من قلب مدينة الناصرة الفلسطينية ولد (سمير، وسام، عدنان) أبناء جبران. هم أعضاء الفرقة التي أطلقت على نفسها اسم "الثلاثي جبران" أو كما اشتهرت بالفرنسية: Le Trio Joubran " وذلك نسبة إلى اسم العائلة التي انحدر منها الإخوة الثلاثة. والدهم "حاتم جبران" صانع عود معروف في فلسطين، أما والدتهم "ابتسام حنا" فتميزت بصوتها العذب.
سمير جبران مؤسس الفرقة هو الأخ الأكبر للعائلة، ولد في مدينة الناصرة الفلسطينية عام 1973، عرفه والده على العود وهو في الخامسة من العمر، ومنذ ذلك الحين انصب اهتمامه على هذه الآلة التي رافقته منذ صغره. بدأ مشواره حين التحق بمعهد الناصرة للفنون، وهو في التاسعة من العمر. ومن بعدها واصل دراسته ليتخرج من معهد عبد الوهاب للموسيقى الشرقية في القاهرة. لكن الحدث الأبرز في حياة سمير المهنية تمثل في مرافقته للشاعر الفلسطيني محمود درويش في أمسياته الشعرية. أولى أعماله المنفردة كانت ألبوم "تقاسيم" (1996) ثم "سوء فهم" ، لينضم من بعدها له شقيقه وسام ليعملا معًا في إنتاج ألبوم "تماس" (2002).
لم يختلف خط سير الأخ الأوسط للعائلة "وسام" الذي ولد عام 1982، فلقد ورث أيضًا عن عائلته حبهم للعود واحترف صناعته منذ صغره، ليكون لاحقًا صانع العود للفرقة. التحق بمعهد "انطونيو سترادي فاري" في إيطاليا، ودرس فيه فن صنع آلة الكمان، واحترف العزف عليه أيضًا.
أما آخر العنقود فكان "عدنان" ولد عام 1985، تغلب عليه حب العود وشدّه إليه رغم أنه حلم بأن يكون عازف إيقاع محترف. وقد استفاد من خبرة أخويه وتعلم منهما بعض الأمور المتعلقة بهذه الآلة، وكان أول تعاون مشترك ما بين الثلاثي في ألبومهم "رندنة " في العام 2005.
الثلاثي والشاعر محمود درويش
يتساءل كل من تابع مسيرة هذه الفرقة ما إذا كان الحظ قد وقف إلى جانب الإخوة جبران، وجعلهم يرافقون الشاعر الراحل درويش في أمسياتهم الشعرية، أم أن تميزهم وقدرتهم على خلق إيقاع وروح خاصة بهم هو ما جعل درويش يختارهم ليشكلوا معًا لوحة فنية تكاملت على المسرح. البداية كانت في فرنسا، وهي أول الطريق مع درويش وآخرها، فلقد التقى سمير مع درويش عام 1996 بالتنسيق مع السفيرة الفلسطينية آنذاك السيدة ليلى شهيد، وهناك تم الاتفاق على عقد الأمسية الأولى والتي لم تكن الأخيرة. حيث أعجب درويش بعزف سمير وقرر أن يرافقه في أمسياته اللاحقة. وبعد انصهار الثلاثي في فرقة واحدة رافقوا محمود درويش لثلاثة عشر عامًا، ليتركهم بعدها درويش ويرحل.
[blockquote]الثلاثي جبران ثلاثة إخوة من فلسطين عشقوا العود فكان رابعهم، ولسان حالهم يقول قول الراحل محمود درويش: "نحن أحياء وباقون.. وللحلم بقية" و"على هذه الأرض ما يستحق الحياة".[/blockquote]
[caption id="attachment_55248272" align="alignleft" width="300"] الثلاثي جبران .. ومحمود درويش[/caption]
هذه التوليفة الرائعة اختلفت وتميزت عن كل التجارب التي سبقتها من غناء بعض الفنانين لشعر درويش، فلقد غنى قصائده مارسيل خليفة، سميح شقير، أصالة نصري، وغيرهم. لكن اتحاد الموسيقى وصوت درويش كان وقع صداه مختلفًا. فبصمة الطرفين على المسرح تركت سحرها على الجمهور، وعلقت في أرواحهم وذاكرتهم ولازالت. الأمر الذي ساهم في قرار الثلاثي بعدم مرافقة أي شاعر عربي أو غربي مهما كانت أهمية تجربته بعد درويش. ليعيشوا على ذكرى الراحل، ويحافظوا عليها، وذلك على الرغم من الأصوات التي أشارت إلى أن الثلاثي لم يكن ليحظى بالمكانة والشهرة التي حظي بها اليوم لولا مرافقته لدرويش في أمسياته. لكن هل كانت مرافقتهم لدرويش هو أمر قرره درويش لوحده؟ ألم يشارك الجمهور العربي وعلى مدى السنوات الماضية في هذا القرار من خلال تصفيقهم وانبهارهم بما قدمه درويش والثلاثي مجتمعين. ماذا عن جمهور "الشانزيليزيه" و”ملبورن سيتي” في أستراليا، وتياتر وإنفاتا”في مدريد، و"قاعة بلاييل" في باريس، و"كارنغي هول" و"نيويورك سيتي هول" في الولايات المتحدة، و"برلين هيبيل" في ألمانيا، و"باليوفستيفال" في سويسرا، الذي أغرم بهم وتابعهم حتى بعد وفاة درويش، يشهد على ذلك نفاد التذاكر فور الإعلان عن تنظيم حفل لهم، وشدة تأثر الجمهور الذي يصل إلى حد البكاء أحيانًا.
رافق الإخوة جبران الشاعر الراحل محمود درويش في قصائد عدة مثل : "لاعب النرد"، "انتظرها" ، "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"، "درس من كاماسوترا"، وغيرها الكثير، وقد أحيوا ما يقارب الألف حفلة حتى اليوم، وأنتجوا خمس اسطوانات، وهي: "رندنة"، "سوء فهم" ، "مجاز"، "تماس"، "أسفار"، وقد تميزت موسيقاهم بالجمع والدمج ما بين الموسيقى الغربية والشرقية لينتجوا من خلاله عالمهم الموسيقي الذي مكنهم من نقل لغتهم الخاصة إلى العالم.
رحلة نجاح عالمية
حصد الثلاثي جوائز عربية وعالمية عديدة أبرزها "جائزة المهر الذهبي" لأفضل موسيقى تصويرية في دورتي 2009 و 2011 من مهرجان دبي السينمائي الدولي.
كما رشحوا لجوائز مثل جائزة جانغو الذهبية. وقلدهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس وسام الاستحقاق والتميّز، وذلك تقديرًا لمجهودهم الذي قدموه ولا زالوا، وتمثيلهم لفلسطين خير تمثيل في المحافل الثقافية والفنية في العالم .
الثلاثي الذي اختار فرنسا مقرًّا لإقامته احتفل بمرور عشرة أعوام على ولادة فرقتهم في يناير من هذا العام 2013. هم لم يبهروا جمهورهم العربي فحسب، وإنما الجمهور الغربي أيضًا، وهو الذي أشاد بموسيقاهم، وعبر عن اندهاشه بمستواها الفني، وذلك من خلال ما تناقلته وسائل الإعلام الغربية عن عملهم وعن حب الجمهور لهم، واستمتاعهم بما قدموه في حفلاتهم. وخصوصًا في مهرجان "تيدغلوبال" في يوليو 2013 حين قاموا بالعزف المشترك على آلة عود واحدة لمقطوعة تدربوا عليها لمدة عام كامل. وقد استوحوا هذه الفكرة بعد أن التقطوا صورة جماعية لهم، وهم يحتضنون العود. مشاركة الثلاثي في هذا المهرجان اعتبروها من أهم إنجازات فرقتهم؛ نظرًا لأهمية وثقل هذا الحدث. كما كانوا أول فرقة فلسطينية تقف على مسرح الأولمبيا في باريس، وحازوا بهذا الأمر على اعتراف دولي غير مباشر بأهمية وثقل إنتاجهم الفني؛ نظرًا لأن خشبة هذا المسرح لا تستضيف إلا العمالقة في الفن.
[caption id="attachment_55248274" align="alignleft" width="300"] خلال تكريم الرئيس الفلسطيني محمود عباس[/caption]
يؤكد سمير الأخ الأكبر في مؤتمر صحفي بمناسبة احتفال الفرقة بمرور 10 سنوات على تأسيسها "أن بداية الحلم كانت منذ 25 عامًا، حين بدأت كعازف سولو منفرد، وكان حلمي أن لا تكون هذه الآلة مجرد آلة ترافق المغني، بل أن يكون لها جماهيرها. وقد بدأ هذا الحلم يتجسد في ولادة الثلاثي جبران. وأن إقامتنا في باريس ما هي إلا محطة انطلاق نحو العالمية، لكننا لن ننسى أنه لولا النجاح المحلي في وطننا فلسطين لما وصلنا لما نحن عليه الآن". وعن سر نجاح الفرقة يقول : "سر نجاح الثلاثي جبران هو إيماننا بأن المتلقي وخاصة الغربي يجب أن يحصل على وجبة ثقافية تملؤها الثقافة والهوية الفلسطينية، والتي هي جزء من الهوية العربية، نحن لم نغرب موسيقانا بل بالعكس زاد ارتباطنا بهويتنا العربية والفلسطينية". وعن عملهم مع الراحل درويش أكد سمير جبران على: "أن هذا العمل كان مفصلاً هامًا في مسيرتنا الفنية، وكان له الأثر الكبير في مضامين موسيقانا، وهو الذي علمنا "درويش" كيف نكون ليس فقط موسيقيين فلسطينيين، وإنما أن نكون موسيقيين من فلسطين".
الثلاثي جبران ثلاثة إخوة من فلسطين عشقوا العود فكان رابعهم، ولسان حالهم يقول قول الراحل محمود درويش: "نحن أحياء وباقون.. وللحلم بقية" و"على هذه الأرض ما يستحق الحياة".