منذ أن تم إعلان الدكتور محمد مرسي رئيساً لجمهورية مصر العربية وتسليمه السلطة رسمياً من المجلس الأعلى للقوات المسلحة واسم الدكتور محمد البرادعي يتردد بقوة لتشكيل حكومة الجمهورية الثانية لمصر. وكان لافتاً جلوس البرادعي - الحائز على جائزة نوبل للسلام عام 2005 أثناء ادارته للوكالة الدولية للطاقة الذرية - إلى جوار المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة ونائبه الفريق سامي عنان اثناء حفل تنصيب مرسي الذي القى الرئيس الجديد خطابه الاول فيه تحت قبة جامعة القاهرة.
سيرة ومسيرة
ولد د. البرادعي في الجيزة، والده مصطفي البرادعي وهو محام ونقيب سابق للمحامين. تخرج البرادعي من كلية الحقوق في جامعة القاهرة سنة 1962 وتزوج من عايدة الكاشف، وهي مُدرِّسة في رياض أطفال مدرسة فينا الدولية، ولديهما من الابناء، ليلي وتعمل محامية ومصطفي مدير استوديو في محطة تلفزة خاصة، وكانا يقيمان في لندن، لكنهما عادا إلى مصر عام 2009.
بدأ البرادعي حياته العملية موظفا في وزارة الخارجية المصرية في قسم إدارة الهيئات عام 1964 حيث مثل بلاده في بعثتها الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك وفي جنيف. سافر إلى الولايات المتحدة للدراسة، ونال عام 1974 شهادة الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة نيويورك.
عاد إلى مصر في عام 1974 حيث عمل مساعدا لوزير الخارجية إسماعيل فهمي ثم مسؤولا عن برنامج القانون الدولي في معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحوث، كما كان أستاذا زائرا للقانون الدولي في مدرسة القانون بجامعة نيويورك بين عامي 1981 و1987.
اكتسب البرادعي خلال عمله كأستاذ وموظف كبير في الأمم المتحدة خبرة بأعمال وصيرورات المنظمات الدولية بخاصة في مجال حفظ السلام والتنمية الدولية، وحاضَرَ في مجال القانون الدولي والمنظمات الدولية والحد من التسلح والاستخدامات السلمية للطاقة النووية، وكتب مقالات ونشر كتبا في تلك الموضوعات، وهو عضو في منظمات مهنية عدة منها اتحاد القانون الدولي والجماعة الأمريكية للقانون الدولي.
التحق بالوكالة الدولية للطاقة الذرية عام 1984 حيث شغل مناصب رفيعة منها المستشار القانوني للوكالة، ثم في 1993 صار مديرًا عامًا مساعدًا للعلاقات الخارجية، حتي عُيِّن رئيسا للوكالة الدولية للطاقة الذرية في أول ديسمبر 1997 خلفًا للسويدي هانز بليكس، وأعيد اختياره رئيسا لفترة ثانية في سبتمبر 2001 ولمرة ثالثة في سبتمبر 2005.
جائزة نوبل
في أكتوبر 2005 نال محمد البرادعي جائزة نوبل للسلام مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومنحت الجائزة للوكالة ومديرها اعترافا بالجهود المبذولة من جانبهما لاحتواء انتشار الأسلحة النووية.
وحصل البرادعي على عدة جوائز اخرى ولعل ابرزها جائزة وشاح النيل من الطبقة العليا، أعلى تكريم مدني من الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك قبل خمس سنوات من مواجهة البرادعي لمبارك وعزمه الترشح للانتخابات الرئاسية امامه. كما نال البرادعي شهادات دكتوراه فخرية من جامعات عالمية عدة.
العودة إلى القاهرة
بعد اعلانه عن نيته الترشح للانتخابات الرئاسية التي كان من المقرر اجراؤها عام 2011 عاد البرادعي إلى القاهرة في فبراير/ شباط 2010 لاعداد حملته الانتخابية وكان في استقباله في مطار القاهرة المئات من النشطاء السياسيين المصريين وعدد من الشباب قدر بألفي شاب وشابة من الذين قاموا بثورة يناير من عدة مناطق ومحافظات مختلفة في مظاهرة ترحيب بعودته لوطنه وتأييدهم للرجل في ما اعتزمه من إصلاحات سياسية وإعادة الديمقراطية التي افتقدها الشباب المصري في ظل النظام السابق.
[caption id="attachment_55236847" align="alignleft" width="300"] البرادعي وانجلينا جولي[/caption]
وقبل انتخابات مجلس الشعب المصرية لعام 2010 دعا محمد البرادعي قوى المعارضة المصرية المختلفة وعلى رأسها الإخوان المسلمون وحزب الوفد لمقاطعة الانتخابات البرلمانية بهدف سحب الشرعية من نظام مبارك والحزب الوطني نظرا للتوقعات بقيام نظام مبارك بتزوير الانتخابات.
جدل حول البرادعي
ومع ما نسب الى البرادعي من فضل وضع قواعد الحراك السياسي في مصر والتي افرزت قوى ثورة يناير، تدور حوله علامات استفهام وكثير من الجدل بسبب اضطلاع الوكالة الدولية للطاقة النووية بدور في التفتيش على الأسلحة النووية وبسبب السياسة الأمريكية الساعية إلى تقييد امتلاك الدول لتلك التقنيات، فقد ثار حول محمد البرادعي جدل خصوصا فيما تعلق بقضيتي أسلحة العراق قبل غزوها سنة 2003 والبرنامج النووي الإيراني.
وكان البرادعي قد أثار منذ 2003 تساؤلات حول دوافع الإدارة الأمريكية في دعواها للحرب على العراق بدعوى حيازتها لأسلحة دمار شامل، إذ كان قد رأس هو وهانز بلكس فرق مفتشي الأمم المتحدة في العراق، وصرح في بيانه أمام مجلس الأمن في 27 يناير/ كانون الثاني 2003، قُبيل غزو الولايات المتحدة العراق، "إن فريق الوكالة الدولية للطاقة الذرية لـم يعثر حتى الآن على أي أنشطة نووية مشبوهة في العراق".
كما لم يأت تقرير هانز بلكس رئيس فرق التفتيش على أسلحة الدمار الشامل بما يفيد وجود أي منها في العراق، وإن كان لا ينفي وجود برامج ومواد بهدف إنتاج أسلحة بيولوجية وكيماوية سابقا، كما كرّر ذلك في كلمته أمام مجلس الأمن في 7 مارس/ آذار 2003.
منصب الرئيس
قبل حضوره حفل التنصيب هنأ البرادعي د. محمد مرسي بفوزه برئاسة الجمهورية في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر). ودعا البرادعي الرئيس مرسي إلى ضرورة العمل الجاد مع كل المصريين، في إطار من التوافق الوطني لبناء مصر الحديثة على مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية.
وكان البردعي قد قلل من أهمية الرئيس المنتخب امام الحراك الشعبي. ففي ندوة له عقدت قبل الانتخابات الرئاسية في مايو/ ايار الماضي عن مستقبل شمال أفريقيا والشرق الأوسط بعد ثورات الربيع العربي في وزارة الخارجية في فيينا بالنمسا قال البرادعي لوكالة "أسوشيتد برس" إن الرئيس القادم في مصر أهميته أقل، و إن الأهم هو لم شمل المصريين و توحيدهم من جديد. وأضاف أن الاحتياجات الأساسية مثل الغذاء والرعاية الصحية في مصر يجب تلبيتها بشكل أفضل.
و رأى البرادعي أن الخيارات المتاحة للمصريين في الانتخابات ما بين الزعماء الاصلاحيين أو الاسلاميين أو البراجماتيين تقلل فرصة التوافق على مبادئ أساسية نلتف حولها.
رئاسة الوزراء
بعد انتخاب "الإخواني" محمد مرسي رئيسا لمصر ارتفعت اسهم البرادعي لشغل منصب رئيس الوزراء في أول حكومة سوف يشكلها الرئيس الجديد. اسم البرادعي وإن كان الأبرز فإن عليه تحفظات من عدد من الاحزاب والقوى السياسية، فقد هدد حزب النور "السلفي" على لسان القيادي البارز بالحزب الدكتور يونس مخيون على رفض ترشيح البرادعي بأي حال من الاحوال وتلويحه بمعركة سياسية في حالة الاصرار عليه، فيما ترى قوى أخرى بخاصة قومية ويسارية أن له دورا في غزو العراق عبر التواطؤ مع أمريكا والغرب عموما في ما حصل خلال فترة رئاسته لوكالة الطاقة الذرية وسكوته على مخطط احتلال العراق.
و يرجع اعتراض حزب النور السلفي على شخصية البرادعي لنشر صحف مصرية في سبتمبر / ايلول عام 2010، بعض الصور العائلية الخاصة لأسرة محمد البرادعي، بعدما نقلتها "صديقة مجهولة" لابنته ليلي عن صفحتها على موقع "فيس بوك" تقول إنها متزوجة من شخص بريطاني مسيحي وهذا ما تم نفيه من سفير النمسا السابق والذي كان قد شهد على عقد زواج ليلي البرادعي على الشريعة الإسلامية في سفارة مصر بالنمسا بعد اعلان زوجها إسلامه، ما اعتبره أنصار البرادعي انذاك خطوة تعكس تدني مستوى المواجهة مع الخصوم السياسيين للنظام.
ويعترض الاسلاميون ايضا على تكريم البرادعي لنجمة هوليوود الامريكية أنجلينا جولي في مهرجان برلين السينمائي هذا العام، وكان البرادعي ترأس لجنة تحكيم جائزة الفيلم الأفضل قيمة للعام2012، بناء على طلب من إدارة المهرجان ضمن وقائع مهرجان "سينما من أجل السلام" و اختارت اللجنة فيلم In the Land of Blood and Honey للفنانة والمخرجة أنجلينا جولي عن فيلمها الذي أخرجته عن حرب البوسنة، و قام البرادعي بتقبيلها اثناء تسليمها الجائزة.
قبلة قد تكون سببا في حرمان "الجمهورية الثانية" من رجل في خبرة وكفاءة البرادعي الذي يرى كثيرون أن وجوده على رأس حكومة وطنية توافقية مهم بل ضروري لاخراج البلاد من أزمتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية.