[caption id="attachment_55227306" align="aligncenter" width="622" caption="عندما ينطق اللسان"][/caption]
في بريطانيا هناك مدارس وكليات للخطابة، تخرج خطباء فصحاء وسياسيين بارعين وأناسا على درجة كبيرة من الاقناع في مجالات الحياة كلها. فهناك مدرسة الخطابة في بيركشير. ومدرسة لندن للخطابة. والمدرسة الاعدادية للخطابة في ريدينغ، التي احتفلت منذ مدة بعيد تأسيسها الثاني والخمسين بعد المئة.
وهناك بالمقابل في أوروبا وأميركا العشرات على هذه الشاكلة
من هذه الكليات.
وحسب معرفتي، فإن البلاد العربية التي تتكلم هذه اللغة العربية الرفيعة، لا تملك أية مدارس أو كليات خاصة للخطابة. بيد أن علم الخطابة يدرس في التعليم العالي فقط، هذا إن دُرّس، كمادة ليس إلا، أو بالأحرى فرع من مادة.
ولا أعتقد أن الطالب يتعلم في هذا المجال، الحركات والوقفات المطلوبة. وكيف يخلط الجد بالهزل لشد انتباه السامعين، علاوة على اللباس ولونه والإيماءات وما إليها.
نحن بلا ريب نخسر لساننا مع تقدم الزمن. وليس هناك سبب وجيه لتبرير ذلك سوى الكسل والإهمال.
اللِّسان من الإنسان وغيره، إذا أردت تذكيره جمعته على ألسنة. أما إذا أردت تأنيثه جمعته على ألْسُن. فإذا أريد به الرِّسالة، فإنه مُؤنَّثٌ لا غَيْرُ:
إنِّي أتَتْنى لسانٌ (رسالة) لا أسرُّ بها
مِنْ عَلْوَ، لا كَذِبٌ فيها ولا سَخَرُ
فاللسان في الكلام يذكر ويؤنث. يقال: إِن لسانَ الناس عليك لَحَسنة وحَسَنٌ، أَي ثناؤُهم.
ولكن جرت العادة على انه مذكر غالبا.
وقالوا في الأمثال: لسان من رُطَب، ويد من خشب.
وهو مثل يضرب في التداهي.
واللسان مركب ذلول.
بل انهم كانوا يقولون: مقتل الرجل بين فكيه. يقصدون بذلك اللسان.
وقال المتلمس لطرفة: ويل لهذا من لسانه. وقصة هذا معروفة.
ويحكون أن بعض الناس خرجوا للصيد في (غلس) وهو ظلام آخر الليل قال الأخطل:
كَذَبَتْك عَينُكَ أَمْ رأَيت بِواسِطٍ
غَلَسَ الظَّلام، من الرَّبابِ، خَيالا؟
فصوّت طائر من مكانه فرماه أحدهم وقال: خِفة اللسان تُهلك حتى الطائر.
ويَقْسِم زهير بن أبي سلمى الانسان من حيث القيمةُ، قسمين: لسان وفؤاد، فيقول:
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده
فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
وهو مثل قول المعيدي في رده على النعمان: إنما المرء بأصغريه قلبه ولسانه. وقال آخر:
لا تنطقن بما كرهت فربما
نطق اللسان بحادث فيكون
وهو من باب الاحترام. ومراعاة شعور الآخرين ضرورة لا مناص منها، في المجتمع لخلق التناغم والانسجام بين أفراده، ولذا قالوا:
احفظ لسانك أن تقول فتبتلى
إن البلاء موكل بالمنطق
ويقال للسان: الفصل، وهذا من قولهم لا أَصْل له ولا فَصْل. والأصل الحسب.
[caption id="attachment_55227307" align="alignleft" width="205" caption="اذا صنته صانك واذا خنته خانك"][/caption]
يقال للشخص اذا كان حاد اللسان فلان ذَرِبُ اللسان، وفلانة ذربة اللسان.
وكـأن تـحـت لـسـانـهـا
هـاروتَ يـَنْفِثُ فـيه سـحرا
كما يقال أيضا فتيق اللسان.
وفي اللسان (أي لسان العرب):
ذَرِبَ الرَّجلُ إِذا فَصُحَ لسانُه بعدَ حَصرِه.
ولسانٌ ذَرِبٌ: حديدُ الطَّرَف؛ وفيه ذَرابةٌ أَي حِدَّةٌ.
والتَّذْريبُ معناه التَّحْديدُ.
والذِّرْبَةُ، بالكسرِ: السَّلِيْطَةُ اللِّسانِ، وهو ذِرْبٌ،
يقال لسانٌ ذَرِبٌ، وكذلك المَذْروبُ؛ قال الشاعر:
لقد كان ابنُ جَعْدَةَ أَرْيَحِيَّا
على الأَخصام، مَذْروبَ السِّنانِ
وذَرَبَ الحَديدَة يَذْرُبُها ذَرْباً وذرَّبَها:أَحدَّها فهي مَذرُوبَة.
ويقال أيضا ذَرِبَ لسانُ الرَّجلِ يَذْرَبُ إِذا فَسَد.
ومِنْ هذا ذَرِبَتْ مَعِدَتُه: اذا فَسَدَتْ فالذَّرَب؛ بالتحريكِ ، الدَّاءُ الذي يَعْرِضُ للمَعدة فلا تَهْضِمُ الطَّعامَ.
وأورد أَبو عمرو بنُ العَلاءِ قصة حدثت له مع أَعرابي حيث قال له الأعرابي: فلانٌ لَغُوبٌ، جاءَته كتابي فاحْتَقَرَها؛ قلتُ: أَتقول جاءَته كتابي؟ فقال: أَليس هو الصحيفةَ؟ قلتُ: فما اللَّغُوبُ؟ قال: الأَحْمق. والاسم اللَّغابة واللُّغُوبةُ. وهنا يكمن سر العربية في هذه المعاني والدلالات.
ولكنه بفتحها التَّعَبُ والإِعْياءُ وهو الُلغُوب أيضا (وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُغُوبٍ)
أما إذا كان الشخص ذا لسان جيد، فيقال إنه لسن.
وإذا كان ماهرا في الكلام في موضوعات شتى فهو ذلق. والذليق البليغ الفصيح.
والحروف الذُّلْق والشفوية ستّة هي: الراء واللام والنون سمِّيت ذُلْقاً لأنّ الذّلاقة في المنطق، إنما هي بطرَف أسَلة اللسان. وسمِّيت الفاء والباء والميم شفوية لأنّ مخرجها بين الشفتين، ولا تعمل الشفتان في شيء من الحروف إلاّ في هذه الثلاثة الأحرف.
فإذا كان المرء مع حدة لسانه بليغا فيقال عنه إنه مسلاق، والغريب هنا أن هذه المفردة لا تستعمل الآن في لغتنا الفصحى، ولكنها مستعملة في بعض اللهجات في البلاد العربية.
أما إذا كان لسانه لا تعترضه عقدة، وليس هناك حيف في بيانه، فيقال عنه إنه مصقع. وهذه المفردة ما زالت تستعمل في الكتابات الأدبية والأكاديمية: يقال فلان خطيب مِصقع. وفي لسان العرب ما نصه:
خَطِيبٌ مِصْقَعٌ: بَلِيغٌ؛ قال قيس بن عاصم:
خُطَباءُ حِينَ يَقُومُ قائِلُنا مَصاقِعٌ لُسن
وقيل: هو من رَفْعِ الصَّوْتِ، ويقال: يذهب في كل صُقْعٍ من الكلام أَي ناحية، ولهذا جمعوها على أصقاع وهي النواحي والجهات.
وفي مقابل كل هذا... نجد أن اللثغة هي أن يصير الراء لاما، والسين ثاء في الكلام. أما الفأفأة فهي التردد في الفاء. والتمتمة ففي التاء. اللجلجة هي إدخال الكلام في بعضه.
والمقمقة هي الكلام من أقصى الحلق. وهذه المفردة مستعملة أيضا في بعض اللهجات العربية.
ولذا فقد عوّض العرب وحشة الصحراء وقسوتها باللسان الفصيح الساحر. والتعابير التي تأخذ بالألباب. وكان الشاعر أو الخطيب، بمثابة الوسيط الاعلامي لما يعرف في الوقت الراهن بالدولة الحديثة. لكن حتى في عصرنا الحديث هذا، وفي أحسن الأماكن بهاء وخضرة، يحتاج المرء إلى الفصاحة. وهذا أمر نراه رأي العين في مؤتمرات الأحزاب وندواتها الموسمية، حيث يحرص هذا الحزب أو ذاك، أن يكون خطباؤه مصاقع مؤثرين لإقناع الناس ببرامجهم.
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.