أثار قرار تكليف الدكتور محمد كامل عمرو حقيبة الخارجية علامات استفهام جديدة في ما يخص حالة الاضطراب والترنح التي تعاني منها حكومة الدكتور عصام شرف في اختيار من يشغلون المناصب في مصر ما بعد الثورة، بخاصة وأن كامل عمرو من المقربين جداً من مرشح الرئاسة المصرية عمرو موسى، بل يعتبر أحد ركائز حملته الانتخابية الحالية، وهو بدوره ما يثير شكوكاً وإشكالات وشبهات حول اختياره لشغل هذا المنصب على رغم اعتراف البعض بجدارته في القيام بمهامه.
والدكتور محمد كامل عمرو التحق بوزارة الخارجية المصرية عام 1965 عقب تخرجه فى كلية التجارة بجامعة الإسكندرية. وكانت أول مهمة دبلوماسية له توليه منصب ملحق في سفارة مصر في أديس أبابا عام 1968، ثم عاش فترة طويلة كدبلوماسي في الولايات المتحدة الأمريكية منذ عام 1982 حينما التحق كمستشار ببعثة مصر بنيويورك ثم وزيرا مفوضا ونائباً للسفير المصري بسفارة مصر بواشنطن عام 1989، وقد عرف عن الدكتور محمد كامل عمرو أنه لم يشغل منصب السفير إلا مرة واحدة في حياته عندما عين سفيرا فوق العادة فى الرياض عام 1995.
كما أنه لم يتول منصبا رسميا في وزارة الخارجية المصرية على مدار تاريخه وحتى بلوغه سن التقاعد وذلك بسبب ظروف عمله كوزير مفوض لشؤون أفريقيا، وكنائب مساعد للوزير لشؤون المنظمات الأفريقية كما عمل بالبنك الدولي لفترة طويلة من عام 1997 حتى عام 2009 ممثلا لمصر والشرق الأوسط حيث عمل مديرًا تنفيذيًا عامًا مناوبًا ومثل خلالها ثلاث عشرة دولة عربية.
ويحفل تاريخه بالعديد من الانجازات كما ارتبط اسمه في الخارج بالحروب الدبلوماسية التي خاضها من أجل مصر والعرب وتواكب ذلك مع حرب أكتوبر 1973 تلك الفترة التي التحق خلالها بالسفارة المصرية بلندن حيث شارك فى إدارة وتنفيذ المعركة الدبلوماسية المصرية التي أهلت المناخ الدولي للحرب، ومن لندن انتقل إلى بكين بالصين ثم إلى أستراليا.
وباستقراء ملامح شخصيته، نجد أنه يحظى على المستوى العملي بتقدير كبير داخل القطاع الدبلوماسي المصري، ويعد من الرعيل المخضرم في الدبلوماسية المصرية الذي يتسم عمله بالدقة والإخلاص والإلتزام الشديد، كما أنه يتمتع بشخصية قوية مثابرة وقدرة على الاحتواء والتفاوض وعدم التفريط في استحقاقات أية قضية يناقشها ويوضع فيها.
وقد سبق له أن استغل قدراته هذه في إعفاء مصر من ديون عسكرية أمريكية تقدر قيمتها بنحو تسعة مليارات دولار، كما أنه يتمتع ـ على المستوى الشخصي ـ بشخصية حكيمة ودودة منفتحة على الجميع متمسكة بالعادات والتقاليد الشرقية على الرغم من سنوات الغربة الطويلة، وهو في الغالب لا يبالي بما قد يواجهه من هجوم أو انتقادات ضده فله القدرة على امتصاص غضب من يهاجمونه إلى أن يثبت لهم ما يريد إثباته وهو ما بدا واضحا في تعاملاته مع كل الذين اعترضوا على توليه وزارة الخارجية من خلال إعلانه التأييد الكامل لمواقفهم وثنائه على ثورة 25 يناير وتأكيده أنها رفعت قيمة الإنسان المصرى وأعادت إليه كرامته، كما كان صريحا فلم ينكر علاقته بزميل عمره وزير الخارجية الأسبق ومرشح الرئاسة الحالي عمرو موسى وأكد أنه أستاذه وأنه كان بالفعل مستشارا له في حملته الانتخابية الرئاسية.
ونستطيع من خلال تصريحات محمد كامل عمرو أن نستنتج ملامح خطواته القادمة في وزارة الخارجية المصرية، تلك التصريحات التي ابتدأها بالتأكيد على الاهتمام الكامل برعاية شؤون المصريين في الخارج، بل وإرسال لجان تقصي حقائق في مهمات شبه سرية للتحقيق في شكاواهم من خلال سفاراتهم المصرية في باقي الدول.
وقد تعهد عمرو، في أول ظهور إعلامي له بعد توليه الحقيبة الوزارية، أنه لن يهان أي مصري بالخارج بعد اليوم، وأن كرامة الإنسان المصري ورعاية المصريين بالخارج هي أولى أولوياته في الفترة القادمة.
وقال عمرو إن السفارات المصرية بالخارج لن تغلق أبوابها فى وجه أي مصرى بالخارج، ولن يحدث تمييز فى المعاملة بين المواطنين، والجميع سواسية بدءاً من العامل البسيط وحتى الأستاذ الجامعي، وأنه مسؤول بنفسه عن ذلك.
وعلى صعيد العلاقات الخارجية يتوقع منه الشروع في اتخاذ سياسات متوازنة تهدف أساسا إلى رعاية المصالح العربية وقضاياها، وذلك انطلاقاً من إيمانه العميق بأن "العالم العربي يشتاق لعودة مصر" وكذلك انطلاقاً من الثوابت السياسية المصرية على المستوى العربي، والتي عبر عنها صراحة، حيث قال "هناك ثوابت في السياسة المصرية، أولها الدائرة العربية، فمصر هي قلب العالم العربي وما يحدث في مصر يؤثر في عالمها سلبا أو إيجابا، وإذا تقدمت مصر تقدم العالم العربي، وإذا تعثرت تعثر".
ويبدي كامل عمرو ـ في هذا الإطار العربي ـ اهتماماً خاصاً بقضايا رئيسة على رأسها القضية الفلسطينية. وعلى المستوى الإفريقي له اهتمام خاص برعاية التوجه المصري الأفريقي ـ بخاصة في ظروفه الحالية التي تشهد تطورات متواترة ـ وهو أمر متوقع منه باعتباره كان مسؤولا عن الإدارة الأفريقية سابقا. وهو أعلن صراحة عن توجهاته الخاصة إفريقياً حيث قال "الدائرة الثانية في أولويات السياسة المصرية هي إفريقيا، التي ستسير مصر فيها على مسارات عدة سياسية وتجارية واقتصادية ومصالح مشتركة"، هذا بالإضافة إلى اهتمامه ببعض القضايا الملحة مصرياً والتي منها قضية مياه النيل، والعلاقات مع دول الجوار، والتركيز على زيادة الانتشار المصري في المحافل الدولية، وهو يجمل تطلعاته الكلية والمستقبلية في عبارة موجزة قال فيها سيكون لنا أولويات جديدة".
مرحلة شائكة
و من خلال ما يموج به الشارع المصري من أحداث ومفاجآت وتطورات، يمكن القول إن المميزات الشخصية والعلمية والسياسية التي يتمتع بها الدكتور محمد كامل عمرو وزير الخارجية المصري الجديد في حكومة الدكتور شرف، لن تهيئ له نجاة متوقعة من معوقات المرحلة الشائكة التي تمر بها مصر على كل المستويات، إذ من المتوقع أن يصطدم وزير الخارجية الجديد بالعديد من المطالب ذات السقف المرفوع من قبل الجماهير في مصر، كما أنه قد يدفع ثمن تخبط الوزارة التي استقدمته لهذا المنصب، وذلك من وجهة نظر الثوار، في حين أن العلاقة الضبابية التي تجمع بين حكومة الدكتور شرف من جهة، والمجلس العسكري من جهة أخرى، وتأثير ذلك كله على الأوضاع داخل وخارج مصر، سوف تؤثر بالتأكيد على خطوات الوزير الجديد، بل قد تطيح به مجدداً كما أطاحت بغيره (محمد عرابي مسك المنصب شهرا واحدا)، ناهيك عن أن مقارنة مواقف الشارع المصري من تعيين كامل عمرو وسلفه نبيل العربي المنتقل للجامعة العربية، هي مقارنة ليست في صالح عمرو الذي يعرف جيدا أن منصبه الجديد على كف عفريت.
ومع ذلك تبقى توقعات بعض الخبراء أمراً وارداً، إذ يعولون عليه في النهوض بالدبلوماسية المصرية وإعادة التفاؤل والأمل من جديد للمصريين حول دور مصر فى الخارج، وكذلك فى إنقاذ الاقتصاد المصري من كبوته بحكم خبراته الإقتصادية الدولية وعلاقاته السياسية الطيبة مع دول العالم، والتي قد تمكنه من تحقيق مكاسب دبلوماسية اقتصادية وتنموية لمصر ما بعد ثورة 25 يناير، بخاصة في ظل ما يشهده المصريون من هزة اقتصادية كبيرة ناتجة عن عدم الاستقرار السياسي وتوقف عجلة الإنتاج.. فهل ينجح الدكتور محمد كامل عمرو، أم تشهد ملامح الخارجية المصرية صوراً أخرى من التغيير؟
صفاء عزب