اختطف مسلحون يمنيون اليوم عبد الله الخالدي نائب القنصل السعودي في عدن، كبرى مدن الجنوب، حيث ينشط تنظيم القاعدة الإرهابي.
وقد أعلنت الشرطة اليمنية أن مسلحين مجهولين قاموا بخطف الخالدي بينما كان خارجا من منزله في حي المنصورة.
ويسيطر مسلحو تنظيم القاعدة على مناطق واسعة في جنوب اليمن في ظل انعدام الأمن ووسط فوضى عارمة تسود البلاد من شماله الى جنوبه عقب الاضطرابات التي اجتاحت اليمن منذ أكثر من عام وأجبرت الرئيس علي عبدالله صالح على التنحي.
هذه العملية الأخيرة، ليست الأولى التي تستهدف دبلوماسي سعودي فقد سبق عملية الاختطاف عملية اغتيال الدبلوماسي السعودي لدى بنغلاديش خلف العلي في السادس من مارس (آذار) عام 2012 واحباط مخطط لاغتيال السفير السعودي في واشنطن، عادل الجبير.
هذه العمليات الارهابية التي تنفذها الجماعات المتطرفة أو تلك التي ترعاها وتسندها دول تعود الى عقود خلت حيث تعرض دبلوماسيون سعوديون لأكثر من عشرين اعتداء في أنحاء من العالم ما دفع الخارجية السعودية إلى ابداء قلقها إزاء الظاهرة.
وقالت الوزارة إنها تمتلك الآلية التي تحمي بها موظفيها في الخارج وإن ثمة تعليمات دورية غير "معلنة" ترسل لرعاياها بغية حماية أنفسهم وذويهم، وإنها تبقى ضمن الإجراءات السرية التي لا تحبذ الخارجية كشفها خشية اختراقها.
السفير أسامة نقلي رئيس الدائرة الإعلامية في الخارجية السعودية وفي تصريحات لجريدة "الشرق الأوسط" قال إن "الحماية بالعادة توفرها الدول المضيفة، استنادا للأعراف السياسية وبموجب الاتفاقات الدولية، بحيث تقوم تلك الدول بحماية البعثات الدبلوماسية".
وأكد نقلي أن "السعودية لديها رجال أمن في تلك السفارات، وفقا لما تتيحه القوانين الدبلوماسية في تلك الدول في ما يختص بحماية السفارات بالتنسيق مع السلطات الأمنية في السلطات المضيفة"، موضحا أن "الإدارة المختصة في وزارة الخارجية تقوم بإرسال تعليمات دورية أمنية لجميع الموظفين الدبلوماسيين في دول العالم حول الخطوات الأمنية التي ينبغي على الدبلوماسيين تتبعها من وقت لآخر".
مراحل ثلاث
تاريخ الاغتيالات واستهداف الدور السعودي شهد ثلاث حقب مختلفة من عمليات قادها اليسار العربي المتطرف، وعمليات قام بها "الإسلام السياسي" وأخيرا إرهاب الدولة.
الإرهاب السياسي لليسار العربي تصاعد في حقبة السبعينات كمنهج تبنته منظمات فلسطينية راديكالية واستهدفت المصالح السعودية في اقتحام سفاراتها وخطف دبلوماسييها ومقايضتهم بسجناء في دول آخرى، ومنها اقتحام سفارتها في باريس عام 1972 واحتجازها عددا من الرهائن، والمطالبة بإطلاق سراح نشطاء من السجون الأردنية.
في أول عمليات المنظمة فور أنشقاقها من منظمة فتح، قامت منظمة فتح - المجلس الثوري الفلسطينية بزعامة صبري البنا "ابونضال" بخطف طائرة ركاب سعودية عام 1974. وتمددت عمليات الإرهاب اليسارية لتصل إلى بيروت عام 1984 باختطاف القنصل السعودي وعام 1987 باستهداف أحد دبلوماسيي الملحقية الثقافية في بيروت ايضا.
المرحلة الثانية شهدت عمليات الإسلام السياسي في تبني المنهج نفسه ضد المصالح السعودية. كانت طهران تستضيف حتى نهاية عام 1992 مقار 25 تنظيما إسلاميا راديكاليا عبر العالم، وتدرب كوادر إسلامية في مراكز بإيران، وتقدم دعماً مادريا ولوجستيا. وقد اعتبرت إيران تصدير الثورة ومساندة حركات المعارضة الراديكالية بخاصة ذات التوجه الإسلامي في الدول المجاورة أسلوبا لهذا الهجوم الوقائي مستغلة البريق الأيديولوجي للثورة في سنواتها الأولى.
شهد عام 1988 اغتيال احد دبلوماسيي السفارة السعودية في انقرة واطلاق النار على نائب القنصل بكراتشي في العام نفسه وتبنتهما منظمات متطرفة أو مرتبطة بالجهاد الإسلامي.
المرحلة الثالثة شهدت إرهابا أشد وأخطر، ذلك الذي ترعاه الدول، وقد تصاعدت وتيرة العمليات باستهداف مباشر لدور المملكة الدبلوماسي. "ارهاب الدولة" هنا، إيراني بامتياز. وقد تجلى هذا المخطط عبر اقتحام السفارة السعودية في طهران، والاعتداء على دبلوماسيي المملكة واغتيالهم في دول مختلفة، أكدت جل التحقيقات أن أيادي إيران غير بعيدة عن جميعها.
سبق جريمة بنغلادش الأخيرة، محاولة اغتيال الجبير في واشنطن، واغتيال الدبلوماسي السعودي لدى باكستان حسن القحطاني عام 2011 والذي اتهمت في حينها بعض الصحف ووكالات الانباء العالمية، جماعات إرهابية تابعة للحرس الثوري الإيراني بالوقوف وراء حادثة الاغتيال، أثناء توجهه لمقر عمله في القنصلية السعودية بمدينة كراتشي الباكستانية.
وعلى الرغم من أن حركة "طالبان الباكستانية" قد تبنت الاعتداء، إلا أن صحيفة "الغارديان" البريطانية تطرقت بتاريخ 17 مايو (أيار) عام 2011 لاحتمالات أن يكون الهجوم الإرهابي الذي تعرض له الدبلوماسي السعودي في كراتشي، يأتي على خلفية التوترات الطائفية القائمة بين السُّنة والشيعة في مناطق عدة بالشرق الأوسط وباكستان، فيما قالت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية في ثنايا تقرير حول "جريمة كراتشي": "إن إيران تمد الجماعات الشيعية في باكستان بالأموال منذ ثمانينات القرن الماضي". مشيرة إلى أن مدينة كراتشي تُعتبر "ساحة حرب" إيرانية ضد الدبلوماسية والمصالح السعودية.
يذكر أن إيران قد دعمت منذ عام 1979 قيام "حركة تطبيق الفقه الجعفري" في باكستان، وهي جماعة شيعية مسلَّحة، بزعامة عارف حسين الحسيني أحد طلاب الخميني، حتى اغتياله في أكتوبر (تشرين الأول) 2001.
إرهاب الدولة
محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن كان مخططا إيرانيا بامتياز، وحسب
الوثائق الأميركية لم يكن المخطط الإيراني الذي كشفت عنه اللقاءات بين العميل الأمريكي من أصل إيراني والضباط الإيرانيين وتجار المخدرات المكسيكيين يشمل قتل الجبير في بادئ الأمر، بل تشير الوثائق الأمريكية الى أن المخطط كان يهدف إلى تفجير السفارة السعودية.
لكن في بداية أغسطس الماضي تم الطلب من العميل "منصور اربابزيار" الاتفاق مع العصابة المكسيكية على إضافة السفير السعودي عادل الجبير الى قائمة الأهداف. كان اربابازير يتلقى التعليمات من علي غلام شاكوري وهو ضابط في فيلق القدس ومسؤول عن وحدة حزب الله ـ الحجاز. والخطة الإيرانية تقضي بالاستعانة بعصابات المخدرات المكسيكية لإبعاد الشبهات عن إيران والإيحاء بأن الجريمة تتخذ طابع الجريمة الدولية المنظمة.
يقول المحقق الامريكي "روبرت وولسزن" الذي تابع القضية في تحقيقاته إن "اربابزيار" سافر في 24 مايو 2011 الى المكسيك حيث عقد لقاء بأحد رجال العصابات المعروفين الذي لم يكن سوى متعاون مع مكتب مكافحة المخدرات الأمريكية في المكسيك. وطلب العميل الإيراني من رجل العصابات المكسيكي القيام بهجوم على السفارة السعودية في واشنطن عبر تفجيرها بشحنة من المادة شديدة التفجير. وأطلع العميل المكسيكي رؤساءه الأمريكيين في مكتب مكافحة المخدرات على المخطط وبدورهم نقلوا المعلومات لمكتب التحقيقات الفيدرالية.
وفي 23 يونيو 2011 سافر "اربابزيار" الى المكسيك مرة أخرى ليطلع العصابة المكسيكية على تغييرات في المخطط، ويضيف السفير السعودي عادل الجبير إلى قائمة الأهداف حسب رغبة رؤسائه في إيران.
وفي قضية اغتيال الدبلوماسي السعودي خلف بن محمد سالم العلي في العاصمة البنغلاديشية دكا في السادس من مارس الجاري أفادت تقارير صحافية عالمية أن أصابع الاتهام تشير إلى تورط السفارة الإيرانية في العملية الارهابية.
فقد ذكرت صحيفة "ويكلي بلتز" البنغالية الأسبوعية، أن أصابع الاتهام تشير إلى السفارة الإيرانية في دكا، أو قتلة أرسلتهم طهران إلى بنغلاديش.
ولاحظت الصحيفة أن العلي قُتل في أحد الأحياء المحاطة بترتيبات أمنية مشددة، مما يشير إلى أن الجهات التي نفذت عملية الاغتيال تتمتع بالحماية، أو قادرة على تخطي الترتيبات الأمنية بما لها من غطاء دبلوماسي.
محللون أمنيون يربطون تاريخ إيران في استهداف الدبلوماسيين السعوديين بأحداث موسم حج عام 1980 واقتحام مقر السفارة السعودية في طهران بتاريخ 4 نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1980 واحتجاز الدبلوماسيين السعوديين بداخلها، ومن ثم الاعتداء عليهم من قبل بعض المجموعات.
وكان القنصل السعودي في طهران وقتها رضا عبد المحسن النزهة، من بين الذين تعرضوا للاعتداء إلى جانب حرق محتويات السفارة، مما أدى لمقتل الدبلوماسي مساعد الغامدي.
وكلاء الإرهاب
وتشير كثير من الاعتداءات على المصالح السعودية في مختلف انحاء العالم إلى اياد إيرانية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، عن طريق وكلاء من الجماعات الارهابية أو الجريمة المنظمة.
وفي بحث اجراه ماثيو ليفيت مدير برنامج "ستاين" لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن، عن شبكة "حزب الله" اللبناني في تايلند وتاريخ عملياتها الارهابية ضد المصالح السعودية والكويتية، يربط بين اعتقال الشرطة التايلندية في مطار بانكوك عتريس حسين المشتبه بأنه عميل سري لـ"حزب الله" قبل أشهر، والوصول إلى مخبأً للمتفجرات الكيميائية في العاصمة بانكوك.
[caption id="attachment_55233828" align="alignleft" width="300" caption="السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير"][/caption]
ويتوصل التقرير إلى معلومات أن عمليات "حزب الله" في تلك البلاد، تعود إلى أبريل (نيسان) عام 1988، عندما اختطف أعضاء من الحزب طائرة ركاب كويتية كانت تغادر بانكوك، وكانت تقل112 راكباً، وبعد أن أجبروا الطائرة على الهبوط في مدينة مشهد الإيرانية، سعى الخاطفون إلى الإفراج عن سبعة عشر إرهابياً من السجون الكويتية.
ويشير التقرير إلى دور "حزب الله" في عملية اغتيال ثلاثة دبلوماسيين سعوديين في بانكوك عام 1990.
وتقول وثيقة لـ"وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية" (سي.آى.إيه) إن اختطاف الطائرة الكويتية يؤكد فرضية وجود خلايا تابعة لـ"حزب الله" في تايلند، وانه من الممكن أن تكون "منظمة الجهاد الإسلامي"، وهي وحدة تابعة لـ"حزب الله" برئاسة عماد مغنية، قد نفذت تلك الاغتيالات.
يذكر أن مغنية (الذي اغتيل في حادث تفجير سيارة بدمشق في 12 فبراير – شباط 2008) كان يرتبط بعلاقات وثيقة مع طهران، بوصفه قائد العمليات الخارجية في "حزب الله". وفي عام 1982 قاد مغنية ثلاث عمليات، جعلته في صدارة قائمة المطلوبين من قبل الولايات المتحدة وفرنسا.
والعمليات كانت: تفجير السفارة الأميركية في بيروت في أبريل 1983 والتي اسفرت عن مقتل 63 أميركيا ولبنانيا، وتفجير مقر قوات المارينز الأميركية في بيروت، الذي أودى بحياة 241 أميركيا، وتفجير معسكر الجنود الفرنسيين في البقاع، والذي اسفر عن مقتل 58 فرنسيا.