ولمدة تزيد على العقد، كان الكونغرس الأميركي والإدارات الأميركية المتعاقبة تضع الباسداران «الحرس الثوري» تحت المجهر، وتشجع نشأة صناعة حقيقية مخصصة لدراسة الحرس الثوري. ومن ثَم، فإن معظم الأميركيين لديهم من المعلومات حول الحرس الثوري أكثر مما يرغبون فيه. وفي عام 2008، صوت مجلس الشيوخ الأميركي بالأغلبية لصالح قرار يحث الرئيس جورج دبليو بوش على تصنيف الحرس الثوري باعتباره جماعة إرهابية. ونفذ ذلك فعلا بعد شهر، واستمر في تطبيق عقوبات قاسية تستهدف المصالح المالية للحرس الثوري. ووفقا لما قاله وزير الخزانة الأميركي في ذلك الوقت، هنري بولسون في تصريح صحافي: «عندما تتعامل ماليا مع إيران، فإنك تتعامل فعليا مع الحرس الثوري الإيراني».
وفرض الرئيس باراك أوباما منذ وصوله إلى السلطة عقوبات أكثر قسوة على الحرس الثوري بما في ذلك وضع بعض قادته في القائمة السوداء.
ومع ذلك، هناك كثير من الأمور التي أسيء فهمها فيما يتعلق بالباسداران. فالحرس الثوري وحش فريد، وجيش لا يخضع إلا إلى «المرشد الأعلى» للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئي. كما أنه يمتلك مؤسسة مالية تتحكم فيما يزيد على 500 شركة فاعلة في نطاق واسع من الصناعات – من القوة النووية إلى الصيرفة، ومن التأمين على الحياة إلى المنتجعات ومراكز التسوق. ووفقا لكافة التقديرات، فإن الحرس الثوري هو ثالث أكبر مؤسسة إيرانية – بعد الشركة الإيرانية الوطنية للنفط، وأوقاف الإمام رضا في مدينة مشهد المقدسة، شمال شرقي طهران.
معنى الثورة
ويجب أن يأخذ التحليل العميق للحرس الثوري في اعتباره عددا من الحقائق. أولا: الحرس الثوري ليس جيشا ثوريا بالمعنى الذي كان عليه جيش التحرير الوطني الجزائري أو جيش جبهة التحرير الوطنية (فيتكونغ). فقد ولد هذان الجيشان خلال الحروب الثورية ثم أصبحا لاعبين رئيسيين بها. ويستطيع كلاهما الادعاء بأنهما حققا انتصارات في المعركة ومن ثم حصلا على موقع مهيمن في الأنظمة الثورية الناشئة.
أما الحرس الثوري فقد نشأ بعد أن نجحت الثورة الخمينية. ولهذه الحقيقة أهمية بالغة. فقد حصلت الثورة الخمينية على السلطة بعد صراع قصير استغرق أربعة أشهر فقط لعبت خلالها المظاهرات في الشوارع دورا حيويا وليس الصراع المسلح. وفي الحالات القليلة التي تدخلت فيها الجماعات المسلحة لصالح الثورة، كانت المبادرة للمنظمات اليسارية التي اختلفت مع الخميني في المراحل الأولية من حكمه.
ويأتي من انضموا إلى الحرس الثوري من مختلف أنواع الخلفيات، إذ إن معظم الذين التحقوا بالحرس الثوري التحقوا به سعيا وراء المصالح. فبالانضمام للحرس الثوري، لا يحصلون فقط على الصفة الثورية، شكليا، ولكنهم يضمنون أيضا تلقي رواتب جيدة، في وقت أصبح فيه الحصول على فرصة عمل أمرا صعبا في ظل الانهيار الاقتصادي الذي شهدته البلاد. ومن ثم، انضم عدد كبير من أفراد الجيش النظامي التابع للشاه إلى قوات الحرس الثوري إلى جانب عدد من الماركسيين السابقين أو عصابات الماركسية الإسلامية.
وقد مكن الانضمام للحرس الثوري الكثير ممن كانوا ينتمون إلى ا-لنظام القديم من إعادة كتابة سيرتهم الذاتية والحصول على «البراءة الثورية». كما كانت عضوية الحرس الثوري تمكن أعضاءه من الوصول إلى البضائع النادرة والخدمات، بداية من التلفزيونات الملونة إلى المساكن رفيعة المستوى. ومع مرور السنين، أثبتت عضوية الحرس الثوري أنها مسار مختصر للنجاح الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. ففي الوقت الراهن، نصف وزراء الرئيس محمود أحمدي نجاد هم من الأعضاء السابقين في الحرس الثوري، حتى إن الرئيس نفسه كان عضوا بالفرقة الهندسية بالحرس الثوري في الثمانينات. كما يحتل الأعضاء السابقون بالحرس الثوري ثلث المقاعد في المجلس الاستشاري الإسلامي (المجلس)، المجلس الوهمي الذي أسسه الخميني في 1979. وهناك 20 محافظا من محافظي المحافظات الإيرانية الاثنتين والثلاثين من الحرس الثوري. كما بدأ أعضاء الحرس الثوري أيضا يحتلون مناصب رئيسية في السلك الدبلوماسي، حتى إن سفراء الجمهورية الإسلامية يحتلون العديد من المواقع ذات الأهمية مثل الأمم المتحدة بنيويورك والسفارات في أكثر من عشر عواصم غربية هم من الأعضاء السابقين بالحرس الثوري.
كما يُعد الحرس الثوري قوة اقتصادية هائلة، حتى إنه يثقل على السياسة الإيرانية. ففي عام 2004، أشارت تقديرات دراسة أجرتها جامعة طهران إلى أن العائدات السنوية لمشروعات الحرس الثوري تقدر بنحو 12 مليار دولار بإجمالي أرباح صاف يصل إلى 1.9 مليار دولار. ومن المرجح أن تزيد حزمة الخصخصة التي أعدها الرئيس أحمدي نجاد من الأهمية الاقتصادية للحرس الثوري؛ فقد انتهى الحال بمعظم شركات القطاع العام التي طرحت للخصخصة – ويُقدَّر إجمالي قيمتها بنحو 18 مليار دولار- انتهى بها الحال في أيدي الحرس الثوري الإيراني وقياداته.
واسطة العقد
ويعد البرنامج النووي الإيراني هو جوهرة التاج في الإمبراطورية المالية للحرس الثوري وهو البرنامج الذي كلف البلاد ما يزيد على 10 مليارات دولار حتى الآن. ونظريا، يفترض أن البرنامج النووي مصمم لأغراض سلمية بما في ذلك إنتاج الكهرباء، ويخضع للمنظمة الإيرانية للطاقة النووية والتي يعين رئيس الجمهورية رئيسها. ولكن في الواقع، ومن المنظور الاستراتيجي للإنتاج والإدارة، يشرف الحرس الثوري على البرنامج تحت سلطة «المرشد الأعلى».
ويمثل البرنامج النووي مجرد جزء من برنامج أكبر لشراء الأسلحة وتصنيعها والذي يمثل في مجمله نحو 11 في المائة من الموازنة الوطنية السنوية. وكانت إيران قد بدأت صناعة السلاح في الستينات، وعند اندلاع الثورة، كانت تصنع عددا من الأسلحة بما في ذلك دبابة بريطانية وصاروخ فرنسي قصير المدى. ومنذ ذلك الوقت، وعلى الرغم من العقوبات المفروضة من قبل القوى الغربية، نجح الحرس الثوري في توسيع صناعة السلاح التي تنتج الآن نطاقا واسعا من الأسلحة بما في ذلك زوارق الهجوم الصغيرة، والطائرات دون طيار، والغواصات الصغيرة المستخدمة في غرس الألغام في المياه العميقة. وفي عام 2010، كانت إيران تصدر عددا من الأسلحة إلى 22 دولة في جميع أنحاء العالم.
وقد أولت صناعة السلاح الإيرانية تركيزا خاصا لتصميم وتصنيع الصواريخ بمساعدة علمية وفنية من العديد من البلدان بما في ذلك الهند، والصين، وروسيا، وكوريا الشمالية، والبرازيل، وجنوب أفريقيا. واستطاعت بالفعل تصنيع عدة أجيال من صواريخ الشهاب ونشرها في إطار الإجراءات الروتينية لترسانة السلاح الإيرانية. وكان أحدث تلك الأجيال هو شهاب 5 والذي يتجاوز مداه 2000 كيلومتر ومصمم للوصول إلى أهداف في أوروبا.
[blockquote]
[caption id="attachment_55241484" align="alignleft" width="298"] محمد علي جعفري[/caption]
الحرس الثوري الإيراني
- الإسم: "سپاه پاسداران انقلاب اسلامی" ("جيش حرس الثورة الإسلامية")
- أسس بمرسوم أصدره آية الله الخميني في الخامس من مايو/أيار 1979 إبان عهد حكومة مهدی بازرگان الانتقالية لمساعدة النظام الجديد على بسط السيطرة على النظام
- قسم من المؤسسة العسكرية مواز للجيش ومكمل له (الفصل الـ150 من الدستور الإيراني)
- هدفه: حماية النظام الإيراني والحفاظ على الأمن الداخلي
- من مهامه: مكافحة التهريب ومراقبة مضيق هرمز جنوبي الخليج وعمليات المقاومة كما من مهامه الإشراف على عمليات صد كل هجوم على منشآت إيران النووية من مياه الخليج
- قوامه 125 الف جندي 100 ألف من المشاة و20 ألفا من البحرية وسلاح الطيران و5 آلاف من مشاة البحرية إضافة إلى السلاح الصاروخي
- يشرف الحرس على ميليشيا "الباسدج" ("قوات المقاومة والتعبئة" وتضم حوالي 300 ألف متطوع 90 ألفا منهم في الخدمة والباقي احتياط)، «فيلق القدس» (وتتراوح التقديرات بعدد أفرادها ما بين ألفي عنصر وحوالي 50 ألفا – 12 ألفا حسب أدق التقديرات) وتقتصر مهامها على تنفيذ عمليات خارج إيران، وفيلق أنصار المهدي وهو مكلف بحماية كبار قادة إيران (باستثناء المرشد الأعلى) وأعضاء البرلمان
- رئيس الأركان: محمد علي جعفري (عين خلفا ليحيى رحيم صفوي الذي أقيل سنة 2007)
- في سنة 2008 تقرر إدخال تعديلات على الحرس حتى يصير مكونا من 31 فيلقا (فيلق لكل محافظة من محافظات إيران الـ30 باستثناء محافظة طهران التي سيخصص لها فيلقان)، وأن يصبح لسلاح الصواريخ قيادة منفصلة
- يعتقد أن "تحالف بناة إيران الإسلامية" ("ائتلاف آبادگران ایران اسلامی" وهو تجمع يضم حركات ومجموعات سياسية محافظة) هو الواجهة السياسية للحرس الثوري، كما يُعتقد أن هذه المؤسسة العسكرية هي ثالث أغنى مؤسسة في إيران بعد شركة البترول الوطنية الإيرانية وووقف الإمام رضا
[/blockquote]
ويعد الحرس الثوري من كبار اللاعبين في صناعة البناء الإيرانية حيث حصل على العديد من كبرى عقود القطاع الخاص. ويتم ذلك عبر شركة للبناء والاستشارات الفنية معروفة باسم «خاتم الأنبياء»، وقامت ببناء آلاف الكيلومترات من خطوط السكة الحديد والطرق السريعة، كما كانت تعمل شريكا رئيسيا في بناء المطارات والموانئ البحرية ومشروعات الإسكان العملاقة. وفي عام 2010، فازت الشركة بعقد قيمته عدة مليارات من الدولات لبناء ست مصافي بترول جديدة لسد العجز الذي خلفه الحظر المفروض من قبل القوى الغربية على صادرات منتجات البترول المكررة إلى إيران. وللحرس الثوري أساليبه الخاصة لاستيراد البضائع من كافة أنحاء العالم كما أنه يدير منشآت الموانئ في الخليج، وبحر قزوين وبحر عمان دون الخضوع للإجراءات الجمركية العادية. وفي المناطق الحرة الموجودة في عدد من جزر الخليج، يعمل الحرس الثوري دون أي رقابة من الحكومة الإيرانية. ووفقا للتقديرات التي ذكرتها صحيفة طهران اليومية «شرق» فإن نحو 600 ألف نسمة من جميع أنحاء البلاد يعملون في مشروعات يمتلكها الحرس الثوري أو يسيطر عليها وهو ما يجعل الحرس الثوري ثاني أكبر صاحب عمل في البلاد بعد الحكومة نفسها.
تصدير الثورة وتحقيق الثروة
كما يهيمن الحرس الثوري أيضا على المشروعات المربحة لـ«تصدير الثورة» والتي يقدر أنها تعادل 1.2 مليار دولار سنويا. وهو يمول حركة حزب الله في 20 دولة على الأقل، بما في ذلك أوروبا، كما أنه يوفر المال والسلاح والتدريب للجماعات الراديكالية ذات الخلفية اليسارية والتي من بينها «القوات المسلحة الثورية الكولومبية» و«الدرب المضيء» في بيرو. كما يلعب الحرس الثوري أيضا دورا مركزيا في علاقات إيران مع عدد من الأنظمة ذات الاتجاه اليساري كتلك التي في فنزويلا والأكوادور ونيكاراغوا وبوليفيا وكوبا وكوريا الشمالية.
وفي السنوات الأخيرة، ظهر الحرس الثوري كداعم رئيسي للجناح المسلح من الحركة الفلسطينية بما في ذلك حماس، والجهاد الإسلامي لتحرير فلسطين. كما يهيمن الحرس الثوري أيضا على عدد من الجماعات المسلحة سواء من السنة أو الشيعة في العراق، وأفغانستان، وباكستان. وفي نزاع غزة الذي نشب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، أُطلقت صواريخ فجر 5 التي صنعها الحرس الثوري وقدمها للجهاد الإسلامي وحماس والتي استهدفت أهدافا في تل أبيب والقدس.
ويعد «فيلق القدس» القاطرة التي يصدر الحرس الثوري بها الثورة، وهو وحدة تتكون من 15 ألف رجل وامرأة دُربوا بعناية وهم متخصصون في «العمليات الاستشهادية». وقد استثمرت الجمهورية الإسلامية 20 مليار دولار في لبنان منذ 1983. وفي معظم الحالات، يهيمن الفرع اللبناني من حزب الله على الشركات المعنية. وبنظرة فاحصة، نجد أن هذه الشركات اللبنانية هي جبهات للمصالح الإيرانية التي يهيمن عليها الحرس الثوري في معظم الحالات.
كما وفرت الثورة السورية وما تبعها من حرب مدنية بدأت في 2011 للحرس الثوري، بفيلق القدس، دورا مركزيا يؤديه في أزمة خارجية كبرى. فوفقا لمصادر في طهران، كان قائد فيلق القدس، الجنرال قاسم سليماني دائم التردد على دمشق لتقديم الإرشاد والعون لحكومة سوريا المأزومة. وفي 18 نوفمبر 2012، ذكرت صحيفة «كيهان» في طهران أن آلاف «المقاتلين العلويين المخلصين» كانوا يُدريبون على يد الحرس الثوري بمشاركة فرعه اللبناني، حزب الله. وقبل بداية الأزمة، كانت هناك تقارير أشارت إلى أن الحرس الثوري سوف ينشئ مكتبا «للتنسيق الدفاعي» في دمشق بالتعاون مع 300 فرد من الجيش.
ويحتل الحرس الثوري مكانة مرموقة في الإدارة الإيرانية. إذ يوجد ممثلون للحرس الثوري في كافة المؤسسات الحكومية تقريبا ودائما ما يستعرض قوته بما يفوق الحدود النظرية التي يحددها القانون. كما يلعب دورا محوريا في شبكة الجمهورية الإسلامية الواسعة من الاستخبارات والهيئات الأمنية. ويحتل الأعضاء السابقون بالحرس الثوري مراكز مرموقة في وزارة الاستخبارات والأمن التي تخضع نظريا لسلطة الرئيس ولكنها تخضع فعليا إلى المرشد الأعلى. بالإضافة إلى أن الحرس الثوري يهيمن على هيئتين أمنيتين؛ إحداهما تتعامل مع الشؤون الداخلية، فيما تعالج الثانية الاستخبارات الأجنبية.
قوة وازنة أم حاكمة؟
فهل يمكن اعتبار الحرس الثوري بحضوره الطاغي في كافة قطاعات الإدارة الإيرانية ومشروعاتها القوة الحاكمة فعليا في الجمهورية الإسلامية؟ وما مدى واقعية سيناريوهات التغيير بناء على الافتراض بأن الحرس الثوري ربما يقوم في يوم من الأيام بانقلاب ويهيمن على نحو مباشر على السلطة في إيران؟
أولا: دعونا نفحص السؤال الأول
ربما يكون الحضور الطاغي للحرس الثوري مضللا. فنحن نتعامل مع مجرد فرع وليس منظمة لها إدارة مركزية يمكن تحريك كل أجزائها لتحقيق غرض واحد في وقت محدد. فحتى عدة أعوام ماضية، كان الحرس الثوري يدار كوزارة تحت إشراف رئيس الوزراء. ومع إلغاء الوزارة، نُقِل معظم شؤونه إلى وزارة الدفاع والتي تمثل القوات المسلحة النظامية. ولا حاجة للقول بأن القوات المسلحة النظامية لديها ثقافة عسكرية وسياسية مختلفة تماما عن الحرس الثوري وتنظر لأعضائه باعتبارهم محدثين إن لم يكونوا دخلاء. وقد أخفقت المساعي لدمج الحرس الثوري مع القوات المسلحة النظامية، مما أدى إلى وضع غريب أصبح فيه لدى إيران جيشان وهو ما يعكس حالة الفُصام التي تهيمن عليها بين كونها دولة وكونها ثورة. والفارق هو أن القوات المسلحة النظامية، بما في ذلك القوات الجوية والبحرية تتمركز حول إدارة مركزية وتدير منظمة لها مهمة واضحة في الدفاع عن البلاد ضد العدوان الأجنبي. ولا يتمتع الحرس الثوري بمثل ذلك الوضوح في المهمة، فمن المفترض أن يعمل كقوة أمن داخلية، وكمنظمة استخباراتية، وكشركة تجارية وكقاطرة للعمليات الإرهابية بالخارج. وينعكس ذلك الارتباك في المهمة في بنيته المعيبة. إذ ينقسم الحرس الثوري إلى خمس إدارات لكل منها خط اتصال مباشر مع آية الله خامنئي. وهو ما يمنع خلق عقيدة قومية من دونها لا تستطيع أي قوات مسلحة أن تطور ثقافة مشتركة ومن ثم تحصل على القدرة على التأثير في سياسة الأمة. ولتقليل خطر قيامها بانقلاب، لا يسمح لكبار ضباط الحرس الثوري بالتواصل «المستمر» مع بعضهم البعض بشأن «الموضوعات الحساسة». ومن بين هؤلاء القادة الخمسة، هناك اثنان عَدَّتهم وزارة الخارجية الأميركية إرهابيين، وهو ما ترفضه بالطبع الجمهورية الإسلامية.
[blockquote]
[caption id="attachment_55241486" align="alignleft" width="220"] قاسم سليماني[/caption]
فيلق القدس.. المهمة: تصدير الثورة!
««فيلق القدس»، يقوده الجنرال قاسم سليماني، هو الفرع الخارجي لقوات الحرس الثوري الإيراني، وأقوى أجنحة هذا الجهاز شبه العسكري والأقوى نفوذا في إيران، ونظرا لطبيعة التنظيم المخابراتي له فليس هناك تاريخ علني لإنشائه، مما جعل كثيرا من الروايات تنسج حول ذلك، منها ما يقول إنه تم تشكيله أواخر عهد الخميني بهدف مطاردة الشخصيات والقوى المعارضة داخل البلاد وخارجها، وروايات أخرى تقول إنه قد تشكل إبان الحرب العراقية - الإيرانية (1980– 1988)، وإن نشاطاته قد تطورت تدريجيا، وتغيرت وظائفه وحدود مسؤولياته خلال السنوات الأخيرة خاصة بعد الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق، بحيث أصبح اليوم مسؤولا عن شؤون العراق وأفغانستان والبلدان العربية والإسلامية في ما يتعلق بالحرب غير المباشرة مع الولايات المتحدة.
ويشير محللون غربيون إلى تورط «فيلق القدس» في عدد كبير من العمليات السرية حول العالم مثل تفجيرات المركز الثقافي اليهودي في بيونس آيريس عام 1994، ومساعدة الجماعات المسلحة الشيعية في العراق، وفي تسليح حركة طالبان في أفغانستان.
كما ينظر للفيلق على أنه يأتي على قمة الشبكة العسكرية والصناعية للحرس الإيراني الثوري، الذي يدافع عن رجال الدين الشيعة الذين يحكمون إيران ويسيطرون على السلطة.
وتشير تقارير إلى أن «فيلق القدس» يضم حاليا 12 ألف عنصر، ويدير عددا من مراكز التدريب داخل وخارج إيران خاصة في أفغانستان، ولبنان، والسودان، والعراق. وفي أغسطس (آب) من العام الماضي، افتتح «فيلق القدس» مركزا في سوريا، بقيادة الجنرال محمد رضا زاهيدي، الذي أوكل إليه مهمة تدريب القوات السورية في محاولة للسيطرة على الحشود وترهيب المعارضين للرئيس بشار الأسد.
ومهمة الفيلق المعلنة هي «تصدير الثورة» للعالم، أما شعاره فهو «في طريقنا إلى القدس عبر بغداد»، والفكرة الأساسية أن القدس سوف تحرر وإسرائيل سوف تمحى من الخريطة، فالهدف إذن هو أن تنتشر الثورة الخمينية خارج منطقة الشرق الأوسط، أي في العالم بأسره، مع الهدف الأسمى بالنسبة إلى هذه الفرقة وهو تدمير الولايات المتحدة وإزالتها من الوجود.
[/blockquote]
الإدارة الأولى من إدارات الحرس الثوري هي المسؤولة عن فيلق القدس الذي كان يشن حربا مباشرة ضد الولايات المتحدة وقوات التحالف في العراق حتى عام 2011 وفي أفغانستان. وبعيدا عن حزب الله وحماس، فإنها تدير أيضا عددا من الجماعات الراديكالية في جميع أنحاء العالم.
وتعمل الإدارة الثانية على توفير القمع الداخلي، فهي تعمل عبر عدد من القوات الثانوية بما في ذلك كتائب كربلاء سيئة السمعة، وعاشوراء، والزهراء، والمتهمة بقمع الثورات الشعبية. وينظر إليها العديد من الإيرانيين باعتبارها آلات إرهابية.
وباعتباره موازيا للجيش النظامي، للحرس الثوري قواه البرية، والبحرية، والجوية. كما أنه يهيمن على ما يعرف باسم «الباسيج»، وهي قوات متطرفة شبه تطوعية تتكون من 90 ألف مقاتل- يمكن تطويرها لتشمل 11 مليونا وفقا لقائدها اللواء محمد حجازي. ويتكون قوام قوات الحرس الثوري نفسها من 125 ألف رجل. ويتراوح عدد ضباطه بما في ذلك المتقاعدين، حوالي 55 ألفا وهم منقسمون فيما يتعلق بالسياسات المحلية والخارجية على غرار باقي المجتمع.
منافع شخصية
وقد فر بالفعل عدد من القادة السابقين في الحرس الثوري والذين لا يشاركون الجمهورية الإسلامية أهدافها ضد الولايات المتحدة. فيما اتجه المئات منهم إلى أنواع أقل من النفي فتحول معظمهم إلى العمل كرجال أعمال في الإمارات وماليزيا وتركيا. وجرى التخلص من عدد غير معروف ممن رفضوا قتل المتظاهرين المعارضين للنظام في المدن الإيرانية.
ويمكن اعتبار العديد من القادة المرموقين في الحرس الثوري رجال أعمال أولا، ثم قادة عسكريين. وعادة، يكون لديهم أخ أو ابن عم في أوروبا أو كندا ليعتني بأعمالهم ويوفر لهم نافذة مفتوحة في حالة انهيار النظام.
وهناك عدد من القادة بالحرس الثوري، بمن فيهم بعض القيادات العليا، لا يفضلون النزاع مع الولايات المتحدة لأن ذلك يمكن أن يهدد إمبراطوريتهم المالية دون أن يوفر لهم فرصة الانتصار في المعركة. وبالفعل، ليس هناك ما يضمن، في حالة اندلاع حرب كبرى، أن تظهر كافة قطاعات الحرس الثوري نفس الدرجة من الالتزام تجاه النظام. فربما يكون قادة الحرس الثوري قد أُعدوا لقتل الإيرانيين العزل أو لاستئجار راديكاليين لبنانيين وفلسطينيين وعراقيين لقتل غيرهم. ولكن ليس مؤكدا ما إذا كانوا مستعدين للموت من أجل مجد خامنئي. في 2008، دفعت تلك المخاوف خامنئي لإنشاء لجنة للتخطيط الدفاعي يديرها مكتبه.
كما أن صبغة أعضاء الحرس الثوري على إطلاقهم باعتبارهم إرهابيين، بغرض مطاردة عناصره، يخيف الشعب الإيراني وغيره سواء في المنطقة أو خارجها، وهو ما سيؤتي نتائج عكس المرجوة. ففي الحقيقة قد يوحد ربما القوات المنقسمة والتي يمكن أن تنقسم إلى العديد من الأجزاء إذا ما كان هناك حافز ملائم.
ولا يجب أن يجعلنا شعار الحرس الثوري المعلق على العديد من فروع المشروعات والإدارات الإيرانية نعتقد أن الحرس الثوري هو قوة موحدة يهيمن على الجمهورية الإسلامية. بل إنه، منذ الانتفاضة في صيف 2009، لم يُختبر ولاء الحرس الثوري لنظام الخميني في الحياة الحقيقية. فقد كان الباسيج، الذي يخضع لهيمنة خامنئي من خلال مستشاريه العسكريين، هم الذين قادوا قمع «الحركة الخضراء». فقد أنشئ الحرس الثوري، لأن الملالي لا يثقون ويتخوفون من القوات المسلحة النظامية. وأنشئ الباسيج لأن الملالي لم يكونوا متأكدين من أنهم يستطيعون الاعتماد على الحرس الثوري في الدفاع عن النظام.
بلد الانقلابات البيضاء
ولكن ما مدى واقعية احتمال أن يقوم الحرس الثوري بانقلاب؟ وفقا لأفضل المعلومات المتاحة حاليا، فإن هذا الاحتمال مستبعد. لأن الحرس الثوري ليس قوة موحدة ولا يمكنه وضع خطط أو تنفيذ مشروع سياسي كبير تحت قيادة مركزية. والأكثر أهمية، أنه لا توجد سابقة للانقلابات العسكرية في التاريخ الإيراني. فقد صُنف تغيير الحكومة في عام 1921 إبان عهد أحمد شاه خطأ على أنه انقلاب. وهذا الحدث الذي تزعمه الصحافي سيد زيد الدين طباطبائي هو الذي ألهم لاحقا بنيتو موسوليني في روما عام 1922.
وباستخدام لواء القوزاق عند بوابات طهران كتهديد، أقنع سيد ضياء، أحمد شاه بتعيينه كرئيس للوزراء بكامل الصلاحيات. ولكن التغيير الدرامي للحكومة لم يشتمل على أي عملية مسلحة كما أنه لم يسفر عن إراقة الدماء. فهو لم يؤدِ إلى تغيير النظام من قبيل خلع الملكية أو تغيير دستور البلاد. فما حدث عام 1921 يمكن اعتباره في أفضل الأحوال انقلابا لعب به لواء القوزاق دورا ثانويا. وبالمثل، كان تغيير رئيس الوزراء عام 1953، عندما فصل الشاه محمد مصدق وعين فضل الله زهدي في محله، فقد اعتبر الأمر خطأ انقلابا عسكريا. وهنا أيضا لم يلعب الجيش دورا، فقد كان الصراع على السلطة يدور بين مؤيدي مصدق ومؤيدي الشاه وحُسم في شوارع طهران حيث تقاتلت الجماهير المتخاصمة. وبخلاف العديد من الدول النامية، لم يحكم الجيش إيران أبدا، على الرغم من أن القوات المسلحة كانت تلعب دائما دورا محوريا في حكومة البلاد.
وعلى الرغم من أن الأساطير تحيط بقوات الحرس الثوري، فإن إمكانية حدوث استيلاء عسكري على السلطة في إيران هو احتمال مستبعد. فما زالت القوات المسلحة النظامية تحافظ على التقاليد العريقة من عدم التدخل في السياسة. ومن جهة أخرى، فإن الحرس الثوري يتدخل في السياسة ولكنه لا يفعل ذلك باعتباره كتلة واحدة. ويعبر العديد من القادة عن آراء متعارضة حتى فيما يتعلق بالقضايا الحساسة كاحتمال قيام حرب مع الولايات المتحدة. ومن الأمثلة المهمة على ذلك التنوع في الآراء ما حدث في صيف 2012. فبينما حذر القائد العام للحرس الثوري، محمد علي عزيز جعفري في سلسلة من الخطب العامة والحوارات، من «حرب وشيكة» مع الولايات المتحدة، انتقد رئيس أركان القوات المسلحة -وتعد المسؤولة نظريا عن قوات الحرس الثوري- الجنرال حسن فيروزآبادي على النقيض «من ينشرون شائعات حول الحرب» ودعا «إلى الكف عن التصريحات التي يمكنها إثارة المخاوف في البلاد».
وفيما يتعلق بكافة القضايا السياسية الكبرى، تنعكس الانقسامات العميقة في المجتمع الإيراني على الحرس الثوري. ففيما تعد إيران للانتخابات الرئاسية القادمة في يونيو (حزيران) 2013، انقسم الحرس الثوري بالفعل بين المؤيدين للمرشحين المختلفين؛ فهناك عدد من المرشحين المحتملين هم أعضاء سابقون في الحرس الثوري. ولكن ذلك لا يعني أنهم يعكسون رؤى ومصالح الحرس الثوري. إذ يدعي منتقدو النظام بمن فيهم رئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي أن الحرس الثوري تحول إلى حزب سياسي «يعتمد على الثكنات». وذلك ليس صحيحا سوى بشكل جزئي. ففي الانتخابات الرئاسية التي أجريت عام 2005، أيد الحرس الثوري ثلاثة مرشحين مختلفين، من بينهم محمود أحمدي نجاد. وفي عام 2009، أيدت معظم فصائل الحرس الثوري أحمدي نجاد لأنهم كانوا يرغبون في منع فوز موسوي. ومع ذلك، لم ينبع ذلك الموقف من إملاءات القيادات العليا في الحرس الثوري ولكنه جاء بناء على قرار خامنئي الذي اعتبر أن الانتصار المحتمل لموسوي هو تهديد لسلطته الخاصة. فقد ثارت ثلاث أساطير حول الحرس الثوري وهي أنه قوة موحدة، وأنه الحكومة الفاعلة لإيران وأنه من المحتمل أن يقوم بانقلاب عسكري في المستقبل. ولكن لفهم الحرس الثوري والدور الذي يلعبه والذي يمكن أن يلعبه في المستقبل علينا أن نذهب أبعد من أسطورة القوة الثلاثية.