فرحات أكد في حواره مع "المجلة" أن ترشح سليمان يعني طي صفحة حكم مبارك للأبد، مؤكدا أنه إن لم تقم ثورة ثانية قبل الانتخابات الرئاسية، فلن يجد المصريون بدا من اختيار عمر سليمان رئيسا لهم، بعد أن فقد الإسلاميون أصوات الكتلة الوسطى الكبيرة، لعدم وفائهم بالعهود. كما كشف عن وجود اتفاقات سرية بين الإسلاميين والعسكر، انتهت بتوتر في العلاقات بسبب محاولات الإخوان التملص منها.
فرحات أكد أيضا عدم سلامة الموقف القانوني لبعض مرشحي الرئاسة، ومنهم المهندس خيرت الشاطر والدكتور أيمن نور، متوقعا استبعادهما من قبل لجنة الانتخابات الرئاسية وهو ما تم بالفعل في انتظار الطعون.
وقال فرحات إن الطموحات السياسية قد أعمت الأبصارعن الشروط القانونية للترشح، وكشف عن عدم شرعية الدستور المصري لو تمت كتابته بالأسلوب الاستئثاري لجماعة الإخوان المسلمين - على حد وصفه - متهما إياهم بالكذب وممارسة المناورات السياسية بدافع نهمهم الشديد للسلطة. كما اتهم الدكتور فرحات، بعض مرشحي الرئاسة بتخليهم عن المبادئ لقيامهم بتغييرانتماءاتهم السياسية، وتحولهم من الانتماء لتيارات ليبرالية إلى إسلامية متشددة، في إشارة إلى مرشح الرئاسة الدبلوماسي الدكتورعبد الله الأشعل وكيل وزارة الخارجية المصرية الأسبق. ووصف الحالة العامة للانتخابات الرئاسية بأنها ارتجالية غير مفهومة. كما ثمن التجربة التونسية في إدارة أمورها بعد الثورة، مشيرا إلى أنه لو كانت مصر انتهجتها، لما دخلت في النفق المظلم.
يذكر أن الدكتور محمد نور فرحات، كان كبير مستشاري الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وعضو مجلس إدارة المعهد العربي بحقوق الإنسان بتونس، ومدير مركز البحوث القانونية باتحاد المحامين العرب، وله مواقف سياسية معارضة لسياسات المجلس العسكري وللجنة التعديلات الدستورية، كما تقدم باستقالته مؤخرا من منصب الأمين العام للمجلس الاستشاري، اعتراضا على سياسات المجلس العسكري والإخوان.
انطلاقا من خبراته السياسية والقانونية، التي مكّنته من استباق قرار لجنة الانتخابات وللافادة ننشر هذا الحوار في انتظار ما سوف تتمخض عليه الساعات والأيام القادمة من مفاجآت وتقلبات في الحياة السياسية المصرية.
نور والشاطر وأبو اسماعيل
* ما تقييمك للموقف القانوني لمرشحي الرئاسة؟
ـ هناك بعض المرشحين لديهم مشاكل قانونية، ومنهم تحديدا المهندس خيرت الشاطروالدكتور أيمن نور لصدور أحكام قضائية ضدهم في قضايا جنائية ولا يجوز لهم مباشرة الحقوق السياسية، إلا برد الاعتبار أو وفقا للمادة 379 من قانون الإجراءات الجنائية، التي تنص على ضرورة مرور خمس سنوات على العفو أو تنفيذ العقوبة، وبالتالي فهما محرومان من مباشرة الحقوق السياسية، ولا يكفي العفو عنهما للترشح للرئاسة.
* لكن هناك من يتحدث عن قرارعفو شامل؟
ـ إن قانون مباشرة الحقوق السياسية يمنع مباشرتها على كل من ضده حكم جنائي، طالما لم يرد له الاعتبار، وهو ما لم يحدث. والعفو الشامل الذي يتحدثون عنه من سلطات مجلس الشعب، وهو ما لم يصدر بحق الشاطر ونور، حيث إن العفو الصادر من المجلس العسكري ليس عفوا شاملا.
[caption id="attachment_55234191" align="alignleft" width="300" caption="عمر سليمان"][/caption]
* ما تفسيرك لاستمرار المضي في الترشح على الرغم من وجود هذه الموانع القانونية؟
ـ لأنه لا توجد لدى كثير من الأوساط السياسية عناية كافية بالقانون، لأن الطموحات السياسية تعمي الأبصار، ولكني أتوقع استبعاد الشاطرونور بقرار اللجنة الإنتخابية الرئاسية بالإضافة إلى احتمالات وجود عقبة قانونية للمرشح حازم أبو إسماعيل، بسبب حصول والدته على الجنسية الأميركية وأتوقع أن يتم استبعاده هو أيضا، بجانب ما قد تظهره الأوراق من افتقاد بعض المرشحين لشروط الترشح للرئاسة.
عمر سليمان!
* ما رأيك في قانونية ترشح عمر سليمان للرئاسة، بعد أن أعلن انسحابه من قبل؟
ـ بالنسبة للسيد عمر سليمان أو الفريق أحمد شفيق، فهما من رموز النظام السابق، لكن قانون العزل الذي أصدره المجلس العسكري من عدة شهور، يشترط لعزل الشخص الذي أفسد الحياة السياسية، أن يصدر ضده حكم قضائي بناء على تحقيقات من النيابة العامة، وهذا لم يحدث في حق الفريق شفيق ولا اللواء عمر سليمان.
* لكن ألا يتناقض ترشحهما مع اعتبارات الملاءمة السياسية؟!
ـ أرى أن ترشيح سليمان لنفسه وكذلك شفيق، هو حق كفله الدستور، وأنا ضد مسألة إدانة الترشيح، لكن من الناحية السياسية فهي محاولة لطي صفحة الثورة، وإعلان انتهائها بتنحية مبارك، وسجن بعض معاونيه. كما أن ترشيح سليمان يعني استمرار نفس الآليات التي كانت مستخدمة في عهد مبارك، وأنه لن يتم فتح الملفات المغلقة، مثل ملفات التعذيب وتزوير الانتخابات، وملفات الفساد المالي الأكثرعمقا مما هو معلن، حيث ستغلق كل هذه الملفات لو تولى سليمان رئاسة مصر. إلا أن الجانب التراجيدي في هذه المأساة، الأشبه بالمآسي الإغريقية أن المصريين وفقا لما خطط له سياسيا وليس قانونيا في إدارة المرحلة الانتقالية، وما عانوه خلالها من أزمات اقتصادية وأمنية، قد يجدوا أنفسهم أكثر ميلا لانتخاب أحد رموز النظام السابق، المتمثل بالدرجة الأولى في اللواء عمر سليمان، طمعا في الأمن المفقود، وشوقا للاستقرارالذي يفضلونه على مطالب الثوار، وأعتقد أنه إذا لم تقم الثورة مرة ثانية قبل الانتخابات الرئاسية، فستكون مؤشرات نتائج انتخابات الرئاسة المصرية في اتجاه عودة النظام السياسي السابق، المتمثل في نائب الرئيس المخلوع الوحيد، ووزيرمخابراته لسنوات طويلة.
الإخوان والسلفيون
* ما تعليقك على أداء القوى السياسية المختلفة في السباق الانتخابي؟
ـ بالنسبة للإخوان فقد أعلنوا مرارا من قبل، أنهم لن يتقدموا بمرشح رئاسي، ثم خالفوا ما وعدوا به الشعب، وتقدموا بالشاطر، ثم خالفوا مرة ثانية، وتقدموا بمرشح آخر، تحسبا لاستبعاد الأول، وهذا منهج براغماتي من الدرجة الأولى، وبعيد كل البعد عن مبادئ الوفاء بالعهود، التي هي من ركائز الأخلاقيات الإسلامية، وهم بذلك لا يختلفون عن أي قوى سياسية أخرى تعتمد على المناورة. ومن ناحية السلفيين، فأنا مندهش من أن يتم الدفع بمرشح لم يعلم عنه على مدى تاريخه كله، التمسك بأطروحات إسلامية كالسفير عبد الأشعل، خاصة أنه بدأ منحازا لليسار، ثم تحول فأصبح ليبرالي الفكر، إلى أن فوجئنا أخيرا بترشحه للرئاسة عن أكثر الأحزاب السلفية تشددا، وهو حزب الأصالة المصري، وكأن تغييرالرؤى السياسية أصبح سهلا كتغيير الملابس الخارجية، وأن المسألة لم تعد مبادئ أو قناعات فكرية، بل أصبحت ذات طابع ارتجالي غير مفهوم، ولو كان السلفيون رشحوا الشيخ محمد حسان أو صفوت حجازي كرموز إسلامية معروفة، لكان الأمر متسقا.
[caption id="attachment_55234190" align="alignright" width="270" caption="خيرت الشاطر"][/caption]
* بشكل عام كيف تقيم أداء الإسلاميين السياسي، وخاصة الإخوان خلال الشهور الماضية؟
ـ أداؤهم محكوم بقيمة واحدة هي النهم الشديد إلى السلطة، وتاريخ الإخوان منذ عهد جمال عبد الناصر وحتى اليوم، يؤكد ذلك، فهم كالفراشات عندما تشاهد الضوء تنجذب نحوه، بصرف النظر عن كونه سيحرقها أم لا. فبمجرد أن لاح في الأفق حصولهم على أغلبية البرلمان ومجلس الشورى، تفتحت شهيتهم للاستحواذ على السلطة التنفيذية، بصرف النظر عن أية ملاءمات سياسية أو دستورية. بل إن شهية الإخوان المسلمين تفتحت أيضا على الجمعية التأسيسية لوضع الدستور، حتى وصل الأمر إلى التطلع لمنصب الرئيس. فالنهم الشديد إلى السلطة، والافتقار إلى الخبرة والدراية القانونية والدستورية وراء كل ذلك.
دستور مصر
* في رأيك ما سبب تعثر الجمعية التأسيسية للدستور؟ وماذا تتوقع لملامح دستور مصري يوضع في ظل هذه الأجواء العصيبة؟
ـ المفترض أن يتم تشكيل الجمعية التأسيسية من خارج البرلمان، ويقتصر دور أعضاء مجلسي الشعب والشورى على اختيار أعضاء الجمعية التأسيسية من دون المشاركة فيها، لذا كان تشكيل الجمعية بهذا الشكل، صادما للقوى الليبرالية لسيطرة الإسلاميين عليها، ومن ثم يكون لهم اليد العليا في وضع الدستور، وهذا يتنافى مع كل دعاوى التوافق. وفي ظل هذه الأوضاع، لا يمكن لدستور مصري أن يوضع بهذا الشكل ولن ينجح الاخوان في كتابته لو استمروا في العمل بهذا الأسلوب الاستئثاري. ولو طرح الدستور على هذا النحو، فسيفتقد إلى الشرعية، وأشك أنه سيعرض للاستفتاء الشعبي، وحتى لو عرض لن تتم الموافقة عليه، وهو ما كنا نحذر منه سابقا، ونحن نندد بالتعديلات الدستورية ونعلن رفضنا لها.
* لكن الإخوان المسلمين يعولون كثيرا على الشارع المصري، بعدما لمسوا شعبيتهم الجارفة في الانتخابات البرلمانية؟
ـ أعتقد أن الإخوان المسلمين قد فقدوا كثيرا من قواعدهم التي كانت وراء نجاحهم في الانتخابات البرلمانية، وخسروا أصوات الكتلة الوسطى الكبيرة التي تحسم نتائج الانتخابات والاستفتاءات. فقد صوتوا لهم باعتبارهم قوما صالحين، ولكن تكشفت أمامهم أنهم لا يختلفون عن باقي القوى السياسية، لأنهم يكذبون ويناورون ويسعون إلى إقصاء الآخرين، وهو ما لا يتعاطف معه الشعب المصري، بل ويرفضه، لأنه يشبه الممارسات التي كان يتبعها الحزب الوطني الحاكم في عهد مبارك.
ارتباك!
* أشرت في معرض حديثك عن رفضك السابق للتعديلات الدستورية. هل تعتقد أنها السبب فيما تعانيه مصر الآن؟
ـ لقد بح صوتي في كل وسائل الإعلام في العام السابق، وقبيل إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية بالتحذير منها، وقلت إنها ستضع مصر في مأزق وتدخلنا في نفق مظلم، وهو ما حدث للأسف الآن، فالترتيبات المرتبكة التي وضعتها لجنة التعديلات الدستورية، أدت إلى إطالة أمد المرحلة الانتقالية، وبقاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة في السلطة والحكم، وضعف الحكومة السابقة في مواجهة الأحداث المتكررة في الشارع المصري، مما زاد من حدة الاحتجاجات وإثارة الفوضي في الحياة المصرية، وكنت أفضل أن نسير على السيناريو الإصلاحي التونسي، وهو جيد جدا، بحيث يتم بتشكيل الهيئة العليا لحماية مكتسبات الثورة، والإشراف على الإصلاح الدستوري والديمقراطي.
[caption id="attachment_55234194" align="alignleft" width="300" caption="طنطاوي والكتاتني.. هل توجد اتفاقات سرية بين الاخوان والعسكر!"][/caption]
* ما أخطاء لجنة تعديل الدستورالسابقة التي تسببت في مأزقنا الدستوري الحالي؟
ـ لقد قلنا لا للتعديلات الدستورية ككل في مارس (آذار) من العام الماضي، لأنه كانت هناك مؤشرات أن لجنة التعديلات الدستورية كان تيار الإسلام السياسي يحتل فيها موقعا بارزا، وكان يخطط لسيطرة التيار الإسلامي على عملية وضع دستور مصرالقادم، وجعلت بناء المؤسسات مقدما على وضع الدستور، لإدراكها أنها في لحظة تاريخية غير قابلة للتكرار، ومن ثم كانت حريصة على تركيز السلطات في أيديها قبل وضع الدستور، حتى يتسنى لها تشكيل الدستور. إنما لو كنا مخلصين وأوفياء، لكنا بدأنا بوضع الدستور الجديد، لأنه هو الذي يحدد مواصفات وصلاحيات واختصاصات السلطات المختلفة، بما فيها رئيس الدولة والبرلمان، ثم تأتي الانتخابات بعد ذلك في كافة المؤسسات على أساس الدستور القائم، الذي يرضى عنه الجميع، لكن هذا ما لم يحدث، والذي حدث هو مسلسل مرتبك تحكمه مصلحة تيار الإسلام السياسي.
اتفاقات سرية
* ومن المسؤول عن هذا الارتباك؟
ـ سوء إدارة الفترة الانتقالية بواسطة المجلس العسكري. وأنا أميل للاقتناع بأن هناك اتفاقات غير معلنة بين المجلس العسكري وبين جماعات الإسلام السياسي لإدارة السيناريو على هذا النحو، وهناك محاولات للتملص منها بواسطة الإخوان المسلمين، ما أدى لإحداث وضع أشبه بالتوتر في العلاقة بين الإخوان والعسكر، تمثل في محاولة الإخوان سحب الثقة من حكومة الجنزوري، وبيان المجلس العسكري شديد اللهجة، وبيان حزب الحرية والعدالة. والمأساة في الأمر أن هذه الاتفاقات السرية، تتم بعيدا عن الشعب بواسطة قوى تزعم إدارة المرحلة الانتقالية لصالح الشعب.
*هل كان لهذا الارتباك أثره في تقدمك بالاستقالة من منصب الأمين العام للمجلس الاستشاري؟
ـ لقد تم تشكيل المجلس بهدف أن يكون همزة الوصل بين الجماهير ونبض الشارع، ومواجهة الأزمات بما يضم من مجموعة من السياسيين والمثقفين، الذين يمثلون كافة الأطياف السياسية في مصر. لكن للأسف ظهر جليا أنه رغم وعد المجلس الأعلى للقوات المسلحة، أن يصدر إعلانا دستوريا بمعايير وإجراءات تشكيل جميعة وضع الدستور، حتى لا يستحوذ أي تيار سياسي بتشكيل الدستور، إلا أنه ظل يعلق ذلك على توافق وطني، كما وجدت أن المجلس ليس له أي صلاحية. فهو مجلس يضم مجموعة من المستشارين لا يستشيرهم أحد، فأصبح كأنه مجلس يتحدث مع نفسه، وليس مع المجلس العسكري، رغم أنه مستشاره في الأصل. ولعدم جدواه قدمت استقالتي.