ناثان براون: القضاء المصري يحتاج إلى إصلاحات عاجلة

ناثان براون: القضاء المصري يحتاج إلى إصلاحات عاجلة

[caption id="attachment_55237165" align="aligncenter" width="620"]ناثان براون ناثان براون[/caption]


البروفسور ناثان براون، أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن يرى أنه على الرغم من فوز حركات الاسلام السياسي في دول الربيع العربي بالانتخابات وتصدرها المشهد إلا أن ذلك لا يعتبر سيطرة مطلقة للاتجاه الإسلامي المنقسم على نفسه والمختلف في توجهاته بخاصة بين جماعة الإخوان والسلفيين وأن قدرة هذه الجماعات على الحكم في مناخ ديمقراطي سوف يضعها على المحك.
وفي ما يلي نص الحوار:

* ما تصورك للمنطقة العربية منذ هيمنة الأحزاب الإسلامية، وهل مهدت الدول التي شهدت الثورات الطريق أمام ظهور الحركات الأصولية؟
- هناك تغير كبير في المنطقة، لكنني لا أعتقد أن الأمور تسير حتى الآن على أنها «سيطرة الاتجاه الإسلامي». في الواقع تجري ثلاث عمليات مختلفة في الوقت الراهن. العملية الأولى هي التغيير داخل الاتجاه الإسلامي ذاته. يبدو أن منهج الإخوان المسلمين ـ الذي يؤكد على التحول التدريجي للمجتمع ـ هو المهيمن حاليا. أما المنهج السلفي ـ الذي يؤكد أيضا على العمل من أسفل ـ فهو في طور النمو. أما التغير الثاني فهو تسييس هذا الاتجاه. يدعي كل من جماعة الإخوان والحركة السلفية أنهما تهتمان بالسياسة من بين أشياء أخرى كثيرة. لكن في الوقت الراهن تستهلك السياسة معظم طاقتهم واهتمامهم. والتغير الثالث هو قدرة هذه الحركات على المشاركة في الحكم ـ ليست كشريك مبتدئ كما هو في الأردن في بداية التسعينات أو في الجزائر في العقد الأول من القرن الحالي، ولكن كشريك مخضرم.
السؤال الحقيقي هو: هل تستطيع هذه الاتجاهات الثلاثة أن تعزز من قوة بعضها البعض وذلك في سياق ديمقراطي. هذا هو لب الأمر، هل يستطيع الإسلاميون اختيار مبدأ التدرج، والتركيز بصورة أكبر على السياسة، والحكم من دون السيطرة على النظام ومن دون التسبب في حدوث أي انقلاب مضاد أو دكتاتورية إسلامية؟ تظهر المشكلات بوضوح يوما بعد يوم. ولكن عندما ألقي نظرة بعيدة المدى، أظل متفائلا تجاه العملية، على الأقل في مصر وتونس.

* من خلال خبرتك في العمل كمستشار في صياغة الدستور العراقي والفلسطيني، ما أهم الخطوات التي يجب اتخاذها عند كتابة الدستور، لا سيما بعد مرحلة الانتقال نحو الديمقراطية وما هي، في رأيك، أهم نصيحة يمكن تقديمها لدى كتابة الدستور في مصر؟
- أعتقد أن أهم الدروس المستفادة من الخبرات السابقة هي ضرورة التحرك بناء على توافق الآراء والحاجة إلى إعطاء اهتمام كبير بالصياغة النهائية. لقد كتبت الدساتير العربية السابقة من قبل الأنظمة القائمة أو عن طريق فصائل معينة؛ وبذلك قدمت وعودا عامة جيدة ولكنها سلبت هذه الوعود من معناها في البنود التفصيلية.
من الصعب بناء توافق وسط مشهد سياسي مضطرب يتصرف فيه الجميع من أجل حماية مصالحهم على المدى القريب. هذا هو التحدي الذي تواجهه مصر على وجه الخصوص وتونس أيضا.

* لم تسمح الأنظمة العربية الدكتاتورية في مصر وتونس وليبيا مطلقا بفرصة لظهور معارضة سياسية أخرى. فهل ستتمكن القوى الجديدة الناشئة في الدول التي شهدت الربيع العربي من تأسيس نظام ديمقراطي حر وتحقيق التنمية المستدامة؟
- على المدى القريب، أصوب وسيلة للتنمية تشكيل تحالف واسع من القوى السياسية المدنية التي تستطيع دفع العملية إلى الأمام، والاتفاق على مجموعة من القواعد التي تحكم المنافسة في المستقبل. ولا يجب أن يكون التحالف دائما، إذ تتعلق الديمقراطية بإدارة الخلافات، وليس القضاء عليها. ولكن في الوقت الراهن، تشعر هذه القوى بالارتياب تجاه بعضها البعض لدرجة أنه من الصعب إقامة مؤسسات سليمة.

* لقد ذكرت سابقا في مقال أن مصر في حاجة لإصلاح القضاء؟ كيف يمكن تحقيق ذلك؟ أرجو أن تحدثنا بالتفصيل عن تقيمك للقضاء المصري ولماذا عبرت عنه في احدى مقالاتك بأنه قضاء بالغ التعقيد يتطلب وجود عالم آثار لتفسيره؟
- أجل، أعتقد أنه من الضروري إجراء تغيير في السلطة القضائية، ولكن لا بد أن يأتي ذلك ببطء. في الماضي، انصب تركيز هؤلاء الذين اضطروا إلى تحقيق استقلال القضاء على السلطة التنفيذية. ولكن المعركة الأخيرة في مصر كانت مع البرلمان، لذا ربما لا تفيد الحلول القديمة. لا ينبغي أن يكون القضاء منعزلا تماما عن السياسة والمجتمع، ولكن يجب ألا يخدم أي مصلحة خاصة ـ حتى وإن كانت للأغلبية. على سبيل المثال، لا حرج من السماح للقوى السياسية المختلفة بالتعبير عن رأيها في التعيينات القضائية. لكن تقع المشكلة عندما تمتلك قوة واحدة معينة السلطة،ويجب أن يحترم هذا التعبير الأعراف القضائية والمهنية، ولا ينبغي أن يمارس بناء على حكم واحد خاص، بل تماشيا مع الروح العامة للإطار القانوني.

[caption id="attachment_55237166" align="alignright" width="300"]محمد مرسي محمد مرسي[/caption]


* ما هو تقييمكم للعدالة المصرية وتقسيمات القضاء من محاكم ولجان وغيرها
ـ قسّمت مصر الولاية القضائية بين مجموعات مختلفة ومربكة من المحاكم،وينقسم القضاء المصري الى عدة اشكال، منها المحاكم ذات الولاية القضائية العامة ومحكمة النقض،وهناك ثلاثة مستويات رئيسة للمحاكم المصرية التي لها ولاية قضائية عامة، وهي تغطّي الغالبيّة العظمى من القضايا الجنائية والمدنية، وقضايا الأحوال الشخصية،اضافة الى محكمة الاستئناف العليا المتخصّصة بهذه القضايا والتي تعرف باسم محكمة النقض، التي تنظر ايضا في المنازعات الانتخابية البرلمانية منها، وليس الرئاسية.
وهناك ايضا ما يعرف بمجلس القضاء الأعلى، الذي يتعامل مع الشؤون الإدارية والتعيينات القضائية والترقيات في المحاكم العادية، ويرأس المجلس رئيس محكمة النقض، ولعلّ ما يثير الإرباك والتشويش أن هناك أيضاً هيكلاً يحمل الاسم نفسه. ومن التقسيمات القضائية الاخرى في مصر مجلس الدولة، وهو هيئة قضائية تعطي المشورة القانونية للحكومة، وتعدّ القوانين، وتمارس الولاية القضائية على القضايا الإدارية. ويضم القضاء المصري كذلك المحكمة الدستورية العليا التي تفصل في القضايا التي تحال اليها من محكمة أخرى في العادة و التي يتم فيها الطعن بدستورية قانون أو لائحة، وهي هيئة قضائية مستقلة لديها، على غرار مجلس الدولة. وفي القضاء المصري كذلك هيئتان منفصلتان للإشراف على الانتخابات، إحداهما للانتخابات البرلمانية وثمّة لجنة منفصلة للانتخابات الرئاسية عرّفها الإعلان الدستوري المؤقت باعتبارها هيئة قضائية ـ قرارات اللجنة غير قابلة للاستئناف في المحاكم ـ وكان يرأسها قبل تنصيب مرسي رئيسا لمصر رئيس المحكمة الدستورية العليا،ولأن رئيس المحكمة الدستورية العليا السابق كان شخصية مثيرة للجدل، عيّنه الرئيس السابق حسني مبارك،وبما أن حياة سلطان المهنية امتدّت عبر الهيئات القضائية العسكرية والأمنية، فإن القوى الثورية والإخوان لايثقون به.
وتم إنشاء لجنة الانتخابات الرئاسية في العام 2005، كوسيلة بيد النظام للحفاظ على الرقابة على الانتخابات الرئاسية، على ما يبدو، فإن اللجنة كانت تثير الشكوك في بعض الأحيان،ولكنها انجزت أعمالها بصدقيّة في الانتخابات الرئاسية،والتداخل بين اللجنة وبين المحكمة الدستورية العليا يسبّب بعض الإحراج. ومن اهم التقسيمات القضائية في مصر النيابة العامة ويرأس الهيئة النائب العام، الذي هو أحد كبار المسؤولين القضائيين. واضافة الى ذلك كله فهناك ايضا نادي القضاة يشكل من الذين يعملون في المحاكم العادية. ومن التقسيمات المعقدة في القضاء المصري ما يعرف بالمحاكم العسكرية، وهي هيئات دائمة لديها ولاية قضائية على القضايا العسكرية. إنها ليست جزءاً من نظام المحاكم العادية، وبالتالي لاتخضع إلى محكمة النقض أو مجلس القضاء الأعلى. ومن غير المرجّح أن يجدّد البرلمان العمل بها. وكان في مصر هيئتان مختلفتان تعرفان باسم محاكم أمن الدولة، وألغيت مجموعة من المحاكم في العام 2003، ما أدّى بالعديد من المراقبين إلى استنتاج خاطئ مفاده أنه تم إلغاء محاكم أمن الدولة، بيد أن مجموعة ثانية من المحاكم، التي شكّلتها حالة الطوارئ وتتعامل مع الحالات الناجمة عن حالة الطوارئ غير واضحة المعالم، ولاتزال موجودة، ولهذه المحاكم سمعة مخيفة أكثر من مجموعة محاكم أمن الدولة العادية التي أصبحت بحكم الملغاة الآن.

* اذن ما هو تحليلكم للمشهد السياسي في مصر حاليا؟
-ألقت التطورات التي شهدتها مصر خلال الأيام القليلة الماضية مجموعة مُربِكة من الترتيبات المؤسّسية في أتون حالة أكبر من الفوضى والتشوّش، ونسبت تصريحات إلى قادة الجيش تتعارض مع نص الإعلان الذي أصدروه، وعلى سبيل المثال، ورد في مؤتمر صحافي أن أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة وعدوا الرئيس الجديد بأن تكون له سلطة تعيين وزير دفاع، مع أن تلك السلطة ألغيت صراحة في الإعلان الدستوري المكمل،ضمن المجلس استمرار دوره السياسي بعد تنصيب الرئيس، وأعلن المجلس أنه مستقل بذاته تماماً عن الرقابة المدنية، وأطلق لنفسه العنان في الشؤون العسكرية، كما منح المجلس نفسه حقاً جديداً وقوياً في التعبير عن رأيه في عملية كتابة الدستور،وعزز المجلس الأعلى للقوات المسلحة مواقعه من خلال إضفاء الطابع المؤسسي على دوره الأمني الداخلي، فضلاً عن منح نفسه حق الاعتراض على أي إعلان للحرب. ولم يسمح للرئيس المنتخب أو للشعب المصري أن يكون له رأي في هذه التغييرات. وهذا يشير إلى أن الجنرالات ليسوا مرتاحين إزاء العملية الديمقراطية.


[caption id="attachment_55237167" align="alignleft" width="300"]المستشار فاروق سلطان، رئيس المحكمة الدستورية العليا في مصر (25 يوليو 2009 - 30 يونيو 2012) المستشار فاروق سلطان، رئيس المحكمة الدستورية العليا في مصر (25 يوليو 2009 - 30 يونيو 2012)[/caption]

وسيعين الرئيس أعضاء الحكومة باستثناء وزير الدفاع. وبينما تم حجز منصب وزير الدفاع للرئيس الحالي للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، لا توجد أي قيود قانونية أو دستورية واضحة على اختيار الرئيس الجديد لجميع المناصب الأخرى. سيكون بوسع الرئيس إجراء هذه التعيينات من دون أي رقابة برلمانية، في ظل غياب البرلمان، ما يتيح له حريّة أكثر حتى من الناحية النظرية.
أما بخصوص البرلمان فينص الإعلان الدستوري المكمّل على إجراء الجولة التالية من الانتخابات البرلمانية بعد شهر واحد من الموافقة على الدستور الجديد، ما يؤدّي فعلياً إلى تعليق البرلمان إلى ما بعد اكتمال المرحلة الانتقالية، ويوحي بشكل غريب بأن الدستور الحالي المؤقت، لا الدستور النهائي، هو الذي يحدد موعد إجراء الانتخابات. ويسمح الإعلان المعدّل أيضاً بإصدار قانون جديد الآن (يفترض أن يصدره المجلس الأعلى للقوات المسلحة بموافقة رئيس الجمهورية) لتنظيم تلك الانتخابات، ما يوسع الآثار القانونية لسلطة المجلس الأعلى مرة أخرى لتشمل إدارة النظام الدستوري الجديد. لقد وضعت المحكمة الدستورية العليا في موقف قوي بوصفها وصياً وحكماً نهائياً ومحدداً فعلياً للمبادئ المبهمة التي يجب أن يجسدها الدستور الجديد.


ناثان براون - أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن ومؤلف ستة كتب تناول فيها شؤون السياسة العربية. وهو أحد أبرز الخبراء في شؤون الحركات الإسلامية، والشأن الفلسطيني، والقانون العربي. صدر أحدث كتاب لبراون تحت عنوان «عندما لا يكون النصر خيارا: الحركات الإسلامية في السياسة العربية» والذي نشرته جامعة كورنيل بداية العام الجاري.
في عام 2009، التحق براون بمؤسسة كارنيغي، في نيويورك،وخلال العام الأكاديمي 2009 - 2010، كان براون عضوا بمركز وودرو ويلسون الدولي للباحثين. وبالإضافة إلى عمله الأكاديمي، عمل براون في لجان استشارية في هيومان رايتس ووتش واللجان التي عملت على صياغة الدستورين العراقي والفلسطيني. كما يعمل أيضا في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وفي العديد من منظمات المجتمع المدني.
font change