البعض يعتقد بتحول حكومة رجب طيب اردوغان الى قطعة في خارطة وبرنامج واشنطن وذلك من خلال تتبع التنسيق والتناغم في مواقف ادارتي اوباما واردوغان من هذه التطورات، والبعض الاخر يعتقد ان انقرة تسعى للحصول على موافقة اميركا واوروبا والسعودية للعب دور في قيادة وتوجيه التطورات الاقليمة وذلك من خلال تتبع المواقف التركية المعادية لسورية – التي تراجعت قليلا في الايام الاخيرة. في حين يعرب البعض عن اعتقاده بان المواقف اللينة التي صدرت عن بعض المسؤولين الاسرائيليين تجاه تركيا، ستساهم في جر انقره ناحية الغرب، خصوصا وان اردوغان يحاول الحصول على عضوية الاتحاد الاوروبي التي منعت عليه. والبعض الاخر - ومعه الشعوب الاسلامية - يرى ان تصرفات تركيا وتنسيق سلوكها مع الغرب يجب وضعه في اطار " التكتيك" وليس الاستراتيجيا.
ولتحليل السلوك التركي والاستنتاجات التي تتمخض عنه ، يجب التوقف عند بعض النقاط :
اولا: مع بداية التحولات في العالم العربي، اعلن المسؤولون الاتراك دعمهم للانظمة التي تعرضت للاهتزاز من منطلق حماية "الاستقرار". ثم تطور الموقف للطلب من قيادات هذه الدول التعاطي الايجابي مع معارضيهم وذلك من منطلق "اصلاحي"، ثم تتطور الموقف ليصل حد اعلان الدعم للثورات التي تشهدها هذه الدول بشكل صريح.
وكمثال على مسار تطور الموقف التركي، عندما صدر قرار مجلس الامن الدولي حول ليبيا وارتفاع وتيرة احتمالات حصول تدخل في هذا البلد، ادان اردوغان هذا الامر بشدة، ولكن بعد عدة ايام ارسل 18 طائرة تركية مقاتلة في اطار الناتو الى ليبيا. وقد ترافق هذا الموقف مع زيارات مكوكية قام بها مسؤولون اتراك الى بعض البلدان العربية من اجل عقد لقاءات ومصالحات بين قادة هذه الدول والاطراف المعارضة لهم. في حين كان الموقف التركي من الاحداث في سوريا اقرب الى معارضي الحكومة السورية منه الى الحكومة. اذ اقدمت الحكومة التركية على انشاء وتجهيز مخيمات في المدن الحدودية مع سوريا ودعت معارضي النظام السوري للالتحاق بها، وبعد ايام من ذلك، طلبت انقرة من بشار الاسد وبلهجة بعيدة عن الصداقة وغير عادية اقالة قائد القوات العسكرية السورية من منصبه.
والسلوك التركي في مسار مفاوضات الطرفين الفلسطينيين في القاهرة انطلق من مبدأ الضغط على حماس من اجل اجبارها على قبول الاعتراف بدولة اسرائيل على اراضي 1948، لكن تعاطي احمد داود اوغلو وزير خارجية تركيا والمسؤول عن ملف العلاقة بين تل ابيب والقاهرة، في اجتماع القاهرة كان سببا في اثارة الكثير من الغموض الى حد دفع المسؤولين الاسرائيليين للحديث عن تحول في موقف تركيا.
في هذه الاثناء قام مساعد رئيس الوزراء الاسرائيلي بالاشادة بالدور التركي وبعدها رحب نتنياهو بحفاوة باعادة انتخاب اردوغان للمرة الثالثة، فيما تحدثت بعض الاوساط الاسرائيلية عن مفاوضات سرية بين ممثلين عن اردوغان ونتنياهو.
ثانيا: على الرغم من الامكانيات المتقدمة التي تتمتع بها تركيا كحكومة ذات اتجاهات اسلامية، الا انها تفتقر بوضوح إلى القدرات المطلوبة للعب دور محوري مستقل في تطورات المنطقة.
فالصعود السياسي للاسلاميين في تركيا في العقدين الاخيرين يكشف ان رجائي كوتان زعيم حزب السلامة، ونجم الدين اربكان زعيم حزب الرفاه، ورجب طيب اردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية شكلوا كل في زمانه ووقته رمزا للاتجاهات الاسلاموية لدى الشعب التركي، وهذا يدلل على ان النهضة الاسلامية للشعب التركي لا تقف عند حكومات او اشخاص مثل رجائي كوتان ورجيب طيب اردوغان. وتركيا، خصوصا في العشر سنوات الاخيرة التي تولى فيها حزب العدالة والتنمية السلطة، والتي اتبعت اسلوبا سلميا في مواجهتها مع الغرب، ارتفعت مؤشرات اتجاهاتها نحو الاسلاموية إلى حد ان كل استطلاعات الرأي كشفت ان عمق الاتجاه الاسلامي للشعب التركي ورفضه للغرب ابعد مما ابدته حتى الان حكومة اردوغان وقامت به.
[caption id="attachment_2197" align="alignleft" width="226" caption="اردوغان"][/caption]
والحقائق تكشف ان الشعب التركي يسعى لتطبيق الشريعة الاسلامية في تركيا في حين ان الحكومة المسيطرة اكتفت فقط حتى الان "بالمظهر الاسلامي"، كما ان الشعب التركي غير راض عن مواقف حكومة اردوغان في ما يتعلق باميركا واسرائيل ويعتبر ان استمرار هذه العلاقة هو نوع من الاهمال.
ثالثا: على الرغم من موقع تركيا الاورو – آسيوي وتمتعها بمستوى اقتصادي وديمقراطي متقدم على كثير من الدول الاسلامية، الا ان ذلك لم يساعدها على تعويض افتقارها للقدرة اللازمة على قيادة العالم الاسلامي. فمنذ تولى اتاتورك السطلة في تركيا عام 1922 تعرض البعد الديني في هذا البلد وحتى العقد الاخير لممارسات قمعية قاسية، فقد الغي الخط العربي واقفلت مدارس التعليم الديني ونهب التراث الاسلامي إلى درجة ان اسطنبول التي كانت مركزا اسلاميا باتت تابعة للقاهرة، ووصلت الامور ان تحولت كل من مدن قم والقاهرة والمدينة المنورة إلى مراكز فقهية للمذاهب الاسلامية في ظل غياب أي دور لتركيا في هذا الاطار، اضافة إلى أن الذاكرة العربية المرة من مرحلة حكم الامبراطورية العثمانية شكلت مانعا امام لعب تركيا دورا دينيا. ولهذا السبب فان أي تحرك سياسي او ديني تركي سيكون محكوما بالفشلما لم يكن متفقا ومنسجما مع تطلعات جميع المسلمين. وانطلاقا من هذه المعطيات، فان كل المحللين وحتى المحللين الاتراك، لا يقولون باي دور مستقل لتركيا في رسم مستقبل العديد من التحولات في المنطقة، بل يرون أن أي دور فاعل لها يجب ان يكون إلى جانب كل من إيران ومصر.
رابعا: من المستبعد ان يكون قد دخل في روع القيادة التركية انها قادرة على لعب دور مؤثر في المعادلات الاقليمية بموافقة اميركا والسعودية، وبعض المحللين استنتجوا من السلوك التركي العدائي لسوريا والدعاية المعادية لايران في عدد من الوسائل الاعلام التركية، ان انقرة قد بدأت مسارا لاعادة النظر في علاقاتها. وهذا استنتاج يبدو غير دقيق. فالقيادة التركية لم تستطع الحصول على اعتراف بانها نموذج للقيادة في العالم الاسلامي، وان رئيس الجمهورية التركي عبدالله غول ورئيس الوزراء رجب طيب اردوغان زعيمان حزبيان وصلا إلى السلطة عن طريق الانتخابات ولا يتمتعان بموقع "كاريزمي" يؤهلهما للعب دور قيادي معنوي قادر على احداث تحول. وان اختيار حزب ادروغان لثلاث مرات متتالية كان في الحقيقة اختيارا في مواجهة التيار العلماني ورسالته "ارادة الشعب التركي الاسلامية" ومن الطبيعي ان قادة حزب العدالة والتنمية غير قادرين على الابتعاد عن المسار الاسلاموي في المنطقة أو التمتع بدعم الشعوب الاسلامية.
خامسا: ابتعاد انقرة عن التوجهات الاسلامية والاستمرار في لعب دور معاد لسوريا، يضع تركيا في مواجهة ازمتين قويتين داخلية واقليمية. فتركيا من الناحية الداخلية موزعة على ثلاث طوائف كبيرة هي :
الاتراك الاحناف المستقرون في المناطق الشمالية والاوروبية من تركيا ويشكلون نحو 50 في المائة من مجموع سكان هذا البلد، ويعتبرون الشريحة التي خرجت منها حكومة اردوغان بشكل رئيس.
الاكراد الشافعيون ويشكلون نحو 20 في المائة من سكان تركيا ويقطنون المناطق المحاذية للحدود السورية والايرانية.
27 في المائة من سكان تركيا هم من الاتراك الشيعة ويطلق عليه اسم "العلويين" ويزيد عددهم عن 23 مليون نسمة، وهم يطالبون الحكومة التركية بالتقارب اكثر مع إيران وسوريا، في حين يبدي الاكراد عدم ارتياحهم من العلاقات المتوترة بين انقرة وبغداد بسبب الهجمات العنيفة التي يقوم بها الجيش التركي ضد الاكراد.
واذا لم تلجأ تركيا لتعديل سلوكها على الصعيد الاقليمي فانها ستواجه معارضة جدية من إيران والعراق وسوريا، وهذا سيخلق سدا امام التحرك التركي في المنطقة في وقت تحتاج تركيا بشدة للتعاون الاقليمي.
سادسا: يمكن القول ان العدو الاساس لاي علاقات حميمة بين تركيا والمنطقة، وخصوصا العلاقات النشطة بين طهران وانقرة هما الغرب واسرائيل، وانطلاقا من هذا، فانه إلى جانب ظهور بعض التصرفات غير المنطقية من قبل الحكومة التركية، يلجأ الغرب إلى تضخيم بعض العبارات والتركيز عليها بشكل كبير ويسعى إلى جر تركيا التي تتمتع بامكانات جيدة لمساعدة المسلمين إلى النقطة المقابلة لذلك ووضعها في مواجهة النهضة الاسلامية واضعاف العالم الاسلامي. وعندما يعمد الغرب لمساعدة تركيا للعب دور ما، فانه في الحقيقة يترجم اعترافه الجدي باسلامية التحولات الاقليمية من ناحية، ويكشف عن مؤامرة من ناحية اخرى. وهذا ما يستدعي من القيادة التركية مراجعة مواقفها.
اما في ما يتعلق بالدور المستقبلي لتركيا في المنطقة، فان بعض المتابعين يعتقدون ان انقرة وبعد اعادة انتخاب حزب العدالة والتنمية للمرة الثالثة، ستعيد النظر في تفاصيل دورها الاقليمي وستعمد للتركيز على قضايا مثل تطبيع علاقاتها مع ارمينيا وحجم مشاركتها في منظومة الدرع الصاروخي بالاضافة الى ان هذا البلد سيبذل جهودا اكبر من اجل تعزيز دوره في الحد من التوتر السني الشيعي في العراق خصوصا وان اردوغان كان الزعيم السني الاجنبي الوحيد الذي التقى خلال زيارته الى العراق بآية الله علي السيستاني في النجف، الا ان امورا مثل التحرك السني المضاد للسلطة العلوية في سوريا وعدم ترحيب الدول العربية في وصول الشيعة الى الحكم في العراق، قد تضعف المهمة التركية كدولة سنية في مواجهة التفرقة المذهبية.
فحزب العدالة والتنمية ومنذ وصوله الى السلطة عام 2002 اعتمد سياسة خارجية واسعة يسيطر عليها التوجه "العثماني"، في وقت تفتقر هذه الحكومة الى المعرفة العميقة حول الدول التي كانت في يوم من الايام جزءا من الامبراطورية العثمانية. فهي لم تستطع ان تتخذ موقفا دقيقا وسريعا من الحركات الشعبية في العالم العربي، وهذا الامر يكشف عن ان تركيا لا تملك رؤية عميقة وبخاصة حول المنطقة بحيث انها عمدت الى تنظيم سياستها ومصالحها من احداث العالم العربي بناء على اساليب قديمة، وفي احسن الحالات، فان تعاطي تركيا مع التحركات الشعبية في العالم العربي كان غير متزن او متوازن ومشابها للتعاطي الاميركي. لكن النقطة الايجابية في السياسة الخارجية التركية فيما يتعلق بهذه الاحداث كان التحول السريع لاردوغان ضد سلطة مبارك والطلب منه التنحي عن السلطة ما اثار اعجاب دعاة الديمقراطية العرب، لكن هذا البلد تريث في اتخاذ موقف من الاحداث الليبية ما اثار ردة فعلعنيفة ضد تركيا واعمال شغب امام قنصليتها في بنغازي، ودفع المعترضين على هذا الموقف للقول بان المصالح الاقتصادية لتركيا في ليبيا تحظى بالاولوية على المبادئ الديمقراطية.
هل تلعب تركيا دورا موازيا لايران؟
بعض الاوساط الايرانية تبدي قلقها من الدور المتزايد لتركيا في العالم الاسلامي، ومنشأ هذا القلق الدعم الغربي لتركيا بهدف الحصول على دور في مقابل الدور المؤثر والمصيري لايران في الشرق الاوسط.
فقد اعتبر وزير الدفاع الاميركي روبرت غيتس ان السبب في الموقف التركي الجديد من القضية الفلسطينية يعود الى معارضة الاوروبيين للطلب التركي بالانضمام الى الاتحاد الاوروبي، وان واشنطن قطعت الامل من تركيا بسبب موقفها المعارض لقرار العقوبات الدولي ضد ايران، لكنه حاول تبرير هذا الموقف وفقدان الامل بالقول ان الموقف التركي يعود الى الاختلاف الطبيعي بين عضوين قديمين في الناتو.
بعض هذه الاوساط في داخل ايران يعبر عن قلقه من الدور المتزايد لتركيا في العالم الاسلامي، ومصدر هذا القلق هو الدعم الغربي لتركيا بهدف خلق دور مواز لدور ايران المؤثر في الشرق الاوسط، والهدف منه ايجاد نموذج مواز للمقاومة في قالب اسلامي صادر عن نظام علماني يتمتع بقدرة التساهل والمسامحة مع الغرب. والمطلوب من هذا المسار هو ابعاد شرائح من الرأي العام في العالم الاسلامي عن مثال المقاومة الذي تمثله الجمهورية الاسلامية الايرانية الذي لا يقبل المساومة امام الغرب خصوصا في المسألة الفلسطينية وكذلك في موضوع حق امتلاك برنامج نووي سلمي، اي النموذج الذي يقبل التفاوض مع الغرب لكنه لا يقبل المسامحة او التساهل في المبادئ الاسلامية ويرى في التفاوض مع الكيان الصهيوني عين المساومة انطلاقا من انه لا يعتقد اصلا بهذا الكيان.
[caption id="attachment_2200" align="alignleft" width="256" caption="احمدي نجاد"][/caption]
ويذهب البعض للقول ان مصدر القلق يعود الى مسار مدروس وضعته بعض الدوائر لتركيا، وان انقرة بغير ارادتها او بارادتها قد وضعت على سكة مسار محدد ومطلوب من الغرب بهدف خلق صورة مقاومة عنها في مواجهة "اسرائيل"، حتى ان وقوفها الى جانب ايران في ازمة تبادل الوقود النووي ومعارضتها للقرار الدولي بالعقوبات الذي تقدمت به اميركا يهدف الى حجز مساحة لنفسها في مسار المقاومة المتنامي.
وبشكل اكثر دقة ، يمكن النظر الى ابعاد هذا القلق من زاويتين:
1 – التوجه التركي الجديد نحو العالم الاسلامي هو توجه غير استراتيجي والهدف منه هو اتباع سياسات (تكتيكات) المراد منها معاقبة وتحذير الاوروبيين الذين لم يتحملوا امكانية دخول تركيا الى الاتحاد الاوروبي المسيحي، وفي هذا الاطار فبمجرد احساس اوروبا ان ثمن التخلي عن تركيا المسلمة سيكون اكبر من ضرر عضويتها المحتلمة في هذا الاتحاد، فانه سيكون على استعداد للتراجع عن مواقفه السابقة ويفتح الطريق امام عضوية تركيا من جديد. في المقابل فان انقرة ستقفل سياسة الابواب المفتوحة على الاسلام. بتعبير آخر في ما يتعلق بهذه النقطة فان تركيا وعن سابق تصميم تتبع سياسة واعية لخلق مسار مواز لايران بهدف اظهار قدراتها المتنامية اسلاميا امام الغرب واوروبا. لكن الخوف ان لا يعطي الغرب تركيا الضوء الاخضر لعضويتها في الاتحاد الاوروبي طالما كان مستفيدا من الدور الموازي الذي تقوم به ويساهم في اضعاف الدور الايراني.
وعليه، فان هناك هدفا مشتركا بين الاوروبيين والاتراك للدور الموازي الذي تقوم به انقرة في مواجهة ايران، فالاتراك ينظرون اليه من زاوية ايجابية، اما الاوروبيون فينظرون اليه من زاوية سلبية، ومن المحتمل ان يكون هناك تنسيق بين انقرة والاوروبيين، ولكن على اية حال فان القراءة القلقة للمتابعين، تبين ان البعدين السلبي والايجابي يستهدفان الحد من دور ايران في المنطقة والعالم الاسلامي .
2 – فقدت تركيا الامل من المسار الذي اتبعته الحكومات العلمانية وتبنيها لاتجاه التغريب، فعمدت الى اعادة تعريف استراتيجيتها على صعيد السياسة الخارجية بناء على مصالحها واهدافها. وذهبت باتجاه العالم الاسلامي حتى على مستوى العقيدة التي بدأت تتحول الى استراتيجية، ومن هذا المنطلق فان تركيا لا تسعى لمنافسة ايران عن طريق خلق مساحة موازية لنفسها، بل من خلال موازاة المسار الذي يعتبره الغربيون انه بدأ بالتبلور وهم على استعداد لتقبل هذا التحول في الاستراتيجية التركية بالنظر لوجود بعض العواقب التي لا يمكن التنبؤ بها.
وبناء على هذا، فان الاوروبيين سيكونون دائما على استعداد وفي لحظة الضرورة لقطع الطريق على تغير الاستراتيجية التركية من خلال فتح ابواب الاتحاد الاوروبي امامها، واذا ما اظهر الاسلاميون في تركيا رغبة في عدم اعادة النظر في موافقهم، فان الغرب سيكون على استعداد لاستخدام اوراق ضغط مثل عضوية تركيا في حلف الناتو او امكانية القضاء على الحكومة الاسلامية من خلال تعزيز العلاقات الغربية مع القوى العلمانية. يضاف الى ذلك ان اوروبا واميركا مطمئنتان الى ان تركيا غير قادرة على السير في استراتيجيتها نحو الشرق والعالم الاسلامي حتى اذا ارادت ذلك، بخاصة وان اقتصادها يعتمد بشكل كبير على الغرب وهذا يحد من سرعة انفصال تركيا عن الدائرة الغربية ما يفسح بالمجال امام الغربيين للتفكير بحلول اخرى.
صراع جيوسياسي ام ايديولوجي
تبدي الاوساط الداخلية الايرانية قلقا من مساعي حكومة اردوغان المقصودة او غير المقصودة لايجاد دور مواز مع ايران. وان هذا القلق قد يكون ذا معنى عند تفسير كل الامور من منطلق جيوسياسي. واذا ما كانت المفاهيم الايديولوجية المساهمة في تشكيل محور المقاومة الاسلامية متداخلة في كثير من المسائل مع المفاهيم الجيو سياسية المسيطرة في منطقة الشرق الاوسط، الا انه يجب، ومن اجل تقديم تحليل او قراءة صحيحة لدور المقاومة في تحرير فلسطين، عدم التغاضي عن المفاهيم الايديولوجية غير القابلة للتغير التي تورط في استنساخ المفاهيم الجيوسياسية المتغيرة. وهذا ما يريده ويسعى اليه الغرب. بتعبیر آخر، يأمل الغرب ان يتراجع البعد الايديولوجي في التعاطي الاسلامي مع القضية الفلسطينية، حتى يتمكن من خلال التغييرات الجيوسياسية ان يسيطر على قوى المقاومة.
هذه القراءة لا تعني حذف او استبعاد المكونات الجيوسياسية من التحليلات، لكن النقطة المهمة هنا، ان قدرة المقاومة الاسلامية تكمن في امكانية التخلي عن المفاهيم الجيوسياسية اذا ما كانت متعارضة مع الحوافز الايديولوجية، او على الاقل اخضاعها لمزيد من التدقيق.
من هذا المنطلق فان اميركا وحلفائها وكل الذين لديهم خوف في الداخل الايراني من موضوع مساعي تركيا لدور موازاة لدور ايران غافلون عن مسألة ان الكره الايديولوجي للصهيونية عميق بين ابناء العالم الاسلامي على مختلف اعتقاداتهم ومذاهبهم ولا يمكن تغييره بسهولة. وهذا دليل على رسوخ الاسلام على مختلف توجهاته ومذاهبه في ما يتعلق بالجهاد. بناء على ذلك، فان مسلمي العالم الاسلامي لا يتركون فرصة او مناسبة للتعبير عن عدائهم للصهيونية ودعمهم لمقاومة الشعب الفلسطيني.
وتعتقد الاوساط الايرانية ان مثال الثورة الاسلامية في ايران مازال حتى الان المثال الاجدى والافعل الذي اعطى ايران موقعا اقليميا متقدما خصوصا في ما يتعلق بالموضوع الفلسطيني. وعليه فان اي من محاولات الظهور او مظاهر التضامن مع هذه القضية غير قادر على موازاة الدور الايراني الذي يرحب بكل طرف يتبنى منطق مقاومة امام منطق المساوم مع "العدو". وهي غير خائفة مطلقا من التحركات التي تقوم بها الحكومة الاسلاموية التركية، بل تحترم وتسعى لتعزيز ودعم الجهود التي يبذلها الاسلاميون لدعم المقاومة متحدين التهديدات والتحديات التي يفرضها العيش في نظام سياسي علماني يحاول الاقتراب قدر المستطاع من الايديولوجية الاسلامية.
الاوساط الايرانية تعتقد انه اذا ما تصدت ايران وحلفائها مذهبيا بفعالية لتعزيز محور المقاومة ومنطقها في مواجهة "اسرائيل"، فانها لا تعتبر في المقابل هذا الامر حكرا عليهم، وترى ان التنافس على زعامة محور المقاومة سيكون ذا اثر سلبي وقد يسبب في اختلاف القوى ودخول بعض المقاومين في تسوية مع تل ابيب.
كلام وزير الدفاع الاميركي غيتس في تحليله للسلوك التركي يأخذ بعين الاعتبار هذه الابعاد ويراهن عليها. اي الاختلاف بين محور المقاومة - ايران وسورية وحزب الله وحماس - مع الدول العربية المؤمنة بالتسوية مع "اسرائيل".
وفي النهاية فان تحرك تركيا السنية الذي ينطلق من مبدأ المقاومة ثم تعود مرة اخرى الى منطق التسوية، قد يفلح في جذب سورية وحماس السنية الى هذا المسار وفصلهما عن خط المقاومة، واذا ما حدث هذا الامر، يجب القول حينها ان الخوف من التوازي بين ايران وتركيا لا معنى له، لان ايران عندما رفعت شعار المقاومة كانت وحيدة واليوم فان قلوب عامة المسلمين في العالم تؤيدها. اما اذا لم يحصل ذلك، فان ايران تعتبر ان هناك مكان لكل المسلمين واحرار العالم على متن سفينة المقاومة والقضية الفلسطنية، وهي لا ترى لنفسها منافسا او مواز، وان اي جهة اختارت الصعود الى هذه السفينة وللمدة التي ارادتها، تكون قد اختارت عزة المسلمين، وهو الامر الذي لا يوجد له تفسير في المفاهيم الجيو سياسية ولا يستطيع ان يفهمه غيتس وغيره.
حسن فحص - صحفي عربي مقيم في دبي