[caption id="attachment_55249354" align="aligncenter" width="620"] سعوديات يدرسن تخصصات علمية لم تكن متوفرة لهن من قبل [/caption]
ترى الكاتبة والشاعرة السعودية "هدى الدغفق" أن المرأة السعودية قد خرجت من خيمتها سنة 1959 حين بدأت المدارس المنزلية التي شقت طريق تعليم المرأة وخروجها بعد ذلك للدراسة والعمل. تؤكد الدغفق أنه لكي يحدث التغيير الإيجابي النهضوي لابد من التجاوب مع ركب الحضارة العالمية معرفيًّا وفكريًّا وإنسانيًّا، وذلك يتم بالتبادل الثقافي والحوار المعرفي، مشددة على أن مشاركة المرأة السعودية عامل رئيس في إصلاح أحوال المرأة السعودية المغمورة في إطار الواقع الاجتماعي الذي يشدد الوصاية الذكورية عليها.
صدر للكاتبة مجموعات شعرية بعنوان: (الظل إلى أعلى، 1993)، (لهفة جديدة، 2001)، (سهرت إلى قَدَري، 2006) مترجمة إلى الإنجليزية والإسبانية، وكتاب (أشق البرقع أرى، 2012) وهو عبارة عن سيرة ثقافية فكرية للكاتبة، وديوان (بلاطيره ألمي، 2012)، ولها انطولوجيا شعرية مترجمة للإيطالية بعنوان (مثلُ نبض) تحت الطبع.
"المجلة" التقت هدى الدغفق، وقلّبت معها صفحات من مسيرتها ومؤلفاتها، ورؤاها، فإلى تفاصيل الحوار ..
بحثتِ في "تطور العلاقة بين المبدع والحاسوب، والأثر السلبي الناتج عن ذلك على الخيال الإبداعي، ونمط العلاقة الفطرية بين المبدع والمسودة الورقية الأولى للنص الإبداعي" ماذا يمكن أن تخبرينا عن هذا الموضوع ؟
في عصرنا الإلكتروني الحالي يوجعني الشعور بحالة السجن الانفرادي التي يضعنا فيها العالم الافتراضي، فإما أن نسالم وإما أن ننسى. وكشاعرة تحاول أن تكون بين بين، أحاول الخروج من قبضة القفص الإلكتروني، وأتحرر من التقنية إلى العالم الخارجي من خلال الاستئناس بأدواتي الإبداعية الفطرية وعلى رأسها القلم والورقة والرؤية المكانية والإنسانية عمومًا.
الواقع أنني حين كتبت عن العلاقة الإبداعية بين الورقي والإلكتروني أردت طمأنة ذاتي الإبداعية تحذيرها في الوقت نفسه، من الانغماس فيما هو إلكتروني في عالم افتراضي عن ما هو إنساني في عالم واقعي، بما اهتديت من وراء ذلك إلى أن على المبدع الموازنة في تعاملاته الإبداعية بين ما هو إلكتروني بحت وما هو ورقي؛ بحيث يحافظ على مداه الاتصالي بين جيله وجيل يليه، حذري كان من أن يكون المبدع مدمنًا لما هو افتراضي إلكتروني على حساب ما هو واقع وإنساني وابتكاري، فلا يمكن أن ننحاز إلى استلهام المتخيل وتطور الذهنية واستحضار الصورة والمعنى ونحن نقابل التقنية، لابد من ملامسة الأشياء وتحسسها وعقد علاقة إبداعية شعورية ولاشعورية مع الموجودات والتفاصيل والشوارع والنوافذ والعائلة والعشق والخبرات والخيبات، وكلها أزمات تستدعي مزيدًا من التأمل واليقظة والحدس بعيدًا عن تسجيل ردود الفعل ممارسة بذاتها عشق قضى على ملامح الشاشة الحاسوبية شديدة البياض، وهي ليست بذلك الطهر في نظري! حينما ترى قالبًا جامدًا فأنت تتجمد ذهنيًّا مباشرة، باختصار أنا من عشاق المسودة الإبداعية التي يكتبها المبدع بخط يده، ويخربش عليها وهو يكتب ويمحو حتى يصل إلى ضالته، هذه الحالة هي اللعبة، وما تسمى بالعملية الإبداعية التي تقوم عليها صنوف من الدراسات النقدية. وبشكل عام فالإجابة عن سؤالك تستدعي ندوات عديدة. و يمكنني إضافة نتيجة قناعتي أنه: ليس للمبدع صديق أشد وفاء وحراسة سوى ورقته البيضاء.
ترجمتِ مجموعتك الشعرية (امرأة لم تكن) إلى الفرنسية، كيف تفاعل الجمهور الفرنسي مع نصوص هذه المجموعة؟
تفاعل معقول لمسته من خلال عدد من المهرجانات العالمية، كما لاحظت ذلك في المهرجان الأخير الذي شاركت فيه وهو مهرجان "سيت"، حيث أحاطتني مدينة (سيت) وهي مدينة الشاعر الفرنسي "بول فاليري" بحالة الحفاوة الشعرية التي تشتد كموج تحضنك زرقتها بأحلام أخرى للتواصل بلغات العالم كلها، حيث القرب الثقافي في ظل فك رمزية اللغة؛ قرب حميم للغاية.
مثلتِ السعودية في عدة ملتقيات شعرية ومهرجانات عربية ودولية، ما أهمية مشاركة المرأة السعودية في فعاليات على هذا المستوى، وما الدور الذي يقع على عاتقها من ناحية تغيير الصورة النمطية للمرأة السعودية عربيًّا وعالميًّا؟
كتبت في كتابي (أشق البرقع أرى) الذي صدر أوائل العام الفائت 2012، عن أهمية مشاركة المرأة ثقافيًّا وإنسانيًّا، حيث إنه في مجتمعاتنا العربية التقليدية تتقلص تجربة وخبرة المثقفـ/ة، ويظل حبيس موروثه وثقافته الاجتماعية المحافظة المغرقة في التقليدية، وكي يحدث التغيير الإيجابي النهضوي لابد من التجاوب مع ركب الحضارة العالمية معرفيًّا وفكريًّا وإنسانيًّا، وذلك يتم بالتبادل الثقافي والحوار المعرفي، ومشاركة المرأة السعودية عامل رئيس في إصلاح أحوال المرأة السعودية المغمورة في إطار الواقع الاجتماعي الذي يشدد الوصاية الذكورية عليها، وهذا يجعل من صورتها ضعيفة غير موثوق بها لدى الأجيال مستقبلاً. وبرأيي مشاركة السعوديات ثقافيًّا ساعدت في اكتساب عدد من الخبرات التي كنَّ بحاجة إليها، وحفز إلى حداثة ثقافية وتنافس إبداعي. من هنا فالمشاركة مهمة من حيث تغيير الصورة النمطية المسبقة عن المبدعة السعودية ثقافيًّا وأدبيًّا.
بماذا اختلف إصدارك الأخير "أشق البرقع أرى" عن باقي ما قدمتِه من أعمال، وذلك بغض النظر عن جنسه الأدبي؟
هذا الإصدار عاش كثيرًا من أزماتي الخاصة مع المجتمع ومع ذاتي، حيث وضعت فكري ونفسي في مواجهة حقيقية مع أحوالها وظروفها العامة والخاصة الثقافية والفردية والاجتماعية والإبداعية، حيث طرحت على أدواتي السؤال: ما جدوى الكتابة إذا لم تكن شفاءً وعلاجًا ووقاية؟! واشتغلت على هذا الأساس. انتُقِد كتابي في البدء؛ لأن فكرته كانت محض سيرة ثقافية أدبية، وزعم بعض المنتقدين بأن السيرة لابد أن تكتب في سن متأخرة قليلاً، وقيل ما الخبرة التي تمتلكينها لتجليها؟! إلا أنني أردت كسر "التابوه السّيريّ" مبكرًا، وسجلت صراحة مبكرة إلى حدٍّ ما بالنسبة لمرحلتي الأربعينية، ومن انتقد لم يتقبل أن تكتب سيرة في الأربعين من العمر (وإن زدت عن ذلك بخمس سنوات) فما بالك بأن الكاتب أنثى، وأكثر من ذلك تعقيدًا في مجتمع خليجي سعودي، وأن تكون تلك المرأة مثقفة تنتمي إلى أسرة محافظة. كل تلك المراهنات والأحوال دعتني إلى الانطلاق في تشريح الواقع الاجتماعي السعودي. وفي كتابي (أشق البرقع أرى) طورت قدرتي السردية إلى جانب المقدرة الشعرية، بالإضافة إلى أنه قطعت شوطًا في محاولة مصالحة ذاتي، من خلال الصراحة والوضوح في مواجهتها بالآخرين.
[caption id="attachment_55249355" align="alignleft" width="208"] كتاب "أشق البرقع أرى" لهدى الدغفق، الصادر عن دار جداول[/caption]
[blockquote]المرأة السعودية خرجت من خيمتها منذ أن قررت أن تكون هي؛ أي مع انطلاق معركة تعليم المرأة في المملكة 1959، وذلك مع نشوء المدارس المنزلية للبنات في بعض المدن السعودية[/blockquote]
لماذا اخترتِ هذا العنوان تحديدًا: "أشق البرقع أرى"؟
العنوان -من وجهة نظري- إضافة جذرية للكتاب، ومفتاح رئيس لأفكاره العامة. في مقدمة الكتاب كتبت: "كل ما يحول دون ذاتي، كل ما يحول دون رؤيتي، برقع سوف أشقه.. لأرى وأُرى (بضم الألف في الثانية وفتحها في الأولى) هذه الفاتحة أوضحت أن المغزى أبعد من مجرد حجاب يغطي ملامح الوجه إلى حجاب ذي بعد آخر أبعد من ذلك بكثير هو حجاب الرؤية.. حجاب الذات عن ما عداها. أردت من وراء تلك الكناية أن أشير إلى أن الفروقات الواضحة والازدواجية الحاصلة في مجتمعاتنا العربية بشكل عام على نحو خلطها ما هو أيديولوجي بما هو تقليدي بحت؛ ما أدى بهما إلى الخروج بمضامينهما في الذهنية العربية الاجتماعية، وتخلفهما وتدميرهما وتأطير إطارهما المعرفي والفكري والإنساني بإطار التطرف والمذهبية ونحوها.
هل أثار عنوانك الجريء جدلاً وإشكالاً ضده؟
هناك من القراء من يتعامل مع الفكر -خاصة الأدبي الثقافي منه- بحس انتقامي، فتتلبسه حالة من الترصد والعدائية، وتسكنهم حشود من الظنون السوداء، فيسعون إلى تشويه الكتابة بشكل عام. كدت أدرك أن هذه طبيعة وسمة من سمات القارئ في مجتمع الجهل، حيث تجد قراءاته وتعليقاته مناخًا صحيًّا مشجعًا لتماديها، وتبعية لا تناقش، بل تتبع وتؤمن وتحتشد فحسب. كتابي انطلق مع انشغال المجتمع السعودي الشاب بآليات التواصل الاجتماعي، وتزامن مع وقود الثورات العربية، ومضى في المسار نفسه بإيجاز. في مجتمعاتنا العربية المحلية تصور ما يتعلق بالأنثى شكلاً وضمنًا حالة استنفار لمقومات الشرف والمرجلة والقبلية الزائفة، وهي في الغالب تنبع من خشية الذات الذكورية من حصول المرأة على حقوقها، ونيلها لمكانتها الرفيعة التي تليق بها، وهذا الأمر تهديد كبير لمن لا يثق بذاته من الجنس الآخر. هذه الإشكاليات تنزاح على كل ما له علاقة بالأنثى فكرًا وجسدًا ومنطقًا.
حين شقَّت هدى الدغفق البرقع ماذا رأت؟
رأيت جرحي من خلال المرأة السعودية، ولم أبكها، بل ناصرتها ووقفت إلى جوارها دون نغمة ضعف أو تخاذل، بل بجرعة مضاعفة من الجرأة، حيث كتبت عن زواجي الثقافي وعني، وعن عائلتي، وعن المجتمع الثقافي السعودي، وعن مواقف قضائية وتعليمية، وعن تجربتي في قيادة السيارة، وعن تجاربي في الدراسة والشعر والمراهقة. ألا يكفي ذلك الأمر، وتلك الجرأة التي قلما تتأتى في مجتمعنا الخليجي السعودي، بل والعربي كذلك، لتكتب وتأخذ حيزها من التأمل والتفكر لدى الأجيال الأصغر سنًّا على الأقل!.
هل كان من الصعب أن تبوحي عن مكنوناتك وحياتك الشخصية وتشاركيها على الملأ؟
توقعت مواجهة بعض الصعوبات الاجتماعية، وشن بعض المتشددين والتقليديين الهجوم علي، حيث يحاول أمثال أولئك الربط بين الأمور والخلط والتشويش بغرض إساءة السمعة، والتقليل من قيمة ما ننشد، واستغلال سذاجة بعض التبعيين وهمجيتهم في الاجتهاد وترويج بعض الشائعات المغرضة للإساءة إلى سمعة الكاتبة، والتقليل من وطنيتها، والتشكيك في مدى إخلاصها الوطني وانتمائها، وكنت على استعداد للرد والمواجهة، ولربما كانت الحوارات الصحافية التي قمت بالرد عليها -والتي كانت قد نشرت في الصحافة السعودية خاصة- بمثابة اكتشاف لمدى نجاحي في صياغة طرق رد مناسبة للمواجهة مع العقول التقليدية، أو الأخرى المتطرفة.
كيف نجحتِ في كسر كثير من القيود المفروضة عليك في مجتمع يقيد المرأة؟
لا أبالغ إن ذكرت بأنني استطعت أن أوحي للمتلقي السعودي حلمي وطموحي بالتغيير فيه، كما أن مواصلة المضي في تحقيق الهدف، والإصرار على عدم التنازل عنه، والمحبة والروح المخلصة كفيلة بكسر الكثير من القيود، ذلك ما صنع القبول. والواقع والمجتمع بطرفيه الذكوري والنسوي يتحسَّس مدى جدية الكتابة ومضيها نحو هدفها؛ فيؤمن بإرادتها ويحترمها وإن لم يكن متقبلاً قناعاته.
برأيك هل ستخرج المرأة السعودية من خيمتها قريبًا؟
المرأة السعودية خرجت من خيمتها منذ أن قررت أن تكون هي؛ أي مع انطلاق معركة تعليم المرأة في المملكة 1959، وذلك مع نشوء المدارس المنزلية للبنات في بعض المدن السعودية آنذاك، كما تزامن خروجها مع تواجد جيل من النساء اللائي تلقى ذووهن تعليمًا وابتعاثًا؛ فنالت كريماته من النسوة تعليمًا رفيعًا أهَّلها لأن تنال مكانتها العلمية والإنسانية بعد ذلك من خلال الكتابة الصحافية، وأرغب أن أؤكد على دور بعض الرجالات في هذا الجانب الذين حاولوا تشجيع المرأة على الكتابة في مراحل متقدة من تاريخ الصحافة السعودية، حيث كتبوا باسم (نسوي) مستعار.
برأيك ما السبب الحقيقي لهذا التهميش والظلم الواقع على المرأة السعودية، والذي تناولتِه في كتابك: "أشق البرقع أرى"؟
ظروف متقاربة شكَّلت مناخاتها الأوضاع العامة والخاصة التي عاشها المجتمع السعودي، والمراحل التي مر بها التاريخ السياسي السعودي من تحولات بين مراحل تقدمية وأخرى تطرفية ما قبل وبعد النفط، بالإضافة إلى مجتمع البداوة الذي يشكل عادات المجتمع السعودي وطبيعته، بالإضافة إلى قلة الحقوق الممنوحة للبنت في المجتمع في مرحلة من المراحل، وقلة حيلة المرأة في تحقيق ذاتها.. كل ذلك أدى إلى قلة الحيلة لدى المرأة السعودية، إلا أنها بإرادتها وتعلمها وطموحها قفزت فوق الحواجز، ووفرت فرصها للمواجهة وتحقيق الذات، وأقنعت مجتمعها بحقوقها ولم تزل.
المرأة، المكان، والزمان هي تفاصيل لم تغب أبدًا عن نصوصك الشعرية.. لماذا؟!
لأن الواقع هو تلك الأدوات، وأنا واقعية وجودية إلى حدٍّ كبير، أتعامل مع المكان بشكل خاص وكأنه كلي وأنا الجزء، وما المرأة إلا المجتمع والكون بأكمله، أما الزمان فصورتنا ماضية وحاضرة ومستقبلية.
في انتظارك "لتفاحة رغبتك المؤجلة" كم من الخطط والمشاريع توجد في جعبتك؟
المشاريع متعددة متنوعة، منها ما هو شعري، ومنها ما ينحو منحى الحوار الفلسفي الفكري تارة، والأدبي الثقافي تارة أخرى، ومنها ما هو أشبه بالشذرات، وغير ذلك.
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.