[caption id="attachment_55249761" align="aligncenter" width="620"] باراك اوباما[/caption]
الأشهر التسعة التي تفصل الولايات المتحدة عن انتخابات الكونغرس هي المدة الزمنية المتبقية فعليا من حكم الرئيس باراك أوباما قبل أن يتحول إلى «بطة عرجاء»، حسب التعبير الأميركي، وقبل أن يبدأ الأميركيون انشغالهم بانتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2016، التي ستحدد من سيخلف الرئيس الحالي في البيت الأبيض.
لكن صورة أوباما تعاني من تدهور لا سابق له فيما هو يشعر بضعف حتى قبل وصوله إلى مرحلة العرج، فغالبية الخبراء أطلقوا على عام 2013 العام الأسوأ في حكم أوباما، فيما استطلاعات الرأي أشارت إلى هبوط شعبيته إلى 40 في المائة بين الأميركيين، وهي نسبة أدنى حتى من نسبة تأييد جورج بوش في الفترة نفسها من حكمه، على الرغم من أن بوش كان يقود حربا في العراق فاقدة التأييد الشعبي منذ أسابيعها الأولى.
ربما بسبب ضعفه وفي محاولة مبكرة لكتابة تاريخه وتحسين صورته، طلب أوباما من الصحافي المعروف في مجلة «نيويوركر» ديفيد رمنك أن يكتب مقالة مفصلة عن الرئيس خلف الكواليس.
و«نيويوركر» مجلة رصينة تتمتع بمصداقية كبيرة، فيما المعروف أن رمنك مؤيد لأوباما وسياساته منذ اليوم الأول لترشحه إلى الرئاسة في عام 2008.
في مقالته التي صدرت هذا الأسبوع، يقدم رمنك الرئيس الأميركي في صورة المثقف المحنك، أو «البروفسور - القائد». يسأل الصحافي الرئيس حول مواضيع متنوعة، داخلية وخارجية، ويجيب أوباما بتأن يدفع رمنك، حسب قوله، إلى محاولة إيقاع أوباما في إجابات عفوية، ولكن من دون أن ينجح في ذلك.
ثم يصل الحديث إلى سوريا، فيقول أوباما: «من الصعب أن نتخيل سيناريو في سوريا كان يمكن فيه لتدخلنا أن يؤدي إلى نتيجة أفضل من دون النية على القيام بمجهود في حجمه وأفقه مشابه لما قمنا به في العراق».
لكن على الرغم من إصرار رمنك على أن الرئيس الأميركي لم يخرج عن إجاباته المقررة سلفا، يبدو أن في التصريح حول التدخل الأميركي الذي كان محتملا في سوريا مشكلة، فالرواية الرسمية الأميركية أصرت في حينه على أن أوباما تراجع عن توجيه ضربة إلى أهداف تعود إلى قوات بشار الأسد بسبب اعتراف الأخير بحيازته ترسانة من الأسلحة الكيماوية وموافقته على التخلص منها بمراقبة أممية وتحت طائلة العقوبات في مجلس الأمن في حال تخلف عن ذلك.
وبخلاف الرواية الرسمية لتراجع أوباما عن توجيه ضربة إلى الأسد، يشي التصريح الأخير للرئيس الأميركي أنه لم يكن مقتنعا بالأسباب التي قدمها هو وطاقم فريقه إلى الأميركيين والعالم في سبتمبر (أيلول) 2013 حول ضرورة التدخل المحدود في سوريا، والذي كان من المقرر أن يقتصر على ضربات صاروخية وجوية.
في سبتمبر 2013، تحدث أوباما وفريقه عن «الضمير الإنساني»، وعن ضرورة الالتزام بالتهديد الذي كان أصدره أوباما للأسد بتحديد استخدامه للأسلحة الكيماوية كـ«خط أحمر». وقتذاك أيضا، أصر وزير الخارجية جون كيري، في جلسات الاستماع المتكررة المفتوحة منها والمغلقة في الكونغرس، على محدودية الضربة، مكررا أنها لم تكن لتتضمن استخدام قوات برّية.
في مقالة رمنك، يبدو أن أوباما يحاول إعادة كتابة التاريخ وموقفه من الأحداث في سوريا. لكن لحسن الحظ هذه المرة، فإن الشهود كثر.
أول من تصدى لمحاولة أوباما هذه هو السفير السابق والمسؤول عن ملف سوريا في وزارة الخارجية فرد هوف، والذي شكك في مقالة على موقع «مركز رفيق الحريري» التابع لـ«مجلس الأطلسي» بتصريح أوباما الأخير، وتساءل هوف إن كان صحيحا أن الرئيس يعتقد أن خياراته في سوريا كانت تنحصر بين الوقوف جانبا أو إرسال الفرقة 82 من المارينز المحمولة جوا لتجتاح دمشق.
إذا كانت خيارات أوباما محصورة بهذين السيناريوهين، «ما الذي حاول الرئيس أن يقوله للشعب الأميركي إثر هجوم الأسد الكيماوي في 21 أغسطس (آب) 2013؟» ويضيف هوف: «لقد جعل الرئيس واضحا أن الضربة العقابية ضرورية، وأنها لن تتضمن قوات برية».
وتساءل هوف: «هل كان أوباما يصدق ما كان يقوله؟». ليجيب: «التصريح في مقالة رمنك يعكس النفي، كما يعكس رميه الموضوع إلى الكونغرس، ومن ثم قفزته نحو اتفاقية الأسلحة الكيماوية، أن أوباما لم يصدق ما كان يقوله للأميركيين وللكونغرس حول قراره ضرب أهداف للأسد».
وكما في سوريا، وفي مصر، وفي العراق، وفي لبنان، كذلك في الشؤون الداخلية، دأب «الرئيس البروفسور» على الإمعان في تحليل كل المواضيع المطروحة أمامه بشكل تفصيلي وممل، ولكنه لم ينجح يوما في تبني أي من تحليلاته المتضاربة.
طغيان صورة البروفسور على شخصية أوباما في الحكم قد يكون هو اللعنة التي أصابت شعبيته، إذ يبدو أن الأميركيين يبحثون عن رئيس يأخذ قرارات حاسمة ويلتزم بها، لا عن محلل من الطراز الرفيع، وهو ما جعل الرئيس الأميركي يتحول إلى بطة عرجاء قبل موعده بوقت طويل.
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.