كان موسم أعياد الميلاد -الذي يمتد من يوم 26 ديسمبر (كانون الأول) إلى نهاية يناير(كانون الثاني) من كل عام- لهذه السنة الأسوأ منذ أزمة الركود المالية التي حلت عام 2008؛ إذ أدى عدم وضوح الرؤية إلى رفض البنوك إقراض الأموال بسبب الأزمة المالية التي تمر بها دول الاتحاد الأوروبي. وتقول هيلين ديكينسون، المدير العام لاتحاد تجار التجزئة البريطاني: «من المرجح أن ترفع أسعار المرافق معدل التضخم وأن يحرص الناس على الاستمرار في سداد ديونهم، مما يعني أن ما سيتبقى لهم من أموال سيظل تحت الضغط». وصرح ماندي، أحد مسؤولي الاتحاد، لـ«المجلة» بوجود «قلق مستمر بشأن الوظائف والاقتصاد، مما يجعل كثيرا من الناس يترددون فيما يتعلق بالالتزام بالإنفاق، كما يضيف ارتفاع تكاليف النشاط التجاري إلى التحديات التي يواجهها عدد كبير من التجار».
في خضم استمرار هذا الوضع الحرج، ذكرت صحيفة «الغارديان» أن بريطانيا قد تواجه «ركودا ثلاثيا». ينعكس ذلك انخفاضا حادا في القطاعات الخدمية، التي تشكل ثلاثة أرباع الاقتصاد البريطاني وفقا لمؤشر مديري المشتريات (PMI) الاقتصادي الصادر عن ماركيت/ معهد تشارترد للمشتريات.
وقد أظهرت أحدث الأرقام التي نشرها مكتب الإحصاء الوطني في لندن ارتفاعا في معدلات إفلاس تجار التجزئة. وتشير الأرقام المنشورة إلى زيادة بنسبة 6 في المائة في عدد المحلات المفلسة عام 2012 مقارنة بعام 2011، وزيادة بنسبة 18 في المائة عن عام 2010. يعد ذلك مصدر قلق لكثير من الشركات وأصحاب الأعمال والموظفين، إذ يُسرح آلاف الموظفين في المحلات الكبرى بسبب ضعف الطلب على الشراء وارتفاع تكاليف الإيجار وفواتير المرافق.
وفي محاولة لاجتذاب المستهلك، اضطر العديد من التجار في العاصمة والمدن الكبرى على تخفيض أسعارهم بنسب وصلت إلى 70 في المائة. وتنوعت السلع التي شملتها التخفيضات بين الملابس والحلي والأجهزة الإلكترونية والأثاث. ويقول ستيفن روبنسون مدير عام اتحاد التجزئة البريطاني إن هذه التخفيضات ترجع إلى رغبة التجار في التخلص من السلع بأسعار مخفضة؛ نظرا لأن «العديد من الأسر ما زالت تعاني في أعقاب الركود الاقتصادي الذي أصاب بريطانيا، مما جعلها أكثر حرصا في مشترياتها، كما يلجأ كثير من المستهلكين إلى إعادة تخطيط ميزانياتهم بدلا من الإنفاق على هدايا أعياد الميلاد والسلع غير الضرورية». ويتوقع روبنسون أنه في الأسابيع المقبلة ستكون هناك تخفيضات غير مسبوقة في محلات التجزئة، وهكذا يحتاج أصحاب المحلات إلى بذل جهد شاق من أجل الحصول على المال في ظل عدم حل الأزمة المالية.
موسم التسوق
استقبل شارع أكسفورد -وهو أحد أهم منطقة تسوق في العالم ويقع في وسط لندن- ما يزيد عن مليون متسوق في الأسبوع الماضي، ولكن على الرغم من ذلك، ما زالت نسبة المبيعات مخيبة للآمال. ذكرت إيما باول مدير مكتب الإحصاء الوطني أن «الأسواق في حاجة إلى تقديم ما هو أكبر من التخفيضات من أجل تشجيع الجمهور على الشراء لأن تراجع هامش الربح أفضل كثيرا من التعرض لخسائر فادحة وخطر الغلق وإيقاف النشاط التجاري».
يعلق ريتشارد وليامز، المحلل الاقتصادي المتخصص في التجزئة، قائلا إن انكماش المبيعات في العام الحالي سوف يؤدي إلى فقدان كثير من الموظفين لأعمالهم وتعرض أكثر من 3 آلاف محل تجزئة إلى خطر الإفلاس والغلق في بداية العام الجديد. يرجع ذلك إلى تكبد البنوك ديونا طائلة واستمرار أزمة الاقتصاد».
ومما قد يزيد الوضع سوءا أن تظل نسبة 15 في المائة من المحلات في بريطانيا «خالية» ومن المتوقع أن ترتفع هذه النسبة بمعدل 1 في المائة في مطلع العام الجديد. وسوف تواجه المملكة المتحدة أزمة وركودا اقتصاديا حقيقيا في العام الحالي سيكون له أثر مهلك على المحلات والشركات التجارية الأخرى، وليس من المرجح أن يصمد كثير من تجار التجزئة في مواجهة الأزمة أثناء الربع الأول من العام الحالي، ويضيف وليامز قائلا: «نشعر بقلق بالغ بشأن الركود. يجب أن تبدي البنوك تساهلا مع التجار، وإلا قد يخسرون أعمالهم. يجب على الحكومة أن تتخذ إجراءات سريعة لإنقاذ الاقتصاد، وليس فقط إنقاذ المحلات من الإفلاس».