فرانسوا هولاند رئيسا جديدا لفرنسا خلفا لساركوزي

فرانسوا هولاند رئيسا جديدا لفرنسا خلفا لساركوزي

[caption id="attachment_55235079" align="aligncenter" width="620" caption="فرانسوا هولاند "]فرانسوا هولاند[/caption]



من دون وعود كثيرة، ومن دون هالة اعلامية ولا "شوشرة"، ومن دون خطابات رنانة تذكر، شق هولاند طريقه بنجاح ليعتلي المنصب الأول في فرنسا، ليصبح ثاني اشتراكي بعد فرانسوا ميتيران يُنتخب رئيساً في الجمهورية الخامسة.

فرانسوا هولاند الذي تفوق على منافسيه في الحزب الاشتراكي، ليمثل هذا الحزب العريق في الانتخابات الرئاسية، توج بنجاح في مختلف مراحل الرئاسية، جذب له الاهتمام منذ البداية وجلب الاعجاب والاحترام من منافسيه قبل أنصاره، زاده الاصرار على التفوق، ثقته العالية في نفسه، عندما رأى كثيرا من الفرنسيين وعددا من الشخصيات الفرنسية المعروفة تنادي بأفضليته وأحقيته لهذا المنصب، بمن فيهم الرئيس السابق جاك شيراك الذي أكد على اعجابه بالرجل عندما قال فيه "هو رجل دولة باستحقاق".

هولاند الرجل المبتسم دائما، الهادئ الطباع، العامل بجد من دون نرجسية السياسيين المفرطة، توج مسيرة من العمل السياسي امتدت على ثلاثة عقود، بعد تخرجه من المدرسة الوطنية للإدارة احدى أشهر المدارس الفرنسية، ليثبت تفوقه، ويؤكد غالب توقعات استطلاعات الرأي خلال الأيام الأخيرة قبل الانتخابات التي توقعت له انتصاراً كبيراً.

الرجل الذي يعي جيدا كيف يخاطب الناس بأسلوبهم وبعطف كبير وبكلمات مدروسة "جيدا" على غرار السياسيين الناجحين، نال اعجاب شباب من الطلبة وتلامذة الثانوية فقال لهم في احدى المناسبات "أعرف أنكم تريدون الاستقلالية" فما كان منهم سوى الموافقة دونما اعتراض، والرجل الذي لا يكره التعامل مع البسطاء من العمال يصفه المتابعون برجل الوفاق خلافا لساركوزي، فمذ تقمص أدوار القيادة بأكبر الأحزاب الفرنسية عرف كيف يمتص الاختلافات بين الأجنحة الكثيرة في الحزب وأكثرها راديكالية، ليخرج بمواقف وفاقية جنبت هذا الحزب مشاكل كان في غنى عنها أيام اهتزازه.


[caption id="attachment_55235081" align="alignright" width="300" caption="فرحة في شوارع وساحات فرنسا بفوز هولاند"]فرحة في شوارع وساحات فرنسا بفوز هولاند[/caption]

هولاند الذي لم يبلغ من العمر الـ58 عاما بعد، عاش لأكثر من 30 سنة مع سيقونال روايال مرشحة حزبه لمنصب الرئاسة في انتخابات 2007، قبل أن ينفصل عنها وله منها 4 أبناء. ترأس الحزب الاشتراكي الفرنسي في الفترة ما بين عامي 1997 و2008 شاغلا منصب الأمين الأول للحزب وعمدة لمدينة تول في القترة ما بين 2001 و2008، ليصبح في 2008 نائبا في البرلمان عن الدائرة الأولى من إقليم كوريز التابع لمنطقة ليموزان، ليرشحه حزبه ويمثله وبرنامجه في الانتخابات الرئاسية.


برنامج عمل



الحزب الاشتراكي الفرنسي أحد أكبر الأحزاب الفرنسية، رشح هولاند للرئاسة، فانطلق الرجل مباشرة في حملته الانتخابية متقمصا دور الرئيس، قبل حتى أن ينال المنصب، فوعد الفرنسيين بإعطاء الأولوية للمؤسسات المتوسطة والصغيرة القادرة على توفير فرص عمل جديدة لامتصاص البطالة - بعد أن سئم الفرنسيون من ساركوزي الذي فشل أمام معضلة البطالة - مؤكدا على التخفيض بـ4500 أورو من جملة الضرائب السنوية للمؤسسات التي ستوفر عقودا طويلة الأمد لطالبي الشغل.

كما وعد بأنه سيعمل على رفع سقف الضرائب على الشركات الكبيرة وعلى كبار الأثرياء الفرنسيين، بنسبة قد تقدر ب 75 في المائة، وهو ما أثار قياديي حزب ساركوزي اليميني المنافس فوصفوا الرجل بـ"المجنون" تعليقا على هذه النقطة الواضحة من البرنامج، فما كان بهولاند سوى أن أوضح بأنه سيقوم بـ"إصلاح النظام المالي لجعله أكثر عدالة بين الفرنسيين" معتبرا برنامجه الاقتصادي يحافظ على الطبقة الوسطى ويساعدها على رفع قدرتها الشرائية، مؤكدا أنه "سيفرض ضريبة على جميع المعاملات المالية التي تقوم بها البنوك والشركات الكبرى".

وفي سؤالها عن أولويات هولاند بعد نجاحه في الانتخابات، ومن دون أن تخفي سعادتها بفوز رفيق دربها أكثر من ثلاثة عقود وبابتسامتها التي ركزت عليها مطولا كاميرات التلفزيون الفرنسي دقائق بعد اعلان النتائج، أكدت سيقولان روايال، أن هولاند سيشرع مباشرة في انشاء مصرف عمومي مخصص للاستثمار، وهو ترجمة لما أكده الرئيس الجديد لفرنسا أثناء حملته الانتخابية بأنه سيقدم مساعدات مالية للشركات الفرنسية التي تعيش أزمات مالية بخاصة تلك التي "تنفذ برامج استثمارية هامة على الأرض الفرنسية، أو تلك التي رفضت نقل أنشطتها الى الخارج رغم مواجهتا للمنافسة العالمية، معيدا الاعتبار الى دور الدولة في المجال الاقتصادي ما يعني إضافة البصمة "اليسارية" التقليدية التي تعطي شأنا هاما للدولة في كل برنامج اقتصادي.


[caption id="attachment_55235080" align="alignleft" width="220" caption="نيكولا ساركوزي "]نيكولا ساركوزي [/caption]

ولحجم الأزمات التي مرت بها فرنسا في الداخل، على غرار بقية دول أوروبا لم يكن للسياسة الخارجية الفرنسية الثقل الكبير في المنافسة على الرئاسة، ولعل أكثر ما شد الانتباه هو ما أكده هولاند من عزمه "اجلاء القوات الفرنسية فورا من أفغانستان والانسحاب من هذه الحرب التي كلفت البلاد الكثير بقيادة ساركوزي الذي يميل كثيرا للولايات المتحدة الأمريكية، ولكن الأبرز على الاطلاق هو اعلانه عن أن اول زيارة له الى الخارج ستكون الى ألمانيا لإقناع ميركل بإعادة التفاوض حول ميثاق الموازنة الاوروبية لإدخال بند يتعلق بالنمو، وهو تمش واضح يراهن على التنشيط الاقتصادي بدل سياسة التقشف التي أرهقت أوروبا في مقاومة أزماتها بقيادة ألمانية.

ساركوزي قال انه يتحمل مسؤولية الهزيمة وقال "الشخص رقم واحد هو من يتحمل المسؤولية". وألمح الى انه سينسحب من الصفوف الاولى للعمل السياسي وقال "لن يكون مكاني كما كان. ستتغير مشاركتي في حياة بلادي من الان".

رياح التغيير هبت أخيرا على فرنسا، اخر البلدان الأوروبية التي عصفت بحكوماتها الأزمة الاقتصادية بعد أن مرت على اليونان واسبانيا وايطاليا.. وساركوزي أصبح هو الزعيم الاوروبي الحادي عشر الذي تطيح به الازمة منذ بدء ازمة الديون في منطقة اليورو.. لكن لم يكن الاقتصاد وحده من أطاح بساركوزي وأتى بهولاند.

الفرنسيون بمختلف أعراقهم ومعتقداتهم، لم يعودوا يقبلون برجل ينظر إليهم من "برجه العاجي" ولا يجد حرجا في تبني خطاب اليمين المتطرف ما أحدث شرخا داخل المجتمع الفرنسي، لذلك كان اختيار هولاند ضروريا لانقاذ الاقتصاد.. وقبل كل شيء انقاذ كل ما يمثله شعار الثورة الفرنسية.. الحرية و المساواة و الأخوة.
font change