سعد الدين إبراهيم: "فرق موت" مبارك حاولت اغتيالي بعد "الجملوكية"

سعد الدين إبراهيم: "فرق موت" مبارك حاولت اغتيالي بعد "الجملوكية"

[caption id="attachment_55234605" align="aligncenter" width="619" caption="سعدالدين ابراهيم"]سعدالدين ابراهيم[/caption]


شن سعد الدين إبراهيم هجوما عنيفا على المجلس العسكري الحاكم بعد الثورة بسبب قضية التمويل الأجنبي، مؤكدا أن الجيش المصري هو أكبر جهة تتلقى تمويلا أجنبيا وطالب بمحاسبته. ووصف البرلمان المصري بأنه أكثر شرعية من كل البرلمانات السابقة، على الرغم من تحفظه على ضعف أدائه، وأثنى على الإخوان، وطالب بإعطائهم الفرصة كاملة، ورأى أنهم سيقتدون بالنموذج التركي، كما أعلن تأييده للدكتور عبد المنعم أبو الفتوح رئيسا لمصر.
وكشف إبراهيم عن وساطته السرية بين الإخوان المساجين، ودبلوماسيين أجانب وأسرار اللقاء المثير الذي رتبه بين الفريقين في المعهد السويسري.
وعن الثورات العربية أشار إلى أنها أخرجت العرب من دائرة الاستثناء بعد أن تأخرت 12 سنة كاملة.

جدير بالذكر أن الدكتور سعد الدين إبراهيم كتب منذ 15 سنة مقالا ساخنا عن "الجملوكية" أو الجمهوريات الملكية في "المجلة" تعرض بسببه للسجن والتعذيب، لأنه استقرأ فيه تحول الجمهوريات الى ملكيات، في ظل سعي رؤساء الجمهوريات إلى توريث أبنائهم السلطة، وهو ما حدث في سوريا وكان يرتّب له في مصر وليبيا واليمن وأيضا في تونس وإن كان لصالح الزوجة أو أحد الأقارب وانتهى بثورات شعبية عارمة في أنحاء العالم العربي، الأمر الذي يثير تساؤلا جديدا حول المستقبل، في ظل معطيات الواقع الحالي. وهو ما كان أحد المحاور المهمة في هذا الحوار:

* أراك تعاني صحيا، فهل الاهتمام بالسياسة وهمومها يجعلان الإنسان أكثرعرضة للمرض؟
ـ "ضاحكا".. الحقيقة أن صحتي تدهورت خلال سنوات السجن الثلاث، وتعرضي لتعذيب شديد، خاصة في السنة الأولى، فقد خرجت منه مشلولا، وأجريت أربع عمليات جراحية كبرى في الجهاز العصبي والعمود الفقري لأستطيع الوقوف والإمساك بالقلم.

عائلة الرئيس


* كيف كانت مشاعرك لحظة خروجك من السجن بهذه الحالة، وأنت أستاذ جامعي وناشط سياسي شهير؟
ـ إحساس المنتصر الذي يدرك أهمية تضحياته في سبيل القضية التي يدافع عنها، وأنا دائما أقول لتلامذتي إن الثورات والنضال السياسي ليسا نزهة، وإنما لابد أن يكون هناك ثمن يدفع. وأنا دفعت الثمن الشخصي في سبيل مبادئي ورفضي الاستسلام، وكان من الممكن أن أستسلم بسهولة، خاصة أن هناك ثلاثة من الأسرة التي كانت حاكمة في مصر، كانوا تلامذتي، والرئيس نفسه كان يعرفني. فأنا كنت أستاذا لعلاء وجمال مبارك وأمهما سوزان مبارك، التي عملت معي الماجستير.

* كيف حدث الانقلاب في علاقتك بأسرة مبارك حتى انتهت بسجنك؟
ـ هم كانوا مهذبين معي وأوفياء، إلى أن كتبت موضوع الجملوكية، والذي قلب الدنيا رأسا على عقب لأني تحدثت فيه عن التوريث، وطبعا أغضب ذلك مبارك بشدة، وطلب من سوزان أن تختار بين زوجها وأستاذها، فاختارت مبارك طبعا، وقالت له افعل ما تشاء، مما يدل أنهم كانوا عاملا ملطفا، وإلا كان العقاب أشد بكثير مما تعرضت له في السجن.

* إذا كان الأمر كذلك، فلماذا قبلت دخول عش الدبابير، وتعاملت مع أسرة مبارك؟
ـ أولا هي التي قررت أن تكون تلميذة عندي بالجامعة الأميركية، وبالطبع كان من الممكن أن أرفض، لكني لم أعرف حقيقة سوزان مبارك إلا بعد سنة من تتلمذها على يدي، فقد كانت وقتها زوجة نائب الرئيس السادات، وكانت تتعامل معنا باسم سوزان صالح ثابت، حتى شاءت الصدفة في إحدى المناقشات أن أكتشف الأمر من زملائها الطلاب. وأعترف أنني أكبرت فيها أنها لم تستغل منصب زوجها أبدا.

[caption id="attachment_55234617" align="alignleft" width="300" caption="حسني وسوزان مبارك"]حسني وسوزان مبارك[/caption]

* هل تذكر أول مرة التقيت فيها الرئيس مبارك؟
ـ التقيت به وهو نائب رئيس، وكان في حفل تخرج أجرته سوزان مبارك بعد تخرجها، ودعتني ضمن أساتذتها المدعوين في بيتها، وكانت أول مرة ألتقي فيها حسني مبارك شخصيا، وتجاذب معي أطراف الحديث عن مناقشاتي ومشاغباتي مع سوزان في الجامعة، قبل أن أعرف من هي، وقال لي: "سوزان كانت بتحكيلي مشاغباتك معها وأنا كنت مبسوط". ومن هنا بدأت العلاقة بأسرة مبارك، وكلما كانت هناك أشياء يحتاجها هو، كانت سوزان تقول لي: "سيادة النائب يطلب كذا".

* هل كانت شخصية مبارك ضعيفة كما يقال؟
ـ لا. هو فقط كان محدود القدرات الفكرية والعقلية، ولم يكن مبدعا، ولا يريد أن يكون كذلك. وكان فقط يريد أن يدير البلد بالطريقة التي "تحركها بالكاد" كأي واحد بيروقراطي ملتزم بأصول الوظيفة، بحيث يؤدي وظيفته على أكمل وجه. وأحيانا كان يداعبني ويهددني بأن يعينني وزيرا فأرفض على الفور بطريق المداعبة أيضا، فيرد قائلا: أعرف أن مرتب الوزير هنا أقل بكثير من مرتبك في الجامعة يا دكتور!

محاولة اغتيال


* هل شعرت بالندم بعد كتابة مقال "الجملوكية" ودفعت ثمنها غاليا؟
ـ لا. لم أندم، لإيماني العميق بأن من يتعرض للعمل العام لابد أن يتحمل مشاكله، وإلا يخرج من هذه الدائرة، كما يتعرض لهجوم، وأحيانا لتشويه السمعة، وربما يتعرض لاغتيال أيضا.

* هل تعرضت فعلا لمحاولة اغتيال؟
ـ بالفعل تعرضت للاغتيال في عام 1999، وكان في السبت الأخير من ديسمبر (كانون الأول). في هذا اليوم قرأت مقالا مطولا في جريدة "أخبار اليوم" المصرية بعنوان: "رجل لكل العصور"، وإذا بي أجده كله هجوما على شخصي، واتهاما لي بأنني متلون، وتحولت من الناصرية للساداتية وزرت إسرائيل، وانني اشتغلت مع ملوك وأميرات. وفي نهاية ذلك اليوم وأثناء عودتي لبيتي من المركز، وأنا أجلس خلف سائق سيارتي فوجئت بانقلاب السيارة، ولم أشعر بنفسي إلا وأنا في المستشفى، واتضح من كلام السائق أن شاحنة ضيّقت عليه، حتى اضطر للدخول في عمود كهرباء، وهرب سائق الشاحنة، وبدت الحادثة كأنها قضاء وقدر.

* كيف عرفت أنها مدبرة؟
ـ كانت هناك واقعة طريفة جدا في أعقاب ذلك الحادث، فبعد أن كتبت الصحف عن الحادث، زارني شخصان أحدهما صديق مغربي هو الكاتب الكبير (الراحل) محمد عابد الجابري، ومعه عادل حسين من حزب العمل عم مجدي حسين مرشح الرئاسة المحتمل حاليا، والذي أكد لي وقتها إن الحادث مدبر، لأنه نفسه تعرض لحادث مشابه، كما تعرض له أيضا رئيس تحرير جريدة "الوفد" المعارضة القوية أنذاك مصطفى شردي. وأثناء حديث عادل حسين قال لي إن هناك ما يسمى بفرق الموت، وهي فرق خاصة داخل رئاسة الجمهورية، أشبه بالحرس الحديدي، لملاحقة أي معارض لأسرة مبارك شخصيا، في تلك اللحظة وصلتني باقة ورد جميل من رئيس مباحث أمن الدولة، وأعقب ذلك مكالمة تليفونية منه قال فيها "حمد الله على السلامة يا دكتور، نحن نؤكد لك أن جهازنا ليس له علاقة بالحادث"! فسألته بتلقائية: "مين يا سيادة اللواء اللي له علاقة بالحادث؟"، فكان رده إنهاء سريع ومفاجئ للمكالمة. ولما حكيت ما حدث لضيفيّ، تأكدنا نحن الثلاثة أن الحادث كان مدبرا فعلا، وأن فرق الموت هي حقيقية، من مهمتها إهانة وإذلال من يتعرض لأسرة مبارك.

التمويل الأجنبي


* بحكم ما تعرض له مركز ابن خلدون للاتهامات والهجوم عليه، ما رأيك في قضية التمويل الأجنبي المثارة على الساحة المصرية، وتم فيها القبض على بعض الشخصيات؟
ـ أولا مركز ابن خلدون تعرض لتشويه السمعة والهجوم الشرس واتهام بالعمالة، ولكنه حصل على براءة من القضاء المصري، ولدي حيثيات الحكم كاملة، ولا أحد يمكنه التشكيك في هذه البراءة. أما بالنسبة لقضية التمويل الأجنبي فيمكن الرد عليها بثلاثة عناصر أولها ان أكبر متلق للأموال من الخارج، هما الحكومة المصرية والجيش المصري.

[caption id="attachment_55234607" align="alignright" width="210" caption="المشير طنطاوي"]المشير طنطاوي[/caption]

*هل تقصد المعونة؟
ـ نعم أليست تمويلا أجنبيا أم سماويا!؟

* لكن ما يثير الجدل هو التمويل الأجنبي السري؟
ـ إذا كانت هناك تمويلات سرية، فليخبرونا بما هو سري فيها، وإلا كيف عرفوها لو كانت سرية! أما الأمر الثاني فهو أن منظمات المجتمع المدني، التي تتلقى تمويلا من الداخل أو الخارج، فتخضع لأربع جهات رقابية أولها الجهاز المركزي للمحاسبات، والجهة الثانية هي مصلحة الضرائب، والثالثة هي مجلس إدارة الجمعية، ثم الجهة الرابعة، وهي الجهة المانحة نفسها، وهنا يثار التساؤل المهم: ماذا يفعلون بهذا التمويل، وهل يخضع للرقابة أم لا؟ وفي المقابل يجب أن نعرف من الذي يحاسب المؤسسة العسكرية، على ما تتلقاه من أموال، وهي أحد المشاكل الرئيسية في كتابة الدستور، لأنهم اعتادوا ألا يحاسبهم أحد.

* إذا كان الأمر كذلك، ففي رأيك ما سبب إثارة هذه القضية الآن؟
ـ دائما حجة البليد "مسح التختة" على رأي المثل الشهير. فإذا كان المجلس العسكري يحكم مصر منذ فبراير (شباط) عام 2011، فلماذا استغرق 11 شهرا ليكتشف هذه القضية؟! هذا سؤال إجابته أن تلك المنظمات، هي أكبر ناقد للمجلس العسكري ولأدائه، وأكثر من يسلطون الضوء على سلبياته وتعثره، لذلك قرروا أن يؤدبوهم بتشويه سمعتهم.

المجلس العسكري


*هل يعني ذلك عدم رضائك عن أداء المجلس العسكري؟
ـ لا شك أن هناك إيجابيات قاموا بها، ولكن كانت هناك سلبيات أكثر، فأذهبت سيئاتهم حسناتهم، والدليل على ذلك، المظاهرات المليونية التي طالبت بسقوط حكم العسكر، بعد أن ظلت المؤسسة العسكرية بمصر تحتفظ بمكانة عالية جدا. ولذلك كتبت مقالا قلت فيه "لماذا يصر المجلس على القضاء على البقية الباقية من هيبته؟"

* في رأيك ما أكبر خطأ للمجلس العسكري، أدى إلى تراجع شعبيته بهذا الشكل؟
ـ أول شيء هو عدم قدرته على ضبط الأمن في البلاد، وادعاؤه في كل مصيبة تحدث، أن هناك طرفا خفيا وراءها، وهو الطرف الثالث الذي أصبح مثار تندر المصريين عليه، والى الآن لم يسارعوا بالتحقيق في كل الأحداث الساخنة السابقة، سواء في أحداث وزارة الداخلية ومجلس الوزراء، أو إمبابة أو ماسبيرو، بينما وجدناهم في المقابل "شدوا حيلهم قوي" على منظمات المجتمع المدني "طيب إشمعنا بقى!!" وهذا يسمونه في علم النفس "البحث عن كباش فداء" فأثار المجلس هذا الموضوع لشغل الناس به، وإثارة أحقاد المصريين ضدهم.

* في خضم هذه الأحداث، كيف ترى مجلس الشعب المصري؟
ـ إلى الآن أداؤه لا يستحق أكثر من 5.5 على عشرة، لكنه طبعا أفضل من مجالس الشعب السابقة، وأكثر شرعية منهم، كما أن أداء القوى السياسية داخله، يعتبر إلى الآن على قدر معقول من الرشد.

* ما هي أوجه القصور في أدائه؟
ـ أولا الاستعراض في الجلسات خاصة. الجلسة الأولى التي أعطت للناس انطباعا سيئا، بينما المفترض أن تكون هناك هيبة واحترام للمجلس، وتكون هناك مسافة بينه وبين الجماهير، لأنه ليس المهم فقط أن يؤدي المجلس دوره، بل الأهم أن يحترمه الناس. لكن ما حدث للأسف، خاصة في الجلسات الأولى، أساء للمجلس.

اختطاف الثورة


*هل تقبل وجود حكومة من الإخوان بحكم أغلبيتهم في البرلمان؟
ـ الإخوان لم يشتركوا في الثورة، إلا بعد خمسة أيام. أما السلفيون فلم يشاركوا نهائيا، ومع ذلك فالإسلاميون هم الذين اختطفوا الثورة، وهذه ليست أول مرة، لأن اختطاف الثورات له سوابق في التاريخ، كما حدث في الثورة البلشفية في روسيا عام 1917، وكذلك الثورة الإيرانية ضد الشاه عام 1979. وفي الثورة المصرية أخطأ الثوار بعدم مسارعتهم بتشكيل أحزاب، ولأنهم كانوا أطهارا لم يفكروا في السلطة، بل كانوا يرفضونها، وبالتالي فهم تركوا الميدان قبل أن تكتمل الثورة وهذا كان خطأ كبيرا.

[caption id="attachment_55234608" align="alignleft" width="270" caption="عبدالمنعم أبو الفتوح"]عبدالمنعم أبو الفتوح[/caption]

*هل توافق على منح الإخوان الفرصة؟
ـ نعم فأنا مع إعطاء كل فرد فرصة، لأني أفترض في الجميع حسن النية والوطنية والإخلاص، إلى أن يثبت العكس، والعكس يثبت بحكم قضائي بات ونهائي. وأرجو أن تختفي لهجة التشكيك في الآخر من دون دليل، ومن حق الإسلاميين أن يأخذوا فرصتهم، ولكن عليهم أن يحترموا قواعد اللعبة.

* هل أنت متفائل بمستقبل مصر في ظل سيطرة الإخوان؟
ـ نعم، لأني أعتقد أنهم سيستمدون القدوة الصالحة من تركيا، وحزب العدالة والتنمية التركي أنجز إنجازات عظيمة، ووضع تركيا في مقدمة الدول الاقتصادية الكبرى في العالم.

رئيس مصر


* في رأيك ما مواصفات رئيس مصر المقبل؟
ـ نحن لا نريد ملاكا ولا هيركليز، بل نحن بحاجة إلى إنسان سوي ناضج، يكون نموذجا صالحا للجيل الحاضر وأحفادنا في المستقبل.

* ألا تشترط خبرة الرئيس واتجاهه السياسي؟
ـ لا يشترط الخبرة، لأن الجميع يتعلم.

* وهل الوضع حاليا يحتمل أن يحكم مصر رئيس بلا خبرة ويتعلم في أهلها؟!
ـ ولم لا؟ يجب أن نعطي الشباب الفرصة، والذين قاموا بثورة 1952 في مصر، كانوا شبابا في الثلاثينات من العمر. كما أن الثورات في العالم كله يقوم بها الشباب، ومن يحكم في ظلها يكون من الشباب.

* أي المرشحين يحظى بتأييدك، وتراه الأنسب لحكم مصر؟
ـ للعلم لقد حاولت في بداية الأمر ترشيح نفسي لكسر حاجز الرهبة عند المصريين، لكن القوانين حاليا تمنع ترشحي، لأنني متزوج من أجنبية. وفي البداية أيدت البرادعي، وعندما انسحب كان الأقرب إلي هو المستشار هشام البسطاويسي، الذي أعلن أيضا انسحابه من السباق، وأيدت أيمن نور لفترة، ولكن يبدو أن قضيته ستمنعه بسبب حكم المحكمة الصادر ضده. وحاليا الأقرب لقلبي هو الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح.

* ما الذي جذب تأييدك لأبو الفتوح، على الرغم من اختلاف المرجعيات الفكرية بينكما؟
ـ أولا لأنه مارس النشاط الطلابي وسجن مثلي، فهناك تقارب في هذين الأمرين، فهو رجل ناضل من أجل أفكاره ومبادئه، ودخل السجن دفاعا عنها، ومن ثم فهو جدير بهذا المنصب. كما كان له نشاط نقابي كبير، ومن له مثل هذا النشاط تكون لديه فرص عديدة لتعلم كثيرا من المهارات. وقد تعرفت عليه، وأنا نقيب للاجتماعيين من خلال الدكتور عصام العريان.

لقاء سري


* هل تعتقد بوجود تواصل بين أميركا وبين الإسلاميين؟
ـ طبعا. بدليل زيارتهم لمقر الإسلاميين. وأذكر أثناء سجني كان الدبلوماسيون الأجانب يزورونني ويسألونني عما أراه في السجن، فحاول بعضهم الالتقاء بمساجين من الإسلاميين، لكن إدارة السجن رفضت بناء على أوامر الداخلية. وعند خروجي من السجن قال لي الإخوان المساجين "نحن لنا إخوان خارج السجن، فساعدهم أن يتحاوروا مع الدبلوماسيين الأجانب"، وفعلا عقدت 3 حوارات للإسلاميين مع الدبلوماسيين الأجانب في النادي السويسري بامبابة ـ حي شعبي قرب القاهرة ـ وكان ذلك بحضور كل من الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، والدكتور عصام العريان، والمفكر جمال البنا، الشقيق الأصغر لحسن البنا.



* وماذا دار في هذه اللقاءات؟
ـ نفس ما يثار الآن عن مواقف الإسلاميين من الأقباط والمرأة، وموقفهم من الإبداع والفنون، وموقفهم من الغرب وإسرائيل، وكانت ردود الإخوان مطمئنة للغرب في كل شيء. وكذلك ما يحدث الآن من الإخوان يطمئن الغرب، بأنه لن تحدث هزات في مصر.

خماسين الربيع العربي


* كيف تقيم الثورات العربية في ظل سيطرة عسكرية في بعضها، وسيطرة إسلامية في دول أخرى، وحالات فوضى في مناطق عربية ثالثة؟
ـ هذا الأمر يسمونه في أدبيات السياسة الغربية بالربيع العربي، فهو بالفعل ربيع عربي، ففي الربيع نعتاد على هبوب رياح الخماسين، وما يحدث الآن على الساحة العربية من كبوات، هو أشبه بالخماسين داخل الربيع العربي. لكن عندما نقيم المشهد العربي ككل، نجد أن الموضوع يسير بسلاسة جدا في تونس، ونصف سلس في كل من مصر وليبيا، وثلثي سلس في اليمن، وربع سلس في سوريا، ولكن بشكل عام نجد أن الثورات العربية كلها تمثل الربيع العربي، وقد نقلت العالم العربي، نقلة غير مسبوقة، لأن الثورات تأخرت 12 سنة.

* لماذا؟
ـ لأنه في نهايات الثمانينات وبداية التسعينات، شهد العالم تحولات كبيرة جدا في شرق أوروبا ووسطها وأميركا اللاتينية وشرق آسيا ماعدا العالم العربي، وهو ما جعل المستشرقين يستخدمون تعبيرا جديدا ظل سائدا لمدة 12 سنة وهو "الاستثنائية العربية" أي ما حدث وصل للعالم كله، إلا المنطقة العربية، وكأن العرب مخلوقات أقل عقلا ودينا وإحساسا، وكنت أحاول مقاومة هذه النزعة الاستشراقية في تحليل تلكؤ الديمقراطية في العالم العربي، ودافعت باستماتة لحساسية الموضوع بالنسبة لنا كعرب، حتى تحركت الأمور تدريجيا.

*هل تعتقد بوجود علاقة بين ما يحدث في العالم العربي الآن، والفوضى الخلاقة التي دعت إليها رايس وزيرة الخارجية الأميركية السابقة؟
ـ لا، لا. فوضى خلاقة في أي شيء؟! أميركا بعيدة عن ذلك كله. لكن ما حدث هو وليد إحساس الشعوب العربية بالقهر من مدة طويلة، لكن الحكام كانوا يستخدمون أسلوبين لمواجهة ذلك الأول: تشويه سمعة الثوار. والثانية: اختلاق أعداء خارجيين وفزاعات خارجية كإسرائيل مثلا، وذلك كله لتأخير التغيير، كما كانت المؤسسة الأمنية عنيفة جدا في التعامل مع الناس، مما أدى إلى خلق حاجز خوف ضخم جدا، فكانت المعارضة الفردية أشبه بمن يلقي طوبة صغيرة لا يمكنها تدميره. ولكن ما فعلته الثورات أنها حطمت حاجز الخوف بالكامل، وعندما تتحطم هذه الحواجز، يبقى الركام والأتربة وبواقي التكسير، وهذا هو ما نعيشه الآن، وبسببه لم نستشعربقيمة الثورة.

ما بعد الجملوكية


* بعد مقالك الشهير من 15 سنة عن الجملوكية والتنبؤ بتحول الجمهوريات إلى ملكيات بماذا تتنبأ عن المستقبل؟ وهل ما يحدث الآن هو بداية لسقوط الجمهوريات في العالم؟
ـ أولا عدد الجمهوريات يتزايد في العالم. أما الجملوكيات فحتى الآن مازال عندنا ثلاث منها إحداها في كوريا الشمالية، وثانيها في أحد بلدان الكاريبي والثالثة هي سوريا.

*هل تسقط الجملوكية السورية قريبا؟
ـ أتوقع أنها ستقع قريبا من الداخل، ومن دون تدخل عسكري خارجي، لأن المعارضين أنفسهم يرفضون التدخل الأجنبي، وكل ما يطلبونه هو الحظر على الطيران، ووقف السلاح والتمويل للحكومة السورية الحالية.

* كيف ترى المستقبل العربي بعد قيام الثورات فيها؟
ـ الموجة الرابعة للثورات في العالم، والخاصة بالمنطقة العربية، أتوقع أن تكتمل الدائرة لنقضي على مسمى الاستثنائية العربية، بل ان ثوراتهم ستقتدي بها شعوب البلدان الأخرى التي لم تمر بها هذه الموجة.
font change