وقال عن هذه الخطة إن حلف الأطلسي أراد ألا يعرض الثوار والشباب إلى مخاطر القتل، وهو يعرف أن كتائب القذافي انسحبت من الغرب ومن الشرق ومن الجنوب، وكلها دخلت طرابلس، فأراد أن يدمرها قبل أن يخرج الثوار إلى شوارع طرابلس، ولكن الثوار رفضوا وتسرعوا، وقاموا بالانتفاضة. وكان مقررا أنه بعد 6 ساعات من الانتفاضة في العاصمة تزحف قوات الثوار في الأماكن الأخرى نحوها. هذا لم يحدث وتم خروج الثوار في المدينة من دون موافقة الناتو، ومن دون تنسيق مع كتائبهم المسلحة.
فيما يلي نص الحوار:
- يبدو أنه قد بزغ فجر جديد في ليبيا الحديثة، ما تعليقك على هذا؟
* ليبيا اليوم أغلقت باب جهنم، وأرجو أن تدلف إلى باب الجنة، ولكن الآن نستطيع أن نقول إن حقبة معمر القذافي الكريهة، انتهت وإلى الأبد، ويبقى شيء واحد هو كيف يمكن لنا أن ندير الحرية، لأن إدارة الحرية أصعب من تحمل الاستعباد. لأنه وفي فترة الاستعباد هناك دائما شخص يفكر لك، ويقول لك ماذا تعمل، ويرسم مستقبلك ومستقبل أبنائك، ولكن الحرية هي مسؤولية. ففي البلدان مثل ليبيا وكل البلدان العربية التي لم تعرف في أي يوم من تاريخها فكرة الحرية والديمقراطية، تصبح فكرة جديدة في تاريخها أو ثقافة جديدة، فكيف تدير هذه الحرية؟
الشيء المهم بالنسبة لليبيا هو كيف تدير هذه الحرية، ثم كيف تستطيع أن تعوض كل هذه العقود من الظلم ومن التخلف إلى عهد جديد فيه الحرية والتعليم والثقافة وقطوف ألف زهرة وزهرة تتفتح.
- من دون هيمنة فرد يقطع على الناس أنفاسهم؟
* هذه هي الاشكالية، لأن هناك في البلدان التي لم تعرف الحرية في تاريخها، وهذا لا ينطبق على الليبيين فحسب، وإنما كل شعوب العالم التي لم تعرف الحرية، لأن فكرتي الحرية والديمقراطية فكرتان جديدتان. فكرة الحرية كانت فكرة مزدوجة، وإنما الحرية بمعنى حرية الفرد، وإيجاد مجال حيوي لهذا الفرد، والقدرة على أن يكون الشأن العام من اختيار مجموعة هؤلاء الأفراد التي تكون هذا المجتمع، هي فكرة حديثة، ولم تكن فكرة قديمة. ففي كل هذه الدول التي لم تعرف الحرية والديمقراطية في أي يوم من تاريخها، تصبح هناك مشكلة كبرى، وهي كما قلت إدارة الحرية. لذلك نرى أن براهام لنكولن عندما حرر العبيد في أميركا، كثير من هؤلاء رفضوا الحرية.
[caption id="attachment_3290" align="alignleft" width="300" caption="معمر القذافي"][/caption]
- لماذا؟
* لأن الحرية تعني المسؤولية.
- أهذا يندرج تحت شعار: إن المحافظة على الاستقلال أصعب من نيله؟
* نعم. هو كذلك.
- كيف تلقيتم نبأ اقتحام طرابلس؟
* بفرحة عارمة، لأن اقتحام طرابلس، أو تحرير طرابلس، كان أمنية أجيال وأجيال. هناك من مات وكان ينتظر، ومنهم من هو حي ولم يكن يعتقد أنه سيحضر هذا اليوم وأنا من هؤلاء. والآن استطاع أبناؤنا، هؤلاء الذين لم يرضعوا الحليب من ثدي الطغيان، ولم يشربوا حليب الاستعباد، استطاعوا أن يفهموا أكثر منا. لقد زحف الآلاف منهم من أجل الحرية.
- هل فاجأتكم هشاشة الكتائب والنظام بصفة عامة؟
* طبعا بالتأكيد. ما كنا نعتقد أن يسقط النظام بمثل هذه السرعة، لأننا كنا نخشى أن تكون معركة طرابلس أكثر دموية.
إنجاز المهمة
- هل لديكم معلومات عن الكيفية التي تم بها اقتحام طرابلس بهذه السرعة؟
* بخصوص طرابلس حدث الآتي. كانت هناك خطة من مجموعة من الخبراء، وعلى رأسهم الدكتور محمود جبريل رئيس المكتب التنفيذي، قاموا بوضع خطة لتحرير طرابلس. هذه الخطة تحتوي على التالي. هو أن يقوم الثوار، بالتنسيق مع حلف الأطلسي، بالتصعيد في الجبهات، يرافق ذلك تحرك الثوار من داخل مدينة طرابلس. ولكن حلف الناتو حدد التحرك بيوم الاثنين 22 أغسطس ولكن شباب الثورة رفضوا توصية الحلف وتحركوا وقاموا بالتحرك في يوم 21 (الأحد).
وكانت الفكرة أن حلف الأطلسي لا يريد أن يعرض الثوار والشباب إلى مخاطر القتل، وهو يعرف أن كثيرا من كتائب القذافي انسحبت من الغرب ومن الشرق ومن الجنوب، وكلها دخلت طرابلس، فأراد أن يدمرها قبل أن يخرج الثوار إلى شوارع طرابلس، ولكن الثوار رفضوا وتسرعوا، وقاموا بالانتفاضة. وكان مقررا أنه بعد 6 ساعات من الانتفاضة في العاصمة تزحف قوات الثوار في الأماكن الأخرى نحوها. هذا لم يحدث وإن ما حصل هو خروج الثوار في المدينة من دون موافقة الناتو، ومن دون تنسيق مع كتائبهم المسلحة، ولذلك حصل حمام دم بالأمس واليوم، لكنهم استطاعوا أن يتداركوا الخطأ الذي وقع فيه الشباب، وبدأ الحلف يقصف بشكل مكثف لتعويض المرحلة الزمنية التي طلبها، وفي الوقت نفسه دخل الثوار من منطقة الزاوية على الخط، وهاجموا طرابلس من الناحية الغربية. أريد أن أقول إن الجماهير غير المسلحة التي خرجت اليوم في مدينة طرابلس واحتلت المناطق والأحياء جعلت النظام يرتعب. هذا من ناحية. الناحية الثانية أنه كان هناك اتصال تم مع اللواء البراني اشكال وهذا ابن عم القذافي. وهو قائد كتيبة امحمد المقريف. هذه الكتيبة المسؤولة عن أمن معمر القذافي وعن أمن طرابلس، أقول حدث الاتصال به منذ نحو الشهرين، وقال إن طرابلس ستكون معكم. وقد أوفى بوعده. فقد طلب من كافة الفصائل أن تسلم سلاحها، وبهذا بقي القذافي من دون حراسة. وهذا مما سهل على الثوار إنجاز المهمة من دون خسائر فادحة.
- إذا تصرف البراني أنقذ طرابلس من حمام دم مروع؟
* نعم.
- ما هي معلوماتك عن القذافي. أين هو الآن؟
* القذافي مازال في طرابلس، لأن القذافي واهم، مثلما قلت سابقا، أنه يعيش في عالم افتراضي. فقد الصلة بالواقع منذ زمن بعيد، ولذلك رأيناه قبل استيلاء الثوار على طرابلس يلقي ثلاثة خطابات متتالية طالبا من الملايين الخروج لمجابهة الثوار، فهو واهم، يعني كان يتكلم مع نفسه.
[caption id="attachment_3291" align="alignright" width="300" caption="سيف الاسلام القذافي"][/caption]
- يعني هو يظن أنه في المعركة ومازال قائدا؟
* نعم. هو إلى الآن، وحتى عندما يعتقل، ويلقى القبض عليه، وتوضع في يديه الأغلال، سوف يبقى يفكر دائما أنه مازال زعيما، لأنه مريض، هذا رجل مريض، مغرور بداء السلطة، وداء النرجسية، والشيزوفرينيا والبارانويا، ما يجعله إنسانا عير سوي.
الحرس القديم
- كيف ستكون محاكمة الحرس القديم في ليبيا؟
* في ليبيا سوف لن تكون هناك محاكمة. لأي شخص اشتغل مع القذافي، إلا الذين ثلوثت أيديهم بدماء الليبيين أو أموالهم. يعني لن يحاكم أحد اشتغل مع القذافي في أي مكان كان، إلا من اعتدى على أعراض الليبيين أو أموالهم.
- على هذا الأساس، هل تعتقد أن محاكمة اللجان الثورية أمر لا بد منه؟ أي الذين عاثوا في البلاد فسادا؟
* اللجان الثورية في ليبيا فيها حوالي 10 آلاف عضو، أكثرهم ناس وطنيون، وأناس شرفاء.
- ومن تورطوا منهم؟
* المجموعة الذين تورطوا في قتل أو نهب أو إهانة الشعب هؤلاء لا بد من محاكمتهم.
- سمعنا أن سيف الإسلام ألقي القبض عليه، وأن محمد سلم نفسه، فأين بقية أبنائه؟
* البقية إن كانوا في ليبيا سيقبض عليهم فورا، لا مفر، أين سيذهبون؟
- سؤال سابق لأوانه.. ما العاصمة القادمة..؟ طرابلس أم بنغازي؟
* ستكون دائما طرابلس.
- حدثنا عن مصير اللوائين أبوبكر يونس والخويلدي الحميدي وكذلك مصطفى الخروبي كيف سيكون التعامل معهم؟
* مجلس قيادة الانقلاب في 1969 من هو حي منهم سينظر في أمره. وكثير منهم تركوا القذافي وذهبوا في حال سبيلهم مثل عبدالمنعم الهوني والقروي ومحمد نجم وعبدالسلام جلود. وهناك من مازال معه من الذين ذكرتهم أنت. هؤلاء يجب أن يحاسبوا على ما فعلوا، ولكن لا نسمح بأن يعمل قانون مفصل على أحد.
- كيف ترى وضع القبائل الآن وماذا سيحدث بينها؟
* الواقع أنه توجد أسطورة يجب أن تنتهي في ليبيا، لأن النظام القبلي هو نظام متخلف.
- لكنه أمر واقع في ليبيا؟
* نعم.
- الآن وبعد اختفاء النظام وهزيمته.. هل تعتقد أن ثروة ليبيا ستوزع بعدالة على مواطنيها ومناطقها؟
* هذا يعتمد على ماذا سيفعل الليبيون بحريتهم، لقد اختفى الفرد الذي كان يفكر للجميع دون مراعاة لشعورهم. الآن الشعب الليبي ينبغي أن يفكر لنفسه، ويخطط لمستقبله، وينفق أمواله أينما يريد. إذا استطاع الشعب الليبي أن يفعل ذلك، فثق وتأكد أنهم سيعملون على التنمية وعلى مستقبل مزدهر لأبنائهم.
- الآن ميزانية الكتاب الأخضر ستنفق على قطاع من القطاعات الحيوية؟
* طبعا.. الكتاب الأخضر وملوك أفريقيا، ورشى للأفارقة، من أجل أن يصغوا دائما للزعيم الأحد، وإلى نزواته ومطامحه. في الفترة الأخيرة كان السيد بشير صالح رئيس مكتب القذافي يحمل أموالا طائلة إلى زعماء أفريقيا لكي يغيروا مواقفهم، يعني كان هناك زعماء كانوا مع الثوار، إلا أن الأموال غيرت مواقفهم.
- يعني أنت تعتقد أننا سنشهد نهضة عملاقة في ليبيا؟
* نأمل ذلك. لكن هذا يجب أن تتوفر له أسباب كثيرة. ومن بين هذه الأسباب أن يدرك الليبيون أن هناك قطاعات لابد من تقويتها أولا.. مثلا قطاع التعليم. ولا بد أيضا من التواضع. لذا ينبغي ألا نعتمد على الخبرات الليبية فقط، ولكن لابد من مساعدة خبرات أجنبية، حتى نستطيع أن نقوم بتنمية. نحن الآن لدينا جيش عاطل من الخريجين من المؤسسات التعليمية، ولكنهم لا يفقهون شيئا.
- لماذا لا يستثمر في الساحل البحري الطويل لتعويض هؤلاء عن دراستهم غير المجدية؟
* هذا واحد من مقومات التنمية المستدامة. لذا يحب على ليبيا أن تضاعف دخلها من مداخيل عدة. ينبغي أن نطور بنياتنا في كل القطاعات لزيادة الدخل الذي يهيمن عليه النفط فقط. لابد من إيجاد تنمية حقيقية مثلما حصل في الإمارات العربية التي تطورت بحكمة الشيخ زايد. فدولة الإمارات لا تصدر نفطا أكثر من ليبيا، ولكن دخلها أكثر من ليبيا بثلاثة أضعاف. إنها الحكمة في تسيير الاقتصاد.
- هنا أريد أن أسألك.. ونحن نتحدث عن الثروة وهي القوة.. هل من صراع على السلطة بين الليبيين؟
* الصراع على السلطة ليس عيبا. ولكن من خلال أدوات معينة، من خلال احترام أصول اللعبة الديمقراطية. العيب عندما يكون الصراع من دون قواعد، وهذا يجر البلد إلى فوضى.
- كيف ترى ليبيا بعد أسبوع من الآن؟
* أنا لا أتنبأ بقدر ما عندي رجائي هو أن نكبر على جراحنا، وعلى ما أصابنا، وأن نحترم القوانين، وألا يطغى الحقد في نفوسنا والكراهية التي تدفع إلى الانتقام. إنما ينبغي أن نطالب بالعدالة. كما نطالب الدولة أن تأسو جراح المكلومين وتعوضهم على ما حاق بهم من ظلم.
- أنا أريد أن أسألك بخصوص عائلة القذافي.. إذا فروا للخارج كيف سيجلبون للعدالة؟
* هم مواطنون ليبيون. إذا فعلوا أشياء ضد القانون ينبغي أن يحاسبوا عليها، وإذا ارتكبوا جرائم يجب أن يحاكموا. لا يجوز أن يفلت أحد من العقاب. فلكي نبدأ مرحلة جديدة، ينبغي ألا يكون أحد فوق القانون.
[caption id="attachment_3314" align="alignleft" width="372" caption="صعود وسقوط معمر"][/caption]
- من سيتولى الأمور في طرابلس بعد حين؟
* المجلس الانتقالي، ويجب أن تدخل كل المناطق المحررة بممثليها ويضعوا دستورا غير هذا الدستور المهزلة، الذي خرج من كم يوم. وفي ليبيا خبرات جيدة قادرة على وضع دستور جيد. وينبغي أن يضعوا دستورا انتقاليا إلى أن تنتخب الجمعية التأسيسية، لتضع الدستور الدائم، وتبدأ الحياة الديمقراطية.
- ماذا تعني بأن في الدستور أشياء ليست جيدة؟
* أولا من حيث الشكل كان دستورا رديئا حتى في صياغته. ثانيا تطرق لأشياء ما كان ينبغي له أن يخوض فيها.
- مثل ماذا؟
* مثل الفترة الانتقالية مثلا والتي حددها بثلاثة أشهر. ثم إن الدستور يجب أن يتكلم عن الدولة المدنية التي تحترم حقوق الإنسان، وهذا شيء أساسي. لقد تسرع إخوتنا في المجلس الانتقالي بوضع هذا الدستور، الذي كان ينبغي أن يوضع بعد تحرير طرابلس.
- ليبيا الآن محتاجة لجيش، بعد أن فككه العقيد منذ زمن بعيد لأسباب أمنية.
* أولا هناك شيئان أساسيان بالنسبة لليبيا. الشيء الأول هو بناء جيش وطني بالعقيدة الديمقراطية، والذي لا يتدخل في الشأن العام. ثانيا: العمل السياسي لإنشاء الجبهة الوطنية لليبيا التي ستضم أحزابا ومؤسسات، في بلد افتقر للعمل السياسي طيلة اثنين واربعين عاما، لنقل ليبيا من مرحلة الدكتاتورية إلى مرحلة الديمقراطية والاستقرار.
- كيف سنتخلص الآن من الكتائب والميليشيات بسرعة؟
* هذه الكتائب والميليشيات من الليبيين، فنحن عندما نؤسس الجيش الوطني، نوزع هذه الكتائب على الجيش، وهذه عملية تحتاج إلى عمل فني وسياسي وعسكري. ولا بد من تفكيك الميليشيات.
أجرى الحوار: عبد الجليل الساعدي