[caption id="attachment_109" align="alignnone" width="620" caption="الباجي قائد السبسي "][/caption]
بعد استقالة محمد الغنوشي من رئاسة أول حكومة تونسية مؤقتة بعد فرار الرئيس بن علي، كانت تونس في حاجة الى رجل دولة، خبر السياسة وخبرته، وليس فقط الى وزير أول تكنوقراطي لتسيير شؤون البلاد في أخطر وأدق مرحلة تعرفها تونس منذ استقلالها في العام 1956. فؤاد المبزّع رئيس الجمهورية، المؤقت أيضا، فاجأ الجميع في 27 فبراير 2011 بتعيين ابن الـ84 عاما والوزير السابق في عهد الحبيب بورقيبة، الباجي قائد السبسي.
كل من عاصر عهد بورقيبة كان يعرف من هو "سي الباجي" لكن "جيل بن علي" والأجيال الأصغر سنا، فوجئت بتعيين رجل تجاوز الثمانين لقيادة حكومة "ثورة الشباب". وسرعان ما عرف الصغير قبل الكبير من هو قائد السبسي، الرجل المتحدث الذي لا يخشى كاميرات التلفزيون ولا أسئلة الصحافة، وقبل كل شيء، خبرة أكثر من نصف قرن في خدمة تونس في مواقع مختلفة ومهمات حساسة في الدولة أهلته ليكون "الرجل المناسب في زمن الثورة" على الرغم من رفض البعض لأسلوبه في ادارة شؤون تونس الجديدة بمفاهيم وأساليب قديمة.
وهو يعترف أن المهمة صعبة لكنها ليست مستحيلة ويرى أن "الانتقادات طبيعية وتصب في صالح الديمقراطية في تونس فلا يوجد شخص يحظى بإجماع لدى سائر الأطراف".
الباجي قائد السبسي، المولود في العام 1926 بقرية سيدي بوسعيد في الضواحي الشمالية لتونس العاصمة، من عائلة كانت قريبة ومقرّبة من "بايات تونس" وهم الأسرة الملكية الحاكمة ذات الأصول التركية. درس في كلية الحقوق في باريس ليتخرج منها عام 1950 قبل العمل في المحاماة ابتداء من 1952.
اهتمامه بالسياسة بدأ منذ شبابه قبل استقلال تونس حيث انضم الى الحزب الحر الدستوري وبعد الاستقلال عمل مستشارا للرئيس الحبيب بورقيبة الذي توطدت علاقته به وعمل معه حتى انقلاب بن علي في السابع من نوفمبر 1987. قبل أسابيع قليلة صدرت لقائد السبسي الترجمة العربية لكتابه "الحبيب بورقيبة.. المهم والأهم" التي يروي فيها هذا السياسي المخضرم شهادته على مراحل مهمة من تاريخ تونس الحديث الذي لا يمكن التطرق اليه الا بالحديث عن أول رئيس لتونس الجمهورية أو "المجاهد الأكبر" كما كان يعرف الحبيب بورقيبة.
قائد السبسي الذي ورث "كاريزما" رئيسه الراحل أكد في كتابه "أن الأجيال القادمة سوف تعترف بمناقبه (الحبيب بورقيبة) بشكل أفضل من أبناء جيله أو الجيل الذي عايش شيخوخته المتأخرة ونهايته، أما الأمة فإنها ستضعه حتما في المكانة التي هو بها جدير في التاريخ، وذلك لأن دوره لم يتوقف عند المساهمة في بناء الدولة الحديثة فقط، بل تجاوزه إلى رفع مكانة تونس إلى مصاف الدول التي تحظى بالاحترام وتتمتع بالمصداقية".
ويضيف في حديثه عن بورقيبة: "إن بورقيبة لم يكن سوى إنسان، لقد كانت له أهواؤه وقد عانى المتاعب وحمل أوزار السنين، وهو يبقى مع ذلك مثالاً رائعاً لرجل السياسة، لأنه لم يتردد أبداً، خلال النضال، في التضحية بحريته، كما انه لم يسع قط، خلال ممارسة السلطة لكسب ثروة شخصية، ولم يتوقف طوال حياته عن النضال من أجل الكرامة".
عمل "سي الباجي" مديرا جهويا في وزارة الداخلية التونسية قبل تعيينه في 1963 مديرا للأمن الوطني وفي 1965 وزيرا للداخلية،ثم أشرف على وزارة الدفاع من نوفمبر 1969 حتى يونيو 1970 ليعين سفيرا لتونس في فرنسا.
توجهاته الليبرالية ساهمت في نشوب خلاف مع بورقيبة حيث تم تجميد نشاطه في الحزب الاشتراكي الدستوري (الحرّ الدستوري سابقا والتجمع الدستوري الديمقراطي لاحقا) عام 1971 على خلفية تأييده إصلاح النظام السياسي ليقع طرده من الحزب في عام 1974 لينضم لاحقا للمجموعة التي ستشكل عام 1978 حركة الديمقراطيين الاشتراكيين بزعامة أحمد المستيري، وقد تولى في تلك الفترة إدارة مجلة ديمقراطية "ديمكراسي" المعارضة. بعد سنتين من قطيعة مع بورقيبة عاد إلى الوزارة في ديسمبر 1980 وزيرا معتمدا لدى الوزير الأول الراحل محمد مزالي الذي سعى بدوره إلى انفتاح سياسي في تونس، وفي أبريل 1981 عين وزيرا للخارجية وقد لعب دورا مهما أثناء توليه منصبه في قرار إدانة مجلس الأمن للغارة الجوية الإسرائيلية على مقر منظمة التحرير الفلسطينية في حمام الشط بالضواحي الجنوبية للعاصمة تونس. وفي سبتمبر 1986 غادر الوزارة ليعين بعدها سفيرا لدى ألمانيا الغربية.
بعد انقلاب 7 نوفمبر 1987، انتخب في مجلس النواب عام 1989 وتولى رئاسة المجلس بين 1990 و 1991 قبل أن يبتعد عن الأضواء ويتقاعد عن العمل السياسي العام.
اعترف الباجي قائد السبسي مباشرة بعد قبوله رئاسة الحكومة الموقتة انه وحده الواجب نحو الوطن دفعه لقبول التحدي وهو في هذه السن المتقدمة من العمر لكنه حذّر في نفس الوقت أنه بتاريخه الطويل في خدمة الدولة لن يسمح بانهيارها وهو على رأسها.
وفي أول خطاب وجهه للشعب التونسي بعد توليه مهماته الجديدة شدد على أن مهمته الأولى هي اعادة احلال الامن لإنعاش الاقتصاد الذي اصبح على "شفير هاوية" زيادة على إعادة فرض سلطة الدولة التي تراجعت الى مستوى غير مقبول.
في مارس الماضي وفي مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية قال إنه لا يشعر انه بعيد عن الشباب الذين ساهموا في الشارع وعلى الانترنت في انهاء حكم بن علي ونظامه بعد 23 عاما، مؤكدا انه تحت رقابة دائمة من الشباب "حراس" الثورة ومعتبرا ان "جيل الانترنت هو جيل احفادي لكن الشباب هو شباب الروح".
لكن قائد السبسي الذي عاهد نفسه وتعهد أمام شعبه بمغادرة منصبه الذي "فرضته عليه الثورة" والعودة الى "دور الزوج والجدّ" يرى ان تونس الجديدة ليست الا في بداية الطريق ذلك ان "الثورة ليست هي الديمقراطية، انها بوابتها الاولى ونحتاج الى بذل جهد للوصول الى الديمقراطية... هناك بالتاكيد مخاطر انزلاق وعلى من يتولى المسؤولية ان يكون يقظا، ونحن يقظون".
بقلم عزالدين سنيقرة
للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية
احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.