كان الجهاديون يعملون في تونس، في سرية إلى 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 2007 تاريخ أحداث مدينة سليمان غير البعيدة من العاصمة وهي أحداث مثلت المنعرج الأكبر لبروز التيار السلفي الجهادي في تونس رغم القبضة الأمنية القوية للرئيس السابق بن علي حيث تجرأت مجموعة من الجهاديين الشباب على الأمن التونسي ونازلته لمدة أسبوعين قبل أن يقتل منهم 15 شابا ويعتقل عشرات آخرين.
وبعد ثورة الرابع عشر من يناير (كانون الثاني) أتت أحداث (الروحية) بمحافظة سليانة، ثم (بئر علي بن خليفة) بمحافظة صفاقس وآخرها أحداث (جبل الشعانبي) بمحافظة القصرين المتاخمة للحدود مع الجزائر. وهي أحداث اتهم فيها السلفيون ولكن البعض يشكك فيها ويعتبرها تهويلا من الإعلام وتحريضا ضد السلفيين والحكومة معا.. يذكر أن قيادات «أنصار الشريعة» تعتبر نفسها تنظيما سلميا ينبذ العنف وحمل السلاح وما صفة «السلفية الجهادية» إلا للتمييز فقط وليست دليلا على تيار يتبنى العنف منهجا.. ويستدل هؤلاء على أنهم يريدون العيش في المجتمع ومع عامة الشعب بأنهم يقدمون الكثير للناس وللصالح العام في صمت وبعيدا عن الضجيج الإعلامي فمن توزيع الأغطية الصوفية شتاء على سكان الجبال إلى حملات تنظيف الشوارع والأحياء السكنية وحماية الممتلكات العامة والخاصة عند حصول أعمال عنف ونهب وإيواء اللاجئين الليبيين وتقديم الخيام والأغذية لهم بالإضافة إلى الأعمال الدعوية.
تبني فكر «القاعدة»
كما ترى قيادات «أنصار الشريعة» أن المعارضة "تحشر" هذا التيار في صراعها مع الحكومة وتتهمها بالتساهل مع الجهاديين والتغاضي عن تحركاتهم الدعوية في المساجد وخارجها وفي المقابل فإن أنصار الشريعة كثيرا ما صرحوا بأنهم لا يعترفون بحكومة لا تحتكم إلى شرع الله ولا تستند في حكمها إلى القرآن والسنة ولكن هذه الحكومة تدرك جيدا أن هذا التنظيم يتبنى فكر «القاعدة» وقد تكون له صلة بها ويؤمن بالجهاد كسبيل للوصول إلى إقامة الدولة الإسلامية في مرحلة لاحقة وتعتبر أن المواجهة معه قادمة لا محالة وهو ما صرح به علي العريض (رئيس الحكومة الحالي) لما كان وزيرا للداخلية.
ومما يميز التيار السلفي الجهادي في تونس أنه يعتبر أن تونس هي أرض دعوة وليست أرض جهاد وهو موقف يتكرر في كل المنابر والمناسبات وهو أيضا موقف يتوجه إلى الحكومة التي تقول دائما إنها متمسكة بتطبيق القانون على أي جماعة تتبين إدانتها ومخالفتها للقانون فقد قال رئيس الحكومة السيد علي العريض في مايو (أيار) الماضي إن تيار أنصار الشريعة هو «تنظيم غير قانوني وإذا أراد أن يعيش حرا فليترك العنف أما من يحرض أو يمارس العنف أو يخل بالنظام فسنمنعه بالقانون»..
.. وواضح أن الحكومة التونسية تنظر إلى السلفيين الجهاديين ضمن نظرة شاملة للخطر الإرهابي المحتمل والذي يهدد المنطقة كلها والتي عرفت منذ سنوات تأسيس تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي وتنسق الحكومة مع بلدان الجوار المعنية بهذا الملف تنسيقا دقيقا وعيا منها بأن الترابط بين الجهاديين في هذه البلدان أمر مؤكد.. يذكر أن تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي تفرع عن الجماعة السلفية الجزائرية للدعوة والقتال منذ ست سنوات هذا التنظيم انسحب من شمال الجزائر إلى جنوبها بسبب الملاحقة العسكرية والأمنية.
وإذا كان الكثيرون يقللون من تأثير وقوة هذه الجماعة في السنوات الماضية فإن هذا الرأي تغير بعد سقوط نظام القذافي وحصول مقاتلي التنظيم على كميات هائلة من الأسلحة خلفتها كتائب القذافي عند هروبها إما من الثوار وإما من غارات حلف الأطلسي.. وكانت السلطات التونسية تعي جيدا أن كميات من هذه الأسلحة ربما تكون تسربت عبر عصابات التهريب إلى تونس وتدرك أن هذه الجماعات تخزن السلاح لتستعمله عندما تقرر ذلك..
وبالإضافة إلى السلاح حصل مقاتلو تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على أموال طائلة كفدية مقابل تسليم رهائن غربيين إلى بلدانهم (فرنسيون وألمان وإسبان وإيطاليون وغيرهم)
ويرى محللون هنا أن دول الغرب هي التي سمحت بتسلح هذه الجماعات لما أسهمت في إسقاط نظام حكم القذافي وتركت في متناولها ترسانة مرعبة من الأسلحة وهي بالتالي قد تندم لاحقا إذا ضربت مصالحها في الصحراء الأفريقية بهذه الأسلحة.
في السياق ذاته وحيال الموقف من الحرب على معاقل الجهاديين في مالي كانت السلطات التونسية قد أعلنت في البداية رفض التدخل العسكري الفرنسي في مالي من منطلق رفض التدخل الأجنبي في الشؤون الداخلية للبلدان الأفريقية والتمسك بمعالجة مشاكل هذه البلدان داخل الإطار الأفريقي.. وهو موقف راجعته الحكومة التونسية عندما تبين لها لاحقا أن سلطة الحكم في مالي هي التي طلبت التدخل الفرنسي لصد الخطر الزاحف.
اللافت للانتباه أن الجزائر التي تجمعها مع مالي حدود تمتد على طول أكثر من ألف كيلومتر قد فتحت مجالها للطائرات الحربية الفرنسية لتعبر في اتجاه مالي كما أن الجزائر وعكس تونس ترفض رفضا قطعيا الحوار مع الجهاديين.
أمن تونس
غير أن الموقف في تونس من السلفيين الجهاديين ليس بالمرونة التي قد يتصورها البعض، ذلك أن حكومة النهضة الحاكمة ترى حسب مصدر حكومي أن ملف السلفية الجهادية حاضر في صلب اهتماماتها وأن الحل لا بد أن يكون جذريا وسلميا وتعتبر أن وضع رقابة على المساجد كفضاء تحرك لهؤلاء الجهاديين مرحلة ضرورية وملحة وأنه لا بد أن تكون بيوت الله تحت سيطرة وزارة الشؤون الدينية لمنع نشر الفكر القتالي والجهادي بالإضافة إلى التدقيق في أسماء الدعاة الذين يزورون تونس ومنع المتشددين منهم من نشر الفكر التكفيري والدعوة إلى القتال.
ومن ناحية أخرى فإن أوساطا حكومية تشير إلى أن الحل الأمني مطلوب وأن محاسبة حاملي السلاح دون رخصة مسألة ضرورية مع ضمان شروط المحاكمة العادلة واحترام حقوق الإنسان في مرحلتي الإيقاف والسجن وأن التوعية والحوار عبر الجدل الفكري والعلمي الشرعي لا غنى عنهما في كل الأحوال وقبل الحزم والعقاب.
واليوم وبعد عامين ونصف من حصول الثورة في تونس ومع اتساع هامش الحرية وتزايد الأحزاب ذات التوجه الإسلامي والتي منها المعتدل والراديكالي والقانوني والرافض للتعامل مع السلطة يجدر التساؤل.. هل سيكون الجهاديون المعروفون باسم «أنصار الشريعة» أوفياء لما يكررونه دائما من أنهم مدنيون سلميون يقبلون بالآخر ويتعايشون معه ويهمهم أمن تونس ورقي مجتمعها وأن تونس هي أرض دعوة وليست أرض جهاد؟ أم أنهم سيعمدون إلى التمرد على الدولة والتكفير والتقتيل إذا تأكدوا من تخلي الحكومة عن المشروع الإسلامي ويئسوا من تطبيق الشريعة؟