
وأكد بوهندي أن دعم وزارة الثقافة من شأنه أن "يسهم في خلق جسور ثقافية عربية منفتحة على آفاق فكرية وأدبية واسعة وممتدة "، كما أثنى على "الجهود التي لا تزال مستمرة من أجل انجاح هذا المؤتمر بتوجيه من وزيرة الثقافة".
وأشار إلى أهم الفعاليات التي ستقام خلال المؤتمر، بمركز عيسى الثقافي وجامعة الخليج، ومن أهمها الملتقى الأدبي والملتقى الفكري، اللذان سيحتفيان بعلمين بحرينيين أسهما في تدشين الحراك الأدبي والفكري في مملكة البحرين، وكان لهما كبير الأثر على الصعد الخليجية والعربية والدولية، وهما المفكر البحريني والعربي المعروف الدكتور محمد جابر الأنصاري، والأديب الكبير الراحل إبراهيم العريض، بوصفه أديبا أثرى الحركة الشعرية والأدبية في مملكة البحرين وخارجها.
وفي تعليقه على هذا الحدث يقول الناقد الدكتور عبد القادر فيدوح أحد المشاركين في الملتقى من جامعة البحرين، في حديثه لــ "المجلة" إن "ما يميز هذا الحدث هو حرص البحرين على أهمية التواصل الثقافي، لما في هذا التواصل من ربط جسور الحوار والفهم المشترك، وتعزيز التنوع الثقافي بوصفه مسارا ضروريا لبناء صروح الوطن، وتمكين تطلعات الأجيال مما يخدم المجتمع وبناء الوطن".
مشيرا الى أن "المؤسسات الثقافية وعلى رأسها وزارة الثقافة برعاية وزيرة الثقافة الشيخة مي، تسعى إلى إصدار كل ما ينتج من المثقفين والمفكرين رغبة في تشجيعهم ـ من دون استثناء".
يأتي هذا من واقع أن البحرين تولي اهتماما مقدّرا، وأهمية قصوى للإنتاج الثقافي والفكري، بما في ذلك دور الترويج المعرفي داخل المملكة وخارجها بفضل الشيخة مي. ويقول فيدوح "أعتبر أن ما يجري في البحرين من اهتمام بالثقافة يستحق التقدير، لأنه يعد حدثا استثنائيا في خدمته المميزة للثقافة والمثقفين".
وعن محاور مداخلته في الملتقى يقول: "مداخلتي سوف تتناول ظاهرة فنية في شعر إبراهيم العريض وبمنهج حديث جدا، رغبة في تقريب شعر هذا الشاعر العظيم من المناهج الحديثة، وقد حظيت شعريته بالتجربة الذاتية في ماهية الذات، لأن ما شكل قوامه الشعري الرؤيا الخلاقة التي شقت طريقها إلى التزاوج بين الكوني والخيالي، وهما معا كانا يتماهيان في شعر إبراهيم العريض الذي كان عينة متميزة من هذا المنظور، وكان شعره عامراً بالمشاعر الدافئة، وأنه من الشعراء القلائل، في عصره، الذين ربطوا الشعر ببقية الفنون الجميلة، الأمر الذي انعكس على سجيته الشعرية، وصقل ذوقه الفني، وليس ذلك غريبا من شاعر أراد لشعره أن يحمل فكرة الطموح المنبعثة من رغبته في خلق صور فنية تنطلق من رؤيته المتأملة في استشراف عوالم منتظرة التحقق. ولعل صورة الأمل هذه تكاد تكون لازمة في دواوينه، ظاهرا وباطنا، كما تعد محورا جذابا لكل من يرغب في اكتناه تجربته الوجدانية".
حدث ثقافي
* تستضيف أسرة الأدباء والكتاب وبدعم من وزارة الثقافة بالبحرين خلال الفترة ما بين 22- 25 ديسمبر (كانون الأول) الحالي المؤتمر العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب في دورته الــ25، هذا الحدث الثقافي حسب متابعين يعتبر الأبرز في البحرين، وبصفتكم رئيس أسرة الكتاب والأدباء، ما هي دلالات استضافة المملكة لهذا الحدث؟
ـ لقد واكبت الحركة الأدبية في البحرين، مسيرة الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب منذ تأسيسه في أوائل الخمسينات من القرن الماضي. البداية كانت بالمشاركة الفردية بحضور الأديب البحريني الكبير المرحوم ابراهيم العريض، الذي يعتبر واحداً من الأدباء المؤسسين للاتحاد العام. ثم تولت أسرة الأدباء والكتاب مسؤولية تمثيل البحرين في المؤتمرات الأدبية بعد تأسيسها في عام 1969. كنا نحضر المؤتمرات بين عمالقة الأدب في العالم العربي، متطلعين إلى استضافتهم في البحرين، ولكن الظروف لم تكن مهيأة بسبب وجودنا تحت التبعية البريطانية إلى أن تحقق للبحرين استقلالها في أغسطس (آب) عام 1971، عند ذلك بدأنا نفكر في استضافة الأدباء العرب في أحد المؤتمرات بالاعتماد على مواردنا الذاتية بعيداً عن المؤسسة الرسمية، ولكن لم يتحقق لنا توفير ما يكفي من المال إلى أن جاء جلالة الملك حمد بمشروعه الإصلاحي، الذي نقل البحرين إلى الحياة الديمقراطية فتوجه بمشروعه الاصلاحي نحو مؤسسات المجتمع المدني ليمكنها من أداء دورها في خدمة المجتمع الجديد. عند ذلك أصبحت لنا علاقة شراكة في أداء مهمتنا الثقافية بجانب المؤسسة الرسمية فاستضفنا اجتماعاً للمكتب الدائم في عام 2007 صاحبته بعض الفعاليات الأدبية، بمشاركة مجموعة من الأدباء العرب من والبحرين وخارجها. بعد ذلك بدأنا نخطط لاستضافة المؤتمر العام فتقدمنا بطلبنا للأمانة العامة في عام 2010، وتمت الموافقة على دعوتنا في اجتماعات المكتب الدائم التي عقدت في الجزائر في ديسمبر من العام الماضي. لقد أكملنا استعداداتنا لإقامة المؤتمر في الوقت المحدد له (22 ـ 25 ديسمبر) وتأكدت لنا مشاركة كل الدول الأعضاء في الاتحاد فمن المتوقع وصول ما يزيد على 65 مشاركاً من الأدباء العرب إلى البحرين في الأيام القليلة القادمة، وبهذا العدد ستفوق المشاركة في هذا المؤتمر كل المشاركات في المؤتمرات السابقة.
[caption id="attachment_55241112" align="alignleft" width="200"]

في اعتقادي هذا يدل على ثقة الأدباء بأن البحرين ستتمكن من النجاح في تنظيم المؤتمر، وأنها قادرة على توفير كل ما يتطلع إليه المشاركون من أجواء احتفائية، وأنها نظراً لتاريخها الثقافي الممتد منذ بداية عصر النهضة الأدبية والفكرية العربية ستطرح في هذا المؤتمر مواضيع فكرية وأدبية غير مسبوقة.
* الكلمة من أجل الإنسان هو شعار الملتقى لماذا هذا الشعار؟ وما هي قصته؟
"الكلمة من أجل الإنسان" هو الشعار الذي قررت أسرة الأدباء والكتاب أن يكون شعاراً دائماً لها، تأكيداً على التزامها بقضايا الإنسان في كل مراحل وجودها منذ بدايات التأسيس، إلا أنه اختفى بعد مدة وجيزة مع تعاقب التشكيلات الإدارية عليها وتغير القناعات التي رأت فيه ارتباطاً بالمدرسة الواقعية. قررنا إعادة إحيائه بقوة في هذا المؤتمر لقناعتنا باحتوائه مفهوماً إبداعياً شاملاً لا تنتهي صلاحيته بالانتقال من مدرسة أدبية أو فكرية إلى أخرى.
حراك أدبي
* المؤتمر سيحتفي بعلمين بحرينيين أسهما في تدشين الحراك الأدبي والفكري في البحرين، وهما المفكر البحريني والعربي المعروف الدكتور محمد جابر الأنصاري، والأديب الكبير الراحل ابراهيم العريض؟ لماذا تم اختيار هذه الشخصيات تحديدا؟
ـ هذان الرمزان الكبيران علمان بارزان في الحركة الثقافة البحرينية الحديثة. فالعريض، رحمه الله، مدرسة أدبية ولدت من رحم النهضة الثقافية البحرينية المتصلة بالنخبة الرائدة في الفكر والأدب العربي، والتي أحيت الروح الثقافية العربية بالتفاعل مع التراث الإبداعي الإنساني في مطلع القرن العشرين من القرن الماضي، خصوصاً ما انتقل إلينا منه مع الانفتاح على الغرب في مرحلة الهيمنة الاستعمارية على البلدان العربية. والأنصاري مدرسة فكرية نشأت في أحضان تلك الإرهاصات الإبداعية في الفكر القومي العربي، الذي كان شعلة نضال الشعب العربي في مسيرة التحرر من تلك الهيمنة الاستعمارية. تأسست حركتنا الأدبية الشابة في منتصف الستينات من القرن الماضي، يتقدمها الدكتور محمد جابر الأنصاري مفكراً عروبياً ملتزماً بروح القومية العربية وأديباً بحرينياً يغترف مما أبدعه الرواد البحرينيون في الأدب ومنهم العريض، بجانب ما يغترفه من نهر الإبداع العربي في الأدب. لقد كان العريض مثالاً رائداً لنا على مستوى الأدب بينما كان الأنصاري مثالاً رائداً لنا في الفكر، فكان الأول ملهماً لنا في الوصول إلى جذورنا الأدبية بجانب التعرف على المدارس الأدبية المنتشرة في الغرب. بينما كان الأنصاري رائداً لنا في الفكر، وقائداً مؤسساً ومقيماً بنقده الإبداعي في حركتنا الأدبية الحديثة. من هنا يأتي اختيارنا للعريض والأنصاري للاحتفاء بهما بوجود حشد من الأدباء العرب الذين عرفوهما مبدعين بحرينيين في الفكر والأدب، وعرفوا بهما أن ما تنجبه البحرين من اللآلئ فوق أرضها أثمن مما يسكن الأعماق في بحرها.
[caption id="attachment_55241113" align="alignleft" width="200"]

* المؤتمر سيناقش واقع الأدب العربي تحدياته ورهاناته المستقبلية، بصفتكم شاعرا ورئيس أسرة أدباء البحرين، ومطلعا على واقع الأدب بشكل عام في البحرين وفي العالم العربي، هل بإمكانك أن ترسم لنا صورة لهذا الواقع في البحرين أولا، ثم العالم العربي، وما هي هم أهم نقاط الارتباط والتباعد بين أدباء البحرين ونظرائهم في العالم العربي؟
ـ ربما أكون قد ألقيت بعض الضوء على الارتباط بين الأدباء البحرينيين وإخوانهم في العالم العربي، من خلال ما ذكرته عن أثر العريض والأنصاري على الحركة الأدبية في البحرين. فبالعودة إلى ما قلته سابقاً أستطيع أن أجزم بأن اللغة أولاً وقبل كل شيء، هي ذلك العنصر الحي في علاقة الارتباط والتفاعل بين المبدعين بها، وبقدر الوعي بأهمية استمرار حياتها تكون أهمية بقاء علاقة الارتباط مع المبدعين فيها أكثر إلحاحاً عند من يريد استمرار العلاقة التفاعلية مع الآخر في الإيصال والتلقي. وهنا أجدني أقف أمام حالة تختلف عن تلك التي ربطت العريض والأنصاري بالأدباء والمفكرين الذين أثروا في المسيرة الإبداعية لكل منهما من جهة والعلاقة التي ربطتنا بهما كمتلقين لإبداعاتهما من جهة ثانية. لقد كان الإبداع باللغة متواشجاً مع الإبداع فيها ضمن علاقة الإيصال والتلقي في حالة يعيشها الأديب ملتصقاً بواقعه في مشاعره عن مشاعره المتوجهة من ذاته الفردية إلى ذاته الجماعية. أما اليوم، في ظل النخبوية الأدبية، بانكفاء المبدع على ذاته بالدخول في الحداثة وما بعدها كمن يترجم حرفياً نصّاً إبداعياً دون استلهامه كما استلهم رامي رباعيات الخيام فأبدع، فإن الفعل الأدبي يظل محصوراً بعيداً عن واقعه بين المبدع ومريديه. هذه الحالة لا بد أن تستدعي شعارات مثل الشعار الذي أطلقناه على هذا المؤتمر "الكلمة من أجل الإنسان".
قضايا ملحة
* القصة في الأدب العالمي، تشكل مادة فكرية يطرح عبرها الكاتب قضايا ملحة وبالغة الخطورة، ودور الكاتب هنا لا يختلف عن دور المثقف الموضوعي المرتبط بواقع شعبه، كيف ترى العلاقة التي تربط الأديب العربي بواقعه وبواقع وهموم ومعاناة القارئ العربي؟
ـ في الأدب العربي ما زالت الأعمال السردية، خصوصاً الروائية منها، أكثر قرباً من الواقع الذي يبدع فيه كاتبها، بالرغم من تطورها باستيعاب الأشكال والأدوات الأدبية والفنية الأخرى. فاللغة فيها ارتقت إلى الإبداع الشعري والشخوص تبنى بخلفية استوعبت الحالة الإنسانية بكل ما تحمله من قيم بعيداً عن النمطية الجافة، التي كان يتحكم فيها الوعي بحتمية بقائها في خط مستقيم على نمط أراده الكاتب لها، والمشاهد التي تجري فيها الأحداث أيضاً خرجت إلى الفضاء الفسيح بخلفية سينمائية وتشكيلية وغيرها من المؤثرات في المشاهد التي يرسمها المبدع. من وجهة نظري أن بقاء هذا النوع من الأدب قريباً من الواقع هو ارتباط المتخيل بالأمكنة التي تتحرك فيها الشخوص المستوحاة من حركة الحياة اليومية تصوغ الأحداث في مخيلة المبدع. من هنا تكون القصة أو الرواية مرتبطة بقارئها لتمثل الشخوص القريبة من واقعه أمامه فيكون لها فعل التأثير بالمعايشة مع أحداثها بإسقاط ما يستلهمه منها على حالة شخصية يعيشها أو يعيش معها في تخيل فعلها أو استدعائها من الذاكرة.
[caption id="attachment_55241114" align="alignleft" width="200"]

* قديما قال ابن خلدون جملته العبقرية التي نعيش صحتها كل يوم "لغة الأمة الغالبة غالبة، ولغة الأمة المغلوبة مغلوبة"، اللغة العربية ــ حسب البعض ــ تعاني من حالة تكلس تشكل خطورة على مستقبلها ومكانتها بين اللغات الحية في العالم، وما أوجدته مجامع اللغة غير مفهوم ولا يلائم الحياة العملية، وهذا يبرز في القطيعة الآخذة بالاتساع بين واقعنا اللغوي، وواقع المستوى الثقافي – الاجتماعي السائد في المجتمعات غير العربي؟ كيف تعلق على هذا؟
ـ مع انطلاقة صحوة الروح العربية على يد الرواد في مطلع القرن العشرين، كان هناك حراك ثقافي شمل كل مناحي الحياة في الدول التي بدأت منها تلك الانطلاقة خصوصاً مصر. فكان ذلك الحراك التنويري يستنهض الأمة لتكسر قيود جمودها في الماضي فتنطلق إلى قلب الحاضر باستنباط ما يقترب منه في تراثها الروحي والفكري واللغوي. فانتعشت روح اللغة بإحياء ذلك التراث الإبداعي في الفكر والأدب بعد أن طمس بيننا في القرون السابقة ليعود إلينا مترجماً أو مستلهماً في إبداع أجنبي مع استخراج الدلالات من لغتنا لتوصيل معنى ما استجد على الحياة في الواقع من فعل التلاقح الثقافي بعد الانفتاح على الشعوب الأخرى خصوصاً الغربية منها. أما اليوم في ظل هيمنة فكر التكفير والتحريم والدعوة للعودة إلى الجمود مرة أخرى فكل ما تم إبداعه واستلهامه بانعكاسه على الحياة في تلك الصحوة، وكل ما يأتي به الخلف بعيداً عن حياة السلف حرام وضلالة. أعتقد أن استمرار هيمنة فكر الجمود في الماضي ستفاقم حالة الجمود في اللغة، وقد تؤدي إلى اندثارها إذا تركنا ما هو سائد في حياتنا اليومية من تداول ما ينتج عن الحداثة والتطور من المستجدات بمسمياتها الأجنبية.