[caption id="attachment_55249786" align="aligncenter" width="620"] بيان الذكرى الـ60 لاغتيال فرحات حشاد[/caption]
يمكن القول: إن فرحات حشاد، والحبيب بورقيبة من أهم شخصيات تاريخ تونس الحديث. فلماذا يجهل الجيل العربي الشاب لشخصية مثل فرحات حشاد! وهو بتاريخه النضالي الطويل استطاع أن يكسب احترام أعدائه، وانتزاع اعترافهم بأهمية الدور الذي اضطلع به، ونضاله المستمر إبان الاستعمار الفرنسي، وذلك حين أقدمت فرنسا على تشييد جدارية في باريس تحمل صورة حشاد موقع عليها قوله الشهير في إحدى مقالاته " أحبك يا شعب"، وفي هذه المقالة يقول : "أحبك يا شعب... فأحبك حين تبحث وتكثر في البحث عن مجرى أمور بلادك وسير قضيتك، وحين تنتقد وحين تصيح وحين تغضب وحين تدبر، وأحبك حين تدافع عن مختلف النظريات التي تخطر ببالك في سلوك السياسة العامة، وحين تستفسر وتستجوب وتناقش وتحاسب ولكنك تترك النزاعات جانبًا عند الشدائد وتنسى التشاكس عند العواصف؛ فتهب بكل قوتك حيث تتلاقى ببعضك صفًا واحدًا... صف الشعب الموحد الهدف والكلمة... صف الأمة المكافحة... صف الحق المدافع عن كيانه والمناضل في سبيل تحريره".
ولد فرحات حشاد عام 1914 في جزيرة "قرنقة"، وترعرع في وسط عائلة بسيطة الحال، فكان والده صياد سمك. هو الذي لم يتمكن من متابعة تحصيله الدراسي فترك مقاعد المدرسة مبكرًا، ولكنه -كما يصفه أصدقاؤه، والمقربون منه- وُلد مناضلاً وقائداً بالفطرة، تبنى وآمن بنظرية "إنه لا يمكن المناداة بتحرر العمال في وطن مستعبد". تلقى تكوينه النقابي على يد الاشتراكيين، وتأثر بتجربتهم في البدء، كان رمزًا للارتباط ما بين العمل النقابي والنضال الوطني. وزعيمًا ميدانيًّا وصاحب شرعية تاريخية. طيلة فترة تزعمه للاتحاد نشط في إطار الاشتراكية، لكنه بعد تأسيس الاتحاد خرج من هذا الإطار ليكون الجانب القومي هو الأساس لديه.
هذا المناضل التونسي العاشق لبلاده أسس في العام 1946 الاتحاد العام التونسي للشغل، وهي المنظمة النقابية الوحيدة التي بقيت فاعلة على الساحة التونسية بعد الاستقلال؛ فأصبح القائد الفعلي للحركة الوطنية في تونس، ورمزًا للاتحاد، وللارتباط بين العمل النقابي والوطني، هذا بالإضافة إلى دوره الكبير في تسليح الثوار.
[caption id="attachment_55249787" align="alignleft" width="141"] مقالة فرحات حشاد "أحبك ياشعب"[/caption]
أحدث حشاد زلزالاً سياسيًّا في تونس بسبب جلبه لفئات مختلفة لساحة العمل الوطني. فكان رمزًا لالتحاق هذه الفئة الواسعة بالحركة الوطنية، والتي كانت سببًا في انتصار هذه الحركة في النهاية. كان يريد جعل الحركة العمالية قائمة في صلب المجتمع المدني. فكان بناء المجتمع المدني من ثمار نظرته المستقبلية، وهو الرأس المدبر والمنفذ لحركات التمرد داخل تونس، ولقد تولى أمانة الاتحاد إلى اليوم الذي قرر أعداؤه اغتياله في 5 كانون الأول/ ديسمبر من العام 1952، فهو الذي دفع الثمن حياته بسبب ترأسه لهذا الاتحاد، ودوره الفاعل فيه، ونضاله من أجل انتزاع حرية بلاده. كان حشاد هدفًا مهمًا لأعدائه الذين خافوا أن يمسك بزمام السلطة لو ظل على قيد الحياة. فعزموا على اغتياله من خلال عصابة أطلقت على نفسها اسم "الكف الحمراء" فأرسلت برسائل تهديد بالاغتيال لمعظم العناصر النقابية في تونس، وكان حشاد على رأسهم. اجتمعت الروايات على الطريقة التي اغتيل بها حشاد، وأبرزها الرواية التي يرويها أعضاء اليد الحمراء الذين لا يزال بعضهم على قيد الحياة، والتي تؤكد على أن حشاد انطلق يوم اغتياله في 5 ديسمبر 1952 نحو مقر الاتحاد في تونس، وفي طريقه إلى هناك صباحًا أُطلق عليه الرصاص من الخلف وهو يقود سيارته، فأصيب لكنه لم يمت، فقامت سيارة أخرى تابعة "للكف الحمراء" بإطلاق الرصاص عليه مرة أخرى بعد أن أوهموه أنهم سوف ينقلوه إلى المستشفى.
أصيب الشعب التونسي بالصدمة بعد سماع نبأ اغتياله، وأعلنت حالة الإضراب في البلاد، وعمت المظاهرات في العالم احتجاجًا على هذه الجريمة، منها مظاهرات في أمريكا وفي أوروبا وفي العالم العربي، فلقد كان حشاد صاحب مكانة كبيرة ليس في تونس وحسب، وإنما في وسط أغلب الحركات النقابية في العالم. وباغتياله اعتقد المستعمر الفرنسي أنه حقق المقولة الشعبية التونسية المشهورة "اضرب الرأس تنشف العروق"، لكن هذا لم يتحقق؛ فباغتياله بدأت المقاومة تشتد بشكل أكبر ضد الاحتلال. فردود الفعل الغاضبة ضد فرنسا كانت عنيفة، وقام المناضلون بحمل السلاح في وجه المحتل.
كان اغتيال حشاد من أهم أهداف أعدائه؛ فباغتياله أمكن الحصول على اتفاقيات 52 و 53 التي كانت تقر بمبدأ ازدواجية السيادة في تونس. دفنت جثته في حديقة منزل عائلته في البدء، لكن تم نقلها ليدفن في مدفن رسمي في تونس بعد ثلاث سنوات في جنازة مهيبة خرجت فيها حشود كبيرة، ولم يكن هذا الأمر مستغربًا؛ نظرًا للمكانة التي كان يحظى بها من قبل الشعب التونسي الذي غضب وثار على حادثة اغتياله.
في الذكرى 61 لاغتياله طالب الاتحاد العام التونسي للشغل فرنسا بتقديم اعتذار رسمي للشعب التونسي عن جريمة اغتياله، على أن يكون هذا الاعتذار "علنيًّا وأكثر جرأة وإنصافًا"، وفي المقابل قررت عائلته رفع دعوى قضائية ضد فرنسا بعد أن استلمت من قبل الرئيس الفرنسي "فرنسوا هولاند" في تموز (يوليو) الماضي وثيقة تثبت -بحسب ما صرح به نجله لوسائل الإعلام - تورط الدولة الفرنسية باغتيال والده.
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.