جانب من عروض سوق عكاظ في السعودية[/caption]
يعترف الشاعر السعودي "أحمد الملا" بأن الشاعر سارق، لكنه "هو السارق الأمهر، عندما يكتب نصَّه الخالص، إنما يسرق سر الحياة باحتراف لا يضاهيه أحد، وحين يحدث أن يتلصص عليه أحد ويستعير منه شيئًا من كلماته، فهو لا يرقى إلى جريمة الشاعر الكاملة"
عن تجربته وعلاقته بالشعر تحدث الملا لمجلة (المجلة) وقال:" أدبني الشعر وأحسن تأديبي، علمني أن أستمتع بكل لحظة أعيشها، وأقبل على كل ما سيأتي بشغف المكتشف لقارة مجهولة، تراها العين لأول مرة".
صدر للملا عدة دواوين شعرية منها "ظل يتقصف" عام 1995، و"خفيف ومائل كنسيان" في عام 1997 و"سهم يهمس باسمي" في 2003 و"تمارين الوحش" عام 2010 و"كتبتنا البنات" عام 2013.
يقول الملا: لم يخرج ديوان " كتبتنا البنات" بالشكل الذي كان مخططًا له أي عمل مشترك بين الملا وبين زوجته الفنانة ريم البيّات؛ وذلك عبر وضع صور أعمالها بين دفة القصائد، والسبب كما أكد الملا هو أن "الكتب المصنوعة بشكل فني مختلف عن المعهود، لا يتشجع لها الناشر العادي، وتحتاج إلى مبادرات خارج السياق التجاري في سوق النشر والطباعة، لذا تراجعت الفنانة ريم البيات عن فكرة المشاركة بلوحات داخل الكتاب، وكنت رفضت طباعته نصًا فقط في حينه (2008م)، أنا سجنته وهي أطلقت سراحه هذا العام. إلا أن الكتاب يحمل على غلافه واحدة من لوحاتها.
لولا الشعر لكنت ميتًا
مشوار أحمد الملا مع الشعر كان طويلاً، امتد لعقود ثلاثة، وهو يعتبر أنه "لولا الشعر لكان ميتًا منذ زمن طويل، وعلى الأرجح لولا الشعر؛ ما كان هو موجودًا" وعن هذه العلاقة الوطيدة بينهما يقول "مررنا معًا في حياة ملتبسة، ولم تكن علاقتنا دائمًا دافئة وودودة كما هي عليه الآن، لكني دربت نفسي ألا آمنه شريك حياة، أنام بعين واحدة وأرقبه، متسلحًا بالحذر منه وعليه.
المتابع للشاعر أحمد الملا سوف يلاحظ فورًا أنه يعمل على نشر نصوصه بشكل مباشر على صفحات التواصل الاجتماعي، وعن تجربة النشر في هذا الفضاء يقول: "منذ منتصف العام الماضي، بدأت وتيرة الكتابة والنشر تتواصل لدي في صفحتي الشخصية على الفيسبوك، كنت في السابق أنشر نصوصًا وروابط لما كتبته منذ زمن ونشر في حينه، لكن هذه التجربة بدأت دون تخطيط مسبق ولم أفكر بعواقبها، لذا تحولت الكتابة إلى حالة يومية تقريبًا، والنشر يتم مباشرة. سأكون متعجلاً لو قلت إني وصلت إلى مفاهيم مستقرة حول هذه التجربة، لكني متيقن بأنها دفعتني في اختبار دقيق، كشفت لي عن مواطئ جديدة ومعتمة، عن إحساس مختلف للمران الشعري، عن رعشة غامضة مع النشر الفوري، وعن دهشتي أمام درجات التلقي السريعة والمتفاوتة، كل ما أعرفه حتى الآن أني في حالة تحول، أشعر بها تدب في كتابتي، وأرى علامات تظهر بقرونها في الكلمات. ولكني لست متيقنًا من شيء حتى الآن، ما أعرفه أني لا أدري إلى أين ستحط بي، ولا متى أتوقف، وماذا سأكون حينها وأتصور أني ماض فيها ما دامت تمتلك دهشتها ساخنة ومشاكساتها تتوالى بمفاجآتها.
[caption id="attachment_55250274" align="alignleft" width="244"]
الشاعر السعودي أحمد الملا[/caption]
الشعر ومواقع التواصل الاجتماعي
هذا الأمر يطرح تساؤلاً حول إذا ما كان الملا سوف يستغني مستقبلاً عن دور النشر ليستعيض عنها بمواقع التواصل الاجتماعي؛ حيث التفاعل المباشر مع القارئ، لكنه يقول: أتعجل لو قلت نعم، ربما تتفتح لاحقًا أشكال للنشر الإلكتروني، تنافس النشر التقليدي، إلا أنني -كما أسلفت- لست متعجلاً للوصول إلى نتائج حاسمة ولا الانشغال بها، وفي رأي أراه متزنًا، أن وسائل النشر الجديدة تحتاج إلى وقت ليعتادها القارئ العربي، وسيدوم النشر التقليدي في العالم العربي أكثر منه في لغات أخرى، لطبائع سوسيولوجية وثقافية.
ونبقى في صفحات التواصل الاجتماعي، حيث نلاحظ أن عددًا لا بأس به من الشعراء الذين شكل التفاعل المباشر من قبل جمهورهم مع نصوصهم عاملاً محفزًا لهم على كتابة الشعر بغزارة، لكن ماذا عن أحمد الملا؟ يجيب : "سؤال يتردد كثيرًا، حتى في داخلي، أآخذه إلى أسطورة وادي عبقر وشياطين الشعر في تراثنا القديم، تساءلت واختبرت السؤال: هل ننتظر الشعر أن ينزل أو يجيء -على أقل تقدير- أم أذهب أليه؟ أعترف أني ومن تجربة – ما زلت في خضمها- تحتاج إلى تمحيص، أن الذهاب إلى الشعر هو أكثر دقة من انتظاره، الذهاب بعدة القنص، والتي أحيانًا يعاندها الصيد، ولكن العزم والاستعداد ضروريان، كثيرًا ما أكتب، وكثيرًا ما أحذف ما كتبت، وبعض أؤجله، والآخر يستوي سريعًا، ومتى ما رضيت، وأخذ صفته القابلة للنشر، لا أتردد في إطلاقه ولا أعود له. هذا أحد تأملات النشر في مختبر الفيسبوك، وهو تأمل يتشكل وغير نهائي، بل قابل للنقض لو استدعت النتائج.
الشاعر سارق ماهر!
لكن النشر في هذه المواقع هو أمر له حسناته وسيئاته من حيث إمكانية تعرض نصوص الشاعر للسرقات الأدبية خصوصًا وأن لا رقيب على ما يُنشر على هذه المواقع، لكن الملا يؤكد أنه لا يحمل هذا الهاجس أبدًا، ويؤكد بالقول "رأيت بعض مقتطفات في صفحات آخرين بالصدفة البحتة، ووضعت لها علامة إعجاب، دون تعليق. في رأيي الشخصي، أن الشاعر هو السارق الأمهر، فهو عندما يكتب نصه الخالص، إنما يسرق سر الحياة باحتراف لا يضاهيه أحد، وحين يحدث أن يتلصص عليه أحد ويستعير منه شيئًا من كلماته، فهو لا يرقى إلى جريمة الشاعر الكاملة، وفي أحسن حالاته يوصف بمقلد. كما أننا في المحيط الجغرافي للغة العربية، مبدعون بلا حقوق. الأنظمة جميعها تدوس حقوقنا من أعزها (الحرية) إلى أبسطها (القيمة المادية)، لذا هل أركض وراء كلمة مسروقة هنا وأترك حقًّا مسلوبًا هناك.
جوائز الشعر والشعراء
يقول شاعرنا: "لم أستطِع حتى اليوم أن أقتنع بأهمية الجوائز التنافسية في الإبداع" لكن لماذا؟ يجيب الملا عن هذا التساؤل بالقول: ذكرت هذه الجملة –على ما أعتقد- في إحدى المقالات، وكنت أشير إلى تلك الجوائز التي يلهث خلفها المبدعون بأنفسهم، وعبر جوائز تحولت بنيتها تدريجيًّا إلى أعطيات ومنح لا تحمل جوهرًا ثقافيًّا. كان المثقف العربي إلى وقت قريب يستهجن أن يكون للشعر أميرًا، وها نحن نشهد تسعير المبدعين على شاكلة برامج تلفزيونية للشعر والشعراء.
لكن هناك تفاعلاً عام مع جائزة البوكر للرواية، لكننا قلما نجد نفس مستوى التفاعل الجماهيري مع الجوائز والمسابقات المتعلقة بالشعر، وعن هذا يقول :بالتأكيد أننا أمام معضلة ليست باليسيرة؛ عندما نرغب في وضع معايير للإبداع، على الجوائز أن تقف مبنية على أهداف ثقافية ومعرفية، تتسم بالشفافية والوضوح، مع معرفة لجان التحكيم، وأهداف الجائزة وقيمتها المادية والمعنوية، وفوق هذا كله أن تصون كرامة المبدع منذ اللحظة الأولى لوضع أسس الجائزة، فلا يلهث خلفها اللاهثون، ويعف عنها غيرهم.
