لأن الـ11 مليونا الذين أعطوا أصواتهم للمرشحين الفائزين بجولة الإعادة شفيق ومرسي، لا يمثلون الأغلبية المعتدلة في الشارع المصري التي ترفض الدولة الدينية والعسكرية، بدليل أن النسبة الباقية من الناخبين في جولة الانتخابات المصرية الرئاسية الأولى توزعت وتشتت بين مجموعة أخرى من المرشحين، ممن ينتمون إلى تيارات سياسية مختلفة.
ما يزيد الموقف تعقيدا أنه ما زالت قضية مصيرالفريق أحمد شفيق في ظل قانون العزل السياسي مثارة وغير محسومة قضائيا، وهو ما جعل الأمل يداعب أنصار حمدين صباحي الفائز بالمركز الثالث في انتخابات الرئاسة بإمكانية أن يحل محل شفيق في جولة الإعادة لو خرج هو من السباق بحكم القانون، إلا أن الإعلان النهائي للجنة العليا للانتخابات الرئاسية لنتائج الانتخابات بتحديد المنافسة النهائية بين مرشح الإخوان دكتور محمد مرسي، والمرشح المستقل الفريق أحمد شفيق وأد هذا الأمل في مهده.
[caption id="attachment_55235843" align="alignleft" width="174" caption="محمد مرسي"][/caption]
في ظل هذه الحالة السياسية المعقدة يثور السؤال الملح حول دور مرشحي الرئاسة الخاسرين في السباق وموقفهم من تلك الأزمة، بالإضافة إلى تساؤل آخر يفرض نفسه بحكم الأمر الواقع الذي آل إليه 11 متسابقا بعد خروجهم من السباق الرئاسي وتفرغهم من أعبائه، وهو ماذا سيفعلون في الفترة المقبلة، بعد تحررهم من أعباء حلم منصب الرئيس؟
وقد توجهنا بهذين السؤالين إلى الخاسرين في السباق الانتخابي للتعرف على وجهات نظرهم ومواقفهم في خضم هذه الأحداث الخطيرة، التي تمر بها مصر ولنعرف ماذا هم فاعلون؟!
عمرو موسى
في البداية وجهنا السؤال لأشهر الخاسرين، وهو عمرو موسى الأمين العام لجامعة الدول العربية السابق، حول موقفه من مرسي وشفيق، فقال "أنا واحد من المواطنين المصريين المؤمنين بالدولة المدنية، وأرى مستقبل مصر من خلال الديمقراطية الحقيقية القائمة على حرية الرأي والعبادة والإبداع، وهي نفس المبادئ الأساسية التي جاءت في وثيقة الأزهر، ووقعنا عليها، ونطالب أن تكون أحد الأعمدة الرئيسة في دستور مصر القادم، ونؤكد في ذات الوقت أنه لا يمكن إعادة إنتاج النظام القديم بأي حال من الأحوال، ولا شك أن كل المصريين في حيرة من أمرهم بسبب نتائج الانتخابات، ولكنها حيرة ستزول بوضوح المواقف، ومعرفة إلى أين ذاهبون وعليهم أن يحددوا ما يريدونه من رئيس مصر في المرحلة القادمة".
[caption id="attachment_55235844" align="alignright" width="180" caption="عمرو موسى"][/caption]
وعن ملامح حياته بعد خروجه من السباق الإنتخابي، أكد موسى أنه لا يمكن أن يعتزل العمل العام، وقال "إن مجموعة العمل الخاصة بي وبالمتطوعين الذين عملوا معي في الحملة الانتخابية، سيبقون معي، وهناك أفكار متنوعة لبلورة هذا التعاون، من بينها التفكير في إنشاء حزب، ولكن في كل الأحوال نحن مفتوحون على الجميع، ونتعامل مع مختلف القوى السياسية الموجودة بمصر، ولكن وفق ما يتفق مع مبادئنا وأفكارنا".
التيار الثالث!
أما حمدين صباحي صاحب لقب الحصان الأسود في السباق الانتخابي وأكثر الخاسرين، تحسرا على النتيجة، وتضررا من دخول أحمد شفيق في السباق الرئاسي، نظرا لأنه كان التالي له من حيث عدد الأصوات التي حصل عليها، فقد أكد بمرارة أنه رغم عدم اطمئنانه لما أسفرت عنه نتائج الانتخابات، إلا أنه لا يملك إلا الانصياع لدولة القانون، وترك القرار في النهاية للشعب المصري.
وقال "لم أقبل لا سياسيا ولا أخلاقيا نتائج الجولة الأولى، ولا أعترف بأحقية وصول مرسي وشفيق لنهائي السباق، لكن طالما لنا الحق في قول كلمتنا، يبقى علينا الالتزام ألا نفرضها على أحد. وبالنسبة لما سيفعله حمدين صباحي بعد خروجه من السباق، قال إذا كنا 11 مرشحا رئاسيا قد خرجنا من السباق، فإن ما حدث أننا خرجنا من دائرة الرئاسة إلى دائرة المعارضين المراقبين للرئيس القادم أيا كان، وسنكون له بالمرصاد لمنع أي احتكار أو ظلم.
[caption id="attachment_55235845" align="alignleft" width="180" caption="حمدين صباحي"][/caption]
وعن ملامح ممارسته للدور الرقابي على رئيس مصر القادم قال حمدين إنه يجرى لقاءات مكثفة مع شباب الثورة وكل الرموز الوطنية ـ على حد وصفه ـ ومرشحي الرئاسة المقربين له أمثال الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح والمستشار هشام البسطويسي وخالد علي لتكوين جبهة التيار الثالث، الذي لا ينتمي إلى تيار ديني، ولا إلى تيارعسكري، وإنما يمثل التيار الوطني لجمع كل قوى الثورة واستثمار حملاتنا الرئاسية في تقوية قاعدة البناء لتيار الوطنية المصرية، الذي يشكل قاعدة مغروسة في أولاد البلد الحقيقيين.
تزوير منهجي
على صعيد آخر وصف المستشار هشام البسطاويسي المرشح السابق للرئاسة وأحد الخاسرين الذين كانوا بعيدين من البداية عن دائرة المنافسة الحامية، ما حدث في جولة الانتخابات الأولى بأنه تزوير منهجي، أدى إلى ما آلت إليه من نتيجة صادمة لكل المصريين، وقال "أرفض أن أعطي صوتي لمن يدعو لدولة دينية أو من ينتمي إلى المؤسسة العسكرية، وبالتالي لن أؤيد لا شفيق ولا مرسي، ومن المؤكد أن ما شاب الانتخابات من أخطاء، ينال من شرعية النتيجة، وكان من المفترض ألا يدرج اسم أحمد شفيق على الإطلاق في السباق الرئاسي، لأنه غير قانوني". وعن مستقبل العمل بعد انتهاء سباق الرئاسة قال البسطاويسي الذي كان قد استقال من القضاء في العام الماضي من أجل التفرغ للسياسة، انه سيتعاون مع القوى الوطنية، بمن فيهم مرشحو الرئاسة الخارجون من السباق لاستكمال أهداف الثورة.
[caption id="attachment_55235846" align="alignleft" width="180" caption="هشام البسطاويسي"][/caption]
أما خالد علي أحد رموز الثورة المصرية، وأصغر الخاسرين في الانتخابات الرئاسية، فقد أعلن على الملأ رفضه لشفيق ومرسي معا، ومنذ اللحظات الأولى لإعلان نتيجة الانتخابات عبر خالد عن هذا الرفض عمليا بعودته إلى ميدان التحريرعلى رأس فريق من المتظاهرين، وتأكيده التمسك بالاعتصام فيه، حتى يخرج الفريق أحمد شفيق من المنافسة، رافضا الحديث عن أي شيء آخر حتى تتحقق مطالبه.
لا للكرسي!
من بين الأفكار التي كانت مطروحة في بداية السباق الرئاسي، هي احتمالات عمل أحد المرشحين الخاسرين مع الفائز بالرئاسة، سواء كنائب أو رئيس وزراء أو في أي منصب يتفق عليه، ولما طرحنا ذلك على الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح أحد الخاسرين الكبار في السباق في إطار السؤال عن موقفه من مرشحي الرئاسة الفائزين بالوصول لجولة الإعادة، قال إنه يرفض هذا الأمر، وأنه لم يرشح نفسه لمجرد المنصب أو من أجل الكرسي، وإنما خدمة للبلد، وبالتالي فهو لا يفكر مستقبلا في العمل مع أحد المرشحين، وقال "إنني مستمر مع أعضاء حملتي الانتخابية لتحقيق أفكارنا، وربما تحولنا إلى مؤسسة منظمة في صورة حزب أو منظمة مدنية أو مؤسسة بحثية، وحتى يحدث ذلك فإن ما نفعله الآن تجاه مرشحي الرئاسة هو أننا دشنا حملة قوية في كل أنحاء مصر بالتعاون مع القوى السياسية المختلفة، لتوعية المصريين ضد فلول النظام القديم، ضمانا لاستكمال مشروع مصر القوية وثورتنا".
[caption id="attachment_55235847" align="alignright" width="174" caption="عبد المنعم أبو الفتوح"][/caption]
وعلى عكس الموقف من الفريق شفيق، فإن للدكتور أبو الفتوح موقفا إيجابيا من مرشح الإخوان خاصة بعد لقائه به ودخوله في مناقشات مع قيادات إخوانية، طاويا صفحة الخصومة السياسية، التي كانت بينه وبين الجماعة، بعد أن تعالى فوقها من أجل مقاومة خطر وصول أحد رموز نظام مبارك للحكم.
وحول هذا التأييد للدكتور محمد مرسي قال أبو الفتوح إن "التوحد والاصطفاف وفق أجندة وطنية لحماية الوطن، هما الضمانة الوحيدة لنجاح ثورة 25 يناير وتحقيق أهدافها".
لا ندم
على الرغم من خسارته وتأخر ترتيبه في صفوف الخاسرين في الإنتخابات الرئاسية، إلا أن الدكتور محمد سليم العوا المفكر الإسلامي الشهير، كان أكثر الخاسرين رضاء وهدوءا وتقبلا للأمر، حيث أكد أنه غير نادم على الرغم من خسارته لثروته، التي كان يمتلكها في تلك الانتخابات، إلا أن اللافت للنظر، أنه سارع بالسفر إلى لندن، عقب إعلان النتيجة مباشرة، مما جعل البعض يعتقد أنه ربما يكون اعتزل العمل السياسي وفضل البقاء في الخارج على خلفية تلك الخسارة، وهو ما دفعنا للاتصال بالمسؤول الإعلامي في حملته مدحت حسن، والذي أكد لـ"المجلة" عدم صحة هذا الاعتقاد، مشيرا إلى أن الدكتور العوا قد سافر للاستجمام لفترة من الوقت، وقضاء بعض الارتباطات الشخصية، التي كانت مؤجلة بسبب الانتخابات، وأن الدكتور العوا، سيكون في مصر خلال ساعات يستأنف بعدها نشاطه الطبيعي خاصة، وأن لديه عمله الخاص في مجال المحاماة.
وبالنسبة لبقية المرشحين الخاسرين في السباق، فقد تباينت مواقفهم في مدى تأييد مرشح الإخوان، بينما اتفقوا جميعا على رفض شفيق بشكل قاطع، بينما أعلن الدكتور عبد الله الأشعل أحد الخاسرين في السباق الرئاسي عن دعمه الكامل للدكتور محمد مرسي، وطالب كل المصريين بتأييده، بينما جاء موقف أبو العز الحريري أحد الخاسرين بمقاطعة انتخابات الإعادة لرفضه مرسي وشفيق معا.
[caption id="attachment_55235848" align="alignleft" width="164" caption="محمد سليم العوا"][/caption]
ومن خلال استطلاعنا للآراء السابقة للخاسرين في انتخابات الرئاسة المصرية، حول الحالة التي تمر بها مصر تتكشف أمامنا تلك الحالة الغريبة من الرفض العام للنتيجة النهائية، وكأننا أمام حالة فراغ سياسي، حيث لا تعترف قوى الثورة بكل من مرسي وشفيق، وكأن أحدا لم ينجح في هذه الانتخابات، والخوف كل الخوف أن يستمر الإحساس بهذا الفراغ في ظل تنامي حالة الرفض العامة لكلا المرشحين، اللذين وصلا لجولة الإعادة، وأن نصل من جديد إلى نقطة الصفر، إذا ما فشل مرشح الإخوان في استقطاب أصوات الملايين، التي لم تصوت له في المرحلة الأولى، إما بسبب إحجامهم عن المشاركة في الانتخابات، أو لأن خوف المصريين من دولة الإخوان، غلب خوفهم من أعداء الثورة ورموز النظام القديم.
اليوم وبعد الحكم الصادر ضد الرئيس السابق محمد حسني مبارك بالسجن المؤبد وتبرئة نجليه علاء وجمال من تهم الفساد بالاضافة الى تبرئة كبار المسؤولين الأمنيين في العهد السابق من تهم القتل التي راح ضحيتها المئات أثناء الثورة والغضب الذي يعم الشارع المصري من الحكم والنظام القضائي ومن ورائه المجلس العسكري، يبدو أن فرص شفيق قد تقلصت لاحداث أي مفاجأة في الانتخابات ما يعزز فرص مرشح الاخوان محمد مرسي الذي وعلى الرغم من رفض الكثيرين له إلا أنه أصبح يمثل الخيار الوحيد ليحكم مصر رئيس من خارج النظام السابق.
لكن السؤال وفي ظل ما يحدث في مصر هو: هل تتم جولة الإعادة في موعدها بعد أسبوعين أم تشهد مصر فوضى وموجة عنف تكونان سببا في إلغاء الانتخابات إلى أجل غير مسمى.