بني وليد فرصتها في هذا الفجر الجديد

بني وليد فرصتها في هذا الفجر الجديد

[caption id="attachment_3999" align="aligncenter" width="620" caption="الأمل يتجدد بنهاية سريعة للاقتتال في ليبيا بعد الاتفاق بين الثوار وأعيان المدينة على دخول بني الوليد من دون قتال"]الأمل يتجدد بنهاية سريعة للاقتتال في ليبيا بعد الاتفاق بين الثوار وأعيان المدينة على دخول بني الوليد من دون قتال[/caption]

ماذا يريد أبناء العقيد من هذه المدينة الوادعة التي قهرها وظلمها أبوهم وكان سببا مباشرا في تحطيم مشاريع بنيتها التحية تحطيما متعمدا، ففي سابقة لم تخطر على بال أحد، أوعز إلى مجلس تخطيطه في سبعينات القرن الماضي بأن يفكر في ترحيل هذه المدينة إلى مكان آخر، متحججا بعدم توفر مقومات الحياة فيها.

وكان الكولونيل قد تدخل شخصا ووقف حجر عثرة في وجه مشروع طريق بني وليد – طرابلس، هذه الطريق الوحش التي التهمت خيرة رجال بني وليد ونسائها وأطفالها. ومازالت هذه الطريق تلتهم إلى اليوم الناس من هذه المدينة، وكأنها في حرب عوان أبدية اعتادها الناس، وأضحوا حيالها لا يحركون ساكنا. وبما أن الكولونيل كان يتدخل في كل شاردة وواردة فقد منع هذا المشروع. وحول ميزانيته إلى أشياء أخرى أهم، طبعا.. خارج ليبيا، لأن الكولونيل لا يهمه أمر ليبيا مطلقا ولا تعنيه تنميتها. وكان كل ما يعنيه هو بريقه الشخصي وتألقه كنجم سهيل في أنانية ونرجسية لم يعرف العالم مثيلا لهما.

ألم يوقف الكولونيل مشروعا حيويا بدئ فيه في أواخر الثمانينات في هذه المدينة ألا وهو مشروع الصرف الصحي، الذي شرعت في ننفيذه شركة كورية آنذاك؟! هكذا كان الكولونيل يتدخل في كل الأمور صغيرها وكبيرها في حكم مركزي شمولي تسلطي استبدادي يستند فقط إلى المزاج الشخصي، ولا يعير اهتماما لأية دراسات فنية.

لقد ضيق هذا الرجل على الناس سبل الحياة، ولم يسلم منه حتى (السنفاجة) البسطاء الذين قضى عليهم وعلى مهنتهم.

وكان الفرد في أي مكان من ليبيا غير قادر على إحراز ترخيص حتى لمتجر أو دكان بسيط، لأن ذلك يعد استغلالا وابتزازا للناس وفقا لأفكار الكتاب الأخضر الطوباوية.

وفي المقابل فتح أبواب النعيم لأهله وسدنته، وكأن ليبيا (مغازة) له، وحجته في ذلك أنه حررها من القواعد الأجنبية. ولو كان لليبيين الخيار الحر لكانوا قد فضلوا هذه القواعد على استعباد العقيد لهم وبطشه بهم، وإذلاله إياهم، وتبذيره لثرواتهم، في هوس لا حدود له بالأمجاد الشخصية، موهوما بتخليد اسمه في التاريخ بثروة البسطاء والمغبونين من أبناء شعبه، لاعتقاده بأنه رجل غير مسبوق!

لا أحد يعرف لماذا فعل هذا الرجل بشعبه هذه الأفعال، ولماذا كان حاقدا عليهم إلى هذا الحد، ولماذا أوصلهم إلى العوز والحاجة، وتحت أقدامهم كنوز الذهب الأسود والأصفر والأبيض؟!

لا أحد يعلم لماذا أهمل هذا الكولونيل شعبه؟ فقد كان جسد هذا الرجل في ليبيا، ولكن عقله كان خارجها تماما، يوزع أموالها يمنة ويسرة، في أمور لا تهم الليبيين من قريب أو من بعيد. وفيما كان أبناء هذا الشعب الذي صبر كثيرا على هذا القهر والإذلال، يكافحون من أجل توفير الحد الأدنى من أسباب الحياة، رأينا مدى البذخ والنعيم الذي كان أبناؤه وأزلامه يرفلون فيه. يمتلكون الطيارات الخاصة والشاليهات الفارهة واليخوت العامرة والقصور الشامخة، فيما كان الشقاء والحرمان يحيطان بأنيابهما أبناء الشعب كلهم؟!

فهل حرر الكولونيل البلاد من القواعد ليذل شعبه؟!

ليبيا كانت جميلة ونظيفة وهادئة ووادعة زمن القواعد. وأضحت منتنة وصاخبة وقميئة في زمن الكتاب الأخضر.

مزارع الهضبة والسواني وتاجوراء، كانت منسقة ومنظمة ومثمرة، أما اليوم فتحولت إلى كتل خرسانية، وأبنية عشوائية لأزلام النظام الذين كانوا لا يرتدعون بأي رادع.

فلماذا تريد حفنة من أبناء بني وليد أن تجير أبناء العقيد وزبانيته؟!

ثم لماذا، إذا كانت هذه الحفنة تمتلك الشجاعة الكافية، ارتدت إلى مخادعها القبلية، ولم تواجه الأطلسي في أمكنتها المرفهة والمترفة في أنحاء البلاد؟

لماذا هذه الأنانية من هؤلاء الذين ولوا الأدبار ويريدون أن يورطوا معهم البسطاء من الرجال والنساء والأطفال الذين فرضت عليهم حياة التقشف في أرض تلد الذهب؟!

إن بني وليد فرصتها في هذا التغيير العظيم والفجر الجديد اللذين يحدثان في ليبيا الآن، وعليها أن تحتضن هؤلاء الشباب لا أن تقف في وجوههم.

إن عصر الكولونيل قد ولى إلى غير رجعة، فلا تجيروا هذا الرجل الذي لولاه لما كانت مدينتكم بمثل هذا التخلف المرعب في كل المجالات.
font change