محمد بسيوني ساعات قبل رحيله: مبارك لا يستحق منّا هذه "البهدلة"

محمد بسيوني ساعات قبل رحيله: مبارك لا يستحق منّا هذه "البهدلة"

[caption id="attachment_55226691" align="aligncenter" width="620" caption="السفير محمد بسيوني الذي وافته المنية صباح 18 سبتمبر 2011"]السفير محمد بسيوني الذي وافته المنية صباح 18 سبتمبر 2011[/caption]

لم تنل سنوات الفقيد الطويلة في عالم الديبلوماسية وصولاته الشهيرة في كواليس المفاوضات الدولية ضمن مهام عمله الخاصة والمتواصلة على مدار 55 سنة من العطاء في مختلف الميادين الوطنية والحساسة، من حسه الامني والعسكري كضابط مخابرات سابق ومقاتل في صفوف الجيش المصري نال شرف المشاركة في أربعة حروب، بل زادته حكمة وبصيرة بدقائق الامور التي قد لا يراها الآخرون فهو ينظر دائما للأمور نظرة خاصة ويحللها بمعاييرمختلفة من دون أي تأثر بردود أفعال شعبية أو إنفعالات عاطفية لذا كانت آراؤه حول إستمرار تصدير الغاز المصري لإسرائيل وتحذيره من عواقب الدعوة إلى إلغاء معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل مثار جدل في الشارع المصري كما أن له رؤية خاصة في مواصفات الرئيس القادم لمصر.

وقد أبدى بسيوني تحفظا من الحديث عن عودة العلاقة بين مصر وإيران بسبب الأطماع الفارسية في منطقة الخليج العربي وكشف عن الدور الجديد الذي تلعبه أجهزة المخابرات بعد إنتشار سبل الحصول على المعلومات مؤكدا على أن الحروب المخابراتية ستظل مشتعلة حتى في ذروة السلام.

وترتبط شهرة السفير محمد بسيوني كديبلوماسي بعمله الطويل لمدة 21 سنة في السفارة المصرية بتل أبيب منها 18 سنة سفيرا لمصر كما شغل مناصب عسكرية حيوية من أهمها عمله ضابط إتصال بين الجيشين المصري والسوري في حرب 1973 وكان شاهدا على كثير من الأحداث السياسية العربية وبخاصة كواليس المفاوضات الاسرائيلية الفلسطينية سواء خلال عمله بالمخابرات الحربية من 1967 وحتى عام 1980 أو خلال إقامته الطويلة كسفير في إسرائيل.

كما ساقه القدر أن يشهد ثورة الخميني ولحظة سقوط الشاه حينما عمل في سفارة مصر بطهران وهو ما جعله يطلع على كثير من أسرار تلك الثورة وعلاقة المخابرات الإيرانية "السافاك" بالمخابرات الأمريكية ودورهما في تلك الفترة لإسقاط الشاه وهو ما كشف لنا عنه في هذا الحوار الذي شاءت الأقدار أن يكون الأخير الذي يجريه قبل أن توافيه المنية صباح 18 سبتمبر 2011 عن عمر ناهز 74 عاما.

"المجلة" وهي تترحم على الفقيد تسأل الله تعالى أن يسكنه فسيح جناته ويلهم أهله وذويه جميل الصبر والسلوان.

وفي ما يلي نص الحوار:

المجلة: من واقع خبراتك الدبلوماسية والأمنية الطويلة ما تقييمك لأبعاد الموقف في ضوء أحداث السفارة الإسرائيلية بالقاهرة ردا على استشهاد ستة مصريين على حدود مصر الشرقية؟



* لا بد أن ننظر بسرعة للخلفية في العلاقات المصرية الإسرائيلية بعد حرب 1973 فقد أراد السادات أن يفتح الطريق للسلام فتوجه للقدس في نوفمبر 1977 وكانت رسالته واضحة للشعب الإسرائيلي بأنه مستعد لتحقيق السلام وكان يقصد السلام العادل والشامل وليس السلام المنفرد وبخاصة القضية الفلسطينية التي هي جوهر الصراع العربي الإسرائيلي ثم تم توقيع إتفاقية كامب ديفيد عام 1978 وتلاها توقيع معاهدة السلام وهي التي تحوي كل التفاصيل منها إنهاء حالة الحرب وإقامة علاقات سياسية ودبلوماسية وثقافية واقتصادية ووقعت مصر 22 إتفاقية لتطبيع العلاقات وعلى الرغم من أن مصر كانت أول من وقع على السلام مع إسرائيل لكنها كانت آخر من طبع لأننا ربطنا تقدم المسيرة السلمية بمدى التقدم في العلاقات الثنائية واستمرت الجهود المصرية في تحقيق السلام حتى قيام الثورة وكانت إسرائيل قلقة جدا منها خوفا من وصول حكم راديكالى إسلامي للسلطة وخوفا على إتفاق السلام وإتفاقية الغاز ولكن بيان المجلس الأعلى للقوات المسلحة أكد إحترام مصر لمعاهداتها كافة ومن ثم إحترام معاهدة السلام.

[caption id="attachment_55226698" align="alignleft" width="300" caption="من اليمين.. بسيوني المجنّد مع السادات"]من اليمين.. بسيوني المجنّد مع السادات[/caption]

المجلة: لكن إسرائيل قتلت ضابطا وجنودا مصريين على حدودنا الشرقية ؟



* الأزمة بدأت لأمرين جوهريين أولهما تسلل مجموعات لداخل إسرائيل وقتلت 6 إسرائيليين وجرحت آخرين والنتيجة أن إسرائيل قامت بهجوم مضاد نتج عنه إختراق لحدودنا المصرية لمسافة كيلومترين وقتلت ضابطا وخمسة جنود.
وهناك لجنة تحقيق مشتركة وننتظر نتيجة التحقيق وإذا ثبت إدانة إسرائيل سنطالب بثلاثة أشياء هي إعتذار إسرائيل الرسمى وتقديم المسؤولين عن الخطأ الجسيم للمحاكمة والمطالبة بتعويضات لأسر الشهداء والتعهد بعدم تكرار ما حدث.
وبالنسبة لحادث السفارة الإسرائيلية فقد سيطرت أجهزة الأمن المصرية على الموقف وكان بيان نتانياهو مؤكدا على حرصه على السلام مع مصر.
وفي تقديرى فإن أي نظام حكم في مصر سيأتى لن يلغي معاهدة السلام طالما أنها حققت لنا مكاسب فلماذا يلغيها ولو فكر في ذلك فلا بد أن يفكر أيضا في اليوم التالى لهذا الإلغاء.

الأمن والاستقرار


المجلة: لكن ألا يقلقك مغادرة أعضاء البعثة الإسرائيلية كافة القاهرة بعد هذا الحادث؟



* كل دولة لها مطلق الحرية في بقاء أو عدم بقاء بعثاتها الدبلوماسية لكنني أعتقد أن إسرائيل حريصة جدا على السلام لأنها تعتبر المعاهدة ذخرا إستراتيجيا لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وفي حالة إنهيار هذا الذخر ستنتقل مصر من دائرة السلام إلى دائرة العداء وهو ما تحرص إسرائيل ألا يحدث.

المجلة: هل حقا أنك تعارض وقف إتفاقية ضخ الغاز لإسرائيل؟



* أولا معاهدة السلام وإتفاق الغاز ليس قرآنا و بالنسبة لاتفاقية السلام يمكن المطالبة بتعديلات في الترتيبات الأمنية من دون المساس بالنص الأصلي بشرط موافقة الطرفين. وبالنسبة للغاز فلمعلوماتكم فإن إتفاقية الغاز وقعت عام 2005 وبدأ الضخ عام 2008 وفي عام 2009 طالبنا برفع الأسعار بأثر رجعي وتم رفعها بالفعل رجعيا والآن هناك مطالبة أخرى برفع الأسعار وهذا يحق لنا أما وقف الضخ نهائيا فهذا يعد تناقضا مع بيان المحلس العسكري باحترام مصر تعهداتها الدولية الموقعة كافة والتي دخلت حيز التنفيذ ومنها إتفاقية الغاز. أما ما حدث من فساد فهو موجود أمام القضاء لتكون له الكلمة الأخيرة فيه.

المجلة: لماذا نستشعر أن مستوى التعامل الرسمي مع تلك الموضوعات الحساسة لم يرتق إلى درجة غليان الشارع المصري وهو ما فجر تلك الأحداث؟



* هناك فرق بين سقف الشارع والقيادة فالرأي العام المصري والعربي كله يكره إسرائيل وله الحق في ذلك نتيجة الممارسات الخاطئة وعدم التقدم في المسيرة السلمية. ولكن العلاقات بين الدول لا تبنى على أساس الحب والكره بل على أساس المصالح والمبادئ كما أن القيادة تكون لديها رؤية أشمل للأمور لا تتوفر للعامة. ومن ثم تجد الفارق كبيرا دائما بين ردود فعل الشارع والقيادة ليس في مصر فقط بل في كل مكان.

رؤية شاملة


المجلة: هذا يعنى توقع إستمرار حالة الغضب ؟



* التقدير السليم للمواقف المعتمد على رؤية شاملة هو الذي يخدم المصالح ولاشك أنه في الحالة المصرية لا يمكن أن يكون الشارع أعلم من القيادة لذلك يجب أن نلقى بثقتنا وثقلنا للمجلس الأعلى والحكومة وأن نتركهما يعملان لأنهما أقدر على تقدير المواقف وعلينا أن نركز على تحقيق الأمن الداخلي وأن نحافظ على إلتزاماتنا الدولية من أجل سمعتنا في العالم.

المجلة: أستشعر من كلامك رضاءك عن المجلس العسكري في مص أليس كذلك؟



* بالطبع أنا راض عنه بنسبة 100 في المائة وهو للعلم لا يريد أن يستمر في الحكم بل يريد أن يسلم الحكم إلى سلطة مدنية بعد إقامة إنتخابات تشريعية والانتهاء من الدستور وانتخابات الرئاسة ثم يقدم لنا كل ذلك على طبق من البلاتين وليس الفضة ثم يعود لمعسكراته ولابد أن نقف خلفه نؤيده وندعمه ولولاه ما نجحت الثورة لأنه ساندها وحماها.

المجلة: ما رأيك فيمن لا يعجبهم هذا الكلام ويشعرون بعدم الرضا من المجلس العسكري في مصر؟



* أعتقد أن هناك من لا يريدون الخير لمصر ويسعون إلى دق الإسفين بين شعبها وجيشها وقد تم الكشف أخيرا عن وجود عناصر خارجية أنفقت في الأحداث الأخيرة فقط 181 مليون جنيه من أجل إجهاض الثورة المصرية وللأسف الشديد سيعلن عن تورط دولة عربية في هذا الموضوع.
ويجب أن نعلم أن الجيش المصري هم مجموعة من الضباط الوطنيين الذين يسعون لتحقيق الإنتقال السلمي للسلطة بشكل هادئ وآمن والتحول لدولة ديمقراطية مدنية حديثة. وهذا يتطلب 3 قواعد أولها التطبيق الصحيح للديمقراطية والشفافية، فلا بد أن يعرف الشعب كل شيء بالإضافة لمحاسبة من يخطئ وهذا ما يقوم به المجلس العسكري خلال الفترة الانتقالية.

المجلة: تطبيقا لهذ الكلام فإن المجلس العسكري ليس فوق المحاسبة ومن حق المصريين محاسبته؟!



* المجلس العسكري ليس فوق المحاسبة ولكنه يدير ولا يحكم وهو حريص على نقل السلطة بأسرع وقت ممكن ولا بد أن نقف وراءه وندعمه.

المجلة: ما يميز الثورة المصرية عن باقي الثورات العربية؟



* تتميز الثورة المصرية بأن جيشها وقف مع شعبها وناصر ثورتها بينما الأمر مختلف مثلا في ليبيا وسوريا التي وقفت الجيوش فيها ضد الشعب ولولا موقف الجيش المصري ما نجحت الثورة.

خارج الخدمة


المجلة: كيف ترى مستقبل الثورات العربية خاصة التي إستعانت بقوى خارجية لإسقاط النظام ؟



* للأسف الشديد الجيوش العربية أصبحت خارج الخدمة ففي العراق كان الجيش العراقي قويا وكان يمثل تهديدا من الجبهة الشرقية ضد إسرائيل أما الآن فلم يعد له وجود. والجيش السوري مشغول بالثورة وهذا ينهكه ويستنزفه كما أصبحت كل من السودان واليمن مفككتين إلى دولتين وفي ليبيا لم يعد وجود للجيش والجيش الوحيد الباقي هو الجيش المصري ولا نريد أن نشغله كثيرا ليعود إلى ثكناته ويتفرغ للدفاع عن البلد.

المجلة: وكيف نطمئن على مستقبل مصر؟



* بوضع أسس جديدة للحكم ودستور جديد يحد من صلاحية الرئيس ويقوي من الإتجاه الديمقراطي مع نظام إنتخابي سليم لتتحول إلى دولة ديمقراطية مدنية حديثة.

المجلة: كم يستغرق ذلك من الزمن؟

* لا شك أنه يحتاج لوقت طويل وأن يتم بالتدريج ونحن نعيش الآن المرحلة الانتقالية التي تتطلب منا وضع أيادينا معا حتى رئيس جديد محددة فترة ولايته وسلطاته.

المجلة: ما أهم شروط ومواصفات رئيس مصر القادم؟



*أول رئيس مصري بعد الثورة لا بد وأن تكون لديه جذورعسكرية أي من القوات المسلحة حتى تكون علاقته بالجيش قوية وقادرا على التعامل معه ولديه الإنضباط والحس الأمني القومي. وهذا لايعني أنني أطالب بعسكرة الدولة لأنه سيكون رئيس منتخب ولكن يفضل أن يكون ذا خلفية عسكرية من أجل التعامل مع تلك الفترة الانتقالية.

المحكمة هي الفيصل


[caption id="attachment_55226699" align="alignright" width="217" caption="محمد بسيوني.. الضابط في الجيش المصري"]محمد بسيوني.. الضابط  في الجيش المصري[/caption]

المجلة: على ذكر الرئيس.. ما رأيك في محاكمة مبارك؟



* "بحزن شديد"... الحقيقة أنا أرى أن هذا الرجل قدم لوطنه الكثير في فترة من الفترات ولا يستحق منا هذه "البهدلة" في آخر أيامه ليحاكم أولاده ورجاله لا مانع ولكن لا بد أن يراعى تاريخه وعموما المحكمة هي الفيصل لكنني أحزن عندما أقارن بين ما فعلناه مع الملك فاروق من تكريم أثناء خروجه من مصر بعد ثورة يوليو وبين ما نفعله الآن برئيس مصري شارك في الحروب وقدم الكثير. وأنا أحزن عندما أشعر أننا دائما نجرّح في رؤسائنا.

المجلة: هل أمن مصر القومي في خطر؟



*نحن نسير في الطريق السليم حتى الآن ولكن أي تجاوزات تحدث ستؤثر على الأمن القومي لأن الامن القومي لا يقتصر على البعد العسكري فقط بل يشمل أبعادا أخرى إقتصادية وسياسية وصحية فمثلا لو تعثرت البورصة المصرية فإن ذلك يضر بالأمن القومي بمفهومه الشامل ونفس الشيء فإن المظاهرات والاعتصامات المتكررة التي تعطل عن العمل والانتاج تضر بالأمن القومي.

المجلة: بحكم عملك كضابط إتصال بين الجيشين المصري والسوري في حرب أكتوبر. كيف تقيم الموقف السوري حاليا بعد تردي الأوضاع هناك؟

* الأقدر على الرد حول هذا الأمر هو الجامعة العربية وقد أخذت موقفا ووضعت خطة وأرسلت أمينها العام إلى سوريا لحل المشكلة ووقف العنف ولكن سوريا لم تتجاوب لا مع الجامعة العربية ولا مع الدول الصديقة.

المجلة: ولكن هل موقف الجامعة كاف ويرتقي إلى مستوى ما يحدث في سوريا؟



* موقف الجامعة يمكن وصفه بأنه no comment على الرغم من أن موقف الجامعة كان مختلفا وأكثر قوة مع ليبيا حينما وافقت على تدخل قوات الناتو.

المجلة: هل يعني كلامك أنك ترى تدخل الناتو في سوريا كان مطلوبا؟



* طبعا المسألة مختلفة لأن روسيا تساعد سوريا ولا يمكن أن تعطي صوتها في مجلس الأمن للتدخل العسكري ضدها ومن ثم لا يمكن للناتو أن يفعل شيئا بدون موافقة جماعية للأعضاء الدائمين بالمجلس. كما أن إيران تدعم سوريا ماديا وعسكريا ولوجستيا.. إلخ، ومن ثم فالموقف في سوريا مختلف تماما ويصعب فيه تكرار السيناريو الليبي.

المجلة: لو افترضنا جدلا أنه لم تكن روسيا ولا إيران تدعمان الموقف السوري فهل تقبل بحسك المخابراتي الأمني أي تدخل عسكري في ظل وضع سوريا الحرج وحساسية موقفها؟



* طبعا وضع سوريا حرج.. وفي تقديري أنه حتى لو استخدم الناتو أسلحته ضدها فسيطول الموضوع كثيرا أكثر من ليبيا لأنه في حالة الجيش الليبي كان من يقوده أبناء القذافي وكانت هناك انقسامات داخل الجيش فانتقل بعضهم لصفوف الثوار إنما التنظيم العلوي في سوريا يجعل الامر أصعب.

العشائر والبترول


المجلة: ماذا عن مراقبتك للأوضاع في ليبيا ؟



* الواقع مقلق في ليبيا والمسألة لم تحسم بعد لأن استخدام الطيران فقط لا يحسم المعركة ولا بد من القوات البرية وهذا صعب بحكم الطبيعة الليبية الجغرافية والقبلية.

المجلة: هل يوجد خوف على ليبيا وجيرانها من سيطرة القاعدة؟



* الخوف الأساسي من الاختلاف بين العشائر الليبية على آبار البترول والتناحر على السلطة بخاصة وأنه لا يوجد جيش ليبي يحمي الناس في ظل تلك الثورة فالوضع ينذر بكارثة.

المجلة: عاصرت فترة سقوط الشاه والثورة الإيرانية أثناء عملك الدبلوماسي بإيران. ماذا تذكر عن تلك الفترة؟



* كان الأمريكان يضغطون على شاه إيران للتحول السريع من الديكتاتورية للديمقراطية وكان الرئيس كارتر يتعجل الأمر وأنا أعتقد أن التعجل في مثل هذا الموضوع يصبح كمن يعطي مريضا زجاجة الدواء كلها بدلا من الجرعات التدريجية فيموت المريض وهذا ما حدث.
فقد كان السافاك "المخابرات الإيرانية" ينسق مع المخابرات الأمريكية منذ قبل الثورة لمواجهة المد الشيوعي من دون أن يلتفتا إلى المد الديني فكانت النتيجة تصاعده بشكل كبير وغير متوقع أعجز أمريكا عن مقاومته والوقوف أمامه ولذلك عندما وقعت الثورة وخرج الشاه فوجئت أمريكا بسيطرة الخميني وانقلبت العلاقة بين البلدين.

لا للتطرف


المجلة: هل يمكن أن يحدث هذا المد الديني الذي حدث في إيران بعد الثورة ويتكرر في مصر سيما في ظل صعود نجم التيارات الدينية؟



* لا هذا لن يحدث لسبب بسيط أن المصريين شعب متدين بطبعه ومعتدل في تدينه فأنا مثلا شخص متدين معتدل أديت الحج عام 1975 واعتمرت أربع مرات ولا أفوت فرضا وهكذا كل الشعب المصري الذى لا يقبل التطرف. كما أننا في ظل الديمقراطية لايمكن أن تسيطر قوى لا يريدها الشعب وحتى تلك الجماعات الدينية الذائع صيتها الآن فهي تحتاج لائتلاف مع قوى أخرى ومن ثم فلن تنفرد بالحكم.

المجلة: على ذكر إيران ألم يحن الوقت لاستئناف العلاقات المصرية الإيرانية بخاصة في ظل توتر الأوضاع مع إسرائيل عملا بمبدأ عدو العدو صديق؟



* لا بد من تقدير الأمور لمصلحة البلد والأمة العربية ولاشك أن إيران دولة فارسية لها أيديولوجياتها وأطماعها في الخليج ونحن دولة عربية لنا أيديولوجياتنا ومصالحنا العربية وأمامنا مثال صغير جدا يدل على تعنت الموقف الإيراني ففي موضوع مسمى الخليج العربي وإطلاق إيران عليه "الفارسي" ورفضها كلمة العربي اقترحنا تسميته بالخليج الإسلامي فرفضت إيران وأصرت على كلمة الفارسي! ورغم ذلك فإنني أقول لا داعي أن نخلق من إيران عدوا.

المجلة: إذن أليس هذا أحرى بنا لإقامة علاقات مع إيران طالما لا نريد استعداءها؟



* مازال الامر معلقا انتظارا لانتخابات مجلس الشعب المصري حتى يقرر هذا الامر.

المجلة: كنت ضابط مخابرات لفترة طويلة في فترة كانت المعلومات نادرة فهل اختلفت مهمة المخابرات اليوم بعد سهولة الحصول على المعلومة؟

* طبعا المخابرات هي قناة سرية للحصول على المعلومات ولا شك أن 95 في المائة من المعلومات أصبحت موجودة في وسائل الإعلام المختلفة والنسبة الباقية هي التي تجمعها أجهزة المخابرات لأن الوسائل العلنية تبين الظاهر فقط أما بواطن الأمور والنيات الخفية فلا يعرفها إلا رجال المخابرات بطرقهم الخاصة، وغالبا لا يعلم تلك النيات في العالم النامي إلا شخص أو إثنان.

المجلة: هل مازالت حروب المخابرات مشتعلة كما كانت في الماضى أم هدأت حدتها؟



* لاشك أن حروب المخابرات مستمرة ولن تتوقف أبدا والدليل أن أمريكا نفسها لم تنج من تجسس إسرائيل عليها رغم ما بينهما من علاقات خاصة. إذن فالحروب المخابراتية لن تتوقف حتى في ظل مناخ السلام.

المجلة: كلمة أخيرة تقولها للمشككين في نصر أكتوبر 1973 ونحن مقبلين على الاحتفال بذكراه.



* أقول لهم أن أي عمل عسكرى لابد أن نعلم أولا التوجيه الإستراتيجي الخاص به من القيادة العليا إلى القوات المسلحة حتى نحكم عليه إن كان نفذ أم لا وفي حالة حرب أكتوب حدث الآتي.. فقد فاجأنا الرئيس السادات - وهو رجل حكيم كان ينظر أمامه دائما - بأن أصدر توجيه عمليات إستراتيجيا للقوات المسلحة أثار دهشتنا لأن هذا التوجيه كان لدينا بالفعل لكنه أراد تسجيل مهمة القوات المسلحة بكل دقة واحتوى هذا التوجيه على الآتى:
أولا.. كسر الجمود الحالي للموقف السائد وكسر وقف إطلاق النار اعتبارا من يوم 6 أكتوبر. وأقول للمشككين حدث هذا أم لم يحدث؟
ثانيا.. تحقيق خسائر للعدو في قواته ومعداته وأسلحته. وقد حدث هذا وشاهدنا جميعا جولدا مائير وهي تبكي وتستغيث بأمريكا ورأينا شكل الأسرى الإسرائيليين.
ثالثا.. تحرير الأرض المحتلة على مراحل "أي سيناء طبعا" أي لم يكن الأمر بالتحرير مرة واحدة وهو ما حدث بالفعل فتحررت سيناء بالحرب والمعاهدات والتحكيم.
وحتى بالنسبة لمن يتشدقون بالثغرة فقد كان عرضها 7 كيلومترات بينما كان خط المواجهة طوله 167 كم وللأسف اختصروا الأمر كله في هذه المساحة الصغيرة على الرغم من أن إسرائيل لم تحقق أي هدف لا سياسي ولا عسكري من الثغرة لأنها لم تدخل لا السويس ولا الإسماعيلية بفضل المقاومة الباسلة وأذكر ان السادات رفض إقتراحا برجوع بعض الجنود من شرق القناة للتعامل مع الموقف وأمر ببقائهم مكانهم بعد العبور ووضعنا خطة طوقنا بها قوات الثغرة وكدنا نقضي عليهم لولا تدخل أمريكا وطلب كسينجر بوقف الضرب وقال إن أمريكا ترفض أن يهزم السلاح الغربي بسلاح شرقي.
وبالتالى إذا كنا نفذنا كل التوجيه الإستراتيجي فقد انتصرنا في الحرب وليس للمشككين أي حق في ما يزعمون.

السيرة الذاتية للسفير محمد بسيوني


جمع السفير محمد بسيوني، الذي توفي صباح 18 سبتمبر 2011، على مدار 55 سنة من العمل العام والوطنى بين كل الوظائف الحساسة في مصر بداية من العسكرية للمخابراتية للديبلوماسية ثم البرلمانية كالآتي:

[caption id="attachment_55226702" align="alignleft" width="285" caption="الفقيد محمد بسيوني"]الفقيد محمد بسيوني[/caption]

• تخرج في الكلية الحربية عام 1956 وعمل في القوات المسلحة حتى عام 1980 حيث نقل للعمل في وزارة الخارجية.
• شارك في حروب 56، 67، حرب الاستنزاف وحرب أكتوبر 73.
• عمل في المخابرات الحربية المصرية من سنة 1967 إلى 1980.
• عمل ضابط مخابرات للجبهة الشرقية التي تضم القوات العراقية والسورية والأردنية منذ عام 1968 حتى عام 1970.
• عمل خلال حرب الاستنزاف في مكتب وزير الحربية حتى يونيو 1971.
• عمل في حرب أكتوبر 73 كضابط اتصال بين الجيشين المصري والسوري وبناء على ذلك تم منحه نوط الشجاعة من الدرجة الأولى بدرجة فارس من الرئيس حافظ الأسد، ووسام 6 تشرين من القائد العام للقوات المسلحة السورية.
• عمل في السفارة المصرية في طهران خلال الثورة الاسلامية بقيادة الخميني وحضر الجزء الأخير من عصر الشاه وذلك حتى عام 1980 موفدا من جامعة الدول العربية.
• عمل في السفارة المصرية بتل أبيب مع أول بعثة دبلوماسية ثم تم تعيينه سفيرا لمصر في إسرائيل منذ عام 1986 وحتى 2001.
• تم تعيينه مساعداً اول لوزير الخارجية المصري عام 2001.
• تم تعيينه عضوا في مجلس الشورى وتولى رئاسة لجنة الشؤون العربية والخارجية والأمن القومي.
• تم تعيينه عضوا في الجمعية البرلمانية الأورومتوسطية وعضوا في البرلمان الدولي.
• عضو في المجلس المصري للشؤون الخارجية وعضو في الجمعية المصرية الأوروبية.

حاورته: صفاء عزب
font change