[caption id="attachment_1929" align="aligncenter" width="620" caption="أموال مشبوهة عابرة للقارات تمول الارهاب "][/caption]
في الوقت الذي تستمر فيه الاحتجاجات الحاشدة وأعمال العنف في منطقة الشرق الأوسط، يتدخل صناع سياسات أميركيون وأوروبيون من أجل اتخاذ إجراء ما. افترض كثيرون أن هذا قد يأتي في صورة عمل عسكري أو مساع دبلوماسية. في حالة ليبيا، تطلب الأمر الاثنين معا. ولكن مع تتابع الأحداث هناك وفي أماكن أخرى تزايد توجه واشنطن فعليا نحو الوسائل الاقتصادية لتحقيق الأهداف السياسية.
في الأعوام الأخيرة، دخلت الولايات المتحدة في حرب اقتصادية ضد أطراف شريرة حول العالم. ووضع نظام عقوبات مالية مستهدفة حيز التنفيذ ضد بعض الدول منها إيران وسوريا والسودان وميانمار، وجماعات صنفتها الولايات المتحدة على أنها منظمات إرهابية، مثل «القاعدة» وحماس وحزب الله. واستخدمت واشنطن وعواصم عالمية أخرى القطاع المصرفي على وجه التحديد من أجل استهداف دول وجماعات ومؤسسات متورطة في أعمال مالية غير شرعية.
اتخذت تدابير مالية مستهدفة ضد نظام القذافي في ليبيا، ولكن لعل أفضل مثال أخير على كيفية وضع الولايات المتحدة للعراقيل الاقتصادية أمام الأطراف البغيضة في تقديرها هو ما وقع في لبنان.
بالإضافة إلى كونه من أشهر الجماعات المسلحة (والأحزاب السياسية) سيئة السمعة في العالم، يدير حزب الله أعمالا مالية هائلة. على مدار الأعوام استغل الحزب القطاع المالي الرسمي وغير الرسمي حول العالم، وما زال مستمرا في نقل الأموال لمضاعفة أجندته الإسلامية. في فبراير (شباط)، حددت وزارة الخزانة الأميركية بالاسم مؤسسة مالية لبنانية وهي البنك اللبناني الكندي، وفضحت تقديمه خدمات مصرفية لحزب الله. في الأسبوع الماضي، وصف محامو البنك الاتهامات بأنها «غير دقيقة ومضللة وفي أحيان عديدة غير صحيحة».
وعلى الرغم من أنه ليس مفاجئا أن يلعب بنك لبناني مثل هذا الدور مع حزب الله، فإن الولايات المتحدة كانت تخطر المصارف اللبنانية بأن تقديم خدمات مصرفية لحزب الله سيحرمها من التعامل مع النظام المالي الأميركي.
وفي الإجراء الذي اتخذته وزارة الخزانة، وضع البنك اللبناني الكندي وفروعه على القائمة السوداء بموجب المادة 311 من قانون مكافحة الإرهاب بسبب قيامه بأعمال المساعدة والتحريض على غسل الأموال وتمويل الإرهاب والاتجار في المخدرات نيابة عن حزب الله بقيمة مئات الملايين من الدولارات.
من المصارف التي تعرضت لمثل هذا الإجراء المصرف التجاري السوري، وبنك دلتا آسيا، وبنك مايفلاور ميانمار. ووفقا لوزارة الخزانة الأميركية، ساعد البنك اللبناني الكندي حزب الله على نقل الأموال من خلال بيع أدوية غير شرعية من أميركا الجنوبية وأوروبا وغرب أفريقيا والشرق الأوسط، بالإضافة إلى نقل القيمة من خلال سلع مثل بيع السيارات المستعملة في الولايات المتحدة.
سواء كان معظم اللبنانيين يحبون ذلك أم لا، يعد حزب الله مؤسسة إرهابية في الولايات المتحدة. واليوم ترد أخبار عن عصابات مدربة بواسطة حزب الله تشن هجمات على قوات التحالف في العراق. كما قتل الحزب واختطف عددا كبيرا من الأوروبيين وأصحاب الجنسيات الأخرى طوال تاريخه المريع. لذلك من الطبيعي أن تضع الحكومة الأميركية على القائمة السوداء بنكا يتعامل باسم حزب الله.
ومن الأهمية ذاتها أن نذكر أن البنك اللبناني لم يوضع على القائمة السوداء فقط لأنه متهم بالعمل المصرفي لحساب حزب الله، ولكن لأنه أيضا يسهل وقوع عمليات إجرامية.
تتولى الحكومة الأميركية، ووزارة الخزانة على وجه التحديد، مهمة ضمان سلامة وصحة الأسواق المالية الأميركية. وعندما تتورط أي مؤسسة مالية في نشاط غير قانوني، تحتفظ الولايات المتحدة بحق منعها من الوصول إلى أسواقها. في الواقع، لقد أدرجت الولايات المتحدة نحو 250 مؤسسة مالية حول العالم بسبب دورها في الأنشطة التي تضمنت نشر أسلحة دمار شامل وإرهاب واتجار في المخدرات.
بعد إعلان اسم البنك اللبناني الكندي وإدراجه على القائمة السوداء، فاز سوسيتيه جنرال بمناقصة للاندماج معه. وتردد أن البنك اللبناني عرض للبيع فورا بعد إجراء الخزانة الأميركية، الذي استبعد البنك بالضرورة من السوق العالمية.
أصدر محافظ بنك سوسيتيه جنرال أخيرا تصريحات بأن بنكه تقدم بعرض لشراء البنك اللبناني علما بأنهم سيضمنون «توازنا واضحا وأنه سيخضع لإدارة جيدة، على الرغم من الاتهامات الموجهة له من قبل الخزانة الأميركية». وفيما بين السطور، كان سوسيتيه جنرال يعد بتطهير أعمال البنك اللبناني.
صرح محافظ البنك المركزي اللبناني رياض سلامة أخيرا بأن واشنطن لا تنوي استهداف القطاع المصرفي اللبناني. واعترف بأن وزارة الخزانة الأميركية طلبت حدوث الاندماج بين البنكين كوسيلة لـ«الإطاحة بإدارة نالت منها الفضيحة واستعادة الثقة في البنك». ويتردد بيع البنك اللبناني بقيمة وصلت إلى 620 مليون دولار.
ما الذي يمكن أن تفعله الحكومة اللبنانية لتجنب مثل تلك المواقف المحرجة في المستقبل؟ يحذر مسؤولو وزارة الخزانة البنوك والشركات الأجنبية التي تتعامل مع حزب الله بأنها قد تفقد قدرتها على الوصول إلى السوق الأميركية. وربما ترغب السلطات المصرفية ومسؤولو الحكومة اللبنانية في أن تعرف البنوك اللبنانية التجارية البالغ عددها 52 بنكا أنها عندما تقدم خدمات مصرفية إلى شركات أو مسؤولين أو أي جماعة «إرهابية» أخرى على صلة بحزب الله تساعد على التحايل على العقوبات الأميركية.
هناك منظمات دولية مثل فريق العمل المعني بالعمليات المالية المسؤول عن مساعدة الدول وبنوكها على الالتزام بالمعايير الدولية. ربما ترغب الحكومة اللبنانية وبنوكها في الاستفادة من مساعدة مثل تلك المنظمات.
لقد كانت الحكومة الأميركية واضحة للغاية: تمويل «الإرهاب» يضر بالأعمال إذا كنتم تجرون تعاملات مع مؤسسات أميركية أو بالدولار الأميركي. إنه درس استفاد منه المصرفيون في لبنان، وربما يدركه آخرون أيضا قريبا أثناء هذا الربيع العربي.
آفي جوريش - مسؤول سابق في وزارة الخزانة الأميركية ومؤلف كتاب «المال الملوث: هل نخسر الحرب ضد غسيل الأموال وتمويل الإرهاب؟»
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.