واقع الأمر أن مصر تمر بمرحلة زمنية مفصلية من تاريخها في هذه الأيام، ليس فقط لكونها تتواكب مع الاحتفال بالذكرى الأولى لثورة 25 يناير وما يصاحبها من جدل واسع حول كيفية الاحتفال بها، والمخاطر المحتملة في ذلك اليوم، بل أيضا لأن هذه المرحلة تشهد انعقاد أول برلمان منتخب بعد الثورة يخلو لأول مرة من أباطرة الحزب الوطني ويسيطر عليه الإخوان المسلمون، بعد أن اكتسح حزب الحرية والعدالة الإخواني تلك الانتخابات، وحصد غالب مقاعد البرلمان. وأمام هذا الواقع تسيطر على الشارع المصري والعربي حالة من التوجس والقلق، مما ستسفر عنه تلك المرحلة المهمة في تاريخ مصر من نتائج وقوانين وتغييرات سياسية قد تضر بمصالح تيارات أو جهات أخرى بمصر، على الرغم من كل المحاولات التى يبذلها رموز الحزب لطمأنة الرأي العام الداخلي والخارج، سواء في صورة تصريحات أو زيارات ولقاءات أو تحركات. حيث يبقى هناك العديد من علامات الاستفهام التي يفرضها ذلك الواقع في أذهان العالم، وتحتاج إلى إجابات مطمئنة على مستقبل مصر وملامح سياستها تجاه المجتمع الدولي خارجيا، والتيارات السياسية المختلفة داخليا.
ومن هذا المنطلق تأتي أهمية اللقاء مع الدكتور محمد البلتاجي الأمين العام لحزب الحرية والعدالة بالقاهرة، وعضو المكتب التنفيذي بالحزب وعضو البرلمان المصري لطرح التساؤلات الملحة في الشارع السياسي حاليا على مائدة الحوار معه بخاصة وأن جميع المراقبين يقرون أن الأشهر الأخيرة شهدت اعتلاء الاخوان "عرش مصر" مما يثير كثيرا من المخاوف إن داخل مصر أو خارجها. وفي ما يلي نص الحوار:
أمور متشابكة
* ما أهم القضايا الموجودة على قائمة أولويات عملكم بالبرلمان المصري؟
ـ لا شك أن ما حققناه في الانتخابات البرلمانية من نتائج يلقي علينا بمسؤولية كبيرة، وهناك أمور عديدة ومتشابكة تشغلنا بعد ظهور النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية، منها ترتيب الهيكلة الجديدة واختيار الرئيس والوكيلين بجانب اللجان المتخصصة، وجدول أعمال البرلمان وتأمين البرلمان وإنشاء دستور جديد وأحداث 25 يناير، بالإضافة إلى إعادة هيكلة حزب الحرية والعدالة، فقد خرجنا من الانتخابات ونحن في حاجة لاستكمال بناء هياكل الحزب.
* ما ملامح جدول الإخوان في أول برلمان مصري بعد الثورة؟
ـ يتركز الجدول حول محوري التشريع والرقابة. وتتضمن الأجندة التشريعية لحزب الحرية والعدالة قوانين السلطة القضائية وتنظيم الجامعات والمحاكمات العسكرية وقانون الطوارئ الذي نرفضه بلا شك، وكيفية استعادة أراضي الدولة وأموالها المنهوبة بدون وجه حق، ومواجهة ظاهرة الاحتكار. أما الدور الرقابي فسيكون موجها للأجهزة الأمنية والتنفيذية لمراقبتها ومراقبة أدائها.
* هل يسعى الحزب إلى تولي بعض قياداته مناصب وزارية في مصر؟
ـ نحن نحاول الاستعداد لكل الأدوار المفروضة علينا.
[caption id="attachment_55231218" align="alignright" width="300" caption="سعد الكتاتني رئيس مجلس الشعب المصري"][/caption]
* تحاولون أم تخططون للوصول إلى تلك المناصب؟
ـ نحن مستعدون لكل الأدوار التي يفرضها علينا الواقع والمسؤولية الواقعة على كاهلنا كحزب غالبية، ومن حق الحزب ان يسعى لمناصب وزارية فهذا ليس عيبا، طالما أننا جئنا للبرلمان بغالبية كبيرة في انتخابات حرة ونزيهة.
* هل يمكن أن نرى الدكتور سعد الكتاتني مثلا، رئيسا لوزراء مصر مثل زميليه في تونس حمادي الجبالي أمين عام حزب النهضة، الذي أصبح رئيسا للحكومة وعبد الإله بنكيران أمين عام حزب العدالة والتنمية في المغرب؟
ـ "ضاحكا" لا نعتبر هذا الأمر مشكلة أو عيبا نخشاه، ونحن مستعدون لهذا الدور، وإن كان دور رئيس مجلس الشعب المصري هو الأهم الآن للدكتور الكتاتني، فالبرلمان أهم من الوزارة، لأنه هو الذي يراقب الحكومة بما فيها رئيس الوزراء.
* في رأيك ما الفرق بين كل من تونس والمغرب ومصر؟ وهل هناك اتصالات بينكم وبين الإسلاميين في تلك الدول؟
ـ من الطبيعي أن نتواصل معهم ونستفيد من تجاربهم والاتصالات بهم تتم بشكل طبيعي. ولا شك أننا نتشابه معا في المنهج، سواء في مصر أو تونس أو المغرب، ولكن الاختلاف يكون في الواقع الإقليمي والظروف المحلية.
أيد ممتدة
* ما احتمالات التحالف المستقبلي بين الإخوان والسلفيين تحت قبة البرلمان المصري؟
ـ احتمال التحالف الوطني واسع مع كل الأطراف وليس فقط مع السلفيين. ونحن أيادينا ممتدة للجميع، سلفيين ويساريين وقوميين، لأن المرحلة الحالية لا تحتمل صراعات ولا انقسامات، بل تتطلب تعاونا في شتى المناحي، ولما شكلنا البرلمان كان بالمشاركة مع الجميع ولم نستأثر بشيء وحدنا.
* كيف تقيم أداء المجلس العسكري على مدار الفترة التي أعقبت الثورة حتى الآن؟
ـ من خلال الأمر الواقع نجد أننا أمام شوطين أو مرحلتين من أداء المجلس العسكري: الأولى: تميز أداؤه خلالها بتحقيق وتلبية مطالب الثورة، وتنحيته لرموز النظام القديم وأمن الدولة، وكان دورا مشكورا عليه. ولكن هناك مرحلة تالية شهدت قدرا من الارتباك والأخطاء من فوضى أمنية واستخدام لقانون الطوارئ وسماح للفلول باقتحام الحياة السياسية، حتى صرنا في حاجة لأن تنتهى هذه المرحلة.
* وكيف تنتهي هذه المرحلة؟ هل تقبلون بنقل السلطة من المجلس العسكري إلى مجلس موقت لحين الانتخابات الرئاسية؟
ـ بداية أؤكد أننا مع ضرورة انتقال السلطة من الجيش إلى جهة مدنية سلميا، ولكن لابد أن يكون ذلك من خلال انتخابات رئاسية. فأي طريقة لنقل السلطة غير الانتخابات الواسعة بمشاركة الملايين، ستكون مرفوضة.
* أثارت زيارة مرشح الرئاسة المصري الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح لقيادات الحرية والعدالة، علامة استفهام حول احتمالات عودة المياه لمجاريها وتأييد الحزب له. ما تعليقك؟
ـ هي كانت زيارة عادية لتهنئة الدكتور أبو الفتوح للحزب بنتائج الانتخابات، أعقبها نقاش دار حول الأوضاع بشكل عام.
* ألم يتطرق النقاش إلى عقد صفقة ما، لدعم أبو الفتوح مرشحا للرئاسة؟
ـ لا. لم يناقش أبدا طرح اسم أبو الفتوح مرشحا للإخوان!
* هل معنى ذلك أن حزب الحرية والعدالة سيطرح قريبا مرشحا جديدا للرئاسة، خاصة بعد نتائجه في الانتخابات البرلمانية؟
ـ غير وارد طرح اسم مرشح رئاسة من داخل الإخوان، وإن كان الإخوان سيدعمون مرشحا من المطروحين على الساحة.
* هل وقع الاختيار على هذا المرشح؟
ـ "ضاحكا" الأمور مازالت مفتوحة.
* ما رأيك في ما يثار من جدل حول الاحتفال بثورة 25 يناير من عدمه؟
ـ من حقنا أن نحتفل بهذه المناسبة انطلاقا من ان الثورة تمثل شهادة ميلاد للشعب المصري. ولكن ليس احتفالا فولكلوريا فارغا، يفرغ المضمون الثوري من معناه. وفي الوقت نفسه لسنا في حالة لطم خدود، بأن الثورة لم تحقق شيئا، فنحن لدينا إنجازات للثورة قد تحققت على أرض الواقع، وتستحق الاحتفاء بها مع الاعتراف في الوقت نفسه أن هناك مطالب أخرى لم تتحقق.
*هل يمكن اعتبار تأخر محاكمة مبارك واستغراقها كل هذا الوقت، أحد أسباب الشعور بوجود مطالب لم تتحقق بعد؟
ـ كما قلت. نحن لدينا ما حققناه خاصة عندما مارسنا انتخابات حرة وشكلنا برلمان الثورة بإرادة الشعب الحرة، وأطحنا برؤوس الفساد. فكل هذه إنجازات نعتز بها، ونعترف أن لدينا ما لم يتحقق، وأننا نحتاج أن نصر على تحقيقه ومنها محاكمة مبارك وهو ما سيتحقق بعد تشكيل البرلمان وتعديل قانون السلطة القضائية والنيابة.
* لو حدث ذلك، هل يمكن إعادة إجراءات محاكمة مبارك وأعوانه من البداية؟
ـ قد يعاد التحقيق من جديد حينما يكون القضاء مستقلا. كما أن أداء النيابة مؤكدا سيختلف عما حدث.
* نفهم من ذلك أن الإخوان غير راضين عن محاكمات مبارك ورموز النظام السابق؟!
ـ نعم نحن غير راضين عن أداء النيابة، ولا القضاء المصري، فالصورة المطروحة الآن غير مطمئنة!
* هل تعتقد بتورط أعضاء من المجلس العسكري في تهم ما وراء هذا الأداء السيئ في تلك القضايا؟!
ـ أعتقد أن إجابتي السابقة تتضمن الإجابة عن هذا السؤال.
علاقات متوازنة
* زيارة السفيرة الأميركية بالقاهرة للإخوان، أثارت علامة استفهام حول صحة ما تردد عن احتمالات وجود صفقة سياسية بينكم وبين الولايات المتحدة الأميركية للسماح بوصولكم إلى سدة الحكم؟!
ـ زيارة السفيرة الأميركية تعكس انفتاحنا على كل الأطراف الدولية في العالم، ولكنه انفتاح من خلال علاقات متوازنة، تبنى على قواعد جديدة غير التي كانت في العهد السابق، وكانت قائمة على الخضوع للأطراف الخارجية، بل علاقات جديدة قائمة على المصالح المشتركة وعدم فرض أجندات خارجية على مصر.
* يعنى ألا توجد صفقة مشتركة مع أميركا؟!
ـ هذا لا يعقل، لأنه بطبيعة الحال هناك خلاف جذري ومصالح متعارضة بيننا، ونحن نسعى للتوازن وتحقيق مصالح الشعوب المشتركة.
* بم تفسر حالة القلق الموجودة داخليا وخارجيا من وصولكم للحكم في مصر؟
ـ هناك نوعان من القلق. الأول: هي حالة القلق الطبيعي الناتج عن نقص معلومات عن الإخوان أو عن معلومات مغلوطة، بسبب كيد وتشويه وتضليل متعمد من النظام السابق. أو بسبب غموض بعض قضايا الإخوان وطبيعيا أن يكون من واجبنا تصحيح الصورة، وتقديم أنفسنا من جديد لتعويض النقص في أي فهم خاطئ عن الإخوان. ولكن هناك نوعا آخر من القلق المفتعل والمصطنع لتفزيع المجتمع في الداخل والخارج منا تحت راية "الإخوان قادمون" ونحن نكشف زيف هذا القلق، ولا نهتم به كسيرة، بدليل أن الجماهير في الشارع المصري هي التي انتخبتنا ومنحتنا هذه الثقة، والفيصل في النهاية هو أداؤنا خلال الفترة المقبلة.
السيرة الذاتية للدكتور محمد البلتاجي
• أستاذ دكتور بقسم الأنف والأذن كلية الطب جامعة الأزهر.
• صدر قرار تعيينه بوظيفة مدرس مساعد بـ(قسم الأنف والأذن والحنجرة كلية طب الأزهر) من رئيس الجامعة، لكونه أول زملائه المتقدمين للوظيفة، ولكن الجهات الأمنية تدخلت لوقف قرار التعيين فتعطل تسلمه للوظيفة أربع سنوات، حتى أصدرت محكمة القضاء الإداري حكمها في ديسمبر (كانون الأول) 1997 بأحقيته في تسلم الوظيفة.
• واحد من قيادات الحركة الطلابية الإسلامية في الجامعات المصرية 1985 - 1988.
• شارك مع رموز العمل الطلابي بالجامعات المصرية في توحيد موقف طلابي حاشد، تأييدًا لقضية الجندي المصري (سليمان خاطر) ومخاطبة الحكومة المصرية بالإفراج عنه لعدالة قضيته.
• أصدرت إدارة الجامعة قرارات تعسفية بفصله وعزله عن رئاسة اتحاد الطلاب، ولكن الإدارة اضطرت للعدول عن قراراتها الظالمة أمام ضغوط طلابية حاشدة.
• كان تمثيله طلاب جامعة الأزهر نقلة وبداية عهد جديد في العمل الطلابي والإسلامي بجامعة الأزهر.
• عضو مجلس الشعب في الفصل التشريعي التاسع (2005 - 2010).
• أثار قضايا ومعارك كثيرة تحت قبة مجلس الشعب مع بداية دورته البرلمانية بالدفاع عن حقوق الشعب المصري، وارتبط اسمه بقضايا جماهيرية عديدة منها: عبارة السلام 98، انفلونزا الطيور، رغيف الخبز.
• شارك في تأسيس المنتدى العالمي للبرلمانيين الإسلاميين (تأسس في يناير (كانون الثاني) 2007 بجاكرتا) ومثل مصر في عضوية مجلس إدارته.
• تم انتخابه في عام 2008، عضوا لجنة المتابعة "اللجنة التنفيذية" بالمؤتمر القومي الإسلامي وهو المؤتمر الذي حافظ على مساحة عمل مشترك بين التيارين القومي والإسلامي على الساحة العربية خلال السنوات الأخيرة.
• شارك إلى جانب عدد من الرموز الوطنية من مختلف التيارات السياسية في تأسيس الحملة المصرية ضد التوريث في أكتوبر (تشرين الأول) 2009، كما شارك في نفس التوقيت بتأسيس حركة "مصريون من أجل انتخابات حرة وسليمة".
• مثل الإخوان المسلمين في تأسيس الجمعية الوطنية للتغيير( فبراير (شباط) 2010، وكان له دور بارز في فعاليات الجمعية بمختلف محافظات مصر.
• ارتبط اسمه بالدفاع عن القضية الفلسطينية، فشارك في تأسيس الحملة الشعبية المصرية لفك الحصار عن غزة، ومثّـل مصر في عضوية اللجنة الدولية لكسر الحصار عن غزة، وكان له دور بارز في مواجهة المواقف الرسمية المصرية والعربية أثناء الحرب على غزة، كما كانت له مشاركات قوية برلمانية وسياسية ضد بناء الجدار الفولاذي بين مصر وغزة، وضد تصدير الغاز لإسرائيل.
أجرى الحوار: صفاء عزب