[caption id="attachment_55249205" align="aligncenter" width="601"] الفنان العراقي حسين الأعظمي[/caption]
تجاوزت تجربة الفنان حسين الأعظمي في عالم المقام العراقي الأربعين عامًا، كانت بدايات تجربته الفنية في السبعينيات، مرورًا بمحطات سريعة ومكثفة في العمل الغنائي المقامي أكسبته الشهرة والصيت. وضع اسمه في مصاف المغنين المقاميين الكبار، فلو عدنا واستمعنا إلى معظم أو كل تسجيلاته المقامية؛ لوجدنا فيها بصمة جديدة خاصه به في الأداء والانتقالات السلمية. غنى الأعظمي في حفلات المتحف البغدادي 1973، التقى بالموسيقار منير بشير عام 1973، وغنى أمام مطرب الأجيال المقامية محمد القبانجي عام 1974. دخل الإذاعة والتلفزيون عام 1974، بدأت مشاركاته في المهرجانات والمؤتمرات العربية والعالمية منذ عام 1973، وعين معيدًا في معهد الدراسات الموسيقية ببغداد، وأول مدرس أكاديمي للمقام العراقي، ومن ثم مديرًا لبيوت المقام العراقي في بغداد وبقية الفروع في المحافظات العراقية، شغل منصب معاون عميد المعهد أكثر من مرة حتى أصبح لاحقًا عميدًا له، حصل على الكثير من الأوسمة والدروع والمداليات والشهادات والألقاب الفنية من خلال تواصله في المهرجانات والمؤتمرات، وضع اسمه ونبذة عن حياته ضمن موسوعة أعلام القرن العشرين التي أصدرها الأديب حميد المطبعي. أيضًا فاز بمسابقة اليونسكو العالمية (ماستر بيس A Masterpiece)، ومنح لقب (سفير المقام العراقي) من وزارة الثقافة العراقية 2003 ، فاز بجائزة العمل الغنائي العربي التي يمنحها المجمع العربي للموسيقى 2013، وحصل على الدكتوراه الفخرية من جمعية المترجمين واللغويين العرب الدولية. عن مسيرته في عالم المقام العراقي.. كان لنا هذا الحوار مع سفير المقام العراقي حسين الأعظمي..
من خلال مسيرتك الطويلة مع المقام العراقي حدثنا عن أهم وأبرز الأحداث التي ساهمت في إثرائها؟
أحداث كثيرة قد يصعب عليّ الآن استعراضها، فقد بدأتُ تلميذًا في مدرسة المقام العراقي، وما زلت تلميذًا مجتهدا فيهًا، وخلال هذه التلمذة مررت بمحطات فنية كثيرة، مارست الغناء المقامي، وتدريسه، والبحث المقامي والموسيقي، والتأليف فيه، والإعداد والتقديم الإذاعي والتلفزيوني لأكثر من برنامج يتمحور حول المقامات العراقية والموسيقى في عدة قنوات فضائية، وما زلت كذلك. والأكثر إثراءً من كل هذه الممارسات، هو فوزي بجائزة "الماستر بيس" العالمية من اليونسكو (AMasterpiece) التي تم الاعتراف من خلالها بتراث المقام العراقي، بأنه أحد تراث الشعوب المعترف بها في الأمم المتحدة، والبالغة 46 تراثًا. والعراق أصبح رقمه 47 . كما أن تراث المقام العراقي يمثل تراث جغرافية العراق المعروفة من شماله حتى جنوبه، حيث كان يوم السابع من تشرين الثاني 2003 يوم إعلان الأمم المتحدة عن فوز العراق بهذه الجائزة العالمية التي تشرفت بالفوز بها ببحث مستفيض قدمتُه عن المقام العراقي مدعم بفلم وثائقي وCD أوديو في غناء نماذج ومقاطع من المقامات العراقية مع تحليلها علميًّا وتقليديًّا. قُدر لهذه الجهود أن تثمر عن فوزي بالجائزة العالمية الأولى، وعليه انتهت -وإلى الأبد- كل الأقوال المغرضة التي تشكك في عراقية هذه المقامات.
[caption id="attachment_55249208" align="alignleft" width="300"] حسين الأعظمي مع فرقته الموسيقية[/caption]
إذا ما تحدثنا عن أساليب الأداء في المقام العراقي.. ما هي أهم ملاح التجديد التي طرأت عليه في القرن العشرين؟
بطبيعة تطور الحياة بصورة عامة، وعلى الأخص التطور التكنولوجي، تغيرت الكثير من المعايير الفنية على غناء المقام العراقي، منها إثراء دور الموسيقى في هذا الغناء، بعد أن كان دورها ثانويًّا حتى نهاية القرن التاسع عشر تقريبًا. ففي القرن العشرين أصبح غناء المقام العراقي يُـعد موسيقيًّا، ويقدم بصور فنية جيدة فيها توازن حواري بين الموسيقى والغناء. أيضًا غناء المقام العراقي حتى القرن التاسع عشر كان يؤدى مع فرقة بسيطة وصغيرة تسمى بـ "فرقة الجالغي البغدادي"، وفي القرن العشرين تطور الأمر إلى أوركسترا كبيرة منها التخت البغدادي، والتخت العربي والشرقي، وحتى إدخال بعض الآلات الغربية في الأوركسترا لمرافقة غناء المقامات، وقد وصل الأمر إلى الحاجة إلى قائد موسيقي يقود بعض المقامات المعدة إعدادًا موسيقيًّا فخمًا. كذلك إن البناء اللحني للمقامات تطور كثيرًا، كتوزيع المواد الأولية الأصولية والتاريخية والتقليدية على مجرى غناء المقام العراقي بصورة متناسقة وجميلة، ووضوح النطق بكلمات الشعر المغنى، الذي كان حتى القرن التاسع عشر يعاني من كثرة الغموض والإدغامات في اللفظ. أيضًا الاهتمام بمخارج الحروف والأحكام اللفظية، وتنوع التعابير المقامية من خلال نوعية الإعداد الموسيقي والغنائي للمقامات المغناة، وولوج المرأة إلى عالم غناء المقام العراقي منذ بداية القرن العشرين بصورة فاعلة ومؤثرة حتى اليوم.
ما رأيك بأداء الفنانة فريدة للمقام العراقي، خصوصًا وأنها كانت أول امرأة تؤدي المقام بهذا الشكل بعد أن كان هذا الأمر حصرًا على الرجال؟
في كتابي (المقام العراقي بأصوات النساء) ذكرت أن هناك أكثر من مطربة مقامية سبقت الفنانة فريدة بالظهور ، كالمطربات صديقة الملاية، وسلطانة يوسف، وسليمة مراد، وزهور حسين، ومائدة نزهت، ولكن باستطاعتنا القول: إن فريدة مطربة متمكنة من غناء مجموعة كبيرة من المقامات، وهو ما لم تستطعه غيرها من المطربات، وهو ما تعلمته أيضا عند دراستها في المعهد على يدي، فضلاً عن تجربتها الخاصة بهذا المجال، وعليه فهي مطربة تغني كثيرًا من المقامات العراقية على أصولها، ومنها مقامات رئيسية أيضًا.
من هو مثلك الأعلى في مدرسة المقام العراقي؟
أعتقد أن المثل الأعلى لأكثرية المغنين المقاميين، هو مطرب العصور المقامية "محمد القبانجي" الرائد والمثير الأول للحداثة المقامية في القرن العشرين.
ماذا يعني لك الفنان الراحل منير بشر ؟
لقد كتبت في صفحة الإهداء لكتابي الصادر مطلع عام 2013 الموسوم، بالـ (الطريقة الزيدانية في المقام العراقي وأتباعها) ما نصه "إلى والدي الروحي، الموسيقار الراحل منير بشير، الذي قدمني، وفتح العالم أمامي، وغيَّر مجرى حياتي كلها، رحماك يا سيدي في ذكرك الخالد" يكفي هذا الإهداء للحديث عن هذا الرجل الذي غمرني بفضله الكبير، بل أفضاله الكثيرة.
ماذا عن أثره في المقام العراقي؟
عندما عاد منير بشير إلى وطنه مطلع سبعينيات القرن الماضي، بعد أن دعته الحكومة لتسلم قيادة الموسيقى في العراق آنذاك، وأسست له دائرة خاصة بالموسيقى (دائرة الفنون الموسيقية) كان جل اهتمامه بالتراث العراقي، وعلى الأخص غناء المقام العراقي، وعليه فقد عمل على نشر المقام العراقي في شتى بقاع العالم من خلال فرقته الموسيقية التي أسسها (فرقة التراث الموسيقي العراقي) التي تجولنا من خلالها في كل القارات نغني المقام العراقي.
[caption id="attachment_55249211" align="alignleft" width="198"] الاعظمي على مسرح المتحف البغدادي ،1973[/caption]
ماذا أضاف لك معهد الدراسات الموسيقية في بغداد؟
إن عقد السبعينات من القرن الماضي، الذي مثل بداية مسيرتي الفنية، كانت أكثف فترة فنية بالنسبة لي، تم فيها إنجاز الكثير من الخطوات في سلسلة طموحاتي الفنية لعل أهمها دخولي إلى هذا المعهد الأثير إلى نفسي عام 1973 وتخرجي بعد ست سنوات دراسية فيه، كانت سنوات جميلة جدًا، تعلمت فيها الكثير. هناك كان لقائي الأول بالموسيقار منير بشير الذي غير مجرى حياتي كلها. وفي هذا العقد أيضًا كانت الزيارة الشهيرة لأستاذنا محمد القبانجي إلى المعهد، وغنائي أمامه، ومن ثم امتداحه لي الذي نشرته جريدة "الثورة" آنذاك مع صورة للحدث تجمعني به التي كانت ذروة أحلامي. كذلك دخلت الإذاعة والتلفزيون عام 1974 مطربًا مقاميًّا من الدرجة الأولى معتَـمَدًا فيها. فضلاً عن بداية سفراتي الخارجية بالمشاركة في المهرجانات والمؤتمرات الدولية الكثيرة. الأمر الذي أدى في النهاية إلى وضعي في مصاف المغنين المقاميين الكبار في هذا الوقت المبكر من مسيرتي الفنية. وفي كل هذه الفترة من العقد السبعيني كنت فيه طالبًا في المعهد، أدرس وأتعلم وازداد تجربة ودراية بأسرار المقام العراقي والموسيقى، وهكذا دخلت إلى المعهد طالبًا ثم معيدًا فيه بعد تخرجي، ثم معاونًا لعميد المعهد أكثر من مرة، وأخيرًا عدت إليه عميدًا له حتى استقالتي عام 2005 ومغادرتي إلى الأردن، لأعمل في المعهد الوطني للموسيقى مدرسًا وخبيرًا حتى يوم الناس هذا. مسيرتي الفنية كلها اعتمدت على تجربتي الدراسية في معهد الدراسات النغمية العراقي.
كيف يتفاعل الجمهور الغربي مع المقام العراقي؟
الموسيقى لغة الشعوب، لحن وتأليف وتعبير مباشر عن الإنسانية، أخلاق وإرشاد وسمو رباني ورسالة خالدة في كيان كل المخلوقات. هي اللغة الوحيدة التي يمكن فهمها من كل المخلوقات، وعليه في كل مكان يتفاعل الجمهور معنا؛ لأننا نغني تراثنا بصدق وأمانة، وهما أقصر الجسور لوصول التفاعل بين المخلوقات، وبالتالي فهي تجربة طويلة غنيت خلالها في أكثر من سبعين بلدًا.
هل يعاني المقام اليوم من غياب جمهوره العربي؟
إذا كان الصدق والأمانة حاضرين في الأداء الجيد، فإن المقام العراقي أو غيره من الفنون، لا يعاني من جفاء أي جمهور على وجه الأرض.
ما هي الطريقة القندرجية في المقام العراقي من مؤسسها ومن هم أتباعها؟
يمكننا الرجوع أيضا إلى كتابي الموسوم بـ (الطريقة القندرجية في المقام العراقي وأتباعها) لنطلع على مفهوم هذه الطريقة الأدائية التي أسسها المطرب الحاذق رشيد القندرجي (1886 – 1945)، وقد اخترت ستة مغنين مقاميين من أتباع هذه الطريقة للتحدث عنهم في هذا الكتاب، فضلا عن أستاذهم رشيد القندرجي، وهم: عبد القادر حسون، وأحمد موسى، وشهاب الأعظمي، وحسقيل قصاب، والحاج هاشم الرجب، ورشيد الفضلي. إن الكثير من مقامات رشيد القندرجي وأتباع طريقته التي خلَّفوها لنا مسجلة بأصواتهم، ليست مقامات غنية في نواحيها التجديدية، بمقدار ما هي توضيح أصول غنائية مقامية تقليدية وتثبيتها تاريخيًّا كشكل غنائي يمكن الاعتماد على أسسها اللحنية كمسارات غنائية وصلت تباعًا من السابقين إلى اللاحقين، فهي خلاصة الطرق التقليدية القديمة، حيث مثلت الاتجاه الجمالي الكلاسيكي في لغة الأداء المقامي. والحفاظ الصارم على الشكل المقامي، أي الأصول التاريخية التقليدية للمقام العراقي، والالتزام بها قبل أي التزام آخر، والتأكيد على المضامين التعبيرية الرصينة، والتفنن بالإيجاز وعدم الإسهاب في الغناء.
نتيجة الاهتمام المفرط بالشكل المقامي التقليدي، أصبح الاهتمام بتوضيح مفردات الشعر المغنى والنطق بالكلمات والحروف ضعيفًا وغامضًا، بحيث من الصعب معرفة القصيدة أو الزهيري أو فهم معاني مضامينها. كما تعد آخر الطرق الأدائية في غناء المقام العراقي التي امتازت بالنقاء البيئي، والتعبير عن المضمون الوطني والقومي للبلد، رغم أنها أدركت التحولات والتوسع الصناعي الكبير في وسائل الاتصال والنشر والتوزيع. أيضًا وصول التعبير عن شكل المقام العراقي ومضمونه إلى ذروة كلاسيكية في المسارات اللحنية المقامية العريقة، المتسمة ببعض الزخارف والتحليات.
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.