هو وصفي التل رئيس الوزراء الأردني السابق، الذي تولى رئاسة الوزراء في الأردن لأعوام 1962 و 1965،1966، و1970. هو من أبرز الشخصيات التي ساهمت في كتابة تاريخ الأردن الحديث. ولد عام 1919 في شمال العراق، لأب أردني -وهو الشاعر مصطفى وهبي التل الملقب بعرار- وأم عراقية هي منيفة إبراهيم بابان. عاش والده في العراق وزاول مهنة التعليم، وهناك تعرف على والدته وتزوجا. وفي العراق قضى وصفي التل سنوات طفولته الأولى، عاش حتى عام 1924 في منزل جده لأمه الكردي إبراهيم بابان، توجه بعدها بصحبة أسرته إلى الأردن ليواصل دراسته فيها حتى المرحلة الثانوية، وفي بيروت حصل على شهادته الجامعية.
لم يكن وصفي التل عسكريًّا صلبًا محترفًا فحسب، بل مثقفًا مهتما بقراءة كل ما يخص الأدب والفكر، صدر له كتاب بعنوان "دور العقل والخلق في معركة التحرير". القراءة هي أولى هواياته، إضافة إلى العمل الزراعي. آمن بأهمية القراءة وضرورة الاطلاع على ما كُتب في الأزمان السابقة، مؤكدًا على الدوام "أن اليوم الذي تنقطع فيه الصلة بين جديد الأمة وقديمها، هو اليوم الذي تهون فيه هذه الأمة، ويحال ما بينها وبين الإبداع". بدأت أفكاره الثورية تتفتح منذ صباه، اعتز بالأمة العربية، وكان قائدًا طلابيًّا مناضلاً ومجتهدًا. قال في أحد خطاباته التي ألقاها في مدرسته الثانوية "نحن أمتنا أمة لا تذل، وأصحاب تاريخ لا تمحوه الأعوام، نحن علَّمنا الأمم الحضارة، ولولا العرب لكانت الدول الأوروبية تعيش حياة القرون الأولى، وعلينا جميعًا النضال من أجل استقلال وطننا، هكذا كان وعد الحلفاء للشريف الحسين بن علي".
استعلاء من فلسطين
اختصرت رؤيته وأفكاره فيما يخص مجابهة إسرائيل "برفض الحل السلمي واعتباره تكريسًا للاحتلال، وضرورة الدفع باتجاه الاشتباك المستمر مع المحتلين لمنعهم من تثبيت أقدامهم، و إخضاع كل الجهود الأردنية لمتطلبات المعركة مع الكيان الصهيوني. وفتح الجبهة الرابعة وهي الانتفاضة الشعبية داخل فلسطين".
لم يعرف المستحيل، واعتبر أن تحقيق النصر على إسرائيل "ليس حلمًا أسطوريًّا وإنما هدف يمكن تحقيقه". فلسطين كانت الشغل الشاغل له، هي همه الذي حمله على أكتافه لسنوات طوال. عشق هذه الأرض وأغرم بها، نتذكر في هذا المقام رسالته لصديقه التي أخبره فيها أنه يكتبها إليه بروح الاستعلاء فقط؛ لأنه يكتبها من فلسطين. ومن هذه الرسالة التي نشرت في مجلة الهدف المقدسية العدد 6 السنة 1 – 24 آذار 1950 نقرأ:
[caption id="attachment_55249369" align="alignleft" width="300"] وصفي التل[/caption]
" أخي.. لا أدري لماذا ينتابني شعور استعلاء جارف وأنا أكتب لك من فلسطين؟ أنت تعلم مدى صداقتي لك وإعجابي بك، وتعلم أنه ليس من طبعي أن أستعلي عليك وأتكبر على أي إنسان، وخصوصًا أنت. أما الآن، وأنا أكتب هذه الرسالة، فإني متكبر ومستعلٍ عليك، وأشعر بأني أحدثك من فوق, ولا أملك أن أدفع عن نفسي شعور الخيبة فيك، ولا أستطيع سوى الإحساس بالألم والمرارة بسببك، وبسبب الكثير من الإخوان الذين نهجوا وسلكوا السبيل الذي أنت الآن سالكه. أتدري لماذا أنا مستكبر مستعلٍ، أحدثك حديث متسلط آمر؟! أتدري لماذا أضع نفسي في مرتبة أعلى منك؟! أتدري لماذا أعطي لنفسي الحق الأدبي بتوبيخك والحكم عليك؟! أتدري لماذا.. لأني أكتب إليك من فلسطين.. والكتابة من فلسطين لا تعني تعيينًا جغرافيًّا لمكان كتابة الرسالة، كما أن الوجود بها لا يعني مكان الإقامة وتحديد المسكن. لا أعني كل ذلك, وما أقصده هو أن الوجود في فلسطين, بهذه الظروف وبهذه الوضعية، رسالة جهادٍ ونضال، لا أعرف هل في استطاعة المنهزمين الذين ألقوا السلاح مثلك أن يفهموها؟".
متطوع في الجيش البريطاني!
التحق وصفي التل بالجيش البريطاني عام 1942 كمتطوع، وقد قوبل هذا الأمر باستهجان شديد من قبل الكثيرين. كتب "آشر سسر " في كتابه (الخط الأخضر بين الأردن وفلسطين) عن تطوع التل في الجيش البريطاني :" لا يمكننا إنكار الاعتقاد أن وصفي التل بانضوائه في صفوف الجيش البريطاني كانت تحكمه دوافع مشابهة لتلك التي دفعت اليهود لفعل ذلك، أي اكتساب كفاءة عسكرية تمهيدًا لخوض الصراع المرتقب على مصير فلسطين..".
قدم وصفي التل خطة مفصلة لتحرير فلسطين أطلق عليها اسم (خطة دمشق)، وقد شكلت هذه الخطة كابوسًا للزعيم الإسرائيلي (بن غوريون) الذي كان خائفًا من تطبيقها. هذا ما ذكره الباحث اليهودي (أفي شليم) في كتابه (تواطؤ عبر الأردن)، والذي وصف التل بأنه "يتصف بالنظرة الثاقبة والإصرار العنيد"، فيقول في كتابه: "إن المراقبين المطلعين يعتقدون أن كل الفرص كانت متوفرة لنجاح خطة وصفي التل لو طبقت، ولهذا كانت هذه الخطة تشكل كابوسًا للزعيم الإسرائيلي (بن غوريون)، وقد زال هذا الكابوس عندما استبدلت جامعة الدول العربية هذه الخطة بخطة أخرى".
[caption id="attachment_55249365" align="alignleft" width="300"] وصفي التل والملك حسين[/caption]
وهذه الخطة تكمن -بحسب الكتاب- في أن "يخترق الجيش السوري والجيش اللبناني وجيش الإنقاذ -وبطليعة مدرعة عراقية- فلسطين من الشمال، ويحتل ميناء حيفا، وفي نفس الوقت يخترق الجيش المصري فلسطين من الجنوب وعلى طول الساحل، ويسيطر على يافا..". ويضيف: "وبهذين الاختراقين يحقق وصفي التل في خطته حرمان الدولة الجديدة من الموانئ التي تحتاجها لجلب المقاتلين والأسلحة. ويصاحب الاختراقين آنفي الذكر تقدم الجيش الأردني والجيش العراقي من الشرق وتخترق الساحل الفلسطيني ليصل البحر، وبذلك تقطع هذه الدولة إلى نصفين".
لم يكن وصفي التل على علم بأن القدر رتب له موعدًا مع الموت حين توجه إلى القاهرة عام 1971 للمشاركة في اجتماع مجلس الدفاع العربي المشترك في القاهرة، فعلى أبواب فندق "الشيراتون" اغتيل التل. وعلى الفور أعلنت منظمة فلسطينية تطلق على نفسها منظمة أيلول الأسود مسؤوليتها عن مقتله. بعد حادثه اغتياله كتبت في رثائه قصائد كثيرة، منها قصيدة الشاعر حيدر محمود..
لم يرزق وصفي التل بأطفال، مما دفع بزوجته السيدة سعدية الجابري أن توصي بتحويل منزله إلى متحف.