهل تكون هناك «قوانين رشيدة» دون قبول طوعي من أغلبية المواطنين؟ الإجابة هي لا. ولكن كيف يمكن تقييم هذا القبول؟ لم يتخيل مكيافيللي الانتخابات الديمقراطية في الصورة التي تطورت بعد أربعة قرون من تأليفه للكتاب. ولكن ما فعله كان الحث على إجراء مشاورات منظمة وعن قرب يمكن من خلالها للأمير أن يعلم آراء رعيته. استخدم مكيافيللي مصطلحا مثيرا للاهتمام هو «ريسكونترو»، وهو مرادف تقريبي لمصطلح «روح العصر». في أي عصر محدد، بغض النظر عن القوانين والتقاليد، هناك أشياء لا يتقبلها المجتمع. على سبيل المثال، في كل مجتمع يأتي وقت يصبح فيه منع الفتيات من الالتحاق بالمدارس غير مقبول. وهكذا سيكون «الأمير» الذي يحاول فرض حظر على تعليم الفتيات في المدارس يسير عكس «روح العصر» مما يتسبب في تداعيات خطيرة على استقرار الدولة. وفي الوقت ذاته، لا تعني حقيقة أن «الأمير» قد يرغب في شيء ما بالضرورة أنه من الممكن أو الواجب القيام بهذا الشيء. يتحرك «الأمير» الناجح وفقا لعصره ولشعبه كما يحدد ذلك العصر، وليس بسرعة أقل أو أكبر منهما. بعد أن ميّز بين الآيديولوجيا والحكم، شرع مكيافيللي في وصف انفصال الساحة السياسية عن الساحة الدينية. لا يعني ذلك وجوب اعتبار مكيافيللي أب، أو حتى جد، العلمانية الحديثة، ففي زمنه، لم يكن مفهوم العلمانية موجودا. ما فعله هو فهم أن الدين مجال للمثل العليا، بينما تحتل السياسة مساحة واقعية.
يدور الدين حول اليقين، بينما تظل السياسة مجالا للشك ومراجعة الأفكار والتحولات والتسويات. إذا جرى إدخال الدين في مستنقعات السياسة عاد بالسوء على الاثنين. في الدين، يسعى الإنسان إلى الكمال – ويظل الكمال بعيدا عن متناوله إلى الأبد. ويصف مكيافيللي البشر بأنهم «ينكرون المعروف ويحبون المراوغة في الحديث، حريصون على تجنب الخطر وراغبون في الكسب، هم أعوانك ما داموا استفادوا منك، وهم يفدونك بالدم وبما يملكون وبحياتهم وولدهم، حين لا يكون هناك داع لذلك، ولكن حين تقترب الأخطار ينقلبون عليك.. إن البشر يترددون في الإساءة لمن يحبون أقل من ترددهم في إيذاء من يهابون. وذلك لأن المحب مرتبط بسلسلة من الالتزامات التي تتفكك عندما تؤدي غرضها (وذلك بسبب خسة الناس). لكن المهابة تجعلهم يخافون من العقاب وهي طريقة لا تفشل مطلقا».
[caption id="attachment_55250442" align="alignright" width="300"] فلاديمير بوتين[/caption]
يجد كثير من دارسي مكيافيللي في هذه الفقرة المهمة أبرز مثال على سخريته. ولكن بالنسبة لمن يعرفون التاريخ والحقائق السياسية في مجتمعاتنا في جميع أنحاء العالم، تبدو هذه الفقرة صادقة. ربما تثير الفقرة الاهتمام لسبب آخر، هو أنها تنزع أي تظاهر ربما نشعر به بشأن تحقيق الكمال عندما نخلط بين الواقعي والمثالي. يمكن أن يساعدنا الاعتراف بأننا نمتلئ بالأخطاء وأننا لسنا كاملين على اكتساب درجة من التواضع تسمح لنا بالعيش في سلام وانسجام مع رفاقنا من البشر. لم يكن في استطاعة مكيافيللي تصور نوع الحياة السياسية التي تطورت في المجتمعات الغربية بعد مائتي عام من حياته في طريق تحولها إلى الديمقراطية. ولكنه تخيل ما سماه بـ«الإمارات المدنية». في كتاب «الأمير»، خصص مكيافيللي الفصل التاسع كاملا للحديث عن هذا الأمر. يقدم مكيافيللي تعريفا لهذا الموضوع، إذ يقول: «(عندما) يصبح المواطن أميرا بناء على رغبة أقرانه من المواطنين، وليس بالجريمة أو العنف الذي لا يحتمل، قد يسمى هذا النوع بالإمارة المدنية. وهو نوع لا يمكن الوصول إليه لا بحسن الطالع ولا بالقدرات، ولكنه يعتمد فقط على مكر يسانده حسن الطالع». لا يشير مكيافيللي إلى كيفية التأكد من «رغبة أقرانه من المواطنين». ولكن طورت المجتمعات التقليدية في كل من المسيحية والإسلام، مجموعة من الأدوات من بينها إعلان الولاء والبيعة من أجل إعطاء شرعية للأمير الجديد. ومن المثير للاهتمام أن مكيافيللي يوضح أن «الإمارة المدنية التي تأسست على دعم الشعب أكثر استقرارا من تلك التي تلقى دعما من الطبقة الأرستقراطية».
المُخَلِّص والأمم
لم يتوقف إسهام كتاب «الأمير» في تشكيل السياسة في العالم الحديث على تنبؤه بالمشاركة الديمقراطية وثقافته العلمانية والسعي إلى إيجاد أقل قاسم مشترك. قبل أن يظهر مفهوم القومية ليسود الفكر الأوروبي - ومن بعده الفكر العالمي - بـ300 عام تقريبا، أدرك مكيافيللي أن الأنماط الإمبريالية التي جمعت بين مجتمعات متباينة طوال أكثر من 1500 عام لم تعد فعّالة. وليس صعبا أن نعد مكيافيللي جدا، إن لم يكن أبا، للقومية الحديثة. كتب مكيافيللي: «أحب وطني أكثر من روحي». في الواقع، عدت أجيال متعاقبة من الإيطاليين كتاب مكيافيللي إعلانا عن عودة إيطاليا أمة موحدة. ينتهي كتاب «الأمير» بـ«دعوة» نفير للإيطاليين للتخلص من القمع الأجنبي الذي يعيشون فيه وليقيموا دولة مستقلة جديدة.
يرى كثير من القراء أن الفصل الذي يتحدث عن «الدعوة» استطراد غير متناسق مع ما ورد في الكتاب. تصل إلى القارئ طوال الكتاب فكرة أن الحاكم المثالي لا يجب أن يكون رجلا استثنائيا. كل ما يحتاج إليه من أجل تحقيق النجاح هو سلامة الحس وضبط النفس والقدرة على فهم روح العصر والاستعداد لتغيير أقواله وسياساته لضمان استقرار وبقاء الدولة. ولكن في فصل «الدعوة» يبحث مكيافيللي عن «مُخَلِّص»، أي بطل استثنائي تحتاج إليه إيطاليا من أجل الاتحاد والظهور من جديد كدولة قومية مستقلة، بعد أن وقعت تحت وطأة قوى أكبر مثل فرنسا وإسبانيا والنمسا وحتى سويسرا. وبالتأكيد لا يخبرنا مكيافيللي عن موقع إيطاليا المثالية من وجهة نظره. بل يشير إلى روما وتوسكاني ومملكة نابولي بصفتها مناطق تتكون منها إيطاليا التي يحلم بها. ولكنه لا يشير إلى سافوي وصقلية وساردينيا وفينيتو ومناطق أخرى. في الواقع، لم تكن إيطاليا دولة مستقلة مطلقا، بل كانت مجموعة من الدويلات المكونة من نحو عشرين مدينة أو وجدت ذاتها في الإمبراطورية الرومانية التي كانت تمتد أراضيها في ثلاث قارات.
من المدهش أن معرفة مكيافيللي بالتاريخ الروماني ليست دقيقة (فهو على سبيل المثال جعل الإمبراطور كومودوس بعد سيفيروس).
على أي حال، ذكر مكيافيللي أربعة «مُخَلِّصين» فقط في التاريخ، وهم الرجال الذين حرروا بلادهم من الاستعباد وأسسوا دولا جديدة. هؤلاء الأربعة هم: موسى من بني إسرائيل، وكورش من الفرس، وثيسيوس من الإغريق، ورومولوس من الرومان. «المُخَلِّص» الذي يتحدث عنه مكيافيللي هو نبي مسلح يتولى مهمة إلهية لتأسيس عالم جديد. يتصف هذا النبي بالحكمة والفصاحة والإنسانية، أي أنه استثنائي. في أوبرا نابوكو، التي ترجع إلى عام 1842، استوحى فيردي ألحان فا بنسييرو الخالدة من فكرة مكيافيللي عن «المُخَلِّص». ولكن لم تجد إيطاليا مُخَلِّصا، على الرغم من حصولها على الاستقلال في عام 1870. بل حصلت على تحريف لنموذج «المُخَلِّص» في صورة الدوتشي موسوليني، ومؤخرا الكوندوتييرو برلسكوني. قد لا تستطيع جميع الأمم أن يحكمها أمير «مُخَلِّص» طوال الوقت. بل يجب أن يعيش معظم البشر في ظل «أمير» عادي، أملا في أن يقرأ كتاب مكيافيللي ويتعلم بعضا من نصائحه.