عبد اللطيف المناوي: مبارك لا يستحق أن يقف هذا الموقف

عبد اللطيف المناوي: مبارك لا يستحق أن يقف هذا الموقف

[caption id="attachment_55233415" align="aligncenter" width="598" caption="عبد اللطيف المناوي"]عبد اللطيف المناوي[/caption]

والشعب المصري ينتظر ما سوف تؤول إليه محاكمة رموز النظام المصري السابق وعلى رأسهم الرئيس محمد حسني مبارك، التقت "المجلة" الإعلامي ورئيس قطاع الأخبار بالتليفزيون المصري السابق عبد اللطيف المناوي الذي كان شاهدا على أحداث الثورة المصرية وقيل عن دوره الكثير في الفترة التي سبقت تنحي مبارك فكان الحوار التالي:

* كيف سقط نظام الرئيس السابق حسني مبارك ولماذا؟
ـ النظام سقط لأنه لم يتجاوب مع مفهوم التغيير، وتعامل مع التغيير على أنه نقيض الاستقرار، ولم يستوعب أن التغيير شكل من اشكال تدعيم النظام وتقويته، لأن الاستقرار لا يعني الجمود أو الهدم.
الرئيس السابق حسني مبارك فقد القدرة على الحكم منذ عام 2008، وتراجع أداؤه نتيجة لعوامل عدة منها عامل السن، وآثار العملية الجراحية التي حدت من قدرته على متابعة شؤون الحكم، إلى جانب وفاة حفيده.
العوامل السابقة جعلت الرئيس السابق زاهدا في الحكم أو يتهرب من إدارة الدولة، فأحال عددا كبيرا من الملفات إلى نجله جمال، الذي لم يصرح في يوم من الأيام، بأنه يرغب في ان يكون رئيسا للجمهورية، لكنه مارس مهام رئيس الجمهورية.
الخطأ الذي ارتكبه النظام والذين من حوله، أنهم تعاملوا مع جمال كأنه "فرعون"، هنالك بعض المسؤولين وفيهم من يحمل ارفع الدرجات العلمية، كانوا يطلبون منه أن يعطيهم من وقته دقائق معدودة ليعرضوا عليه مشاريعهم أو ملفاتهم، بمعنى أن الذين من حوله تعاملوا معه باعتباره الرئيس المقبل.
هنالك مشكلة أخرى خلقت شرخا داخل النظام، ألا وهي تعامل الرئيس السابق مع المسؤولين أو الأجهزة الحكومية بخطوط متوازية من دون تنسيق. مثال ذلك الأجهزة الأمنية (الشرطة، القوات المسلحة، المخابرات) كل جهاز يعمل بمفرده، مما تسبب في خلل أمني لم ينتبه النظام إلى معالجته، عدا فترة مرض الرئيس والتنسيق لمواجهة مستقبل البلد في حالة غياب الرئيس، ولأن هنالك اتفاق على رفض تولي جمال مبارك رئاسة الجمهورية.
الرئيس مبارك لم يكن يأخذ القرارات الصائبة في الوقت الصحيح، ومثال ذلك أن الرئيس كان لا يطيق رئيس الوزراء، وفي صيف 2010 اتخذ قرارا بإقالة أحمد نظيف، ولكن نتيجة لضغوط جمال وجماعات آخرى، قرر أن يستمر حتى إجراء الانتخابات، وعندما اتخذ القرار كان قرارا متأخرا. مع العلم أن رئيس الوزراء الأسبق أحمد نظيف كان غائبا عن المشهد تماما خلال الثورة، وأنه لم يتصل على الإطلاق بوزير الإعلام من يوم 25 يناير (كانون الثاني) إلى يوم 28 يناير.
انتخابات 2010 كانت الكارثة والنهاية، عندما سلم جمال نفسه لنظريات أحمد عز، وكانا يعيشان في عالم افتراضي متخيل من الأرقام التي لا تتصل بالواقع، مجموعة جمال مبارك كانت معزولة داخل أرقام تقول إن المريض كان بصحة جيدة، ولكن واقع الحال أن المريض كان قد تُوفي. مؤسسة الرئاسة كانت تتعامل بعناد كبير مع الأحداث وجمال مبارك هو المتابع الأوحد ومتخذ القرارات في تلك الفترة.
نظام مبارك كان "نظام الفرص الضائعة"، تزوير انتخابات نوفمبر (تشرين الثاني) 2010 كان البداية للتغيير الذي لم يدركه البعض. نظام مبارك وقع في أخطاء عدة سياسية واجتماعية وإنسانية وقانونية، أبرزها تضييع فرصة بناء دولة مدنية.

[caption id="attachment_55233416" align="alignright" width="240" caption="حسني مبارك"]حسني مبارك[/caption]

* قلت في حوارات سابقة أن أعضاء المجلس العسكري انحازوا من البداية إلى الثورة، وانهم اقسموا على ألا يطلقوا الرصاص على المتظاهرين، حتى لو اقتحموا القصر الرئاسي، هل ذلك صحيح ومتى كان ذلك؟
ـ منذ اللحظة الأولى، القوات المسلحة اتخذت قرارا بعدم اطلاق الرصاص تجاه المتظاهرين، خاصة أن القوات التي كانت في الميدان تملك أسلحة بدون زخيرة. يوم 10 فبراير قيادة القوات المسلحة اتخذت قرارا بأنه حتى في حالة اقتحام المتظاهرين للقصر الرئاسي، ستتم محاولة ايقافهم جسديا، ويمكن قراءة ذلك عندما توجهت مدافع الدبابات من المتظاهرين للناحية الآخرى في رسالة واضحة بأنهم ليسوا ضد التغيير، وأن مطالب المتظاهرين مشروعة. وهذا ما شجع أطرافا كثيرة على النزول للشارع وتحدي النظام.
شهادة للوطن من منصبي كرئيس لقطاع الأخبار، لم تصدر أوامر بإطلاق النار على المتظاهرين. ولكن الرئاسة كانت تنتقد القوات المسلحة في تعاملها باللين مع المتظاهرين. اعتقد أن القوات المسلحة اتخذت القرار الصائب لإسقاط مشروع التوريث.

* كيف تقيم الإعلام الرسمي في تغطية يوميات الثورة المصرية، ولماذا غابت المهنية؟
ـ قبل 2 فبراير (شباط) تعرضنا لضغوط شديدة من قبل الرئاسة ووزير الإعلام، وحرمنا من عرض ظهور المتظاهرين على الشاشة، ومنعت استضافة بعض الشخصيات، التي كانت تثير ازعاج المواطنين، أو الذين كانوا ملكيين أكثر من الملك.
وزير الإعلام أنس الفقي طلب الرجوع إلى جمال مبارك، فيما يتصل بالتغطية الإعلامية أثناء الثورة. حاولت استضافة عناصر من الحركات الثورية المعارضة على التلفزيون المصري، لكنه رفض حتى لا تكتسب هذه العناصر اعترافا ومصداقية من جراء ذلك.
مؤسسة الرئاسة كانت بعيدة تماما عن الأحداث في ميادين القاهرة وقت الثورة، وأن مؤسسة الرئاسة كانت تتعامل بعناد كبير مع الأحداث، حيث إن جمال مبارك كان هو المتابع والمتخذ للقرارت آنذاك، كان هناك حالة من الغباء السياسي في التعامل مع الأحداث، وكان هناك ايضا حالة من البطء الشديد في التصرف واتخاذ القرارت السريعة لحل الموقف، في الوقت الذي كانت فيه هناك حالة من التفتت سادت المجتمع، بسبب المظاهرات الفئوية مع غياب الأمن في الشوارع.
من كان يعمل في التلفزيون المصري وقت الثورة، قرر البقاء في مكانه، من اجل الاقتناع بأهمية الحفاظ على الوطن، ولسنا في موضع الدفاع عن أشخاص. "كان أمامي ثلاثة اختيارات، أولهما أن أكون مثل قنوات تونس التي تعمل على تعظيم الرئيس، وتطبيق شعار عاش الملك.. مات الملك. والاختيار الثاني أن أرحل من قطاع الأخبار، وأترك المهمة لشخص آخر. والاختيار الثالث هي أن أتحمل المسؤولية الوطنية وهو ما قررته في النهاية"، كنت أعلم أن استمراري في العمل كرئيس قطاع الأخبار وقت الأحداث سيجعلني أدفع الثمن بعدها، ولكني قررت البقاء من منطلق مسؤوليتي الوطنية.
أيضا اتخذت قرارا بإذاعة بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة الأول، من دون موافقة الرئاسة أو وزير الإعلام، بل إن رئيس الديوان وقتها الدكتور زكريا عزمي، غضب بشدة من إذاعة البيان الأول للقوات المسلحة، الذي اجتمع دون مبارك، ومن دون الرجوع لمؤسسة الرئاسة.

[caption id="attachment_55233417" align="alignleft" width="240" caption="جمال مبارك"]جمال مبارك[/caption]

* تقيمك للإعلام العربي في تغطية أحداث الثورة المصرية؟
ـ اعتقد أن كل الإعلام العربي كان متفاعلا، وكانت المظاهرات أكثر ابهاجا في التغطية، وهذا لا غبار عليه، ولكن اعلام دولة قطر اعتقد أنه تجاوز حدود المهنية إلى حدود المشاركة في الفعل والتحريض، كانت استخدام لقدرات وادوات إعلامية لاهداف سياسية. لذلك لا يجوز تقيمها إعلاميا.

* كإعلامي تتابع ما يجري على الساحة المصرية، ما رأيك في حكم المجلس العسكري بعد عام في السلطة؟
ـ المجلس العسكري تحمل مسؤولية لم يكن مستعدا لها، إدارة دولة سياسيا واقتصاديا، وبالتالي هنالك العديد من الأخطاء، لكنها ليست أخطاء بأهداف سيئة، ويجب توضيح حقيقة بأن مؤسسة القوات المسلحة، هي الوحيدة التي حافظت على كيانها، وفي حالة انهيارها تنهار الدولة المصرية. وانهيار الدول نتيجة ضرب الأمن الداخلي (الشرطة)، انهيار الاقتصاد، وضرب المؤسسة القضائية، وحل الجيش أو تقزيمه، ولدينا حالة العراق كمثال.
والجيش المصري ليس مجموعة من المرتزقة. وأي أسرة مصرية لها علاقة بمؤسسة الجيش، سواء بانتماء أحد أفرادها أو من خلال فترة التجنيد، والتي تشمل كافة أفراد الشعب المصري، وتسمية الجيش بـ"العسكر" فيها تقليل من هيبة القوات المسلحة. الجيش المصري جيش وطني، وعلينا واجب الحفاظ عليه، واذا كانت هنالك أخطاء يجب تصويبها ومحاولة اصلاحها.
يمكن ممارسة الضغط على الجيش لتنفيذ وعوده. وهنالك مخاطر تتعرض لها مصر وهي:
1 – الوضع الاقتصادي يقترب من مرحلة الانهيار.
2 – الغياب شبه الكامل للأمن، ولن يرجع الأمن إلا برد الاعتبار والكرامة لمؤسسة الشرطة.
3 – ابعاد مؤسسة الجيش والشرطة من محاولات التسييس والتخريب.
4 – هنالك بعض القوى السياسية تحاول التمركز في أعصاب الدولة "تسييس الخدمة المدنية".

* لماذا غابت القوى التي صنعت ثورة مصر عن المشهد النيابي؟ وهل يعود ذلك لقانون الانتخابات؟ أم أن التيارات الاسلامية كانت اكثرا تنظيما أم اكثر انتهازية من بقية القوى السياسية الاخرى؟
ـ النخبة والمثقفون منفصلون عن الجيل الذي صنع الثورة والتغيير في مصر، والجيل الذي شارك في الثورة بالقيادة. في 6 فبراير كنت التقي بعدد من شباب الثورة وكنت أنصحهم بتكوين تجمع سياسي، أو أشكال خدمية أو اقتصادية لأنهم بلا خبرة. الإخوان المسلمون هم القوى المنظمة منذ ثمانين عاما، إلى جانب القوى التقليدية الانتهازية التي استفادت بانتهازيتها من النظام السابق والنظام الحالي. أما السلفيون فكسبوا في الانتخابات، نتيجة للتصويت الديني، وبشعارات "الحل الإلهي".
هنالك ميزة في مصر أن بها دولة مركزية فيها قطب جاذب يجمع من حوله، والحزب الوطني هو امتداد لحزب مصر، وامتداد للحزب الاشتراكي وكهنة أمون. والعلاقة بين السلطة الحاكمة والمواطن، هي علاقة حب وكراهية، يكرهه ولكنه يقترب منه، يكرهه ويصوت له. وعلى القوى التي تدير الدولة "القوات المسلحة" أن تتعاون مع الشباب في هذه المرحلة، لتمكينهم بالتمويل، وإيجاد مقار ليصطفوا في مجموعات سياسية في محاولة لضبط اتجاه مصر نحو مدنية الدولة في المستقبل.

* رأيك في محاكمة الرئيس السابق، وهل يستحق الرجل ذلك؟
ـ مبارك لا يستحق أن يقف هذا الموقف على الاطلاق، فمن تقاليد الشعوب أن من حارب من أجلها ووضع روحه في كفه في الدفاع عن هذا الوطن، حتى إذا كان قد أخطأ يتم تجاوز ذلك.
حكم مبارك لم يكن ثلاثين عاما من السواد والتخلف والتراجع، بدليل أن المعتقلين في نهاية حكمه كانوا قلة من تيار الجهاد الإسلامي. والوضع الاقتصادي، رغم وجود خلل في العدالة الاجتماعية، إلا أنه كان هنالك اقتصاد قوي ومتين ووجود احتياطي في البنك المركزي. ولكن هنالك اطراف آخرى مثل نجله جمال وعناصر داخل النظام يجب محاكمتها.
font change