[caption id="attachment_170" align="aligncenter" width="620" caption="وسط جدال حول المستقبل.. الصين تستعد لتغيير قيادتها"][/caption]
قبل عامين، وفي زيارة للمكسيك، كان رد فعل أحد المسؤولين الصينيين الكبار فظا لما اعتبره هيمنة أميركية متغطرسة. ففي انتقاد صريح لصناع السياسة الأميركيين، وجه تشي جين بينغ انتقادا لهم قائلا: «الأجانب الذين حشوا بطونهم وليس لديهم أي شيء يفعلونه سوى الإدانة.. نحن لا نزعجكم. فما الذي يمكن قوله أيضا؟». لقد كان ذلك سيئا وفظا حتى أن بعض المدونين الصينيين رأوا أنه كلام لا يليق بشخص من المقرر أن يصبح من القيادات العليا لبكين.
وفي أكتوبر (تشرين الثاني)، تم تعيين نائب الرئيس في ذلك الوقت، تشي، كنائب لرئيس اللجنة العسكرية المركزية، وهو موقع محوري يرجح احتمالية أن يخلف الرئيس هو جين تاو في رئاسة الحزب خلال العام المقبل. ومن المتوقع أن يصاحبه في ذلك الترقي لي ككيانغ الذي من المرجح أن يخلف وين جياباو كرئيس للوزراء. وإذا سار الأمر كما هو مخطط له، سيسيطر الرجلان على البلاد في الوقت الذي تواجه فيه ما يمكن أن يكون أكثر الأزمنة تعقيدا في التاريخ الحديث. فربما ينهار اقتصاد الصين، كما من المتوقع أن تشهد العلاقات بين بكين وواشنطن، على رغم أنها تحسنت قليلا بعد نحو عام من المشاحنات الغاضبة، اختبارا جديدا في ما يتعلق بقضايا مثل التلاعب بالعملة الصينية والمزاعم المتعلقة بالطرق التجارية بجنوب شرقي آسيا. وربما يصبح للرغبة في الإصلاح السياسي، التي يتم التعبير عنها على استحياء اليوم، صوت أعلى في المستقبل.
ولزيادة الأمور تعقيدا، فإن حجم التحديات التي ستواجهها الصين، سيكون بلا شك غير متوائم مع خبرة الرجال، بدءا من تشي ولي، اللذين سيواجهانها. فقد انتهى عصر تلامذة دينغ شياو بينغ، القائد الحكيم الذي أخرج الصين من الجنون إلى الحداثة في التسعينيات.
يقول الخبراء في الشؤون الآسيوية، إنه في ظل الهدوء الاعتيادي الذي أصبح الثقافة السائدة في الصين، هناك القليل من الشخصيات التي تمتاز بالقوة والجرأة والتي تبدو مؤهلة للمهمات التي ستوكل لها، كما أنه لا يبدو أن هناك علاقة قوية بين تشي ولي اللذين يأتيان من خلفيات متباينة للغاية. ففي الوقت الذي يؤمن فيه تشي، ابن النخبة الثورية، تماما بالسوق الحرة، يعتقد أن لي، الذي بزغ من الظل لكي يحصل على منصب قيادي، لديه مخاوف بشأن الخصائص المدمرة للرأسمالية وأنه متعاطف مع ضحاياها. وعلى الرغم من المسرح السياسي المخطط سلفا للصين، فإن الصراع بين الرجلين والفصائل التي يمثلانها متوقع.
فيقول تشارلز فريمان، الأكاديمي والمختص في الشؤون الصينية بمركز واشنطن للدراسات الاستراتيجية والدولية: «من الصعب أن تجد دينغ شياو بينغ آخر في ذلك الصخب. حيث تواجه الصين منظومة غير مسبوقة من التحديات المحلية والدولية وفي الوقت نفسه فإن من يحصلون على مواقع ريادية لديهم القليل من الخبرة. ولذلك تداعيات هائلة».
لقد كان دينغ نفسه هو من أقر قاعدة أن يتقاعد زعماء الحزب كافة عندما يبلغون 68 عاما. وقد مرت عملية انتقال السلطة من قبل بهدوء وإذا ما تمت عملية إحلال قاعدة الحزب الشيوعي 2012 من دون حرب أهلية أو اضطرابات على مستوى الدولة، فإنها ستكون المرة الثانية فقط في تاريخ الصين الشيوعية التي تنتقل فيها السلطة بسلام.
وفي عهد هو، الذي أكد على المصالحة لصالح تماسك الحزب، أصبحت السياسات الصينية قائمة على التوافق والنزاع في الوقت ذاته. وقد شبه المعلقون الصينيون دائرته الحاكمة بأنها «فريق الخصوم»، في إشارة إلى مجلس وزراء الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن الطموح والعنيد في الوقت ذاته. وهو ينقسم بشكل أساسي إلى فصيلين آيديولوجيين: رابطة الشباب الشيوعيين، أو التوانباي، والشنغهاي غانج. وكانت الجماعة السابقة التي يتزعمها هو ووين تفضل النمو الاقتصادي المتوازن الذي تنظمه حكومة مركزية بدلا مما كان يطلق عليه بروليتاريا العمال. وبالنسبة لأعضاء رابطة الشباب الشيوعيين، فإن التضخم والفساد هما أعداء الاستقرار لأنهما يؤثران على نحو مباشر على الجماهير. ويعرف لي، صنيعة هو، بانتمائه لتلك الجماعة.
ويؤمن أعضاء شنغهاي غانج - سياسيون تتلمذوا على يد جيانغ زيمين الذي سبق هو كرئيس- بأن أفضل طريق لتوفير فرص عمل ومعدلات نمو هو نقل السلطة من الدولة إلى المستوى الإقليمي حتى إذا كان ذلك يعني تحمل قدر من عدم الاستقرار والفساد. وقد كان في عهد إدارة جيانغ في التسعينيات عندما شهدت الصين أكثر معدلات النمو ارتفاعا ونفس القدر المرتفع من معدلات الفساد. وهناك صلة بين تشي وشنغهاي غانج - امتدح هانك بولسون، وزيرة الخزانة الأميركية السابق تشي لإخلاصه لمثل السوق الحرة - ولكن ليس بالدرجة التي تمنعه من أن يصبح خلف هو المحتمل. وبالفعل، تكمن قوة تشي في قدرته على تجنب معاداة خصومه فيما يحشد الأصدقاء.
ويعرف تشي - الذي يطلق عليه «الأمير»، وهو الاسم الذي يطلق على أبناء الجيل الثوري في الصين - باعتباره ابن أحد الرموز الثقافية وزوج رمز ثقافي آخر. فوالده هو تشي زونغشون الذي كان مؤسس حركة التمرد في شمال الصين وأحد زعامات «المسيرة الطويلة». وخلال الثورة الثقافية، كان تشي يعمل في زراعة الأرض في شنشي - كان معظم شباب المدينة في ذلك لوقت ملزمين بإظهار التضامن مع الطبقات العاملة. وقد انبهر الفلاحون بصرامته حتى أنهم أطلقوا عليه اسم رئيس حزب القرية. وقد حصل على درجة البكالوريوس في الكيمياء من جامعة تشيمخوا وظل هناك حتى حصل على درجة الدكتوراه في القانون.
وفي عام 2000 أصبح تشي حاكما لمقاطعة فوجيان التي كانت تتمتع باقتصاد يزدهر بالاستثمارات التي تأتي من تايوان المجاورة. وبعد ذلك بعامين، تم تعيينه في نفس المنصب بمحطة الطاقة بمقاطعة جيجيانغ. وقد عمل رئيسا للحزب هناك لمدة خمسة أعوام وكان المواطنون يتحدثون عنه بإعجاب. كما أنهم كانوا يتعجبون لأن تشي التقليدي متزوج من بينغ ليوان المطربة الشعبية ورئيسة فرقة الغناء والرقص بجيش التحرير الشعبي، وفي الوقت نفسه، لا يستطيع أي أحد تذكر خطاب ألقاه أو أن ينسب إليه سياسة معينة. بل وحتى أعضاء الحزب الشيوعي لا يستطيعون تذكر أي من إنجازات تشي. فيقول أحد المسؤولين المحليين بونزهو، المدينة الساحلية المزدهرة: «لم يكن أمام تشي ما يفعله بالاقتصاد هنا. ولكن والده كان ثوريا شهيرا وقد ساعده ذلك في أن يصبح نجما».
وعلى غرار الرجل العادي تشي، قضى لي ككيانغ بعض الوقت في الريف خلال الثورة الثقافية ثم درس القانون. وتنتهي خبراتهما المشتركة عند ذلك. ولكن قواعد البيانات الصينية تخلو من أي معلومات حول عائلة لي بما في ذلك اسم والده ومهنته. وبالنسبة للي نفسه، تصفه الحوارات التي أجريت مع زملائه ومعاصريه بأنه طالب شغوف، علم نفسه الإنجليزية من خلال استظهار عبارات من كراسة. «لقد كان يقرؤها بصوت عال طوال الوقت حتى وهو في طريقه إلى المكتبة أو وهو يقف في طابور انتظار الطعام»، ذلك ما قاله هي كنهوا، زميل لي السابق بجامعة بكين. ويتذكره هوانغ نانبيغ الأكاديمي زميل الدراسة بجامعة بكين بأنه كان ملتزما وكان طالبا نشطا ومتزنا. فيقول هوانغ: «لقد كان طالبا ممتازا نشيطا، ويتمتع بتفكير حر». وعندما كان في كلية الطب ترجم نصا أميركيا حول القانون الدستوري إلى اللغة الصينية ثم شارك في كتابة كتاب حول الإصلاح الاقتصادي.
وبعد التخرج، انضم لي لرابطة الشباب الشيوعي، وهو نادٍ للشباب الواعد بالحزب. ثم أصبح نائبا لـ«هو» الذي كان رئيس الرابطة في ذلك الوقت والذي كان يدير المنظمة كآلة سياسية ومصدر للتأييد ما زال يخدمه حتى الوقت الراهن. وبمساعدة هو، تم منح لي أعلى منصب في الحزب في مقاطعة هونان حيث نجا من سلسلة من الكوارث غير الطبيعية بما في ذلك وباء الإيدز والانفجار المدمر بالمنجم التابع للحكومة. وفي 2004، تم نقله إلى مقاطعة لياونينغ الصناعية التي تعج بالشركات الكبرى الحكومية التي تم بيعها قبل أكثر من عقد في إطار الاتجاه الهائل والفاسد للخصخصة. حيث أسفرت مشاريع الخصخصة عن جيش من العاطلين والموظفين الضجرين.
وكانت مهمة لي تتلخص في القضاء على الفوضى. ومن بين أول القرارات التي اتخذها كرئيس للحزب كان توسيع برنامج إعادة التوطين لموظفي الحكومة الذين فقدوا وظائفهم من خلال جمع التبرعات من القطاعين العام والخاص. فيقول وانغ زاوي العالم بالشؤون السياسية بجامعة بكين: «من السهل إسعاد الشعب الصيني. فإذا رأوا أحدا يحاول المساعدة فإنهم سيتجاوبون معه بتعاطف. فهم يدركون من يعمل لصالحهم وقد أظهر لي التعاطف لهم».
ونظرا لكل الخلفيات المختلفة والمفاهيم المختلفة، فربما ينتهي الحال بأن يكمل كل من تشي ولي بعضهما البعض، حيث يلقى تشي إعجاب أقطاب السوق الحرة بالداخل والخارج فيما يعبر لي عن تعاطف الصين التقليدي مع العالم النامي ويعمل على تعزيز العالم الصناعي. وفي جولة في أوروبا في يناير (كانون الثاني)، أكد لي لنظرائه الدبلوماسيين أن بكين سوف تستثمر في الدين السيادي للبلاد مشيرا بمكر إلى أن رغبة الصين في سندات الخزانة الأميركية محدودة ليخرج منطقة اليورو بعيدا عن الحملة الأميركية للضغط على الصين من أجل إعادة تقييم عملتها. (بل إن لي قد وجد الوقت لكتابة عمود بعنوان: «لا يجب أن يخاف العالم من نمو الصين»، لـ«الفايننشيال تايمز»).
إن وضع الأجانب في مواجهة بعضهم البعض ربما يكون أسهل مهمات القيادة الجديدة بالصين. ومنذ الانفتاح على الغرب، كانت الصين تتجنب التهديدات الوجودية التي يمكن أن تعرضها للفوضى. فالعلاقات مع الدول المجاورة سلمية وإن كانت تشهد توترات في بعض الأحيان، كما تمكن اقتصادها من التغلب على المخاطر التي واجهها. وعاجلا أو آجلا، سوف تفرض قوانين الجاذبية نفسها على أكبر توسع اقتصادي في التاريخ وسوف تواجه الصين أزمة حقيقية. فسوف يسعى الشعب للحصول على طمأنة زعيم - شخصية نشطة ومتعاونة وذات مصداقية - بدلا من لجنة من الأحزاب الشيوعية. وإذا أخفق الزعيم، فسيتحول فريق الخصوم إلى شرك. يليه فراغ وتستمر الفوضى، وهو ما يمكن أن يؤدي إلى التمرد أو حتى يثير الجيش.
إن إدارة أكبر دولة ازدحاما بالسكان والاقتصاد الأكثر حيوية كان أمرا قاسيا على الرجال الذين اتسموا بالصلابة مثل دينغ ومعاصريه، ما بالك بقليلي الخبرة مثل تشي ولي. وسوف يتزايد تعقيد المهمة تعقيدا. واقتصاديا، سوف تصبح الصين أكثر عرضة للصدمات حيث تتكامل أنظمتها المالية وتصبح رقمية، وفي الوقت نفسه تتزايد المطالب بالإصلاح السياسي لكي تتناسب مع احتياجات اقتصاد نشط واستهلاكي. إن الحاجة الماسة للمواد الخام هي ما تجعل، نوعا ما، المواجهة مع الولايات المتحدة أمرا محتملا، أخذا في الاعتبار إصرار واشنطن على «المشاع العالمي»، وهو المصطلح الذي يطلقه البنتاغون بشأن الجسور والطرق البحرية والجوية كافة على الأرض. وبعيدا عن التحديات المنتظرة، سيكون من الأفضل أن يضع تشي ولي في اعتبارهما القول المأثور لرجل أميركي آخر وهو بنيامين فرانكلين، الذي نصح الثوريين الذين يتبعونه ذات مرة قائلا: «اتحدوا، حتى لا نفترق».
ستيفن غلين
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.