[caption id="attachment_2037" align="aligncenter" width="620" caption="روح الأصالة والحداثة"][/caption]
إن قوة الفن على الوصول إلى العوالم الخفية والكشف عنها لا نهائية. وإذا أردت دليلا حيا على ذلك في الأزمنة الحديثة، ليس عليك سوى النظر إلى أعمال «الفنانين المسلمين المعاصرين» المذهلة التي تبتعد عن الأنماط التقليدية والتي فرضت حضورا «حيا» في بينالي فينيسيا لهذا العام. العديد من هؤلاء الفنانين من الشباب الجدد الذين ينتمون لجيل أكثر انفتاحا، يتجاوز، على نحو ما، الحدود الآيديولوجية التي قيدت آباءهم وأجدادهم.
والآن، بدأ الفن المعاصر التقدمي في الشرق الأوسط يشق طريقه إلى الشارع العربي، متحولا إلى صور سياسية حية -وفي بعض الأحياء جريئة - تملأ شوارعه. كما تزايدت شعبية فن الغرافيتي وهو فن غربي المولد، وتزايد الاهتمام به، وهو التطور الذي عززه الحماس والتغير الاجتماعي - الثقافي الذي تزامن مع الربيع العربي.
وبدءا من 22 يوليو (تموز)، سوف يستضيف متحف «فيكتوريا وألبرت» معرض «جائزة جميل» وهو المعرض الذي يروج للفنانين العرب المعاصرين الذين تأثروا بالتقاليد الإسلامية العريقة للممارسة الفنية - وهو المعرض الذي تم إنشاؤه أساسا بعد إعادة تصميم وافتتاح معرض جميل للفن الإسلامي بمتحف «فيكتوريا وألبرت» في يوليو 2006. وقد كان الفن الإسلامي دائما - وسوف يظل أبدا - مرتبطا بالمعلمين الأوائل لفن الخط الإسلامي وفنون الرسم. ومع ذلك، يسعى الفنانون العرب لنشر فلسفتهم وطرائق الحياة اليومية للحياة المعاصرة فيما يدمجون ذلك بجانب من التقاليد الفنية لأصولهم الشرق أوسطية.
وفي عالم الفن الإسلامي المعاصر، ما زال هناك اهتمام بنصوص الخط العربي بالإضافة إلى العديد من الطرق والمواد التقليدية الأخرى التي يتم استخدامها بطريقة تسمح بخلق قطع فنية تعكس الآيديولوجيا المعاصرة. وفي مثل تلك الأعمال الفنية، لا يعمل النص العربي فقط كنص للقراءة والفهم ولكن أيضا كأداة بصرية للاستحواذ على الاستجابات العاطفية وإثارتها وتحويلها إلى قضايا غير مرتبطة بزمن محدد وتقديمها للعالم من حولنا.
وقد استوحى الفنانون المشاركون في معرض «جائزة جميل» أعمالهم من التنوع الثري لتقاليد الفن الإسلامي، فهم ينتمون لجيل واسع والعديد منهم لديه خبرات شرق أوسطية وغربية في الوقت نفسه. ولا يمنح انصهار الهوية الثقافية والوعي معا لأعمالهم ازدواجية شرقية - غربية مثيرة للاهتمام فقط ولكنه يساعد أيضا على نفي فكرة أن العمليات الفنية الخاصة بالشرق الأوسط والغرب لا تتوافقان معا. ويتمتع فن هؤلاء الفنانين الإسلاميين المعاصرين بالتنوع. فبعضهم يستخدم النصوص العربية فيما لا يستخدمها البعض الآخر. وبعضهم لديه نبرة دينية أو سياسية فيما هناك آخرون يعملون لكي يذكرونا بأن عالم السياسة ليس لديه سوى تأثير محدود على الحياة اليومية للإنسان. وكما يقول مارك جونز، مدير متحف «فيكتوريا وألبرت»: «تظهر تلك الأعمال كيف أصبحت تلك الأعمال والتصميمات المستوحاة من تلك التقاليد معقدة ومقنعة في الوقت ذاته».
[caption id="attachment_2039" align="alignleft" width="300" caption="افروز اميغي الفائزة بجائزة جميل 2009"][/caption]
وقد قدم الفنانون العشرة في «جائزة جميل» أعمالهم على المستوى الدولي وأصبحت سيرتهم المهنية متنوعة بقدر تنوع أعمالهم. ويجب اختيار تلك القائمة التي تتضمن الجزائري راشد قريشي وعائشة خالد من باكستان والإيرانية منير فارمانفارمايان من بين 200 مرشح من جميع أنحاء العالم. وباعتبارها العضو الأكثر خبرة في تلك المجموعة وفي ظل تاريخ مهني يتجاوز الخمسة عقود، لا يبدو أن فارمانفارميان الإيرانية المولد التي تبلغ من العمر 84 عاما قد قلت إنتاجيتها في إطار سعيها الدائم وراء الجديد. وعلى الرغم من أن فارمانفارميان قد قضت العديد من السنوات في نيويورك حيث حصلت على التدريب هناك، تعج أعمالها بروح الثقافة الإيرانية وتقاليدها سواء على مستوى النمط أو الغرض. وقد تعرضت أعمالها ذات مرة - والتي تأثرت بالفن المعماري الإيراني وفن الانعكاس الحداثي - لأزمة مؤسفة عندما صودرت أعمالها خلال الثورة الإيرانية 1979.
ومن جهة أخرى، ينحدر الفنان الجزائري راشد قريشي من أسرة صوفية تقليدية، وهو يعيش ويعمل ما بين تونس وفرنسا. وتعد أعمال قريشي الوفي للعناصر الروحانية للممارسة الصوفية والتي يستخدم فيها نطاقا متنوعا من الوسائط منها السيراميك والمعدن والحرير المطبوع، نتاجا لإرثه متعدد الثقافات، والعناصر الجمالية التي يتم استلهامها دائما من العلامات، سواء الحقيقية أو المتخيلة. ويعد قريشي فنانا عالميا بحق له رؤية عالمية كما أنه يستخدم فن الخط من عدد من اللغات والثقافات المختلفة.
وتعد عائشة خالد من الجيل الأصغر من الفنانين الباكستانيين المرموقين حيث تتمتع بسمعة طيبة سواء في وطنها أو على المستوى الدولي. وهي تعيش وتعمل في لاهور بباكستان، وتركز أعمالها على التقاليد البارعة لفن المنمنمات المنغولي. ومع ذلك فإنها تضم إلى تلك التقاليد الفنية قضية معاصرة وتستخدم وسائل متنوعة تتراوح من المنمنمات التي تعتمد على قصاصات الورق إلى الأفلام. وكما تؤكد هي، هناك حضور قوي في أعمالها، لتجربتها الشخصية، بالإضافة إلى الرؤية الاجتماعية - السياسية، التي تشمل وضع المرأة سواء في الشرق الأوسط أو في العالم الغربي.
وتتضمن قائمة «جائزة جميل» أعمال فنانين مثل بيتا غيزلياغ وباباك غولكار، وحازم المستكاوي وهيف كهرمان وسودي شريفي ونور علي شاغاني وهادي شافعي وسوف يتم الإعلان عن الفائز في سبتمبر (أيلول) 2011. على أية حال، من الواضح أن المستقبل المشرق والبراق للفن الإسلامي المعاصر سوف يدوم. ويبدو أن موجة جديدة من التعبير تضم في إطارها التقاليد القديمة للعالم العربي بالإضافة إلى فهم وتقدير الثقافة الغربية هي ما ألهمت وجمعت فناني الشرق الأوسط سواء من الجيل السابق أو الحالي تحت مظلة الوعي الثقافي الجديد وتطور الفن المستمر والمبدع والمتجاوز للحدود.
ايمي أسعد
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.